في الـ 24 من يناير الماضي، نشر مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) تقريرًا جاء فيه أن باحثي المركز، – بما فيهم الرئيس المركز البروفيسور مانويل ترختنبرج، ومدير المركز العميد احتياط أودي ديكل، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شبات، ورئيس شعبة البحوث بسلاح المخابرات العسكرية سابقا العميد احتياط درور شالوم، والسفير الإسرائيلي دكتور/ عوديد عيرن، والسيدة/ سيما شاين والباحثة الدكتورة/ عينات كورتس، والدكتورة/ شيرا عفرون، والعميد احتياط اسف أوريون، والدكتور/ مئير ألرن- قد قدموا للرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوج “التقرير الاستراتيجي السنوي لإسرائيل لعام 2022م”، وذلك ضمن فعالية جرت في ديوان الرئاسة بحضور قرينة الرئيس السيدة/ ميخال هيرتسوج.

ارشيفية

وتضمن “التقرير الإستراتيجي الأول لعام 2022” خلاصة تحليل واستشراف الأجواء الاستراتيجية لإسرائيل من منظور الأمن القومي، بما يحمل ذلك من تهديدات وفرص محتملة. وانتهى التقرير بعرض مجموعة من التوصيات لصانعي القرار.

الافتقار إلى الرؤية الاستراتيجية المتكاملة!

بحسب التقرير، فإن إسرائيل مع بداية عام 2022، تفتقر إلى رؤية إستراتيجية متكاملة وبعيدة الأمد لمواجهة التحديات الخطيرة التي تهددها، حيث يتسم الوضع الاستراتيجي لإسرائيل في مستهل هذا العام بعدم استغلال كافة قدراتها الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في مواجهة التحديات السياسية والأمنية والداخلية.

إيران أخطر التحديات..

فيما أكد التقرير أن إيران ما زالت تمثل أخطر التحديات، نظرًا لسعيها المستمر للوصول إلى “العتبة النووية”، في ظل رغبتها في امتلاكها كل الإمكانيات اللازمة للانطلاق نحو تصنيع القنبلة النووية في غضون أسابيع معدودة. كما  لا تزال إيران في الوقت نفسه، عازمةً على تعظيم خياراتها العسكرية لتهديد إسرائيل في عدة جبهات على طول حدودها، عبر استغلال الميليشيات الموالية لها، لشن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة.

خطورة القضية الفلسطينية..

لفت التقرير إلى أن القضية الفلسطينية ما زالت هي الأخرى، تمثل تحديًا خطيرًا لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وأخلاقية – بسبب إمكانية الانجراف نحو واقع “الدولة الواحدة”- كما أنها تشكل أيضًا مخاطر ملموسة على إسرائيل، نظرًا لإمكانية اندلاع التصعيد الأمني، جرَّاء ضعف أداء السلطة الفلسطينية وعجزها عن فرض هيمنتها. على الجانب الآخر، فإن النزاع مع الجانب الفلسطيني يهدد مكانة إسرائيل على المستوى السياسي، ويشكل خطورة عليها أمام القانون الدولي.

مشاكل الوضع الداخل..

حول الوضع الداخلي في إسرائيل، أشار التقرير إلى أن الدولة العبرية باتت تعاني من عدة أمور أبرزها:

أ – اشتعال توجهات الاستقطاب بين الفئات المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي.

ب – حملات التحريض وعدم قدرة الحكومة على فرض القانون، لا سيما في الأماكن والأحياء التي خرجت عن حيز السيطرة.

ج – تراجع ثقة المواطن الإسرائيلي في مؤسسات الدولة.

 وكل ذلك بالطبع، يقوض صلابة المجتمع الإسرائيلي، ويهدد الأمن القومي للدولة العبرية.

المستوى الدولي..

