أفرزت نتائج الانتخابات الرئاسية في إقليم أرض الصومال الانفصالي فوز زعيم المعارضة “عبدالرحمن عيرو”، على الرئيس الحالي “موسى بيهي”، حيث حصل “عيرو” على 64% من الأصوات مقابل 35% لـ”بيهي”، في ظل منافسة بين الأحزاب السياسية الحالية والتنظيمات السياسية التي تسعى للتحول لأحزاب، حيث كان يتنافس على كرسي الرئاسة ثلاثة مرشحين، هم “موسى بيهي” زعيم حزب ” كولمية” والرئيس الحالي، و”عبد الرحمن عيرو” زعيم حزب “وداني” المعارض، و”فيصل ورابي” رئيس حزب العدالة والتنمية المعارض. ويأتي فوز “عيرو” في الوقت الذي يسعى فيه الإقليم الانفصالي للحصول على اعتراف دولي، بعد إعلانه الاستقلال بشكل أحادي عام 1991م، وقد ظهر ذلك جليًا ضمن البرنامج الانتخابي لحزب “وداني” المعارض الذي يطمح في الاعتراف الدولي بالإقليم، على أن يكون الاعتراف غير مشروط، كما يسعى أيضا للعمل على وحدة الشعب وحل المشاكل الداخلية، وإجراء إصلاحات اقتصادية تُعزز من رفاهية المواطن، وعلى الرغم من أن “عيرو” أبدى دعمه الواسع للاتفاق مع إثيوبيا بشأن الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، فإن التزامه بتنفيذه ليس واضحًا حتى الآن، وأن حزبه سيقوم بمراجعة الاتفاق، وقد يكون أكثر انفتاحًا على الحوار مع الحكومة الصومالية الفيدرالية التي تعارض ذلك الاتفاق.
أرشيفية
على الصعيد الإقليمي قاما رئيسا الصومال وجيبوتي بتهنئة “عيرو” على فوزه، كما بعثت وزارة الخارجية الإثيوبية رسالة تهنئة له، وعلى الصعيد الدولي، تعتبر المملكة المتحدة من أكثر الداعمين لفكرة الاعتراف بالإقليم، وهو ماعكسه تصريحات وزير الدفاع البريطاني الأسبق “ويليامسون” بوصفه أحد مؤيدي الاعتراف باستقلال الإقليم، ومن جانب آخر يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب “ترامب” يعتزم الاعتراف باستقلال الإقليم وفقًا لقراءة مشهد حملته الانتخابية وسياساته السابقة تجاه الصومال، فقد تحاول واشنطن إحداث تغييرات بسيطة في سياساتها المستقبلية من أجل تحقيق مصالحها، من خلال تعزيز وجودها في الإقليم بدلًا من دولة الصومال. وهناك دلالات تؤكد ذلك مثل وثيقة “مشروع الانتقال الرئاسي 2025م”، حيث يُعتبر إقليم “أرض الصومال” من أبرز القضايا التي أشارت إليها الوثيقة التي صاغها أعضاء وأنصار الحزب الجمهوري، حلفاء ترامب، قبل الانتخابات الرئاسية، إذ اقترحت حال فوز “ترامب” اعتراف واشنطن رسميًا بالإقليم، إلا أن “ترامب” قد نفى معرفته بالمشروع.
وتأتي مجابهة النفوذ الصيني في أفريقيا على قائمة أولويات ترامب تجاه القارة، رغم عدم إبداء اهتمام كبير بالقارة ، سواء خلال حملته الانتخابية أو خلال فترة رئاسته الأولى، لذا قد تسعى واشنطن للاعتراف بالإقليم بهدف حماية مصالحها، ومجابهة السياسات الصينية وتزايد وجودها العسكري والتجاري في جيبوتي، الأمر الذي يمثل تعقيدًا متزايدًا للوضع الجيوسياسي في منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي سيكون الإقليم بمثابة إحياء للتواجد الأمريكي في القارة.
من هنا قد يكون إقليم “أرض الصومال” عنصرا رئيسا في سياسات ترامب المستقبلية في أفريقيا، لأهميتها الاستراتيجية والجيوسياسية، و قد تسعى واشنطن للحصول على قاعدة بحرية جديدة في الإقليم، لاسيما في ظل تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الإقليم وتايوان عام 2020م دون تخوف من سياسات الصين، الأمر الذي يتوافق مع السياسات الأمريكية تجاه الصين وتايوان.
