تصاعدت طموحات روسيا في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، رغبةً منها في تمتين علاقاتها الاقتصادية مع بلدان القارة الذهبية، التي يظل حجم التبادل التجاري معها متواضعاً، مقارنة بما تحققه الولايات المتحدة والصين من مبادلات مع بلدان المنطقة.
ويعود تاريخ إقامة العلاقات بين موسكو وبعض دول أفريقيا إلى القرن الـ19، عندما أقامت روسيا القيصرية علاقات دبلوماسية مع إثيوبيا في عام 1898، لتصبح أديس أبابا من أوائل العواصم الأفريقية التي أقامت علاقات رسمية مع موسكو.
ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات بين روسيا ودول القارة الذهبية ومرّت بمراحل مختلفة، لتصل إلى منعطف جديد بعد قمة روسيا – أفريقيا التي عُقدت بمنتجع سوتشي في أكتوبر 2019، واستضافت أكثر من 54 دولة وأكثر من 40 زعيماً أفريقياً، وحاليا تعود موسكو بقوة وإصرار إلى الساحة الأفريقية.
لماذا أفريقيا ؟
تُعد القارة الأفريقية أغنى قارات العالم بخيراتها وثرواتها الباطنية، وأفقرها شعوباً ودولًا، كونها فريسة لأطماع القوى الدولية الكبرى. ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأميركية وبعض حلفائها الأوروبيين للحصول على الحصة الأكبر من الكعكة الأفريقية، عبر أساليب استعمارية لا يغيب عنها التدخل العسكرى، تدرك روسيا الاتحادية بقيادة الرئيس/ فلاديمير بوتين أن القارة الذهبية سوف تكون محط الأنظار ومحل الصراع في القرن الحادى والعشرين.
وذلك لأسباب مختلفة ربما في المقدمة منها أن أفريقيا تشكل بالنسبة إلى روسيا، مصدرًا مُهمًّا للموارد الطبيعية (النفط، والغاز الطبيعي، والمعادن، والأخشاب، والثروة الحيوانية، وغير ذلك)، وسوقًا واسعةً، وهي لا تزال قارة بكرًا، مليئة بالخيرات الطبيعية، كما أن مُعظم دولها في حاجة حتى الساعة إلى المزيد من التنمية، وإلى معطيات دولية جديدة تفتح أمامها آفاق الاستثمار والاستقرار، وذلك بعد أن تتجاوز خلافاتها ويستتب الأمن في ربوعها.
وانطلاقاً من رغبة روسيا في استعادة دورها عالمياً، وعدم ترك المسرح الدولي للاعب الأميركى منفرداً، تعود موسكو بشكل فاعل إلى القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية، في ظل ظروف صعبة تمر بها العديد من الدول الأفريقية.
أفريقيا
استخراج الذهب فى نيجيريا – أرشيفية
الاهتمام الروسي بأفريقيا:
بدأ الاهتمام الروسي بقارة أفريقيا، وعلى الأخص دول الشمال، منذ القرن الثامن عشر، وذلك بالتوجه نحو سواحل البحر الأبيض المتوسط، ضمن سياسة توسّعية اعتمدت على اعتبارات عسكرية وسياسية وتجارية. وتطوّرت علاقات روسيا في أفريقيا إلى علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية وثقافية، حتى بلغت ذروتها في ستينيات القرن الماضى، حيث عادت موسكو من جديد بعد انسحاب القطبية الأحادية الأميركية، ورمت بثقلها للعب دور تستعيد به وجودها في القارة.
ثمة عدسة سياسية – اقتصادية – استراتيجية مركبة، من دون شك، تنظر من خلالها روسيا إلى أفريقيا بالنظر إلى التحولات الجارية على الساحة العالمية منذ نهاية الحرب الباردة؛ إذ تشكل أفريقيا، بالنسبة إلى روسيا، مصدرًا مُهمًّا للموارد الطبيعية (النفط، والغاز الطبيعي، والمعادن، والأخشاب، والثروة الحيوانية، وغير ذلك)، وسوقًا واسعةً – بل آخذة في الاتساع – للأسلحة وعقود التدريب والتطوير العسكرى، ومنفذًا إلى “المياه الدافئة”، وهو أمرٌ من شأنه أن يُمكّن روسيا من الوصول إلى البحر الأحمر وتعزيز وجودها في البحر المتوسط.
