تشهد منطقة الساحل الأفريقى تصاعداً مستمراً فى وتيرة الهجمات الإرهابية وعدد التنظيمات المسلحة، التى تستهدف إستقرارها وتحويلها إلى دول إرهابية تكون مركزًا لتصدير الإرهاب إلى باقى دول أفريقيا والعالم.
وبسبب اجتياح فيروس كورونا العالم فى 2020، فقد استغلت الجماعات الإرهابية فى أفريقيا الثغرة الأمنية التى خلفها الوباء، لزيادة عملياتها الإرهابية، وتوسيع نشاطها إلى دول أخرى. حيث سجلت القارة الأفريقية زيادة فى عدد الهجمات الإرهابية، وشهدت حوالى 1325 هجومًا إرهابيًّا فى الفترة من يناير 2020 إلى أكتوبر من نفس العام، بزيادة تقدر بـ 20٪ مقارنة بالفترة نفسها فى عام 2019.
ووقعت معظم تلك العمليات فى دول الساحل والصحراء. وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فقد هرب ثلاثون ألفاً من أفراد الجماعات الإرهابية فى سوريا والعراق إلى منطقة الساحل والصحراء.
أعلى معدلات الإرهاب!
وفقًا للمؤشر العالمى للإرهاب الذى يصدر عن معهد الاقتصاد والسلام (سيدنى)، فقد شهدت عدة دول فى أقاليم أفريقيا _جنوب الصحراء_ أعلى معدل من العمليات خلال عام 2019، وهذه الدول هى (بوركينا فاسو ومالي وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية والنيجر والكاميرون وإثيوبيا).
فيما سجلت بوركينا فاسو أكبر زيادة فى عدد القتلى، نتيجة العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم (2020)، وتزامنت التهديدات الإرهابية فى تلك الدول مع عدد آخر من التهديدات المناخية، فضلاً عن انتشار الفقر والنمو السكاني المرتفع مع ضعف المرونة المجتمعية، مما يزيد من عمق الأزمة الإنسانية التى تواجهها تلك الدول.
الساحل
مجموعة دول الساحل الخمس – المصدر: الرؤية
دول الساحل الأفريقى
تتكون دول الساحل الأفريقى طبقًا لتعريف الإتحاد الأوروبى من خمس دول (G5): (مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد). تتمتع دول الساحل بموقع جيوستراتيجى متميز مما يجعلها مؤثرةً بالنسبة لبعض الأزمات الإقليمية، مثل الأزمة الليبية.
وتعد المنطقة مصدراً مهماً للموارد الطبيعية والاستراتيجية مثل اليورانيوم والنفط، وتحظى باهتمام إقليمي ودولى ملحوظ، بعد تحولها لبؤرة جاذبة للجماعات الإرهابية.
 بداية الانتشار
برز الإرهاب بشكل واضح فى منطقة الساحل الأفريقى فى أواخر عام 2011، عقب سقوط الرئيس الليبى الأسبق معمر القذافى، وتدفُّق الجماعات المسلحة ومقاتلي القاعدة من الطوارق المسلحين بأسلحة من ترسانة القذافى إلى مالي، وقاموا هناك بالتعاون مع متمردي الطوارق الساعين إلى الاستقلال من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، ومع جماعة أنصار الدين السلفية.
وبسبب الانقلاب العسكري الذي جرى فى مالي خلال مارس 2012، أصبحت هناك مناطق شاسعة غير خاضعة لسيطرة الدولة المركزية، مما أدى إلى انتشار الجماعات المسلحة وتصديرها إلى الدول المجاورة. كما أسفرت الحرب الأهلية فى ليبيا عن استمرار انتشار تنظيم (داعش) فى النيجر، كما اتسع نشاط جماعة بوكو حرام عام 2013، فامتد إلى النيجر وتشاد وبوركينا فاسو.
تطور العمل الإرهابى
تجدر الإشارة إلى أن تلك التنظيمات تتبنى فكر إعادة “دولة الخلافة” عبر إقامة الإمارات والولايات التى تُعلن عنها التنظيمات المحلية بدعوة تطبيق الشريعة وفقاً للفكر المتطرف الذي تتبناه، وذلك كبديل لتحقيق مصالح سياسية أو مكاسب اقتصادية، بمعنى التحول من محاولة تحقيق المكاسب إلى فكر هدم الدول وإسقاط أنظمة الحكم.
