مع بداية عام 2022 تستعد كينيا الواقعة فى شرق أفريقيا إلى الانتخابات العامة، المقرر إجراؤها فى أغسطس 2022 وذلك وسط حالة من التخوفات من تكرار ظاهرة العنف الانتخابى، التى شهدتها انتخابات كينيا فى عامى 2007 و2017 وترتب عنها سقوط الالاف من الضحايا وتشريد أكثر من 600 ألف شخص وتدمير البنية التحتية، ورغم أن كينيا على عاشت على مدار تاريخها فى سلام وأمان مقارنة بجيرانها الذين عانو من الحروب الأهلية، إلا أنه منذ تبنيها التعددية الحزبية فى بداية التسعينيات وإجراء انتخابات عام 1992 شابت معظم انتخاباتها عنف وتوتر متزايد بين المجموعات الاثنية المختلفة ترتب عنه التأثير على الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى فى كينيا.

ويُنتخب الرئيس فى كينيا فى انتخابات وطنية تُجرى وفقًا لدستور 2010 والقانون البرلمانى الذى ينظم الانتخابات العامة والتى تشمل الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويكون الثلاثاء الثانى من شهر أغسطس كل خمس سنوات.

مبادرة بناء الجسور

وبحسب الدستور تُجرى الانتخابات العامة فى كينيا كل خمس سنوات ولا يحق للرئيس أن يترشح بعد الولاية الثانية، إلا أن الرئيس الكينى أوهرو كينياتا شكل فريق لتقديم مقترحات تعالج القضايا المثيرة للجدل التى هددت النسيج الوطنى عبر تاريخ البلاد، وقدم الفريق تقريرًا حدد فيه أسباب عدم الاستقرار السياسى فى كينيا، من أهمها: نظام الانتخابات، التنافس الإثنى على الرئاسة، والفساد الإدارى والمالى، ولكن أهم ما جاء فى التقرير وترتب عنه إثارة الجدل هو تعديلات دستورية إقترحها التقرير حلاً للمعضلة السياسية فى كينيا، منها: إنشاء منصب رئيس الوزراء بصلاحيات تنفيذية محدودة تتمثل فى رئاسة أعمال الحكومة، ويكون فى نفس الوقت رئيسًا للأغلبية البرلمانية، إلا أن هذه المبادرة قوبلت بالرفض من قبل المعارضة فى كينيا واعتبروها محاولة للرئيس كينياتا للاستمرار فى السلطة بشكل غير مباشر، فى ظل رفض محكمة الاستئناف الكينية تغيير الدستور، معلنة أنه لا يحق للرئيس الكينى القيام بذلك، مع عدم شرعية هذه الإصلاحات التى تقدم بها والتى بدأت عام 2019.

تحالف كينياتا أودينجا ومنافسة شديدة من ويليام روتو

هيمنت عائلتى كينياتا وأودينجا على السياسة الكينية منذ الاستقلال فى 1963، وترأس كينيا الرئيس أوهرو كينياتا لفترتين رئاستين منذ عام 2013 ، وبحسب الدستور فإنه لا يجوز له الترشح للرئاسة مرة أخرى، لذلك يرى البعض أنه اتجه للتحالف مع السياسى الكينى رايلا أودينغا رئيس الوزراء السابق البالغ من العمر76 عام، الذى لم يحالفه الحظ فى أربع محاولات للوصول إلى الرئاسة فى 1997 و 2007 و 2013 و 2017 وذلك لضمان سيطرته على المشهد السياسى، خاصة أنه لا يوجد أى مرشح رئيسى بارز له شعبية من منطقة جبل كينيا التى تعد موطنًا لعرقية الكيكويو التى ينتمى إليها كينياتا.

أوهور كينياتا- أرشيفية

وعلى الرغم من أن هذا التحالف يعزز فرص رايلا أودينغا للفوز بالانتخابات ، إلا أن صورته كمعارض دائم تأثرت حين فاجأ البلاد بمصافحته كينياتا والتصالح معه وذلك بعد أشهر من انتخابات 2017 واندلاع الاشتباكات بين أنصار الطرفين ،هذه المهادنة أثارت تكهنات بأن الرجلين توافقا على أن يخلف أودينغا كينياتا ، وتأمين دعمه فى حملته الرئاسية، ومع ذلك فأن أودينغا سوف يكون فى مواجهة شديدة مع خصمه الجديد صاحب ال54 عامًا وليام روتو نائب الرئيس الكينى الذى سبق أن نال دعم كينياتا، حيث يقدم روتو نفسه على أنه زعيم معارض يسعى إلى تغيير الوضع القائم وإيصال صوت الذين يكافحون ويدعمون الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة، فى بلد تحت سلطة عائلات حاكمة محددة منذ الاستقلال.

رايلا أودينجا – أرشيفية

ولأول مرة فى تاريخ كينيا ، يسير الرئيس ونائبه علانية فى اتجاهات مختلفة، وقد أدى ذلك إلى زيادة الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم ، مما تسبب فى توترات فى أجزاء مختلفة من البلاد ، لا سيما فى التجمعات السياسية التى عقدها حلفاء نائب الرئيس وليام روتو والاعتداء عليهم من قبل الشرطة الكينية.