وبتحليل الوضع الراهن على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، يمكن رسم بعض السيناريوهات. على المستوى الداخلي يبرز سيناريوهان على النحو التالي:
السيناريو الأول: سعي “عيرو” للحصول على موافقة البرلمان بانفصال الإقليم للإيحاء بقانونية تحركاته، وهذا يعكس توجهاته ورغبته في تقنين انفصال الإقليم والحصول على اعتراف دولي، حال إرسال الحكومة الجديدة رسائل تطمين للدولة الفيدرالية تجاه الأزمات التي تُحيط بالمنطقة، خاصةً مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، وضمان الاستقرار في الإقليم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة أو الإقليم.
السيناريو الثاني: حصول الإقليم على اتحاد كونفدرالي مع الصومال، أو الحصول على حكم ذاتي، مع استمرار الانتماء للدولة الأم، حال عدم حدوث السيناريو الأول.
وعلى المستوى الإقليمي يبرز أيضا سيناريوهان على النحو التالي:
السيناريو الأول: تفكير الإدارة الجديدة للإقليم في التراجع عن مسار مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة السابقة وإثيوبيا، وفتح أوجه تفاهمات مع مقديشو تقوم على تهدئة الخطاب السياسي، بهدف تطمينها وحثها على الاعتراف بالانفصال، وربما ستُقابل بتحركات إثيوبية للحفاظ على تلك المذكرة، أو البحث عن منفذ بحري آخر بدولة جوار في ظل عرض جيبوتي الأخير.
السيناريو الثاني: عدم نجاح التحركات الإثيوبية في تحييد مسار السياسة الداخلية التي سيتبناها “عيرو” مستقبلًا تجاه مذكرة التفاهم، طامحةً في رفض مقديشو أي تفاهمات مستقبلية تمنح إقليم أرض الصومال الاعتراف بالاستقلال عنها، رغم الدعم الإثيوبي للانفصال، وفي هذه الحالةسيضطر “عيرو” إلى اللعب بورقة إثيوبيا في مقابل اتفاق التعاون العسكري المبرم بين القاهرة ومقديشو.
وعلى المستوى الدولي يبرز سيناريوهان أيضا على النحو التالي:
السيناريو الأول: من المتوقع أن تُراجع واشنطن سياساتها تجاه الصومال وإقليم “أرض الصومال”، لتعزيز تواجدها في شرق القارة الأفريقية، وفقًا للمصالح الأمريكية الاستراتيجية والاقتصادية، على الرغم من المعارضة الشديدة من الصومال، وبالتالي فقد تعزز إدارة “ترامب” علاقاتها مع الإقليم في الفترة المُقبلة، في مقابل الحدّ من تقديم المساعدات للصومال، وقد ينتج عن ذلك بعض التداعيات المُحتملة لسياسات “ترامب” المستقبلية تجاه المنطقة بعد 20 يناير 2025م، تتمثل في إمكانية عرقلة تمويل جهود حفظ السلام الجديدة في الصومال “AUSSOM”، وسحب القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة “بيلدوجلي” العسكرية في مقديشو ووقف التدريب والرواتب والحصص الغذائية لجنود لواء “داناب” الذين دربتهم الولايات المتحدة للتصدي لـ”حركة الشباب”، وإضفاء الطابع الرسمي على “مذكرة التفاهم” بين إثيوبيا وإقليم “أرض الصومال” في اتفاقية رسمية وملزمة بما يتماشى والمصالح الأمريكية، وبالتالى زيادة حدة التوترات الإقليمية بين الصومال وإثيوبيا ودول الجوار، خاصةً في ظل النزاعات التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي وقضية سد النهضة، الأمر الذي قد يؤثر على استقرار المنطقة.
السيناريو الثاني: رفع سقف المواجهات بين الولايات المتحدة والصين بشأن الصومال خاصةً، وأفريقيا عامةً، في ظل التنافس بينهما على مناطق النفوذ في المنطقة، لاسيما مع احتمالية دخول قوى أخرى مثل روسيا والهند وتركيا وإيران ودول الخليج في حلبة التنافس، ومحاولة الولايات المتحدة والصين استقطاب دول بعينها لتكوين جبهات مضادة.