يتركز الخلاف الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان حول حقلي قانا[1] وكاريش. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يقع حقل كاريش بالكامل في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، بينما يقع معظم حقل قانا في المياه الاقتصادية اللبنانية، والجزء الجنوبي منه يقع في منطقة متنازع عليها، ونظرًا لعدم وجود علاقات دبلوماسية بينهما، فقد رسم كل بلد حدوده البحرية، وجرى إنشاء منطقة نزاع متداخلة.

شرعت إسرائيل بالتنقيب على الغاز في مياهها الاقتصادية منذ أكثر من عشرين عامًا، وبدأ تدفق الغاز من البحر إلى إسرائيل عام 2003. وأعلنت عن اكتشاف حقل “تمار” عام 2009، في حين بدأ تدفق الغاز منه في 2013، كما أعلنت عن اكتشاف حقل “كاريش” في ديسمبر 2018، الذي يحتوى على ضعف كمية الغاز الموجودة في حقل تمار.

حتى الآن، جرت خمس جولات من المفاوضات بين إسرائيل ولبنان في رأس الناقورة بوساطة أمريكية حول ترسيم حدود المياه الاقتصادية، ولكنها لم تؤد إلى انفراجة ملموسة؛ بسبب تأكيد لبنان أن حقل كاريش موجود في المياه الاقتصادية اللبنانية، وأن إسرائيل تستخرج الغاز منه بشكل غير قانوني.

وفي أعقاب هذا التوتر تدخل المبعوث الأمريكي للوصول إلى تسوية بين الطرفين بعيدًا عن القانون الدولي الخاص بترسيم الحدود البحرية، وقَبَل لبنان ذلك ولكنه لم يودع مرسومه الحكومي لتعديل الحدود البحرية واعتماد الخط 29 المدعوم تقنيًا وقانونيًا بدلًا من الخط 23 وفق التقرير السابق.

تبلغ المساحة المتنازع عليها بين البلدين حوالي 850 كيلومترًا مربعًا، وتشكل حوالي 2٪ من المنطقة البحرية لإسرائيل، وحوالي 3٪ من المساحة البحرية لدولة لبنان. أعربت إسرائيل في السابق عن رغبتها في التوجه نحو لبنان في هذا الشأن، بل وأعلنت أنها تريد تقسيم الأراضي بنسبة 52-48 لصالح لبنان.

وقد تجدد النزاع بين لبنان وإسرائيل بعد وصول السفينة العائمة لشركة إنيرجين اليونانية – البريطانية إلى إسرائيل وإلى موقع “كاريش” لإنتاج الغاز الطبيعي، وقد اعتبر وزير الدفاع اللبناني أنّ هذه التحركات في المنطقة البحرية المتنازع عليها، تشكل تحديًا واستفزازًا لبلاده.

وقال الرئيس اللبناني “ميشيل عون” إن أي نشاط في المنطقة البحرية المتنازع عليها يعد عملًا استفزازيًا وعدوانيًا. وأضاف أنه بحث الموضوع مع رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي، واتفقا على دعوة الوسيط الأمريكي عاموس هوخشتاين، للحضور إلى بيروت؛ لبحث استكمال المفاوضات بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وذلك “لمنع تصعيد لا يخدم استقرار المنطقة”.

جدير بالذكر أن الجهاز الأمني الإسرائيلي أجرى ​​تقييمات للأوضاع قبل وصول الحفار “إنيرجين”، ولفت إلى أن أمن الحفارة يخص الشركة، بينما تقع مسؤولية أمنها في المياه على عاتق إسرائيل، وبالتالي ستقوم البحرية بتأمين الحفار العائم باستخدام السفن والغواصات.

ويشير البعض إلى أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لبدء الحفر، لأن جميع الأطراف تدرك حقيقة أن حزب الله يحبط بانتظام المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية، لأنه يخشى أن تؤدي اتفاقية الحدود البحرية إلى اتفاق حول الحدود البرية، وبالتالي اعتراف لبنان بدولة إسرائيل. جدير بالذكر أن “حسن نصر الله” قد أعرب في مايو عن معارضته للمفاوضات بوساطة أمريكية، لأنها تساند إسرائيل، ولن تثمر عن شئ.

