يشهد العالم  تأثيرات كبيرة بسبب التغير المناخى  وتسارع ظاهرة الاحتباس الحرارى بالشكل الذى يتوقع معه ذوبان الكتل الجليدية النادرة بحلول العقد الخامس من القرن، وقد شهدت إفريقيا الأعوام الماضية زيادة فى درجات الحرارة ، سرّعت فى ارتفاع مستوى سطح البحر، فضلا عن أحوال جوية شديدة القسوة على غرار الفيضانات والانزلاقات الأرضية والجفاف، وهى كلها مؤشرات لتغير المناخ.

وتعد إفريقيا من أكثر قارات العالم تضررًا من ظاهرة التغير المناخى، وذلك بسبب انخفاض قدراتها على التكيف وانتشار الفقر والصراعات والحروب الأهلية، واعتماد إقتصادها بنسبة 90% على الاقتصاد الزراعى المرتبط  بهطول الأمطار، كما أنها الأكثر عرضة للتقلبات المصاحبة للتغير المناخى وهى الفيضانات، والجفاف وتآكل الرقعة الزراعية، فضلا عن التصحر و ما يصاحبه من انعدام للأمن الغذائى، والصراع على مصادر المياه، كما أن الناتج المحلى الإجمالى لدول القارة معرض للانخفاض بنسبة 50 إلى 60% نتيجة تدهور الاقتصاد.

100  مليون أفريقى سوف يعانى من الفقر المدقع بسبب التغيرات المناخية

 حذرت الأمم المتحدة فى 19 أكتوبر 2021 بأن أكثر من 100 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، مهددون بفعل تسارع ظاهرة الاحترار المناخى فى إفريقيا، كما قالت جوزيفا ليونيل كوريا ساكو المكلّفة بملفات الاقتصاد الريفى والزراعة فى مفوضية الاتحاد الإفريقى أنه بحلول عام 2030، ما يصل إلى 118 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع سيكونون عرضة للجفاف والفيضانات والحر الشديد فى إفريقيا، إذا لم تتخذ تدابير استجابة كافية، كما أنه فى إفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن يؤدى التغير المناخى إلى خفض إجمالى الناتج المحلى بنسبة تصل إلى 3 بالمئة بحلول العام 2050 ولا يقتصر تفاقم سوء الأوضاع على الظروف المادية، بل أيضًا على تزايد عدد الأشخاص المتأثرين.

ووفقا للمؤشرات الأولية فإن القارة  الأفريقية ستتكبد من 9 إلى 17 مليار دولار سنويا تكلفة الضرر الذى سيقع عليها، فى حين تشير بعض الدراسات إلى أن هذه النسب سترتفع لتصل إلى ما بين 50 و 100 مليار دولار سنويًا، كما أن الاحترار العالمى بمقدار درجتين مئويتين سيعرض أكثر من 50 فى المائة من سكان القارة لخطر نقص التغذية.

أفريقيا تدفع فاتورة الثورة الصناعية الكبرى

على الرغم من الآثار السلبية للتغير المناخى على أفريقيا، إلا أنها تساهم بشكل أقل فى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى على مستوى العالم، بنسبة أقل من 4 فى المائة ، مقارنة بـ 23 فى المائة فى الصين ، و 19 فى المائة من قبل الولايات المتحدة و 13 فى المائة فى الاتحاد الأوروبى، وذلك وفق ما أفاد معهد بروكنجز فى عام 2016،  هذه المؤشرات تفرض على الدول الغربية تحمل المسؤولية واتخاذ خطوات جادة لتقليل ظاهرة الاحتباس الحرارى، إلا أنه على أرض الواقع طالبت الدول الغربية أفريقيا بالحد من الانبعاثات الضارة، وما يستلزم ذلك من الحد من التصنيع ووضع برامج للتكيف مع مخاطر التغيرات المناخية التى لم تتسبب فيها ، وذلك فى سياق تهربها من إلتزاماتها ومسؤوليتها على ظاهرة التغير المناخى والإصرار على الاستمرار فى عدم تقليل انبعاثاتها  خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين  اللتان تتصرعان لتعزيز تقدمهما الاقتصادى.

الثورة الصناعية – أرشيفية

وقد تعهدت الدول المتقدمة بضخ مبلغ 100مليار دولار فى المؤتمر الدولى الـ21 بشأن تغير المناخ فى فرنسا، المعروف باسم اتفاقية باريس عام 2015، فى صندوق المناخ لدعم المشروعات التى تحد من الآثار الناتجة عن التغير المناخى، إلا أن الدول المتقدمة أخفقت فى تقديم هذا المبلغ، وذلك بسبب عدم وجود اليات لتنفيذ هذه المبادرة،  لذلك فأن أفريقيا لم تحصل إلا على القليل منذ «إعلان كوبنهاجن» وحتى الآن، ومؤخرًا ظهرت بعض المطالبات، بأن يتم ربط عملية التمويل فى المناطق المتضررة من التغيرات المناخية بملفات حقوق الإنسان، وهو ما سيترتب عنه تسييس القضية وإستخدامها كأداة للضغط على الدول الأفريقية والتاثير على سيادتها.

