مليشيا فانو الأمهرية والتخوفات الإثيوبية
قامت الحكومة الإثيوبية خلال الأسبوعين الماضيين بنشر عناصر من القوات المسلحة الاتحادية في منطقة “أمهرة” على الحدود الإثيوبية – السودانية المحاذية لولاية “القضارف” السودانية، وذلك تعزيزًا لقواتها المتواجدة في المنطقة التي تشهد تمردًا مسلحًا منذ عام تقريبًا[1] من قِبل قوات “مليشيا فانو الأمهرية” التي تنتمي إلى إثنية الأمهرة، ثاني أكبر عرقية في إثيوبيا، والتي تُعد جزءًا من المجموعات المسلحة غير النظامية في إثيوبيا، وقد قامت بدورٍ بارزٍ في صدّ تقدم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بناءً على تحالف بينها وبين الحكومة الاتحادية التي نقضت ذلك التحالف ووقعت اتفاقًا مع جبهة التيجراي العدو الأول للأمهرة في إطار اتفاق بريتوريا للسلام في نوفمبر 2022م، وقد اندلع النزاع بين القوات المسلحة الاتحادية و”مليشيا فانو” بعد رغبة الأولى نزع سلاح الثانية في أغسطس من العام الماضي، وخلال تلك الفترة اندلعت عديد من المواجهات بين الطرفين، حتى سيطرت “ميليشا فانو ” على قاعدة عسكرية للقوات المسلحة الإثيوبية في مدينة “لاليبيلا”، وكذا على منطقة “المتمة يوهانس” الإثيوبية في إقليم أمهرة والمحاذية لمدينة “القلابات” السودانية، التي تُعتبر تلك المنطقة المعبر الرابط بين إثيوبيا والسودان.
تستهدف “ميليشا فانو ” من السيطرة على تلك المنطقة قطع إمدادات السلع الغذائية والوقود القادمة من السودان لإقليم الأمهرة، ضمانًا لإحكام السيطرة العسكرية وإعلان السيطرة الكاملة على الإقليم، بعدما استولت على العديد من المدن في مختلف أنحاء منطقة “أمهرة” خلال هجوم دام ثلاثة أشهر، وكبدت القوات المسلحة الإثيوبية خسائر بشرية تقدر بنحو 3000 إلى 4000 جندي خلال هذه الفترة، وكان آخر تحركات “ميليشا فانو ” دخول مدينة “جوندر” المدينة الاستراتيجية للقوات المسلحة الإثيوبية، وهو الأمر الذى من شأنه إحداث ضغوط جديدة على حكومة آبي أحمد تضاف إلى الضغوط الداخلية والخارجية.
وقد أدركت القيادة الإثيوبية خطورة تواجد قوات “ميلشيا فانو الأمهرية” وتمردها على وحدة البلاد، واحتمالية تغذيتها لفكرة تفكيك الدولة الإثيوبية وقيام دول جديدة على أرضها أو انضمامها إلى دول أخرى على أساس عرقي وقَبلي، مثل إقليم بني شنقول في السودان وإقليم العفر في جيبوتي وإقليم غامبيلا في جنوب السودان[2].
تأثيرات الأوضاع في إثيوبيا على مصر
انعكست الأزمة الداخلية الإثيوبية على منطقة القرن الأفريقي بوجهٍ عام، وعلى مصر بوجهٍ خاص، لاسيما مع تجميد مفاوضات سد النهضة وإصرار أديس أبابا على استكمال ملء السد وتوتر العلاقات فيما بينهما، حيث أن مصر لم تسلم من التلميحات الإثيوبية التي تفضي إلى إقحام الدولة المصرية في مسألة الصراعات الداخلية في إثيوبيا، وضلوعها في إحداث التوتر في الداخل الإثيوبي أو زعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي كما تزعم إثيوبيا، حيث اعتقد البعض أن مصر أكبر المستفيدين من اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا؛ لأن الثوابت المصرية في سياستها الخارجية هو التأكيد على عدم التدخل في شؤون الغير وعدم التآمر ضد أي دولة، وحرصها الدائم بالبُعد عن أي توترات حتى لا تُتهم بأنها المُحرّضة على التوترات الداخلية، وأن ما يشغلها فقط هو موضوع سد النهضة، فقد التزمت مصر الصمت ولم يصدر عنها أي موقف بشأن ذلك الصراع بدعم أحد الأطراف على حساب الآخر أو الوساطة لتهدئة الأوضاع، نظرًا لحساسية الموقف بين القاهرة وأديس أبابا، وقد يُفهم منه رسائل خاطئة من الجانب الإثيوبي.
أرشيفية
فقد اقتضت المصلحة المصرية تهدئة الصراع في الداخل الإثيوبي؛ لأن استمرار الصراع وزيادة حدته سيكون له انعكاسات سياسية وأمنية على منطقة القرن الأفريقي، وبالتالي سينجم عنها تداعيات تؤثر على الأمن القومي المصري، في ظل سعي القيادة السياسية المصرية تعزيز العلاقات مع دول القارة بصفة عامة، ودول القرن الأفريقي بصفة خاصة، حيث تأثرت السودان بموجة من اللاجئين الإثيوبيين في بداية النزاع بين القوات الإثيوبية وجبهة التيجراي، الأمر الذي يمكن أن يجرّ السودان لأتون هذه الحرب، وبالتالي تأثر مصر جراء نزوح الكثير هربًا من ويلات تلك الحرب، ويُمكننا إيجاز تلك التداعيات[3] في زيادة تدفق اللاجئين من ناحية الشمال الإثيوبي مرورًا بالسودان وتهديد الحدود الجنوبية المصرية، وخلق بيئة مواتية تستغلها الجماعات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي.