على عكس مواقف حزب الله، ذكرت صحيفة جلوبس الاقتصادية أن مسؤولين أميركيين وآخرين مشاركين في الوساطة قالوا إن اقتراح التسوية الذي قدمه الرئيس اللبناني يعالج مسألة حقل الغاز كاريش، وهدفه هو ضمان حصول لبنان على معظم أرباح إنتاج الغاز في هذا الحقل”. وأضافت المصادر أن لبنان مستعدة للتوصل إلى اتفاقات على أساس الخط 23 الأصلي التي قدمته إلى الأمم المتحدة، وتجنيب الخط 29 الذي طالبت به في المفاوضات التي بدأت في ديسمبر 2020، كما أنها لن تطرح مطالب بشأن حقل كاريش، في حال قبول مطالبه بشأن حقل قانا. ومن المطالب الأخرى التي طالبت بها بيروت هو عدم بدء إسرائيل في إنتاج الغاز المخطط له من كاريش في سبتمبر المقبل، طالما أن لبنان لم تبدأ التنقيب في قانا.

وعلى الرغم من ذلك، قال وزير الطاقة السابق يوفال شتاينتز لصحيفة جلوبس إنه من غير الممكن الوثوق بالمقترحات اللبنانية، لأن كبار المسؤولين في بيروت لم يفوا بأي من وعودهم في الماضي، ونكسوا أيضًا باتفاقهم على تسوية “هوف” التي تم التوصل إليها في عام 2012. ويضيف شتاينتز أن الموقف الإسرائيلي من ترسيم الحدود تحدد بموجب اتفاق توصل إليه لبنان مع قبرص قبل أقل من عشرين عامًا، وتبنته إسرائيل. ولكن بعد أن بدأت إسرائيل في تطوير حقول الغاز، أنشأ اللبنانيون الخط 23 – وادعوا أن الخط السابق كان خطأ.

فيما يتعلق بخزان كاريش، تنفي إسرائيل ما تردد عن بحث إمكانية تحريك الخزان وتقريبه من إسرائيل. وبحسب مسؤول إسرائيلي، لا علاقة لحقل كاريش بالخلاف مع لبنان. قال روعي كايس في موقع كان العبري إن مبعوث الإدارة الأمريكية، عاموس هوخشتاين، عقد لقاءً مع فريق التفاوض الإسرائيلي للحدود البحرية، لبحث الاقتراح المقدم من الجانب اللبناني لحل الصراع البحري بين الدولتين.

وقال إيتمار آيخنر، المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، نقلًا عن مسؤول بارز إن إسرائيل تعرب عن تفاؤل حذر فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق في هذه الجولة. وقالت وزيرة الطاقة “كارين الحرار” إن إسرائيل قدمت اقتراحًا جادًا، وهو فرصة للحكومة اللبنانية؛ لإنهاء الصراع على الحدود البحرية، والكرة حاليًا بيد لبنان”.

التحديات والمخاطر

قال “حسن نصر الله” في 9 يونيه 2022 إن حزب الله لديه القدرة على منع إسرائيل من إنتاج الغاز من حقل “كاريش”، لدينا القدرة العسكرية، واللوجستية، والاستخباراتية لجعل العدو لا ينتج الغاز من الحقل “كاريش”، وأضاف: “ثروتنا البحرية هي الأمل الوحيد للبنان إذا أراد إنقاذ نفسه من الانهيار الاقتصادي، لقد أرسل العدو سفن حرب بالقرب من المنطقة البحرية خوفًا من تهديدات لبنان، وكل الإجراءات التي اتخذها العدو لن تساعده في حماية نشاطه في إنتاج الغاز لمنصة كاريش. المقاومة قادرة عسكريًا على منع إسرائيل من إنتاج الغاز”. وذكرت صحيفة معاريف أن الجيش الإسرائيلي رصد ثلاث طائرات تابعة لحزب الله واعترضها (السبت 2 يوليو 2022) وكانت في طريقها صوب المجال الجوي لمنصة كاريش في المياه الاقتصادية لإسرائيل، وعلى الرغم من أن الطائرات لم تكن مسلحة، إلا أنها انطلقت باتجاه المنطقة المتنازع عليها، بهدف توصيل رسالة إلى إسرائيل.

ويشير المراسل العسكري يوني بن مناحيم إلى أن الرسالة تتمثل في قدرة التنظيم العملياتية على منع إسرائيل من إنتاج الغاز والنفط من حقل “كاريش”. كما بعث برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن حزب الله يريد التأثير في المفاوضات التي يقودها الوسيط عاموس هوخشتاين، وعليه أن يأخذ في الاعتبار موقف حزب الله وإلا فإن التنظيم سوف ينسف المفاوضات من خلال التصعيد الأمني.

