تعرضت الحكومة الإسرائيلية منتصف يوم 7 يونيو الجاري لهزيمة على يد المعارضة التي رفضت تمديد سريان القانون الإسرائيلي في المستوطنات بالضفة الغربية، والذي جرت العادة في الكنيست على تمديده كل خمس سنوات، وبما يمثل أهم تحدي يمكن أن تواجهه الحكومة قبل مرور عام على انتخابها، حيث يشهد منتصف يونيو الجاري مرور عام على انتخاب الحكومة الإسرائيلية السادسة والثلاثون برئاسة نفتالي بينيت، والمكونة من اتحاد حزبي “هناك مستقبل” بقيادة يائير لابيد، وكذلك كتلة “يمينا” بزعامة نفتالي بينيت، بالتناوب بينهما، وواجهت الحكومة الحالية العديد من التحديات السياسية خلال عامها الأول كادت أن تعصف بها، ولازالت التحديات مستمرة، وبقاء الحكومة يظل مهددًا بسبب تلك الأزمات السياسية المتوالية.

تحدي البقاء وسيناريوهات الاستمرار

يعد فشل الحكومة الإسرائيلية في تمديد سريان القانون الإسرائيلية  بقراءته الأولى في الكنيست بعد رفض 58 عضوًا مقابل تأييد 52 عضوًا في الكنيست، والذي عكس حرص قوى المعارضة بقيادة الليكود على إظهار عف الحكومة وعدم قدرتها على سن القانون، والذي يتوقع أن يتم تمريره في القراءة الثانية، حيث يهدف نتنياهو إظهار ضعف الحكومة قبل زيارة بايدن لإسرائيل، ومغازلة اعضاء اليمين واليمين المتشدد داخل الائتلاف لقبول المشاركة معه في حكومة يمينية دون الذهاب للانتخابات، وإحراج الحكومة بإظهار اعتمادها على أحد الأحزاب العربية “حزب راعم”، وكذلك الأعضاء العرب في القائمة المشتركة، والتلميح إلى أن من يحكم إسرائيل أعضاء كنيست عرب.

يعتبر تحدي استمرار الحكومة الحالية حتى نهاية ولايتها هو التحدي السياسي الأكبر الذي يواجه نفتالي بينيت وشريكه في الحكم يائير لابيد، الذي يجب أن يتسلم مهام منصبه كرئيس للحكومة في أغسطس 2023، حال استمرار الحكومة الحالية.

أرشيفية

 

تمتلك الحكومة الحالية ستين مقعدًا في الكنيست، بعد انسحاب النائبة “عيديت سليمان” من حزب يمينا، من الائتلاف الحكومي، على خلفية ادخال وزير الصحة الإسرائيلي اليساري نيتسان هوروفيتش الخبز مع خميرة خلال عيد الفصح داخل المستشفيات.

وفي منتصف مايو الماضي أعلنت النائبة من حزب ميرتس “غيداء ريناوي زعبي” انسحابها كذلك من الائتلاف الحكومي، وهو ما جعل الائتلاف الحكومي عبارة عن 59 مقعدًا في الكنيست، ما دفع حزب الليكود المعارض الإعلان عن نيته تقديم مشروع قانون لحل الكنيست، لكن سرعان ما التقى وزير الخارجية يائير لابيد النائبة المنسحبة، ومن ثم أعلنت عن العدول عن قرارها، وعادت إلى الائتلاف الحكومي، وهو ما ما جعل الحكومة تمتلك نصف المقاعد داخل الكنيست بإجمالي ستين مقعدًا، لتظل حكومة هشة وقابلة للتفكك حال انسحاب أي عضو.