كما تشكل قناةً مُهمَّةً لتعزيز علاقاتها السياسية الدولية، ودعم مواقفها في المحافل الدولية، ومقاومة العقوبات التى يفرضها عليها الغرب، وشريكًا أساسيًّا في مكافحة الإرهاب؛ باعتبار أن الجماعات الإرهابية الناشطة في أفريقيا لا تمثّل تهديدًا لأمن الشعوب الأفريقية فقط، بل للمصالح الروسية في القارة أيضًا.
وكذلك تتميز روسيا في علاقاتها مع القارة الذهبية عن منافسيها من القوى الأخرى، فيما يتعلق بالنظام الدولي بعدة خصائص تساعدها على دفع وتطوير تلك العلاقات، أبرزها أن روسيا لم يكن لها تاريخ استعمارى في أفريقيا مثل الصين وفرنسا، بل على العكس، فقد ساعدت روسيا إبان الاتحاد السوفييتى غالبية دول القارة الأفريقية على استقلالها من المستعمر الأوروبي، وقدمت كل صور الدعم الاقتصادي والسياسي والمعنوي واللوجيستي لحركات التحرر الأفريقية.
كما استضافت العديد من قادة تلك الحركات الذين أصبح عدد كبير منهم قادة لبعض الدول الأفريقية في مراحل ما بعد الاستعمار، وهو ما يعطي روسيا ـ خلاف الدول الكبرى الأخرى ـ رصيداً سياسياً وثقافياً ضخماً داخل أفريقيا يمكنها من البناء عليه مستقبلا، ويسهم في تعميق العلاقات بين روسيا الاتحادية ودول القارة الأفريقية.
رئيس جنوب أفريقيا والرئيس الروسى فى قمة سوتشى 2019 – أرشيفية
القمة الروسية الأفريقية المشتركة وتمهيد العودة:
كانت استضافة روسيا للقمة الروسية الأفريقية المشتركة في مدينة سوتشى، يومَيْ 23 و24 أكتوبر 2019، فريدةً في نوعها من حيث التوقيت والظرف الدقيق الذي تعيشه القارة الأفريقية وتعاني منه روسيا في تحرّكها الإقليمي في الشرق الأوسط وعلى مشارف أفريقيا، فقمة سوتشى كانت تمهيداً لعودة روسية علنية إلى أفريقيا، وكان التركيز على مصر لتحقيق عدد من المكاسب، أهمها إمكانية أن تلعب موسكو دور الوسيط في نزاع سدّ النهضة وزيادة آفاق التعاون الاقتصادى والتجاري، خصوصاً في مجال البنى التحتية، باعتبار مصر البوابة الرئيسة للقارة الذهبية، وفي قلب الشرق الأوسط والأقرب إلى بؤرة الصراع العربى الإسرائيلى.
وتُعد قمة سوتشى تمهيداً لعودة روسية علنية إلى أفريقيا، إذ أعلنت وزارة الخارجية الروسية في مايو 2019 تعيين أوليغ أوزيروف، سفيراً ورئيساً لأمانة منتدى الشراكة الروسية الأفريقية ليقود التحضير لمنتدى “روسيا-أفريقيا” عام 2022، المكمِّل لأهداف قمة سوتشي.
كما أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر قمة سوتشي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للقارة الأفريقية سيصل في عام 2050 إلى نحو 29 تريليون دولار، وهو حجم هائل بالتأكيد، وقد أعرب بوتين عن أمله في زيادة التبادل التجاري مع أفريقيا، البالغ الآن نحو 20 مليار دولار، تستحوذ مصر منها على 7.7 مليار دولار، أي بنسبة 40 في المائة تقريبا. من جانب آخر ألغت موسكو، خلال قمة سوتشي، 20 مليار دولار من الديون المستحقة لها على دول أفريقية، وهي خطوة تعزز ما قامت به موسكو عام 2009 من إلغاء بعض ديونها الأفريقية، وهو ما يفتح المجال أمام زيادة معدلات التبادل التجاري بين موسكو وأفريقيا.
غداة انتهاء القمة الروسيَّة الأفريقيَّة، أعلن رئيس أفريقيا الوسطى فوستان أرشانج تواديرا أن بلاده “تفكّر في استضافة قاعدة عسكريَّة روسيَّة”، وتودّ من موسكو أن “تمدها بأسلحة جديدة”.