وردًا على الهجوم، قال وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” إن إسرائيل مستعدة لحماية بنيتها التحتية من أي تهديد، وأن حزب الله يضر بقدرة الدولة اللبنانية على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية الذي يعد أمرًا حيويًا للاقتصاد اللبناني والمواطنين، وذلك على الرغم من نية استعداد إسرائيل المضي قدمًا في مفاوضات لحل القضية.

وفي هذا السياق، قال بن مناحيم إن حزب الله يستغل ضعف الحكومة اللبنانية والنظام السياسي؛ لتعزيز مكانته في الشارع اللبناني، وتقديم نفسه بوصفه مدافعًا عن الموارد الطبيعية للدولة اللبنانية، وكأنه يحررها من السيطرة الإسرائيلية – الأمريكية، كما حرر جنوب لبنان من الجيش الإسرائيلي. وأوصى بضرورة اتخاذ سلسلة من الإجراءات التدريجية لتعزيز “خطوطها الحمراء” والتي ستكون أيضًا ردًا على إطلاق 3 طائرات بدون طيار، ومنها:

  • تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد الحكومة اللبنانية بأن الطائرات المسيرة انطلقت من أراضيها، وعليها أن تجمد مؤقتا الاتصالات مع الحكومة اللبنانية عبر المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين وأن تواصل الاستعدادات لإنتاج الغاز من منصة “كاريش”.
  • ينبغي زيادة تحليق طائرات سلاح الجو في الأجواء اللبنانية، والهجمات على أهداف حزب الله في الأراضي السورية.
  • يجب على الجيش الإسرائيلي تدمير 14 نقطة مراقبة أنشأها حزب الله مؤخرًا على طول الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، واستئناف اغتيال كبار مسؤولي حزب الله في لبنان والخارج.

قال نفتالي جرانوت، نائب مدير الموساد الأسبق، إن خطاب نصر الله نابع من تقييمه بأن إسرائيل في خضم أزمة داخلية، تتمثل في تكرار الانتخابات، وعدم الاستقرار السياسي المزمن، مما يمثل فرصة لتصعيد مستوى التهديدات التي ترتقي إلى تحذير استراتيجي للحرب إذا تجاهلت إسرائيل تهديدات حزب الله وبدأت في إنتاج الغاز كما هو مخطط له في سبتمبر.

وعلى الرغم من ذلك قال إن قرار حزب الله بإلحاق الضرر بمنصة الغاز يوفر لإسرائيل الشرعية القانونية لضربة استباقية على حزب الله، ومن الأفضل أن تتعامل إسرائيل مع عدوان حزب الله اليوم بدلًا من الوقت التي تصبح فيه إيران دولة ذات قدرات نووية قد تردع إسرائيل عن التعامل مع التهديد القريب الذي يشكله حزب الله.

تهديدات متبادلة:

قام رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير الدفاع بيني جانتس بجولة في المنطقة الشمالية وخط الحدود مع لبنان (الثلاثاء 19- 7- 2022)، وأجروا خلال الجولة تقييمًا للوضع العملياتي، وعقدوا حوارًا مع كبار القادة في القطاع. حلَّق لبيد بعد ذلك بمروحية فوق الحفار العائم في خزان كاريش بالقرب من الحدود اللبنانية. وأضاف “ليس لدينا مصلحة في التصعيد. لكن عدوان حزب الله غير مقبول وقد يؤدي بالمنطقة بأسرها إلى تصعيد غير ضروري، وبالتحديد عندما تكون هناك فرصة حقيقية للبنان لتنمية موارده من الطاقة. وأضاف جانتس أن “إسرائيل مستعدة لبذل الكثير من أجل ازدهار جيرانها ومستعدة للعمل في كل وقت لحماية مواطنيها. نحن مستعدون في جميع الأبعاد – في الجو، والبحر، والبر، وفي الهجمات السيبرانية .. أعيننا تراقب الأزمة المستمرة في لبنان والتي تضر بالمواطنين. الدولة اللبنانية وقادتها يعرفون جيداً أنهم إذا اختاروا طريق النار فسوف يتأذون بشدة، أما إذا اختاروا طريق الاستقرار سيساعدون مواطني لبنان”.