المشهد الحالي يجعلنا نستشرف الوضع السياسي المتأزم، ووضع عدة سيناريوهات بناء على الأحداث السابقة داخل الائتلاف الحاكم:

السيناريو الأول:  حل الحكومة الحالية وعدم استكمال فترتها؛ لأنها حكومة لا تمتلك سوى ستين مقعدًا، من ضمنهم ستة مقاعد للقائمة العربية المشتركة، التي تخشى عودة نتنياهو للحكم حال تفكك وانهيار الحكومة الحالية، بالتالي من الصعب الانسحاب من الائتلاف، ما يعني أن الحكومة بدون القائمة العربية تمتلك 54 مقعدًا فقط، وليس من المستبعد أن ينسحب أحد اقطاب اليمين كما حدث في الأيام الماضية وهو ما يرتكز عليه أقطاب المعارضة لاسقاط الحكومة، لذلك سيناريو السقوط وارد وبشكل قوي، يكفي فقط انسحاب عضو واحد لتقديم مشروع قانون لحل الكنيست، وهي الفرصة التي ينتظرها نتنياهو وأنصاره. وفي هذا الصدد الخاص بانهيار الحكومة وحلها يقول الباحث مناحيم كلاين من قسم الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان إن “إسرائيل تتجه الآن نحو الانتخابات، هذا التحالف الهش به الكثير من التناقضات الداخلية والنظامية”.

السيناريو الثاني: بقاء الحكومة الحالية بإجمالي ستين مقعدًا، لكن بشكل يجعل من استمرارها أمرا محاطا بالشكوك دائما، فكافة أعضاء الحكومة يحاولون بشتى الطرق استمرارها، ووفقًا للمتابعين فإن أفراد الحكومة حريصون أكثر من غيرهم على بقائهم لادراكهم بأنه حال اجراء انتخابات فإنهم لن يحصلوا على عدد  المقاعد الحالي، وبالتالي عدم القدرة على تشكيل الحكومة مجددا، ما يدفعهم للتنازل عن اشتراطات وأيدلوجيات خاصة بهم في سبيل استمرار الحكومة وعدم تفككها. وقد ضرب جوناثان فريمان مثلًا بخوف بعض أعضاء الكنيست من الذهاب لانتخابات بقائمة منصور عباس، والتي من المحتمل ألا تصل إلى نسبة الحسم، بالتالي فقدان أربعة مقاعد للقائمة. ووفقًا لآخر الاستطلاعات والمنشور في القناة 13[1] بالتلفزيون الإسرائيلي فقد ثبت أنه حال إجراء انتخابات الآن فإن أحزاب الحكومة الحالية سوف تحصل على ثلاثة وخمسين مقعدًا فقط، بينما يحصل نتنياهو ورفاقه على 59 مقعدًا، والقائمة المشتركة على 8 مقاعد. وقد حاول نفتالي بينيت استجداء اليمينيين المؤيدين والكارهين لنتنياهو، حيث صدّر صورة عن الحالة الخطرة التي تعيشها الحكومة، فكان أول تعليق له عقب تحول الحكومة إلى أقلية بأن مستقبل إسرائيل في خطر، فكتب على تويتر:  “تحملي لمسؤولية تشكيل حكومة إنقاذ كان خيارا صعبا، لكن مستقبل إسرائيل في خطر، وعلينا أن نكافح للحفاظ على وحدة شعبنا، فليس لدينا دولة أخرى”.

أرشيفية

 

السيناريو الثالث: تشكيل حكومة وحدة وطنية من عناصر اليمين والأحزاب ذات التوجهات الدينية المتشددة، ويحدث هذا الأمر في حالة الانهيار الأمني وعدم القدرة على صد هجمات المقاومة الفلسطينية داخل مدن الضفة، وهو ما زاد مؤخرًا، فتصاعد وتيرة الهجمات والتهديدات من شمال إسرائيل والجنوب يجعل وضع الحكومة صعبا؛ لأن أكبر التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة هو فشلها في مواجهة تلك التهديدات، وهذا الوضع يقود إلى توحيد الأحزاب اليهودية لتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ لأن  أيديولوجية الإسرائيليين في مثل هذه المواقف تحشد لمساندة الحكومة بسبب الخوف من تصاعد حدة الهجمات، بل قد تتحد المعارضة إن قررت الحكومة شن عملية عسكرية على قطاع غزة مثلًا أو مواجهة  حزب الله، وفي هذه الحالة، سوف يتكاتف الجميع مع الحكومة، ولا يستبعد أن ينضم نتنياهو نفسه للحكومة في هذه الحالة.

