الأهمية الاستراتيجية لرواندا
اتفقتا مصر وجمهورية وروندا على إقامة منطقة لوجستية على أراضي الأخيرة، وتخصيص الحكومة الرواندية منطقة قريبة من الحدود بين رواندا وتنزانيا، كممر لوجستي استراتيجي أفريقي – أفريقي، يبدأ من ميناء دار السلام بتنزانيا، وسيشمل مناطق لوجستية وموانئ جافة في كلا الدولتين[1]، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال النقل والبنية التحتية[2]، وذلك في إطار الاستراتيجية المصرية لتعزيز التواجد في أفريقيا من خلال تدفق الصادرات المصرية لأفريقيا، وكذا تسهيل نفاذ الشركات والاستثمارات المصرية للسوق الرواندية، فضلاً عن تحرير عقود توريد الأجهزة الطبية خاصةً مع تدشين المرحلة الأولى من إنشاء مركز مجدي يعقوب للقلب (روندا – مصر) في كيجالي، لتصبح روندا مركزًا إقليميًا لعلاج مرضى القلب في وسط وشرق أفريقيا، حيث تكتسب جمهورية روندا بموقعها الجغرافي المُتميز كإحدى دول حوض النيل الواقعة بالهضبة الاستوائية (المنبع الثاني لنهر النيل) أهمية خاصة لدى الدولة المصرية وذلك لأسباب جيوسياسية باعتبارها أولى دوائر الأمن القومي المصري في أفريقيا، وتربطهما علاقات في قطاعات منها التجارة والشراكة بالمشروعات التنموية والرعاية الصحية والتدريب الفني، لاسيما القواسم والاهتمامات المشتركة على الساحتين الإقليمية والدولية، في إطار أهمية معالجة مشاكل القارة بطرح حلول أفريقية – أفريقية من خلال مبادرات أفريقية تراعي خصوصية دول القارة، بالإضافة إلى عضويتهما في عددٍ من المنظمات والتجمعات الإقليمية منها (الكوميسا – النيباد – الاتحاد الأفريقي – مبادرة حوض النيل – الشراكة المائية لشرق أفريقيا – منطقة التجارة الحرة الأفريقية)[3]، فتُعد رواندا من أنجح الدول الأفريقية جنوب الصحراء في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع خلال السنوات الأخيرة، كونها من أكثر الدول الناشئة نموًا، ومعبرًا تجاريًا ونقطة اتصال مركزية مُهمة.
أرشيفية
الفرص المصرية في روندا
طبقًا لبيانات هيئة تنمية الصادرات المصرية في خريطة الأسواق الواعدة في أفريقيا، يتواجد برواندا ما يقرب من 29 فرصة تصديرية محتملة[4] في مجالات عدة منها التعليم وبنك المعرفة والحبوب والخضروات والفواكه الطازجة والحليب والأثاث والمعدات وخطوط الجهد الكهربائي خاصةً في مناطق من شرق رواندا، وقد أشار التقرير الصادر عن هيئة تنمية الصادرات المصرية والذي يوضح حجم الصادرات المصرية إلى جمهورية رواندا خلال العقد الأخير وأهم السلع المصرية التي يتم تصديرها وقيمتها، إلى أن إجمالي قيمة الصادرات المصرية بلغت ما يقرب من 253 مليون دولار خلال الفترة من 2012 حتى 2022، حيث سجل عام 2021 أعلى قيمة للصادرات المصرية بقيمة 40.01 مليون دولار، بينما سجل عام 2022 أقل قيمة للصادرات بلغت 8.8 مليون دولار، بنسبة انخفاض 78.1%، وتذبذبت قيمة الصادرات المصرية خلال الفترة محل الدراسة، تارة بارتفاع وتارة أخرى بانخفاض، كما تصدر زيت عباد الشمس بصـفة عـامة قائمة السلع المصرية المصدرة إلى جمهورية رواندا بقيمة 1.5 مليون دولار عام 2022، في حين أن حجم الواردات الرواندية لمصر كان متواضعًا نوعًا ما، حيث سجلت ما يقرب من 4.4 مليون دولار عام 2022، كان أبزرها منتجات البن والشاي والبهارات[5]، ويُمكن من خلال المنطقة اللوجستية المُزمع إنشاؤها تعزيز حجم التجارة بين الدولتين، والاستفادة المتبادلة بين الخبرات في شتى المجالات، لاسيما في تحسين مناخ الاستثمار، حيث يُمكن النظر في الآتي:
- تدشين منطقة خاصة في مجال تصنيع الأدوية والمستحضرات الطبية، استثمارًا للتعاون المشترك القائم بين هيئة الدواء المصرية ونظيرتها الرواندية، لنفاذ المنتجات الدوائية المصرية بسهولة إلى السوق الرواندي، في مقابل منح نفس المزايا للمنتجات الدوائية الرواندية، وفي إطار الاستراتيجية المصرية لتوطين صناعة الدواء.