ويليام روتو -أرشيفية

وتتسم الانتخابات الكينية بتشكيل التحالفات قبل الانتخابات وتزايد أعداد المرشحين، هذه التحالفات التى قد يكون لها القدرة على حسم نتيجة الانتخابات خاصة فى ظل تقارب فرص رايلا أودينغا وويليام روتو، وضعف موقف المرشحين الأخرين مثل موخيسا كيتوى، الذى كان يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة للتجارة والتنمية وضعف خبرته السياسية واعتبار البعض أنه لن يكون قادر على المنافسة السياسية مع المرشحين الاخرين الذى لديهم شعبية ودعم كبير، والمرشح كالونزو ميسوكا الذى أعلن ترشحه منفرد تحت راية حزب “ويبر الوطنى” ولكن بحسب كل التقديرات فإن فرصه ضعيفة للفوز فى الانتخابات، كما أن هناك جدعون موى نجل الرئيس الأسبق دانيال أراب موى، لكن فرصه ضئيلة للفوز فى الانتخابات.

هل تؤثر الاوضاع الاقتصادية وفيروس كورونا على الانتخابات…؟

لم يكشف فيروس كورونا عن الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية فى كينيا فحسب ، بل أدى أيضًا إلى تفاقم مجموعة من المصادر الأخرى لانعدام الأمن والاستقرار، كما هو الحال فى العديد من الدول الأفريقية الأخرى، حيث ألحقت جائحة فيروس كورونا COVID-19 أضرارًا جسيمة بالقطاعات الاقتصادية الرئيسية، وعطلت المجتمع الكينى عن تحقيق التنمية المستدامة، وزادت من عبء الديون، كما أدت الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الوباء إلى تراجع التقدم المحرز فى الحد من الفقر فى كينيا ، مما دفع ما يقدر بمليونى كينى إلى سدة الفقر، وبالتأكيد سوف تتحول التداعيات الاقتصادية إلى قضية انتخابية يستغلها المرشحون حيث يستمر المزيد من الكينيين فى مواجهة الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الآخذة فى الاتساع فى مجتمعهم وتكون سبب رئيسى فى العنف الانتخابى الذى يندلع فى كينيا.

ووفقًا لتحديثات البنك الدولى الاقتصادية فى كينيا، ذكر التقرير أن فيروس كورونا تسبب فى خسائر كبرى فى الأرواح بالإضافة إلى تراجع معدلات النمو، كما لم تتمكن العديد من الشركات من الارتداد إلى مستويات ما قبل COVID كما شهد العديد من المصنعين فى كينيا انخفاضًا فى الطلب على منتجاتهم، مما أجبرهم على خفض طاقتهم الإنتاجية بشكل كبير، حيث تم استبعاد العديد من الكينيين من سوق العمل نتيجة فقدان ما يقرب من 1.7 مليون كينى وظائفهم بعد فرض الإغلاق الصارم وحظر التجول، ومع ذلك فإن هذه الأرقام أقل من الواقع لأن الغالبية العظمى من السكان فى سن العمل فى كينيا يعملون فى القطاع غير الرسمى.

معركة من أجل منطقة جبل كينيا

وفقًا لتقرير التعداد السكانى لعام 2019 فى كينيا، هناك أكثر من 27 مليون كينى فوق سن الرشد، وفى عام 2017 ، كان هناك 19.6 مليون ناخب فى السجل الانتخابى، وتعتبر منطقة جبل كينيا (التى تضم ميرو وإمبو وتاراكا نيثى وناكورو ولايكيبيا وخمس مقاطعات وسط كينيا) من المناطق الهامة فى الانتخابات القادمة، حيث أنه كان لديهم 5.3 مليون ناخب فى عام 2017 ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 7.3 مليون ناخب ، مما يجعلها المنطقة الأكثر نفوذاً فى انتخابات 2022 وهو ما أدركه المرشحان الرئاسيان أودينجا وروتو من أهمية الحصول على دعم منطقة جبل كينيا، حيث قامو بزيارتها وإلقاء الخطب المختلفة وتعمد مهاجمة كلًا منهما الاخر.

وفى ضوء ما سبق من المتوقع أن تشهد الانتخابات الكينية 2022 مزيدًا من مظاهر العنف والنزاعات بين الأطراف المختلفة، وذلك بسبب مبادرة بناء الجسور التى ساهمت فى تغيير التحالفات والانقسامات السياسية، والتحولات فى طبيعة التنافس السياسى من التنافس بين الأعراق إلى التنافس بين الطبقات بسبب عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ،فضلًا عن الخطاب التحريضى من قبل القادة السياسيين الذى يؤجج الصراع، وتصاعد انعدام الأمن والعنف أثناء الجائحة وعدم الثقة فى حيادية وقدرة المؤسسات الانتخابية والتوترات حول حدود الدوائر الانتخابية، الأمر الذى يتطلب ضرورة إتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة أسباب عدم المساواة الاجتماعية وحالة الاستقطاب السياسى والتوزيع العادل للثروة والسلطة، مع تعهد كافة الأطراف بعدم تحفيز أنصارهم على ممارسة العنف حال خسارتهم للانتخابات والقبول بالنتائج الرسمية، وعدم استغلال الشباب المندفع عرقيًا من أجل تحقيق طموحات سياسية يترتب عنها التأثير سلبيًا على مستقبل الدولة الكينية الواعدة فى منطقة شرق أفريقيا.

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version