هل تستغنى الدول الأفريقية عن النفط..؟

أزمة حقيقية تعيشها الدول الأفريقية المنتجة والمصدرة للنفط  والغاز الطبيعى، الذى لا غنى عنهما للتنمية الاقتصادية فى الدول النامية لكونهما يشكلان أفضل مصدر اقتصادى موثوق وعملى للطاقة، إلا أنه من جهة أخرى فإن استخدامهما فى مجال الطاقة يُسهم إلى حد كبير فى زيادة انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، الذى يؤدى إلى التغير المناخى، لذلك زادت المطالبات بضرورة الاتجاه نحو الطاقة المتجددة وذلك تمهيدًا للاستغناء عن النفط، وهو ما سيترتب عنه أزمة اقتصادية كبيرة فى الدول التى تعتمد على النفط والغاز، لذلك ترى الدول الأفريقية أن إعتبار النفط وحده سبب فى التغير المناخى نوع من الانتقائية، وذلك لأن التلوث الذى يسببه الفحم الذى يستخدم فى الصناعة فى الدول المتقدمة أكبر بكثير مما يسببه النفط، وتحتل نيجيريا المرتبة الأولى فى أفريقيا من حيث الانتاج اليومى للنفط وعلى الرغم من أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطى فى القارة، إلا أن نيجيريا هى الأكثر إنتاجا.

صورة لمنشأة نفطية أفريقية – أرشيفية

إستراتيجات مواجهة التغير المناخى فى أفريقيا

بسبب الاثار السلبية المترتبة على التقلبات المناخية فى أفريقيا أصبحت التغيرات المناخية قضية وجودية يجب العمل على تقليل حدة تأثيراتها وذلك من خلال التالى…

  • زيادة الاستثمارات بشكل خاص فى تنمية القدرات ونقل التكنولوجيا والتحول الرقمى وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر فى الدول الأفريقية، بما فى ذلك أنظمة مراقبة الطقس والمياه والمناخ.
  • التعاون الإقليمى عنصراً أساسياً فى التكيف، وذلك لأن تغير المناخ يتجاوز الحدود الدولية، حيث يؤدى التبادل النشط للتقنيات والمعرفة والممارسات المؤسسية الفعالة، لا سيما من خلال المبادرات الإقليمية، إلى تحقيق خطوات واسعة فى تسريع التكيف، كما أنه يمكن أن يؤدى تطوير الأسواق الزراعية الإقليمية إلى خفض أسعار المواد الغذائية والمساعدة فى ضمان الأمن الغذائى.
  • التركيز على الزراعة فى القارة السمراء وذلك لتحقيق الأمن الغذائى لمواطنيها وتقليل الفاقد من المحاصيل وذلك بإنشاء صوامع ومخازن التبريد والاهتمام بالتصنيع الزراعى.
  •  وضع المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية  أمام مسؤولياته من خلال الالتزام بدفع ال100 مليار دولار سنويًا لمواجهة اثار التغير المناخى فى الدول النامية.
  • الانتقال إلى مصادرالطاقة المتجددة والتخلى بالتدريج عن الوقود الأحفورى (بترول، وفحم، وغاز طبيعى)
  • وضع خطة طوارئ فى المناطق التى تتأثر بالسلب من التقلبات المناخية مثل «ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة وزيادة تآكل الشواطئ والعواصف الرملية»، وتوفير تمويل كاف من الحكومة لتنفيذ المشروعات البيئية.
  • ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية ومنها المياه والطاقة، وتوعية الأفارقة ودمجهم فى خطة مواجهة التغيرات المناخية، لأن الاستهلاك الكبير للموارد الطبيعية يزيد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية.
  • وضع  الدول الأفريقية خطة عمل البرامج النووية، نظرًا إلى أن المفاعلات الذرية تعتبر الأقل إصدارًا للغازات الدفيئة، وذلك بالنظر إلى تقرير هيئة مكتب الطاقة الذرية الأوروبية، الذى يكشف أن أوروبا يمكنها زيادة طاقتها الذرية إلى ثلاثة أضعاف حتى عام 2050، ما يؤدى إلى تفادى انبعاث 6.3 مليار طن من غاز ثانى أكسيد الكربون.
  • حظر المبيدات والمخصبات الكيميائية فى الزراعة، والاتجاه إلى البدائل الطبيعية والزراعة العضوية المستديمة مثل إنتاج الأسمدة العضوية من المخلفات الزراعية والحيوانية المعالجة.
مشكلة التصحر والجفاف في القارة الأفريقية

ختامًا، تسببت التغيرات المناخية فى أفريقيا إلى أضرار وخسائر بشرية واقتصادية، وزيادة نسبة الصراعات والضغط الاجتماعى، ومن المتوقع أن تزداد هذه الأضرار فى ظل عدم وجود خطوات حقيقية من الدول الكبرى لمواجهة هذه الظاهرة، فضلًا عن انشغال الحكومات الأفريقية بمشاكلها الداخلية من صراعات وزيادة نسب الفقر، ومن ثم عدم قدرتها على التكيف مع تداعيات مظاهر التغير المناخى ونوبات الطقس الجامحة التى يمكن أن تتعرض لها الدول (الفيضانات- ارتفاع درجات الحرارة- الجفاف-التصحر…)،  بالشكل الذى سيصبح فيه الشعوب الافريقية الأكثر تضررًا من ظاهرة تغير المناخ.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version