- ضرورة إنشاء مكتب تمثيل تجاري في كيجالي كمركزٍ في دول وسط القارة.
- التعاون في مجال تصدير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث تُعتبر رواندا رائدة في مجال صناعة البرمجيات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في أفريقيا.
- استثمار تلك المنطقة اللوجستية بين دولتي منبع ومصب نهر النيل، كأحد نماذج التعاون والتكامل الأفريقي بين دول الإقليم الواحد.
التعاون في إطار الكوميسا
أرشيفية
أصبح التعاون الإقليمي من خلال التكتلات التجارية أحد آليات تحقيق التنمية بين دول الإقليم الواحد، حيث أدركت الدولة المصرية الأهمية الاستراتيجية للتكامل الاقتصادي والتجاري بين جيرانها الأفارقة، ووضعت خطط لذلك التكامل، لتأكيد حتمية تواجدها في محيطها الأفريقي بالصورة الإيجابية، والتي تسعى من خلاله إلى فتح أسواق لمنتجاتها والحصول على مميزات العضوية من تلك التجمعات التجارية الإقليمية[6]، ولعل من أبرز تلك التجمعات وأكبرها من حيث عدد الأعضاء والوزن النسبي لحركة التبادل التجاري هي “اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي – الكوميسا (COMESA)”، و تتشارك مصر ورواندا في عضويتها وتستفيدان من المميزات التي تُقدمها الاتفاقية، فالدولتان تقوما فيما بينهما بمنح السلع والمنتجات ذات منشأ “الكوميسا” إعفاءً تامًا من الرسوم الجمركية والرسوم و الضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل[7]، كما تتمتع كافة السلع المصرية المصدرة إلى الدول الأعضاء بإعفاء تام من كافة الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل وفقًا لنسب التخفيضات التي تقرها كل دولة وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، ولا تحتفظ مصر بأية قوائم سلبية أو استثناءات إلا لدولتي السودان وكينيا[8]، ويُمكن أن تستفيد مصر من المميزات التي تتيحها الاتفاقية خاصة في ميزة الإعفاءات من واقع واردات الدول الأعضاء من السلع المصرية التي تتمتع بميزة عالية في إنتاجها مثل (الأرز – المواد الغذائية – الأدوات المنزلية – البصل المجفف – السيراميك – الأدوات الصحية – الأدوية – إطارات السيارات – منتجات الألومنيوم والحديد والصلب – الغزل و المنسوجات – الأحذية)، وكذا صادرات الدول الأعضاء وتصديرها خامات ومواد خام وسلع رئيسة مثل (النحاس – البن والشاي – الجلود الخام – الماشية اللحوم – السمسم – الذرة – التبغ) مما يؤثر على رفاهية المستهلك المصري، مما ينعكس على تعزيز حركة التبادل التجاري بين الدولتين ويتيح فرصة لإعطاء نموذجًا جيدًا للتكامل التجاري بين دول الإقليم الواحد، كما تُتاح الفرصة لمصر في تصدير الخبرات الفنية في مجال التجارة في الخدمات خاصةً أعمال المقاولات والإنشاءات والطرق والبنية التحتية.
لذا فمن المفيد استغلال رجال الأعمال المصريين عضوية الدولتين في الاتفاقية في إطار الإعفاءات الجمركية المتاحة بينهما، وجعله حافزًا للاستفادة من الإعفاءات المتبادلة على السلع والمنتجات التي تتمتع بها مصر بميزة تنافسية، ومن الضروري استثمار إنشاء تلك المنطقة اللوجستية المستقبلية كمنطقة جذب لرجال أعمال آخرين لتصدير منتجاتهم المتمتعة بتلك الإعفاءات إلى رواندا ومن ثَم إلى دول الأعضاء، مما يعزز من تواجد الشركات المصرية في رواندا ودول الإقليم بكثافة، ويجعل تلك المنطقة اللوجستية منصة تجارية مصرية في عمق أفريقيا.