ولم تغب روسيا عن أفريقيا بالكامل وإنَّما نشطت في التعاون التجارى مع دول القارة، الذي فاقت قيمته الـ20 مليار دولار عام 2020. وتمثَّل ذلك في التعاون الثنائي وتوجه الشركات الروسية نحو قطاعات التعدين والطاقة الأفريقية، كما اشتمل على التعاون العسكري الذي تمثَّل في الإمدادات العسكرية وتوريد الأسلحة وتدريب كوادر القوات المسلحة والشرطة، ووصل إلى توقيع 21 اتفاقية عسكرية، إضافةً إلى اتفاقات لتوليد الطاقة النووية لأغراضٍ سلمية بين روسيا وبعض الدول الأفريقية مثل إثيوبيا وأوغندا.
شعار شركة “ألروسا” – أرشيفية
التواجد الاقتصادي الروسي بأفريقيا:
تمتلك موسكو في الواقع أدوات هامة لتعزيز آفاق علاقاتها مع أفريقيا، ففي ظل التنمية الاقتصادية التي شهدتها روسيا فإن انفتاحها الاقتصادي على القارة سيحقق لها العديد من المزايا، أبرزها وجود سوق أفريقية واسعة للمنتجات والسلع الروسية تستهدف ما يقارب المليار نسمة.
إضافة إلى امتلاك الدول الأفريقية لثروات طبيعية ضخمة أبرزها المعادن مثل اليورانيوم والحديد والماس وغيرها، كما أن العديد من دول القارة الأفريقية شهدت معدلات نمو مرتفعة يمكنها من جذب الاستثمارات الروسية، بخاصة في مجال النقل والزراعة والتكنولوجيا والطاقة الشمسية والبتروكيماويات، وكذلك في مجالات التعليم والسياحة.
وفي المقابل يمكن للدول الأفريقية الاستفادة من التجربة التنموية الروسية القائمة على المزج بين استخدام التكنولوجيا الحديثة والصناعات كثيفة العمالة، وكذلك مشروعات ريادة الأعمال، بالإضافة إلى مزايا نسبية تتمتع بها روسيا في مجال الزراعة مثل زراعة القمح، وكذلك في مجال الطاقة النووية، والتي يمكن أن تسهم في بناء العديد من محطات الطاقة النووية السلمية في عدد من دول القارة.
وتُعد مصر نموذجا لذلك، بعد الاتفاق على إنشاء محطة الضبعة النووية. كما تشكل السوق الروسية الكبيرة هدفا لترويج السلع والمنتجات الأفريقية، حيث يمكن أن تصبح روسيا مفتاحا ومدخلا للدول الأفريقية داخل قارة آسيا، وكذلك وسط وشرق أوروبا، إضافة إلى استقطاب السياحة الروسية التي تمثل مصدرا مهما للعملة الصعبة لدى العديد من دول القارة مثل مصر .
تركز روسيا بشكل أساسى على ما يعرف بـ«دبلوماسية الطاقة»، فالاستثمارات الرئيسية نجدها فى النفط والغاز والطاقة النووية، وتقود هذه الاستثمارات شركات مثل جازبروم ووكويل وروستيك وروساتوم التى لها استثمارات فى الجزائر ومصر وجنوب أفريقيا وأوغندا وأنغولا.
ولأن معظم الشركات الروسية الكبيرة مملوكة للدولة بشكل كلي أو جزئي، فإن معظم الاهتمام الاقتصادي الروسي فى إفريقيا يأخذ شكل شراكات بين القطاعين العام والخاص، ويغلب على الاستثمارات الروسية سمتان وهما: أن معظمها تقوده الدولة، وأنها ترتبط فى الغالب بالمصالح العسكرية والدبلوماسية.
تعمل في أفريقيا شركات روسية عدة، من بينها شركة “ألروسا” التي تعتبر الأولى عالمياً من حيث احتياطيات الماس وحجم إنتاجه، حيث إن أكثر من 47% من احتياطيات الألماس في العالم يتركز في أفريقيا، وأن نشاط “ألروسا” في الوقت الحالي يتركز على مشاريع في أنغولا، حيث تقوم المجموعة الروسية بتنفيذ أعمال استكشاف ضمن الشركة المشتركة “كيمانغ”، كما بدأت الشركة هذا العام أعمال بحث عن احتياطيات الألماس في جمهورية زيمبابوي.
