كثر الحديث مؤخرا عن عمليات اختراق استخباراتي للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، فيدور الحديث عن تجنيد إسرائيليين، على اختلاف هوياتهم وانتمائاتهم، وكيف تراوحت دوافعهم بين الأيديولوجية وجمع الأموال، من قِبل من تعدهم إسرائيل دولًا معادية، من الخمسينيات وحتى المواجهات العسكرية والأمنية الأخيرة، فتشير بعض التحليلات إلى أن حالات التجسس الأخيرة التي تم الكشف عنها ليست سوى قشور بالنسبة لجبل الجليد الاستخباراتي الإيراني الراسخ في الداخل الإسرائيلي، وأن مئات الإسرائيليين على اتصال بالفعل بعملاء الاستخبارات الإيرانية في السنوات الأخيرة.
جواسيس وعملاء من أطياف مختلفة، ولفترات طويلة ولأهداف مختلفة
لا توجد سمة أو علامة أو خلفية مميزة للجواسيس الإسرائيليين، فمنهم من ينتمي لقطاع اليهود المتشددين دينياً (حريديم)، والمهاجرين الجدد، وحتى المحاربين القدامى. ولكن يجمع أغلب الجواسيس قاسم مشترك واضح، وهو البحث عن المال، إلى جانب ارتباطهم “الضعيف” بإسرائيل ومؤسساتها. وقدعبر أحدهم عن ذلك خلال التحقيق معه قائلاً:”عندما كنت بحاجة إلى مساعدة لم تكن الدولة موجودة بداخلي ولا تعمل من أجلي؛ لقد أفسدتني الدولة عندما تُركت وحدي دون شيكيل واحد وكنت بحاجة إلى المال”.
وعلى المستوى التاريخي تم الكشف عام 1956م عن الجاسوس الدبلوماسي الإسرائيلي “زئيف آفني” الذي عمل لصالح جهاز مخابرات الاتحاد السوفييتي سابقاً (KGB) بعد دخوله الخدمة في وزارة الخارجية الإسرائيلية نتيجة تبنيه أفكار الشيوعية، وفي عام 1957م تم الكشف عن قضية “أفيري إلعاد” المعروف باسم “الرجل الثالث”، اعتبره كثيرون بطلاً لجهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد)، ولم تصل معلومات عن صلته بالمخابرات المصرية إلا بعد ثلاث سنوات وحُكم عليه بالسجن 12 عام.
كان الجاسوس الأقرب إلى القيادة الإسرائيلية هو “يسرائيل بار”، خبير التاريخ العسكري الذي ولد في النمسا، حيث كان من المقربين من “بن جوريون” ورجال المؤسسة الأمنية، وتم اختياره لكتابة كتاب عن ما يُعرف بـ”يوم الاستقلال”، بتكليف من وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتم اعتقاله على إثر الكشف عن اتصالاته مع عملاء سوفييت عام 1961م. وأثار كشف “شاباك” عن شبكة تجسس من إسرائيليين يهود وعرب لصالح المخابرات السورية عام 1972م ضجة كبرى في الرأي العام الإسرائيلي، وكذلك رجل الأعمال اليهودي-الإسرائيلي، تاجر الأسلحة الشهير، “ناحوم مانبار” المتهم ببيع أسرار إنتاج غاز الأعصاب لإيران، ومساعدتها في الحصول على كميات كبيرة من المواد والمعدات اللازمة لإنتاج غاز الخردل، ووزير الطاقة في التسعينيات وعضو الكنيست “جونين سيجيف” الذي تم تجنيده في نيجيريا ونقل لإيران معلومات تتعلق بقطاع الطاقة والمواقع الأمنية والاستراتيجية في إسرائيل والمباني والمسؤولين الإسرائيليين، وتم اعتقاله عام 2018م. وتم الكشف عام 2021م عن اتهام الإسرائيلي “عمري جورين” بالتجسس، وكان يعمل في مقر إقامة “بيني جانتس” وزير الدفاع آنذاك، بعدما تواصل مع أشخاص مرتبطين بإيران عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعرض عليهم المساعدة، من موقعه في منزل الوزير، كما اقترح على ممثل مجموعة القرصنة الإلكترونية “Black Shadow”، زرع برامج تجسس على كمبيوتر الوزير مقابل مبلغ مالي.