تشابك العلاقات والمصالح
أرشيفية
تتشابك القاهرة وكيجالي في بعض الملفات المُهمة، جاهدين في تقارب الرؤى حول تلك الملفات، ومحو أي مهددات تُعيق العلاقات بين الدولتين، وتسعى مصر من خلال المشاركة الفعالة في مجال التعاون الاقتصادي مع رواندا تجاريًا وصحيًا وتعليميًا وسياحيًا وفي مجال الري والنقل والطرق، لإحداث نقلة نوعية في العلاقات المصرية – الرواندية التي تأمل من خلالها تحويل بوصلة الرأي الرواندي نحو الموقف المصري الهادف إلى تحقيق الاستقرار في منطقة البحيرات العظمى وشرق أفريقيا وحوض النيل، من منطلق مبادئ السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل الساعية لتحقيق المكاسب المشتركة وعدم الإضرار بمصالح أي دولة من الدول المشاطئة للنهر، فتسعى الدولة المصرية في ظل رئاستها المُرتقبة لمجلس الأمن والسلم الأفريقي شهر أكتوبر المُقبل لحل الأزمات الأفريقية، تلك التي تتعلق بالأمن والاستقرار في دول القارة، واتخاذ المسارات الدبلوماسية كإطار تعامل لحل أي لأزمة، فتُعتبر الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية من أهم الملفات الساخنة على الساحة الأفريقية، التي تتداخل فيها مصالح وأهداف أطراف إقليمية ودولية عدة، حيث تعول مصر في تلك القضية على المؤشرات الرواندية حول قبول التسوية، وإيجاد نقاط تفاهم مع الجارة الكونغولية، رغم الحرص الرواندي على وجود حالة من عدم الاستقرار في منطقة شرق الكونغو، ومن ضمن الملفات المُهمة أيضًا التعاون المائي، فكانت رواندا من الدول الأولى التي وقعت على اتفاقية عنتيبي عام 2010، وصادقت عليها عام 2013، وقد توافقت مصر ورواندا حول أهمية الانخراط في حوار بناء وفعال لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين دول حوض النيل، بهدف دفع المصالح ومواجهة التحديات المشتركة تحقيقًا للتنمية الشاملة لجميع شعوب القارة، وربما كان ملف الاتحاد الأفريقي وانتخابات مفوضية الاتحاد الأفريقي ٢٠٢٥، يعكس حرص الدولة المصرية على التعاون مع رواندا في قضايا رئيسة كصلاحيات رئيس المفوضية، وقدرة الاتحاد الأفريقي على استعادة السلام والإصلاح المؤسسي.
الأهداف المصرية
تتبع مصر منهج دبلوماسية التنمية في التعاون مع الدول الأفريقية تأكيدًا على سياستها المتبعة مع الدول وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والدخول في علاقات شراكة استراتيجية مع الدول الأفريقية ذات الأبعاد الاستراتيجية في دوائر الأمن القومي المصري في أفريقيا، ولعل في تقديري أن فكرة التواجد المصري في منطقة هضبة البحيرات ودولة روندا تحديدًا له من الأبعاد التي لابد أن نضعها في الاعتبار، وأن الاتفاق مع رواندا على إقامة منطقة لوجيستية ليس فقط بدوافع اقتصادية فحسب، بل هناك دوافع سياسية وأمنية واستراتيجية، يُمكن إجمالها في الآتي:
- مراقبة التوسع الإسرائيلي في أفريقيا خاصةً في دول حوض النيل، لاسيما ارتباط إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا بعددٍ من الدول الأفريقية، وبشراكة مع رواندا في مجالات عديدة مثل الاتصالات وريادة الأعمال التكنولوجية.
- منافسة دول الخليج التي تسعى إلى موضع قدم داخل أفريقيا عبر البوابة الشرقية وحوض النيل، وعقد شراكات في مجالات مختلفة، حيث تُعد دولة الإمارات شريكًا قويًا لرواندا في مجالات التجارة والاستثمار وجذب مزيد من الاستثمارات في قطاعات اقتصادية مختلفة.
- مواجهة النفوذ التركي المستمر داخل القارة، وربما كانت روندا إحدى محطات التعاون التركي – الأفريقي المُهمة، تعزيزًا للتعاون الثنائي في مجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والصناعات الدفاعية.