وتتنافس موسكو في سوق الألماس الأفريقية مع شركات دولية مثل “دي بيرز” العالمية، و”ريو تينتو” البريطانية الأسترالية وغيرها.
المقاتلة الروسية “سوخوى-35” – أرشيفية
الحضور العسكري الروسي بأفريقيا:
أبرمت روسيا العديد من اتفاقيات التعاون العسكرى مع عدد من دول القارة منذ عام 2015، وتعتزم روسيا إقامة قواعد عسكرية في بعض دول أفريقية مثل السودان وإريتريا وموزمبيق ومدغشقر وأفريقيا الوسطى، من ضمن أهداف موسكو نحو أفريقيا، ما أعلنه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عن تحقيق استراتيجية “التحوّل” باتجاه آسيا وأفريقيا عقب فرض العقوبات الغربية على بلاده بعد ضمّها شبه جزيرة القرم عام 2014.
وهناك إشارة إلى سعي روسيا لحماية دورها في ليبيا ووقوفها مزاحمةً للدور الأميركي في أفريقيا، الذي انحصر في المجال العسكرى. وإزاء الانسحاب الأميركي التدريجي من دول القارة وتحوّل التعاون الصيني الأفريقي من مشاريع التنمية والتركيز على المواقع الاستراتيجية التي تضمن قيام مشروع طريق وحزام الحرير، فإنَّ روسيا ربما وجدت الساحة مناسبةً لتوجّهها، خصوصاً مع الانسحاب الجزئي للقوى الدولية.
يرى المحللون أن الحضور العسكري الروسي في السودان، سيؤمن لها أهمية استراتيجية منقطعة النظير، من خلال تمركز سفنها الحربية علي ساحل البحر الأحمر، و فتح معبر مباشر لها إلي المحيط الهندي بما يخدم المصالح الروسية، إذ لا يمكن للسفن الروسية المرور إلي المحيط الهندي إلا عبر قناة السويس، أو بعد الالتفاف حول أفريقيا ما يحملها أعباء لوجستية وزمنية.
اتجهت روسيا إلى التركيز على مجال الأمن، إذ لعبت بورقة مكافحة الإرهاب، وشكَّلت القوات العسكرية الروسية والخاصة حضوراً واضحاً في التدريب العسكرى وعمليات التسلّح، إضافةً إلى تدخلها في مناطق النزاع ودعمها قوات حفظ السلام بالتعاون مع الاتحاد الأفريقى والدول الأفريقية، وتدخّلها ليس بعيداً عمّا حدث في تشاد والسودان ومالي وأفريقيا الوسطى وليبيا.
وتربط روسيا في مجال التعاون العسكرى التقنى اتفاقيات مع أكثر من 30 بلدا أفريقيا، وكما كان الاتحاد السوفييتي المصدر الأساسي لتسليح العديد من الدول الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستعمار، فإن روسيا تسعى للعب الدور ذاته لكي تصبح مصدرا مهما للأسلحة والمعدات الحديثة بخاصة في مجال الطائرات مثل “السوخوى” و”الصواريخ الباليستية” مثل صواريخ “إس 300″ و”إس 400”.
حيث تحتل روسيا الآن المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في مجال تصدير الأسلحة، بالإضافة إلى ما يمكن أن تقدمه في مجال عمليات التدريب العسكري، بخاصة مع الدول الأفريقية التي تشهد صراعات مسلحة وتحتاج إلى إعادة بناء أجهزتها الأمنية من الجيش والشرطة.
تنظيم “بوكو حرام” – أرشيفية
التعاون الأمني والاستخباراتي المشترك:
في المجال الأمني والاستخباراتي، هناك مصلحة مشتركة تربط بين روسيا وأفريقيا للتعاون في مواجهة خطر الإرهاب والتطرف، خصوصاً أن روسيا لديها تجربة في محاربة التنظيمات المتطرفة، وفي المقابل فإن أفريقيا تشهد الآن تواجد العديد من التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” و”بوكو حرام” وغيرها، وهو ما يشكل خطرا عالميا يهدد الأمن والسلم الدوليين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيا مهمومة ومحمومة بالمواجهة الحاسمة والحازمة مع الإرهاب والإرهابيين، بمعنى أنها تدرك أن هناك قوى عالمية أخرى تتخذ من الإرهاب كعب أخيل الذي يسمح لها باختراق دول ثابتة ومستقرة والعمل على تفكيكها وتفخيخها.
