د. مروة إبراهيم عيد
تناولت المصادر الإعلامية الحكومية الإثيوبية خلال الفترة الأخيرة تطورات الأحداث الداخلية بإثيوبيا على المستويين الإقتصادى والأمنى بشكل إيجابى، وأبرزت نجاح جهود الدولة فى مجال استعادة الاستقرار من خلال إبرام اتفاق سلام شامل مع حركة “أوروميا”، وفي المقابل قدمت صحف المعارضة نماذج من معاناة الشعب الإثيوبى واستمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فأثارت بعض القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى جانب استمرار الصراعات العرقية المسلحة، وهو ما يدفع الخبراء والمختصين إلى استعراض بعض ما تناوله إعلام الجانبين، فى محاولة للوصول للحقيقة .
على المستوى الاقتصادي
حرصت المصادر الإعلامية الحكومية على إظهار سعي حكومة آبي أحمد إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال التأكيد على حرص الدولة على إيجاد توازن بين الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، فضلا عن جهودها في جذب الاستثمارات الأجنبية الخارجية، مشيرة إلى لقاء رئيس الوزراء آبي أحمد برئيس بنك آسيا للاستثمار (جين لي تشون) لمناقشة الشراكة بين إثيوبيا والبنك في مجالات عدة، وتعقيب المصادر الإعلامية على ذلك اللقاء يإسهامه فى تحقيق الاستقرار المالي، ودفع عجلة الإصلاح الاقتصادي الشامل على كافة المستويات، فركزت هذه الوسائل الإعلامية على إشادة وزير الخارجية الإثيوبي (جيديون نيموثيوس) بجهود الحكومة للإصلاح الاقتصادي لتحقيق أبعاد التنمية الوطنية المستدامة.
وفى سياق متصل أكد محافظ البنك الوطني الإثيوبي (مامو مهريتو) في كلمته- على هامش برنامج التواصل الذي نظمته الغرفة الأوروبية مع مديري الشركات في إثيوبيا- على تعزيز البرنامج لدور الاستثمارات الأجنبية، ومبادرات البنية التحتية ومشاريع الاقتصاد الأخضر، ونوه لدور الغرفة الأوروبية في دفع عجلة الإصلاح الاقتصادي الشامل على مختلف المستويات، غصرح قائلا: “نحن فخورون بحقائق سعر الصرف الأجنبي الذي يحدده السوق”، وأوضح أن البنوك تشتري ما لا يقل عن 500 مليون دولار من السوق وتبيع نحو 700 مليون دولار شهريًا، وهو الأداء الذي تشهده منذ أن تحديد سعر الصرف من قبل السوق”، وأضاف أن معاملات الصرف الأجنبي المتبادلة بين البنوك وصلت إلى 100 مليون دولار. فقد أسهم هذا الإصلاح فى توفير فرص كبيرة أمام لبنوك لتداول فائضها من العملات الأجنبية مع بعضها البعض. وأشار إلى أن احتياطات النقد الأجنبي، التي كانت تعاني من النقص منذ عدة سنوات، لديها الآن احتياطات كافية، وأوضح أن إصلاح الاقتصاد الكلي الذي تم إنجازه أمر مشجع لمشاركة القطاع الخاص، ويعود بالإيجاب على جهود تحسين الاستثمار والصادرات، وقد عقب مسئولون إعلاميون بالصحف الوطنية على ماسبق بأن هذه التطورات تعد دفعة قوية تسهم فى تنامي الاقتصاد الإثيوبى ودفع عجلة الإصلاح الاقتصادي الشامل.
فى المقابل، قوبلت التطورات والتصريحات السابقة بمعارضة كبيرة من قبل مصادر إعلامية معارضة، حيث أكدوا على أن إثيوبيا تواجه حاليًا عوائق وأزمات متزايدة فى مجال الاستثمار الاقتصادي والتجارة، وعجزا ضخما في العملات الأجنبية، وعدم ملائمة النظام الجمركي، والتهرب الضريبي، فضلًا عن تزايد حجم معاناة معظم الإثيوبيين على كافة المستويات، لاسيما رجال الأعمال والشركات والبنوك التي واجهت نقصًا في النقد بسبب الحد الإئتماني المفروض، بعد تحديد القرض السنوي بما لا يزيد عن 14 بالمئة، مشيرة إلى أن البنوك تواجه مشاكل أكبر من تحديد حد أقصى للقروض بالعملة الأجنبية، الأمر الذي يفسر إصرار سعي الحكومة على فرض مزيد من القيود على الاقتراض، ما سيؤدي إلى الوقوع في خطر الديون.
كما نوهت صحف المعارضة أيضا إلى أن بعض تصريحات رئيس مجلس إدارة الغرفة “بن ديبليتيري” كشفت عن أن هناك عوائق تعرقل التجارة والاستثمار في إثيوبيا، فأكد على أزمة البنوك الإثيوبية، ونقص العملات وغير ذلك. وقد تزامنت انتقادات الإعلام غير الحكومى مع تناول مصادر المعارضة ما يعانيه المواطنون من استمرار أزمة انقطاع الكهرباء، حيث تم توجيه النقد الشديد للحكومة .