وبشكل عام يحاول بينيت اظهار حكومته بشكل ناجح بحديثه عن تحقيق إنجازات، مثل زيادة معدل النمو إلى 8%، وانخفاض معدل الجريمة في المجتمع العربي، ووجود تهدئة بين سكان غلاف عزة وسديروت، فضلًا عن تمرير الميزانية، وكلها إنجازات في نظر بينيت، الذي يرى أنه تحمل أعباء لا قبل له بها بتشكيل حكومة انقاذ، تخلى أعضاؤها عن أيدلوجياتهم المختلفة ونحوّها جانبًا من أجل إسرائيل، وهو الأمر نفسه الذي تبناه يائير لابيد شريك نفتالي في الحكم، بأنهم لن يتخلوا عن الحكومة الحالية، وسوف يصلحون ما يمكن إصلاحه.

وحدة ائتلافية وانقسامات أيديولوجية

تتكون الحكومة الحالية من عدة أيديولوجيات مختلفة، فتتكون من أحزاب “هناك مستقبل” و”أزرق أبيض” و”يمينا” و”حزب العمل” و”إسرائيل بيتنا” و”نيو هوب” و”ميرتس” و”القائمة العربية الموحدة”، أي الجمع بين اليمين والوسط واليسار وفلسطينيي الداخل، وهو مكون لم يحدث من قبل، ومع كل صدام يقع بين القوات الأمنية الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، تطفو على السطح الخلافات بين عناصر الحكومة، التي تضم عربا من المفترض أنهم يدافعون عن المواطنين العرب الذين يواجهون الاحتلال، فحينما تناقش الحكومة سبل المواجهة تزيد الاختلافات بين الأطراف، وفي هذا الصدد يرى موردخاي كيدار، الباحث في معهد بيجن للسادات، أن عدم وجود تجانس بين أفراد الحكومة ووجود أيدلوجيات مختلفة يعرضها للانهيار في أي وقت على خلفية أي موضوع او نقاش.

وتكفي الإشارة هنا إلى المواجهات في باحة الأقصى بين اليهود المتطرفين والمواطنين الفلسطينيين، وماخلّفته من عشرت الإصابات والاعتقالات بين الفلسطينيين، لتعترض قائمة عضو الكنيست منصور عباس بأنهم لا يستطيعون السكوت عمّا يحدث، وان الأقصى والقدس يجب أن يكون خارج أي صراع سياسي، وهنا يزيد الاختلاف بين أعضاء الحكومة حول سبل حل الأزمة، وهو ما يزيد من الأعباء على كاهل الحكومة التي يتزعمها بينيت.

الخلاصة

من المفترض أن يتسلم وزير الخارجية يائير لابيد مهام منصبه كرئيس للوزراء في أغسطس 2023، ونرى أنه وفقًا لما سبق قد يصعب الوصول إلى هذا التاريخ، في ظل ترجيح انهيار الحكومة قبل ذلك التاريخ، وممن ثم ترجيح سيناريو تبكير الانتخابات أو تكوين حكومة من أقطاب اليمين فقط، وحينئذ ستتم مناقشة انضمام نتنياهو لها، وقد تطرح فكرة التناوب مجددًا، لكن هذه المرة قد يكون يائير لابيد خارج هذا المشهد السياسي، وقد يظهر أشخاص أخرون، مثل أفيجدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، أو قد يكون التناوب بين نتنياهو وبين نفتالي بينيت، وفي هذه الحالة سوف تستبعد الحكومة المحتملة في هذا السيناريو انضمام العرب إليها، وسيعوض نتنياهو والليكود هذا العجز الذي سيتركه العرب.

ولكن لتحقيق سيناريو تشكيل حكومة يمين فقط، يجب أن تسبقها أعمال تصعيدية بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين، ولا نستبعد شن عملية عسكرية سواء في الشمال مع حزب الله او الجنوب مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وهو ما تتدرب إسرائيل عليه الأن في مناوراتها التي تحمل اسم “عربات النار”؛ لأن سيناريو تكوين حكومة يمينية يجب أن تسبقه حالة من الخوف والهلع لتوحيد اقطاب اليمين من اجل المواجهة بحجة أن دولة إسرائيل تتعرض لخطر تهديد البقاء والوجود.


[1] https://13tv.co.il/item/news/politics/politics/survey-politics-903037986/

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version