ردًا على ذلك، حذر نصر الله إسرائيل “بأن الأمور يمكن أن تتدهور إلى حرب مع إسرائيل، إذا لم تسمح للبنان بالحصول على حقه في إخراج الغاز والنفط من البحر (في إطار المفاوضات)”.

جدير بالذكر أن المعلق يارون فريدمان قال إن اكتشافات الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط (تمار وتنين وكاريش) أشعلت الخلاف مع لبنان الذي يعاني حالة شديدة من الانهيار الاقتصادي، ومديونية بمليارات الدولارات منذ ثلاث سنوات. ولذا فإن إنتاج الغاز بمليارات الدولارات بالقرب من أراضيه أمر لافت للنظر، لا سيما عندما تقوم به دولة معادية غنية.

وفيما يتعلق بدور إيران، التي تتخذ حزب الله أداة لتحقيق أهدافها، فإن كثير من المحللين في إسرائيل يربطون المفاوضات الجارية بشأن العودة المحتملة لاتفاق نووي مع إيران والمفاوضات بين إسرائيل ولبنان، مشيرين إلى احتمالية تصعيد حزب الله في حال فشلت مفاوضات الاتفاق النووي، وقال بعضهم إن إيران لا تكترث بالشأن الداخلي اللبناني ومصالحه الوطنية، وأن شرط تنفيذ التصعيد هو تلقي تنظيم حزب الله أمرًا من طهران بالهجوم، وأزمة لبنان ليست من أولويات إيران. كما يفضل نظام خامنئي استخدام حزب الله، في حالة الطوارئ، إذا هاجمت إسرائيل منشآتها النووية، ولا ترغب أن “يهدر” قوته في الشأن اللبناني المحلي.

الخلاصة:

  • ترى لبنان في حقول الغاز الخلاص مصدرا للتعافي من أزمتها المستعصية التي تشمل معظم القطاعات، وترغب في حماية ثرواتها الطبيعية، ومنع إسرائيل من السيطرة عليها واستغلالها.
  • تحاول إسرائيل إبراز مدى التخبط التي تعاني منه الدولة اللبنانية والانقسام بين الحكومة المؤقتة وحزب الله في الخطوط التي ينبغي تحديدها للتوصل إلى اتفاق، ولذا، يجب اتخاذ موقف موحد ومتفق عليه في الداخل اللبناني.
  • يستغل حزب الله احتدام النزاع بين لبنان وإسرائيل؛ لإظهار نفسه مدافعًا عن الشعب اللبناني بكافة طوائفه، وأنه القوة الضاربة الوحيدة في لبنان التي يمكنها ردع إسرائيل.
  • لا يجب التعويل على المفاوضات والوساطات الأمريكية، لأنها تدعم إسرائيل باستمرار، ومن المؤكد أن إسرائيل بدأت في التنقيب على الغاز بعد موافقة أمريكا وهو ما يعد استفزازًا وتعديًا على حقوق اللبنانيين، وخاصة أنها منطقة متنازع عليها.
  • تدرك إسرائيل جيدًا مدى خطورة اندلاع حرب مع حزب الله الذي يمتلك قدرات هائلة من الصواريخ والأسلحة، وخاصة في ظل الأزمة السياسية التي تعاني منها إسرائيل داخليًا، بالإضافة إلى التكلفة الهائلة لحرب قد تطول.
  • تعالت أصوات بعض المحللين في إسرائيل باستغلال تصريحات حزب الله والبدء في شن ضربة استباقية وتدمير البنى التحتية للتنظيم مع استهداف كوادره.
  • قد يكون من المفيد قيام الدولة المصرية بلعب دور الوساطة بين لبنان وإسرائيل؛ لحل هذه الأزمة الراهينة، وخاصة بعد اتفاقية توريد الغاز المصري عبر الأردن وسوريا لمعالجة أزمة الكهرباء في لبنان، وبما يصب في صالح تعزيز مكانة مصر الإقليمية، ودورها الريادي كمركز إقليمي لتصدير الغاز إلى أوربا.

[1] –  تغير اسم هذا الحقل من “صيدا” إلى “قانا” مؤخرًا  نكاية في إسرائيل، وتذكيرهم بالمجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قرية “قانا” بجنوب لبنان عام 1996م، وأدى هذا العدوان  إلى استشهاد 175 شخصًا، و300 جريح.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version