- تطويق المصالح الإثيوبية في شتى الاتجاهات تحديدًا في إقليم دول حوض النيل، لاسيما الشراكة الاستراتيجية مع رواندا في المجالات الاقتصادية والأمنية، ومن بينها الربط الكهربائي من خلال المشروع الإقليمي لربط دول المنطقة بالكهرباء وعبر الخط الكهربائي الذي يتم بناؤه بين إثيوبيا وكينيا، وبطبيعة الحال كان هذا أحد أهداف أديس أبابا لحشد الدعم اللازم من دول المنطقة لبناء سد النهضة الذي يُسهم في تحقيق هذا الربط الكهربائي.
الخلاصة
تتبنى مصر منهج دبلوماسية التنمية في التعامل مع الدول الأفريقية، وذلك لتحقيق أهدافها القومية على المستوى الوطني من ناحية، ومن ناحية أخرى التطلع إلى تحقيق ازدهار القارة اقتصاديًا واجتماعيًا ورفع قدراتها في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية، وربما تكون إقامة منطقة لوجستية في رواندا وعلى مقربة من الحدود التنزانية كممر لوجيستي استراتيجي أفريقي – أفريقي، يبدأ من ميناء دار السلام بتنزانيا، يشمل مناطق لوجستية وموانئ جافة في كلا الدولتين، هي نواة مشروع مصري – أفريقي على غرار المشروعات الدولية الآتية من الشرق أو الغرب الساعية للتواجد داخل القارة للحصول على ثرواتها الغنية، ومن هذا المنطلق تتطلع القاهرة لتصبح مركزًا للتجارة الأفريقية مع دول القارة والعالم أجمع، تتخذ من عضويتها في اتفاقية “الكوميسا” مسارًا استراتيجيًا اقتصاديًا، تعمل من خلاله على إحداث نقلة نوعية في حركة التبادل التجاري بينها وبين رواندا، في ظل الإعفاءات الجمركية المتبادلة التي تُتيحها الاتفاقية للدول الأعضاء، والتي تُعتبر فرصة سانحة لرجال الأعمال المصريين في الاستفادة من تلك الإعفاءات والعمل على تصدير السلع والمنتجات ذات الجودة العالية والممنوحة بالإعفاء الجمركي، ولاسيما وأن إنشاء منقطة لوجستية مصرية في رواندا بمثابة نقطة ارتكاز مصرية تجارية يُمكن أن يستغلونها رجال الأعمال في التواجد المصري التجاري في أفريقيا، ومن جانب آخر أن يكون لمصر من أدوات التأثير على جيرانها الأفارقة ما يجعلها محطة انطلاق القارة الأفريقية إلى التنمية المستدامة في مختلف المجالات، لاسيما تحقيق الأمن والسلم والاستقرار الذي تصبو إليه دول القارة، وفي مسار موازٍ تضع مصر نصب أعينها التحركات الإقليمية والدولية التي تتكالب على أفريقيا، آخذةٍ في الاعتبار التوازن بين الحفاظ على مصالحها القومية وعدم التدخل في شؤون الغير.
[1] Egypt to set up a logistics zone in Rwanda, Article published on Enterprise website, Aug 2024, viewed through this link: https://2u.pw/5U6znQ1q
[2] وزير الخارجية يجرى مباحثات مع نظيره الرواندي ويوقعان على مذكرة تفاهم في مجال النقل، الهيئة العامة للاستعلامات، أغسطس 2024، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/CUFZvHqC
[3] علاقات مصر وروندا، بوابة مصر وأفريقيا، الهيئة العامة للاستعلامات، أغسطس 2024، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/IiarxIGY
[4] خريطة الأسواق الواعدة، هيئة تنمية الصادرات، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/HwOL4Yzc
[5] النشرة السنوية للتبادل التجاري بين مصر ودول حوض النيل عام 2022، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/NTCBJaQw
[6] مصر وتجمع الكوميسا، الهيئة العامة للاستعلامات، 2021، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/3dZ18Tz
[7] اتفاقية الكوميسا، هيئة تنمية الصادرات، 2024، يمكن مطالعته من خلال هذا الرابط: https://2u.pw/7aZRCC
[8] اتفاقية الكوميسا، هيئة تنمية الصادرات، 2024، مرجع سابق.