وهذه الحالات على سبيل المثال لا الحصر خلال ستة عقود من تجسس الإسرائيليين لصالح دول أخرى، وصولًا إلى قضية “موتي مامان” “اليهودي الإسرائيلي” الذي جندته إيران لاغتيال “نتنياهو” و”جالانت” وبعض الشخصيات الأخرى، والتي تم الكشف عنها مؤخراً وإن لم تكن الحالة الأسوأ حيث تم الكشف عن أكثر من شبكة تجسس خلال فترة الحرب الأخيرة[1].
دلالات نشر أخبار شبكات التجسس أثناء الحرب
يبدو الأمر خطيراً للوهلة الأولى عندما تتضمن العناوين الرئيسة في الصحف الإسرائيلية خبرا مفاده أن مئات الإسرائيليين، وربما أكثر، على اتصال مع عناصر إيرانية، ويتلقون أوامر بارتكاب أعمال خطيرة تضر بأمن إسرائيل ومصالحها، ويتم ذلك عبر الخداع أو الإقناع أو الإغراء بالمال. وبعد موافقة الرقابة العسكرية على نشر التفاصيل، أعلنت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام “شاباك” في بيان مشترك عن إحباط محاولة إيرانية لاغتيال مسؤولين إسرائيليين، وذلك بعد تجنيد بعض الإسرائيليين، فتم الكشف عن بنية متشابكة لأجهزة المخابرات الإيرانية تعمل على تجنيد مواطنين في إسرائيل، وأن من بين من وقع في الفخ الذي نصبته لهم المخابرات الإسرائيلية من خلال مجموعات تيليجرام وأساليب التتبع والمراقبة الأخرى: “رافيد فلاديسلاف فيكتورسون” 30 عام وصديقته “آنا بيرنشتاين”، من “رمات جان”، ويعمل عارض أزياء وله سجل إجرامي حافل بالقضايا، وتواصل بالعبرية منذ شهور عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع عميلة تدعى “ماري خوسي”، وقد قام “فيكتورسون” بمهام مختلفة تحت إشراف العميل الإيراني مدركًا تمامًا لهويته. كما عمل على شراء أسلحة، بندقية قنص ومسدسات وقنابل يدوية، وقام بأداء بعض المهام، مثل كتابة بعض الكتابات على الجدران ضد “بنيامين نتنياهو”، وطباعة منشورات محرضة على الحكومة الإسرائيلية، وأضرم النار في بعض السيارات بالاتفاق مع بعض عملاء آخرين يعملون لصالح “إيران”، كما حاولوا تجميع عبوة ناسفة وإلقائها على أحد المنازل، وتخريب البنية التحتية للاتصالات وأجهزة الصراف الآلي بالإضافة إلى إشعال النار في الغابات والأماكن المفتوحة، مقابل حوالي 5000 دولار.
كما تناولت الصحف أخبار اعتقال الإسرائيلي “فلاديمير فارخوفسكي”، الذي جندته “إيران” لاغتيال أحد علماء الإسرائيليين مقابل 100 ألف دولار، وحصل على السلاح لتنفيذ المهمة، وكان يتواصل مع مشغليه بالإنجليزية، وقد أعلن جهاز الأمن العام (شاباك) عن اعتقاله في أكتوبر الماضي من محل إقامته في “تل أبيب” للاشتباه في قيامه بعمليات لصالح الاستخبارات الإيرانية، من بينها الكتابة على الجدران وتوزيع المنشورات وجمع المعلومات عن أهداف إسرائيلية.