التحركات المصرية
تسعى القاهرة لتعميق حضورها في منطقة القرن الأفريقي، ومجابهة الأزمات بالمنطقة لاسيما على خلفية التوترات مع إثيوبيا، كجزء من خطة الدولة المصرية تجاه المنطقة سياسيًا وأمنيًا، حيث كثفت الزيارات المكوكية لمسؤولين أمنيين لدول المنطقة كإريتريا والسودان وجنوب السودان، فضلًا عن استمرار إيفاد دفعات جديدة من القوات المصرية والأسلحة والمعدات العسكرية للصومال، في ظل انسحاب جزء من القوات الإثيوبية بقوات حفظ السلام بالصومال، وكذا تحرك قوات بحرية تركية في اتجاه الصومال لدعم مقديشيو في ضوء الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين الطرفين، كما أن هناك أنباء عن تقارب إماراتي – صومالي من ناحية، ومن ناحية أخرى تقارب إمارتي – سوداني برعاية مصرية، كما متوقع انضمام مصر في قوات حفظ السلام في مناطق جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مساهمةً منها في استقرار مناطق الصراع بدول القارة، حيث تستهدف القيادة السياسية حشد الجهود الإقليمية لتنسيق المواقف في مواجهة أديس أبابا التي تتخذ من آلية الصراع أساسًا لتفاعلاتها في المنطقة، وإيجاد حلول للأزمات في المنطقة، في إطار الاستراتيجية المصرية لتطويق إثيوبيا، وقد تُسهم رئاسة مصر الحالية لمجلس السلم والأمن الأفريقي في تفعيل خطط أفريقية – أفريقية لمواجهة أزمات القارة.
سيناريوهات مستقبلية
إن اتساع دائرة هذه الأزمة بما تحمله من تطورات، قد يدفعنا إلى رسم عدة سيناريوهات حول ما تؤول إليه تلك النزاعات، فالسيناريو الأول يدور حول احتمالية عقد اتفاق بين الحكومة الإثيوبية و”مليشيا فانو” على غرار الاتفاق مع جبهة “التيجراي”، تجنبًا للوقوع في منحدر حرب أهلية جديدة لا تستطيع الحكومة الإثيوبية تحمل تداعياتها، وهذا السيناريو ربما قد يكون مُستبعدًا، نظرًا لتحفظ قيادات “مليشيا فانو” بشأن تسليم أسلحتهم أو الانضمام إلى القوات المسلحة الاتحادية.
يتعلق السيناريو الثاني باحتمالية أن تحذو مليشيات تابعة لأقاليم أخرى حذو “مليشيا فانو”، ويدفعها إلى رفض تنفيذ قرار الاندماج في القوات المسلحة أو الشرطة أو الحياة المدنية، مثل جيش تحرير أورومو، الذي يسيطر على مساحات شاسعة في إقليم “أوروميا”، ويمتلك أسلحة وخبرات سياسية وعسكرية طويلة، وربما يكون هذا السيناريو مُحتملًا حال نجاح “مليشيا فانو” في حشد تأييد قوات أقاليم أخرى لصفها والتكاتف ضد الحكومة الاتحادية،
يتمثل السيناريو الثالث، وربما قد يكون مُرجحًا، في استمرار تصاعد المواجهات العسكرية بين قوات الحكومة الاتحادية و”مليشيا فانو” والذهاب نحو الحسم العسكري لأي طرف على حساب الطرف الأخر، وصولًا للتفاوض بين الطرفين، وهذا يدفع إلى دخول طرف ثالث وسيطا للتسوية السلمية.
أما السيناريو الرابع فيتزامن مع انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية نوفمبر القادم، وقيام “آبي أحمد” بشن هجوم بالطائرات على قوات “مليشيا فانو”، وارتكاب مجازر وانتهاكات بحق المواطنين في إقليم أمهرة، وذلك في ظل غض طرف الإدارة الأمريكية وعدم استطاعتها اتخاذ موقف حازم أو إدانة تلك الممارسات الإثيوبية، ومن ثَم إعادة إحكام الحكومة الإثيوبية سيطرتها على مجمل الأوضاع بالبلاد، ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع، وهذا السيناريو يعتمد على مدى قوة العلاقات بين إثيوبيا والولايات المتحدة في ضوء المواقف الأخيرة بينهما، وأيضًا نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية
[1] The Peninsula, Ethiopia forces deploy against Amhara rebels, Oct, 2024, 21/10/2024 – 22:00 viewed through this link: https://2u.pw/uacHtgQX
[2] إثيوبيا: أبعاد الحرب بين الجيش وقوات “فانو” الأمهرية، مركز القرن الأفريقي للأبحاث، أغسطس 2023، مقال منشور على موقع مركز القرن الأفريقي للأبحاث، يُمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/HXgiTctG
[3] د. رضوى عمار وآخرون، أثر الصراع الداخلي الإثيوبي بين السلطة المركزية وجبهة تحرير التيجراي على الاستقرار السياسي الإثيوبي 2012 – 2021، المركز الديموقراطي العربي، أبريل 2022، 21/10/2024 – 22:30 يُمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/StLzmUJU