على المستوى الدولي، أكد التقرير ضرورة استعداد إسرائيل للمخاطر التي قد تحدث جرَّاء التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والتغيرات السلوكية في أعقاب جائحة كورونا، فضلًا عن زيادة المخاوف من إمكانية تراجع الديمقراطيات الليبرالية. ورغم استمرار اعتماد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة، إلا أن المساعدات التي يمكن أن تقدمها واشنطن لإسرائيل باتت تتراجع بسبب الاستقطاب الداخلي في الولايات المتحدة، مع تركيز اهتمام الولايات المتحدة على مشاكلها الداخلية وصراعها مع الصين، وهو ما جاء بالضرورة على حساب انخراطها في الشرق الأوسط.

وفي ظل تلك الأوضاع، أصبحت الإدارة الأمريكية أقل استعدادًا للاهتمام بمصالح إسرائيل وتبديد مخاوفها، سواء المتعلقة بإيران أو بالشأن الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، فقد باتت الولايات المتحدة أقل استعدادًا لتوسيع دائرة اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية البراجماتية.

في ختام التقرير، تقدم خبراء الأمن القومي الإسرائيلي لرئيس الدولة هيرتسوج، بالتوصيات التالية:

1-    صياغة استراتيجية حديثة ومبتكرة وشاملة لمواكبة البيئة الاستراتيجية والعملياتية المتغيرة، ووضع تقديرات استشرافية لمواجهة التحديات المتمثلة في إيران، والقضية الفلسطينية، والجبهة الداخلية.

2.     وضع آليات للتخطيط والأداء الحكومي المتكامل، والعمل من أجل استعادة سلطة القانون والنظام وفرض سيطرة المؤسسات الحكومية على الجيوب غير الخاضعة للسيطرة؛ إلى جانب التصدي للجريمة المنتشرة في المجتمع العربي، وتخفيف التوتر والعداء وعدم المساواة بين الفئات الاجتماعية داخل إسرائيل.

3-    ضرورة الاستعداد سواء لإمكانية إبرام اتفاق نووي بين إيران والقوى العظمى، أو لعدم إبرامه، حيث ينبغي تجهيز الخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية، ويُفضل أن يكون ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

4.     مواصلة أسلوب شن ما يُسمى بـ “المعركة بين الحروب” للحيلولة دون  تمكين إيران من ترسيخ أقدامها أو تعزيز قدرات ميليشاتها العسكرية على طول حدود إسرائيل. إلى جانب التصدي لكل عناصر التحدي الإقليمي الإيراني، وضرورة إفشال مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان، وإحباط مساعي بسط النفوذ الإيراني هناك.

5- فيما يخص القضية الفلسطينية، أوصى الخبراء الأمنيون     باتخاذ تحركات سياسية وإجراءات اقتصادية لتقوية السلطة الفلسطينية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين الفلسطينيين، مع تجنب الإجراءات التي قد تعجل بالانزلاق نحو واقع “الدولة الواحدة”، وخلق الظروف المواتية لأُفق الانفصال والترويج لخيارات أخرى مستقبلية.

6.     لمواجهة قطاع غزة، أوصى التقرير بمواصلة الجهود الرامية لاتخاذ خطوات وفق رؤية “الاقتصاد مقابل الأمن”، مع الاستعانة في ذلك بدور مصر وجهات دولية وإقليمية أخرى، بما فيها السلطة الفلسطينية، شريطة أن تكون التهدئة وتخفيف بعض القيود المفروضة على قطاع غزة، مرتبطة بحل قضية الأسرى والمفقودين.

7-    ضرورة تعزيز التنسيق ودعم العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، إضافةً إلى دعم الثقة على مستوى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والتأكيد على أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، بوصفها تلعب دورًا فاعلًا ومؤتمنًا ومُخلصًا في مجالات التكنولوجيا والعلوم والريادة والثقافة.

8-    توسيع اتفاقيات التطبيع، وتعزيز العلاقات مع مصر والأردن، والسعي لإبرام اتفاقيات التعاون الإقليمي في عدة مجالات، مثل الاستخبارات والدفاعات الجوية والطاقة والزراعة والمياه والصحة. كما ينبغي على إسرائيل تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول شرق المتوسط وتخفيف التوترات مع تركيا.