وفي عملية مشتركة بين جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) وشرطة إسرائيل تم اعتقال رجل الأعمال اليهودي الإسرائيلي المعروف “موتي ميمان” (73 عاما) من “عسقلان” في شهر سبتمبر بتهمة التعاون مع الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية. ووجهت له اتهامات بالتجسس، وكشفت لائحة الاتهام أن لديه تاريخ إجرامي، وخمس إدانات سابقة في جرائم مختلفة كالابتزاز والتهرب الضريبي، وكان آخرها عام 2013م. وأنه كان مقيمًا في تركيا لفترة طويلة، فجنده عملاء الاستخبارات الإيرانية، ووافق من خلال وسطاء أتراك على مقابلة رجل أعمال مقيم في إيران، تحت غطاء الترويج لبعض الأنشطة التجارية في مجال تجارة الفواكه والخضروات والتوابل مع رجال أعمال أتراك، وتم تهريبه مرتين إلى إيران لعقد اجتماعات مع مسؤولي المخابرات هناك، وقال في التحقيقات أنه اعتقد أنه سيتاجر فقط في البداية، وعندما تم إحضاره إلى إيران فهم حقيقة الأمر. وتضمنت لائحة اتهامه ارتكاب جرائم ضد أمن إسرائيل، كالاتصال بعميل أجنبي والدخول إلى دولة معادية دون إذن، وتكليفه بتنفيذ عمليات اغتيال شخصيات إسرائيلية بارزة، على رأسها “بنيامين نتنياهو” و”يوآف جالانت”، ورئيس شاباك “رونين بار”.
وفي شهر يوليو اعتقل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ووحدة التحقيقات في الجرائم الدولية ثلاثة مواطنين إسرائيليين، للاشتباه في زرعهم متفجرات وتعليق ملصقات في “القدس وتل أبيب”، بتوجيه بعض عملاء المخابرات الإيرانية في إسرائيل. كما كشفت التحقيقات عن شبكة عملاء المخابرات الإيرانية كانوا متنكرين في هيئة ممثلين لبعض الجهات الأجنبية واقتربوا من المواطنين الإسرائيليين لتجنيدهم وتكليفهم بمهام داخل إسرائيل، وقد تم إيقاف “إيلميلخ شتيرن”، 21 عاماً ، من حسيديي “بيت شيمش” لتواصله مع “آنا إيلينا” على التليجرام، وروى لها بالتفصيل كيف كلفه عملاء إيرانيون بمهام مختلفة مثل تعليق ملصقات في تل أبيب، وزرع متفجرات في مواقع مختلفة في القدس وتل أبيب وإشعال النار في إحدى الغابات، وتسليم طرود تحتوي على رأس حيوان مقطوع أو دمية وسكين ورسالة تهديد، لوضعها على عتبات منازل المواطنين الإسرائيليين.
كما تم الكشف عن قصة تجسس “رافائيل ولالا جولييف” من “اللد”، وقد تلقيا أوامر وتم تشغيلهما من قبل أحد عملاء إيران من أصل أذربيجاني، فقام الاثنان بتصوير وتوصيف مقر الموساد ومواقع استراتيجية أخرى، وتتبعا أحد المحققين بغرض اغتياله ونقلا المعلومات بواسطة رسائل مشفرة مقابل 26 ألف دولار. كما تم القبض على “آشر بنيامين فايس”، شاب يسكن حى “بني براك”، فتتبع عالماً نووياً بغرض اغتياله، وادعى عدم علمه بهوية الشخص الذي اتصل به، وأنه “لعب” على الإيرانيين وتظاهر بتنفيذ التعليمات المعطاة له.