ويدرك الروس جيدا أن غالبية التنظيمات الإرهابية الدولية في الأعوام الأخيرة قد ولت وجهها شطر القارة الأفريقية، معتمدة في ذلك على ضعف الأحوال الأمنية، وعلى وجود بنية تحتية ضعيفة تسمح للإرهابيين بتجنيد المزيد من العناصر الإرهابية، ولهذا فان الحضور الروسي هناك يقطع طريق الإرهاب والإرهابيين من المنبع، وفي هذا إفادة كبرى لموسكو، والتي لن تتكلف عملا عسكريا جديدا كما اضطرت إليه سابقا في سوريا خلال الأعوام الماضية.
ومن الناحية الإستراتيجية فإن روسيا كقوة دولية صاعدة وبارزة في النظام الدولي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، يمكن أن يشكل تواجدها وتطوير التعاون بينها وبين أفريقيا توازناً مع القوى الكبرى الأخرى، التي على شاكلتها مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحيث تصبح لدى الدول الأفريقية شراكات اقتصادية وسياسية وعسكرية متنوعة تمكنها من الاستفادة من تلك القوى التى تتنافس عليها على كافة المستويات.
وكذلك تسهم في تغيير النظرية القديمة التى تصور أفريقيا على أنها مجرد سوق للدول الغربية والكبرى لتصريف منتجاتها، ومصدرا للحصول على المواد الخام بأسعار زهيدة، إلى نظرية جديدة تقوم على الشراكة الحقيقية والندية الكاملة بين أفريقيا وتلك الدول، وأن تدعم القوى الكبرى التنمية الحقيقية الشاملة والمستدامة فى القارة الأفريقية، وكذلك مساعدتها في مواجهة مشكلاتها وتحدياتها التى من أبرزها الفقر والأمراض والمجاعات والتصحر والحروب والصراعات الأهلية، إضافة إلى الإرهاب والهجرة غير الشرعية التى ازدادت بصورة كبيرة قاصدة دول أوروبا خلال السنوات الماضية.
أعلام الصين وروسيا والولايات المتحدة
تنافس روسي صيني أمريكى:
تواصل الصين وروسيا توسيع دائرة نفوذهما، وتعزيز وجودهما في جميع أنحاء أفريقيا؛ على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة، وهو تحرُّك يخشاه المسئولون الأمريكيون، ويصفونه بأنه جزءٌ من جهد كبير من كلتا الدولتين لإعادة تشكيل النظام العالمي.
وتحاول روسيا الاعتماد على تعزيز مكانتها الاقتصادية في القارة السمراء، واستغلال كل الفرص الممكنة لدعم دورها على الساحة الأفريقية.
وأعلنت الخارجية الروسية، نهاية يوليو الماضي، توقيع اتفاقية مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الـ”فاو” لتخصيص 10 ملايين دولار لمحاربة الجراد في كينيا وأوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان لتزيد تقاربها من الدول الأفريقية.
وتؤمن روسيا إمدادات الحبوب إلى دول أفريقية عدة، مثل مصر، التي تعتبر من أكبر مستوردي الحبوب الروسية.
وتتنافس روسيا في سوق الحبوب في القارة الأفريقية مع دول منتجة رائدة، مثل أوكرانيا وأستراليا وكندا، ومن المتوقع أن ترفع روسيا حجم تصدير الحبوب إلى شمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط في 2021 بنسبة 10%.
ووصل حجم التبادل التجارى بين روسيا ودول جنوب الصحراء في عام 2018 إلى 20 مليار دولار، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة 61 مليار دولار، أما حجم المبادلات بين الصين والقارة الأفريقية فقد بلغ 200 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
ويشير خبراء إلى أنه رغم وجود علاقات سياسية قوية بين روسيا ودول أفريقية، فإن حجم التبادل التجارى “ما زال دون المستوى المطلوب ولا يناسب مستوى الشراكة”.
من جهة أخرى، واجهت مشاريع روسية في دول أفريقيا تحديات سياسية وأمنية، مثل مشروع بناء طرق سكك حديدية تربط بنغازي بسرت في ليبيا بقيمة 2.2 مليار يورو، بسبب الصراع الدائر في البلاد.