9-    تؤدي الثورة التكنولوجية و الفضاء السيبراني إلى دفع عجلة البحث العلمي، وهو ما يعني أن تزيد إسرائيل من إنفاقها على تطوير العلوم والتكنولوجيا، ليس فقط للحفاظ على تفوقها النسبي بل لتحقيق المزيد، لأن ذلك التطوير يعزز الأمن القومي لإسرائيل ويرفع شأنها على المستوى الدولي.

10-  ضرورة الاستمرار في بناء القوة العسكرية وفق خطة “تنوفا” للحفاظ على التفوق العملياتي والتكنولوجي لإسرائيل في عصر المعلومات والأنظمة السيبرانية. وكذلك تطوير الخطط العملياتية ورفع مستوى الجاهزية المدنية سواء لاحتمال اندلاع نزاعات محدودة أو حرب متعددة الجبهات.

الخلاصة

عكست محصلة التقرير حرص إسرائيل على الاهتمام بمراكز صنع القرار و تشجيع خبراءها الأمنيين على إعداد التقارير الإستراتيجية لاستشراف المستقبل بما يحمل من تحديات ومخاطر إلى جانب الفرص التي يمكن استغلالها لمواجهة تلك التحديات وتعزيز القدرات العسكرية والتكنولوجية والعلمية.

ويتبين من خلال التقرير، أن أخطر التحديات التي تواجه إسرائيل مع بداية العام الحالي، تتمثل في التهديد النووي الإيراني وتسليح الميليشيات الموالية لطهران، فضلا عن تطوير الصواريخ والطائرات المسيرة التي قد تُستخدم في ضرب أهداف إسرائيلية إذا اندلعت الحرب بين تل أبيب وطهران.

 أما الخطر الثاني فيتمثل في عدم حل القضية الفلسطينية، وهو ما يعرض إسرائيل لإمكانية الانزلاق نحو حل الدولة الواحدة التي تشكل الخطر الوجودي للدولة العبرية. كما أن عدم حل القضية الفلسطينية سيترك الصراع قائما بين الجيش الإسرائيل والحركات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، علما بأن الجيش الإسرائيلي لم يحسم أي حرب خاضها خلال السنوات الأخيرة مع تلك الحركات.

وهناك خطر آخر يهدد مستقبل إسرائيل وهو يتعلق بعدم استقرار الوضع الداخلي، لا سيما بعد انتفاضة عرب الـ 48 ضد الحكومة الإسرائيلية، ودعمهم للقضية الفلسطينة خلال اشتعال الحرب الأخيرة بين حماس والجيش الإسرائيلي. فضلًا عن ذلك، فإن المجتمع الإسرائيلي يعاني من الاستقطاب الشديد بين الفئات الاجتماعية والتيارت الحزبية المختلفة، إلى جانب تفشي الجريمة داخل المجتمع العربي في ظل تقصير الشرطة الإسرائيلية.

ووفقًا لما تقدَّم:

  1. ينبغي تشجيع المتخصصين في الشأن الإسرائيلي على وضع خطة متكاملة لدراسة المجتمع الإسرائيلي لتحديد نقاط ضعفه وقوته، ودراسة المؤسسات الأمنية والعسكرية والعلمية والصناعية والزراعية وغير ذلك، لإعداد خطة مصرية لكيفية مواجهة إسرائيل عند اندلاع أي حرب معها، أو دراسة إمكانية الاستفادة من تطورها التكنولوجي والعسكري في حال التطبيع أو تعزيز العلاقات معها.
  2.  توظيف القاهرة ثقلها الإقليمي ودورها في إحراز التهدئة بين إسرائيل وحماس – أو التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
  3.    أهمية استثمار معطيات الأوضاع السائدة حاليا لتحقيق الاستفادة القصوى من إسرائيل، سواء في القضايا الإقليمية مثل ثروات حوض شرق المتوسط.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version