وأعلن أيضا قبل عيد العرش (حاج سوكوت) الماضي عن إحباط عدة عمليات اغتيال لشخصيات معروفة خلال شهر واحد، وتم اعتقال سبعة من فلسطيني الداخل، يحملون الهوية الإسرائيلية ومن سكان القدس، للاشتباه في التخطيط لاغتيال عالم إسرائيلي كبير ورئيس بلدية أحد المدن الكبرى، كما تم اعتقال مجموعة من اليهود الإسرائيليين من الشمال بينهم جندي هارب من الخدمة العسكرية وقاصرين، تم تجنيدهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتنفيذ مهام لصالح إيران، وقاموا بتصوير منشآت عسكرية، مثل قواعد القوات الجوية في نيفاتيم ورمات دافيد، ومعسكر كريا في تل أبيب، ومواقع بطاريات القبة الحديدية، بما في ذلك قاعة الطعام في قاعدة تدريب جولاني التي استهدفها هجوم بطائرة مسيرة في أكتوبر الماضي، وطُلب من أحدهم العثور على معلومات حول سيارة وأقارب ومذكرات أحد خبراء هندسة الغاز في جامعة حيفا الذي ألقى محاضرات عن إيران. كان المشتبه بهم يتلقون مبالغ تتراوح من 500 دولار إلى 1.200 دولار عن كل عملية. وبلغ إجمالي المبالغ حوالي 300 ألف دولار حصلوا عليها بالعملة المشفرة. وتنص لائحة الاتهام المقدمة ضدهم على قيامهم بأنشطة تجسس لصالح إيران لمدة تصل إلى عامين، وتنفيذ حوالي 600 عملية، وأنهم متهمون بمساعدة العدو في زمن الحرب وتقديم معلومات للعدو بصفتهم إسرائيليين[2].
تنفيذ المهام يتم تدريجياً
تُشير التقديرات إلى أن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك عمق الخطر، وأن هناك عشرات التقارير عن أشخاص على اتصال بعناصر إيرانية، ومن الصعب التقليل من خطورة ذلك حيث تعمل إيران في كل دولة يُمكنها العمل فيها على تشغيل عملاء وتنفيذ عمليات تجنيد، وأن هذه الظاهرة قد تطورت تدريجياً في السنوات الأخيرة، وتُمثل تهديداً جديداً لإسرائيل، فطهران تعمل على تجنيد جواسيس داخل إسرائيل، مستغلة نقاط الضعف الاقتصادية والشخصية والأخلاقية لدى الإسرائيليين لتحقيق أهدافها الأمنية. وترى المؤسسة الأمنية أنها تعمل بأسلوب “الرش”، حيث تُطلق نار عملائها في كل الاتجاهات على أمل أن تصيب أي هدف محتمل.
وعرض موقع القناة الثانية عشرة الإسرائيلية الإخباري تحقيقاً موسعاً حول أغراض وأساليب التجنيد الإيرانية ووصف خلاله “ماور جورين”، رئيس قسم الأمن في الوحدة الوطنية الإسرائيلية للتحقيق في الجرائم الخطيرة والدولية (ياحبال) القاسم المشترك بين بعض الحالات التي تم التحقيق فيها بوقوع مواطنين إسرائيليين في فخ الإيرانيين”، وقال أن شبكات التواصل الاجتماعي هي الأسلوب الرئيس للمخابرات الإيرانية والقائمين على التجنيد، واستخدام وسطاء في تركيا أو أوروبا الشرقية، ليبدأ الأمر بمهام بسيطة كتصوير أماكن عادية في إسرائيل، ثم يتطور الأمر ببطء إلى المهام الأكثر صعوبة وخطورة؛ إذ يمكن أن يتلقى الشخص مهمة تصوير مبنى أو مطعم في إسرائيل وإرسال الصور إلى جهة مجهولة، ثم يُكلف بتوثيق إجراءات أمن المنشآت وقواعد الجيش الإسرائيلي أو حتى مراقبة كبار المسؤولين الإسرائيليين.