على المستوى العسكري والأمنى
تناولت الصحف الموالية للحكومة أزمة “أوروميا” بشكل إيجابى، فعنونت صفحاتها بـ”إثيوبيا نحو السلام”، فأكدت تصريحات مسؤولين رسميين على حرص حكومة آبي أحمد على نشر الأمن والسلام في البلاد، استناداً إلى الإعلان عن بدء دخول أعضاء جبهة تحرير أوروميا إلى المخيمات المخصصة لها، وفقاً لعملية اتفاق سلام شامل تم توقيعه مؤخراً، بعدما شهد حفل توقيع الاتفاق رئيس الأركان العامة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبي المشير “برهانو جولا”، ورئيس حكومة إقليم أوروميا “شيميليس عبديسا”، وقائد الجبهة المنشق “ساغني نجاسا”- القائد السابق لجبهة تحرير أورومو للمنطقة الوسطى. وأشار رئيس الأركان في هذا الصدد إلى أن هذه الاتفاقية تُعد واحدة من بين اتفاقات متعاقبة ستجرى في مناطق أخرى لإتمام عملية السلام في الأراضي الإثيوبية، مما سيسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، فضلًا عن تعزيز مناخ السلام لأهالي إقليم أورومو.
وفى هذا السياق، أشارت تقارير صادرة عن وسائل إعلام إقليمية إلى أن أكثر من 800 مقاتل من مناطق “جيندي بيرات”، و”تشوب”، و”إلفاتا”، و”أمبو”، و”ميداكين”، و”جيبات” في منطقة غرب “شوا”، قد استجابوا للدعوة إلى اتفاق السلام، كما تناولت الصحف الحكومية البيان الصادر عن مكتب الاتصالات فى أوروميا والذى أوضح بدء انتقال أعضاء جبهة تحرير “أوروميا” الذين استسلموا إلى المخيمات المعدة لهم، فى حين لم تكشف الحكومة أو مكتب اتصال الجبهة أعدادهم.
وفى المقابل، أصدرت قيادة جبهة تحرير “أوروميا” بياناً شددت فيه على رفض أعضاء جيش تحرير “أوروميا” لهذه المبادرة، ووصفت الوضع بأنه “دراما مفبركة”، مؤكدة على أنه لم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاقية التي وقعت في 3 ديسمبر، سواء للرأى العام، أو لجبهة تحرير أوروميا، مما أثار غضب الكثير منهم، وأكدوا على أن: “الحكومة تقدم عرضا مسرحيا مع مجموعة غير حقيقية لتشويه النضال في إقليم أورومو، وأن هذا القائد المنشق (ساغنى نغاسا) سبق طرده منذ فترة طويلة، كما سبق أن أعلن أن فصيله لم يعد يعمل تحت مظلة جيش تحرير أوروميا”.
من جهة أخرى، أعلنت منظمة حقوق الإنسان معاناة أهالي إقليم أوروميا، فى ظل إجبار الأجهزة الأمنية على التجنيد القسري، فأشارت إلى قيام قوات الأمن في منطقة أوروميا بحملات اعتقال قسري لكثير من الأشخاص، من بينهم أطفال وضمهم إلى صفوف الجيش دون الالتزام بمعايير التجنيد التي حددتها وزارة الدفاع، فضلاً عن اضطرار ذويهم وعائلات كثيرة إلى تسديد مبالغ طائلة لتحريرهم وإطلاق سراح المعتقلين.
ختاما:
يطرح ماسبق وجود تباين واضح بين ما تتناوله الصحف الموالية للحكومة وتصريحات المسئولون الاقتصاديون والعسكريون والمنشقون عن جبهة تحرير أورومو من جانب، وبين الصحف الموالية للمعارضة وما تضمنته من تصريحات وبيانات صادرة عن قيادة جبهة أوروميا ومنظمات حقوق الإنسان بشأن معاناة المواطنين من انقطاع الكهرباء من جانب آخر، بخلاف الأزمة الاقتصادية التى انعكست على المواطنين والبنوك، فضلًا عن التداعيات السلبية للأزمة الأمنية والصراعات الداخلية، وصولاً لتصريحات أعضاء جبهة تحرير أوروميا حول عقد اتفاقية سلام مع عناصر تابعة لقواتهم ووصفها بأنها “دراما مفبركة”، وهو ما يعكس عدم مصداقية الدولة الإثيوبية، وحجم الفجوة المعلوماتية فى ظل غياب الحقائق على الأرض، وتصاعد مناخ يلفه الغموض واستمرار معاناة بعض العرقيات من التهميش التاريخى والاجتماعي والسياسي، رغم تعاقب العديد من أنظمة الحكم، الأمر الذى يطرح مزيداً من الانقسامات والتوترات الداخلية خلال الفترة المقبلة، ويزيد من تفاقم حدة الاضطرابات والصراعات التى تحولت إلى مواجهات مسلحة، الأمر الذي يعده الخبراء اختباراً حقيقياً لاستقرار الوحدة الوطنية في البلاد، حال عدم إحتوائها سلمياً.