وتعمل روسيا على تنفيذ مشاريع كبرى، مثل بناء المحطة النووية في منطقة الضبعة شمال مصر، وإنشاء منطقة صناعية كبرى في قناة السويس، التي من المتوقع أن تجذب 7 مليارات دولار على شكل استثمارات جديدة، كما تركز موسكو على مشاريع اقتصادية أخرى.
ويرى خبراء أن تنفيذ المشاريع الروسية الكبرى في المنطقة “يتطلب إرادة سياسية حقيقية”، ويعتقدون أنه سيكون “من الصعب على موسكو منافسة بكين في أفريقيا”.
حاملة الطائرات الرُّوسِيَّة Admiral Kuznetsov – أرشيفية
تداعيات التوجه الروسي نحو أفريقيا:
هناك موجة من التوجُّس لدى الدوائر الغربية من المساعي الروسية للعودة إلى منطقة القرن الأفريقي؛ لعدة أسباب، تتمثل أبرزها في التخوف من تكتل روسي صيني في المنطقة، وما يمكن أن يترتب عليه من إقامة شراكة بين روسيا والصين على حساب المصالح الغربية في القارَّة الأفريقيَّة؛ بحيث يكمّل بعضهما البعض، سواء في إطار بريكس أو الاتفاقيات الثنائية الرُّوسِيَّة الصينية، وفي مجلس الأمن الدولي أيضًا.
وهو ما برزت بعض بوادره في عرض الصين على روسيا السماح لحاملة الطائرات الرُّوسِيَّة Admiral Kuznetsov بالهبوط في القاعدة الصينية بميناء جيبوتي، بعد فشل التوصُّل إلى اتفاق مشترك بين الروس وجيبوتي بشأن إنشاء قاعدة عسكريَّة رُوسِيَّة على أراضيها، وفقًا لما ذكره موقع African Intelligence ، بالرغم من أن المصالح الرُّوسِيَّة في أفريقيا ليست بالضرورة تتطابق مع المصالح الصينية.
كما يأتى الانخراط الرُّوسِي ليسهم في اشتداد التنافس في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر؛ كونها منطقة مزدحمة بالقوى الدَّوليَّة والإقليميَّة، كما أنها موطن للقواعد العسكرية لقوى غربيَّة وآسيويَّة وأمريكيَّة، بالإضافة إلى التنافس الأمريكي الصيني في المنطقة، والتنافس الدولي والإقليمي على الموارد، وبالتالي فإن التواجد الرُّوسِى يفتح جبهة جديدة من التنافس الدولي في المنطقة.
ومن ثَمَّ، ففي ظل مسارعة الجانب الرُّوسِي إلى الانخراط في قضايا المنطقة، وتعزيز علاقاتها بدولها، يُمَثِّل التوجه الرُّوسِي نحو المنطقة عبئًا إضافيًّا عليها في إطار تعدُّد الأطراف الدَّوليَّة والإقليميَّة، وتضارب المصالح والأجندات في القرن الإفريقي، بما يُعَقِّد بيئة التفاعلات في المنطقة، التي تنعكس على مصالح الجميع فيها، كما أن الطريق إلى القرن الأفريقي دائمًا ما يكون مليئًا بالتحديات.
الخلاصة:
ختاما، من الواضح أن هناك تحولا فى ديناميكيات السلطة السياسية فى العالم من حيث النفوذ والمصالح، ومع أن روسيا تتجه نحو الدول الأفريقية، إلا أن التأثير الملموس لهذا الأمر قابل للنقاش، فعلى الرغم من استعداد موسكو للعب دور أكثر أهمية فى أفريقيا إلا أن قدرتها محدودة، حيث تفتقر روسيا إلى القدرة المالية والقوة اللازمة لتكرار نجاح الاتحاد السوفيتى فى هذا المجال.
ومع ذلك، فإن روسيا، من خلال دبلوماسية الطاقة الاستراتيجية والقوة العسكرية والقوة الناعمة، ستزيد تدريجيا من نفوذها فى إفريقيا. ومن جانبها يجب أن تستغل الدول الأفريقية وصانعو السياسة الأفارقة هذا الاهتمام المتجدد بطريقة مفيدة، وسيكون هذا أساسيا فى تحديد نجاح الفصل التالي فى العلاقات الروسية الأفريقية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version