وقد يبدأ الأمر برسالة تظهر على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف، وينتقل الحديث عن طرق الحصول على “المال السهل” مقابل مهام تصوير بسيطة، وينتقل الحديث عن هذا الأمر بين الإسرائيليين ليتم وضعهم على الشبكة، وقد تتحول رحلة سياحية أو اجتماع عمل في دول معينة بين إسرائيليين وإيرانيين إلى صفقة تجسس، حيث يتم فتح مساحة للتواصل وراء الكواليس، وتقوم إيران بتجنيد مواطنين إسرائيليين للقيام بمهام تجسس وتوثيق المواقع العسكرية، فضلاً عن تتبع وإلحاق الضرر بالأفراد والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين، كما أدت بعض تلك الوثائق التي صورها الإسرائيليون إلى هجمات في نفس المواقع ضمن موجات الهجمات الصاروخية الموجهة من إيران منذ شهر أبريل 2024م، وهو الأمر الذي كشفت عنه نتائج التحقيقات وشهادات مسؤولي الأمن عن أساليب تجنيد وأنشطة العناصر الإسرائيلية لصالح إيران داخل إسرائيل.
ورغم كل ذلك تُقدر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن البعض منهم فقط يعرف النية الحقيقية”، وأن الإسرائيليين الذين يسافرون إلى الخارج، وخاصة إلى الدول التي تربطها علاقات جيدة مع إيران، يواجهون خطرا حقيقياً في هذا الإطار، وأن هناك قفزة حادة في عدد محاولات تجنيد الإسرائيليين خلال النصف الثاني من العام الماضي، وقد لجأ البعض للأجهزة الأمنية للشكوى من محاولات مشبوهة للاتصال بهم، بل وعبر البعض عن شعورهم الشخصي بـ”الاستغلال” و”الاستهداف” من قبل جهة معادية لإسرائيل.
ولكن عندما يتعرف العملاء الإيرانيون على شخص مستعد أو يتقدم هو لأداء مهام أكثر خطورة، يحاولون تجنيده للمهام الرئيسية مباشرة، كالقضاء على كبار المسئولين، كما حدث مع زعيم مجموعة الجواسيس من القدس” على سبيل المثال، الذي اشترى بندقية للقضاء على عالم نووي إسرائيلي، ودخل معهد “وايزمان للعلوم” في مدينة “رحوفوت” لدراسة موقع المكان وزائريه لولا أن اكتفى في اللحظة الأخيرة بتصوير بوابة الدخول بسبب الترتيبات الأمنية هناك.
ويعتقد المسؤولون الأمنيون أنه من السهل توجيه الشخص تدريجياً عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى القيام بمهام تجسسية، دون معرفة الجهة التي يعملون لصالحها من خلال مجموعات تليجرام وفيس بوك وانستجرام، كما حدث في أحدث قضية تجسس أنشأ فيها أحد المتهمين مجموعة على التليجرام وأضاف أكثر من 2000 شخص، وهكذا أنشأ “شبكة رقمية”، يستطيع من خلالها الإيرانيون القائمون على التجنيد تصفية المرشحين المحتملين والاتصال المباشر معهم. وتتصاعد المهام في طريقين رئيسيين، الأول عسكري يقوم على كشف الأهداف الاستراتيجية، والتصوير الفوتوغرافي والتوثيق الدقيق، والثاني هو الوعي، فيتم تجنيد إسرائيليين لتشويه وعي الجمهور وبث رسائل من شأنها العمل على نشر الفرقة والاختلاف وتقسيم المجتمع الإسرائيلي وتعزيز مشاعر الكراهية، من خلال النشر على شبكات التواصل الاجتماعي، أو الكتابة على الجدران أو توزيع االمنشورات التي تلحق الضرر بالحكومة والقادة في إسرائيل. وهي أعمال نفسية في المقام الأول هدفها الإضرار بالوعي العام[3].
ختاماً:
قد يعتقد البعض أن إيران تستغل الإسرائيليين “المحبطين” لجمع المعلومات الاستخباراتية ومتابعة كبار المسؤولين الإسرائيليين في الأجهزة الأمنية، وأن خصائصهم واضحة ويفتقرون إلى المال أو يبحثون عن كسب المزيد من المال، وقد يشعر الكثير منهم بعدم الانتماء لإسرائيل ومؤسساتها كبعض المهاجرين الجدد أو من الناقمين على سلوك الحكومة ويشعرون بأنها قد تخلت عنهم، أو ممن يعيشون على هامش المجتمع ولا يشعرون بارتباط حقيقي بإسرائيل، وأن معظم هذه الحالات تظهر في ظل الحرب مع وجود تشابه كبير بينها، وأن سبيل الوقوف بحزم ضدها هو تشديد العقوبات إلى جانب تغير السلوك الحكومي والمرونة الداخلية التي لا يستجيب في إطارهما الإسرائيليون لطلبات الإيرانيين[4].
ولكن نرى ان مجمل ما سبق يعد صورة لتفكك المجتمع الإسرائيلي الهجين واهتراء في ثوب يهوديته المتماسكة المزعومة حيث لافرق بين إسرائيلي يهودي متدين يتحرى الحلال (كوشير) وغير متدين، وباب آخر يطل على العنصرية أوشك أن يفتح على مصراعيه، وظهور صراع بين والهوية والأصل والانتماء، وبروز واقع الوجود المادي بمجرد النظر لنشأة وأصول الجواسيس الإسرائيليين على الأقل فى الفترة الأخيرة، حاول البعض في ظله تغيير قانون العودة لإسرائيل لعام 1952م، وإلغاء “قسم عودة الأحفاد” لتقليل عدد “غير اليهود” الذين يحق لهم العودة لإسرائيل.
يُغلف كل ذلك الفشل الأمني الواضح على المستوى الداخلي، فرغم وصوله لغرفة نوم “اسماعيل هنية” داخل إيران، إلا أنه لم يستطع القضاء على رؤوس عصابات العنف والجريمة في القطاع الفلسطيني في الداخل، وقد يظن البعض أن غرض المنظومة الأمنية من وراء الإعلان عن كشف أكثر من شبكة تجسس في وقت قصير نسبياً هو إلهاء المواطن الإسرائيلي على المستوى الداخلى عن أداء الحكومة في وقت الحرب، خاصة المواطن الغير متوافق مع السياسات الحكومية، أو إيجاد مسوغ للعدوان على إيران على المستوى الخارجي، الا أن “نتنياهو” وائتلافه الحكومي لا يحتاجون لمسوغات على أي مستوى؛ لأنهم لا يلتفتون لاحتياجات المواطن أو متطلباته ولا يأبهون للرأي العام العالمي عندما يريدون العدوان ويعقدون العزم عليه.
[1] חטא המרגלים: ההיסטוריה הישראלית מוכתמת בשיתופי פעולה עם מדינות אויב https://news.walla.co.il/item/3692511, cited in 8-11-2024, 9am.
[2] تقرير مصور، القناة السابعة الإسرائيلية بتاريخ ב’ בחשוון תשפ”ה https://www.now14.co.il/article/1044427, cited in 9-11-2024, 9am. כתב אישום הוגש נגד שבעת המרגלים בשירות איראן, נחשפה פרשת ריגול חמורה של אזרחים ישראלים שפעלו עבור איראן, https://www.israeldefense.co.il/node/634000 cited in 10-10-2024, 11am.
[3] בעברית ובתשלום: כך ניסו האיראנים לגייס סוכני ריגול בישראל https://www.now14.co.il/article/891466, cited in 11-11-2024, 9am. ؛ משימות ריגול, איסוף מודיעין והוראות חיסול: אלו הישראלים שנתפסו בריגול בשירות איראן https://news.walla.co.il/item/3699192, cited in 9-10-2024, 9am.
[4] “נפלו במלכודת”: כך מאות ישראלים קיבלו פקודה לרגל למען איראן, https://www.mako.co.il/news-n12_magazine/7c2e4b3aeab21910/Article-4283d2c751dd291027.htm, cited in 9-10-2024, 9am.