لذلك فبعد أن كانت الأنشطة الإرهابية تقتصر على عمليات الاختطاف والاغتيال والتخريب، بما يتطلبه ذلك من إمكانيات الأسلحة الخفية والعبوات ووسائل الاتصال المحدودة، صارت قادرة على إدارة عمليات غير متكافئة مع القوات النظامية للدول، بما يحتاجه ذلك من إمكانيات تعتمد على أسلحة متوسطة وثقيلة وأجهزة اتصال متقدمة، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة.
أخطر 5 تنظيمات إرهابية فى أفريقيا – أرشيفية
بيئة خصبة للإرهابيين
بحثت التنظيمات الإرهابية، التي تلقت الهزيمة الساحقة في سوريا والعراق، عن بيئة أخرى خصبة للقيام بعملياتها والانطلاق لمناطق أخرى، فاستقر بها الحال في منطقة الساحل الأفريقي لأسباب داخلية وخارجية:
* أما الأسباب الداخلية فهي تتعلق بطبيعة الإقليم نفسه، إذ تُعد دول المنطقة من أكثر الدول فقرًا، ففى عام 2019 اعتُبرت النيجر من بين 10 دول هي الأكثر فقرًا فى العالم، فضلًا عن محدودية خطط التكامل فى مجالات التنمية الاقتصادية والبشرية بين دول فضاء الساحل والصحراء، وانتشار عصابات الجريمة المنظمة التى ترتبط أنشطتها بعمليات الجماعات المتطرفة الإرهابية (من الاختطاف وتجارة السلاح والمخدرات).
كما أن الصحراء المُخترقة والممتدة عبر آلاف الكيلومترات تجعل من السهل على أفراد التنظيمات الإرهابية التنقل بين دول الساحل الإفريقي. ونظرا لصعوبة مراقبة تلك المناطق الصحراوية الشاسعة أمنيًا، فإن التنظيمات والجماعات الإرهابية تتخذها مكاناً للتدريب والاختباء لما توفره من ملاذات أمنية.
* فيما تمثلت الأسباب الخارجية فى استغلال تلك الجماعات للأزمة الليبية وتحديات الدول الأخرى فى الشمال الإفريقى التى تحد منطقة الساحل. فبعد الهزائم التى تلقاها داعش فى سوريا والعراق وليبيا، وجد قادة التنظيم فى منطقة الساحل مساحة يمكن أن تكون منطقة نفوذ جديدة لهم، فضلًا عن تحول “القاعدة” و”داعش” إلى فكر أكثر منه تنظيم، تستمد منه الجماعات والتنظيمات المحلية مبادئ وقواعد لتنفيذ الأعمال الإرهابية.
وساهم فى تحقيق ذلك التطور فى شبكات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة المعلومات الدولية، والتدخل الأجنبى السافر فى شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل مكثف، وسهولة التنقل بين الدول، والاحتكاك بمجموعات جهادية كثيرة خارج الإقليم فى أفغانستان والسودان، فضلًا عن تمويل هذه الجماعات من بعض دول الإقليم ودفعها لزعزعة الاستقرار فى أفريقيا.
التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل
تعددت التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل الأفريقي بين تنظيمات محلية تكونت بدافع سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ثم تحولت لتنظيمات إرهابية، وبين تنظيمات خارجية نشأت فى دول أخرى ثم تمددت داخل المنطقة.
“جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”: تعد واحدةً من أخطر التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل والصحراء، كونها تشتمل على أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم “القاعدة”، وتأسست عام 2017، وتضم أربع جماعات إرهابية، وهى: “كتيبة المرابطين” و“إمارة منطقة الصحراء الكبرى” و“جماعة أنصار الدين” (أغلب عناصرها من الطوارق شمالي مالي)، و“كتائب تحرير ماسينا” (أغلب عناصرها من قبيلة الفلاني وسط مالي).
وتعلن الجماعة أن عدوها الأساسي هو فرنسا، وتتمركز بشكل رئيسي فى مالي، لكنها تشكل تهديدًا لدول الجوار (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو) ويتراوح عدد عناصرها بين 1500- 2200 من جنسيات مختلفة، كما تمتلك خبرة عسكرية كبيرة.
“بوكو حرام”: يتكون اسم جماعة بوكو حرام، من كلمتين، الأولى بوكو، وتعنى باللغة الهوسية “دجل”، أو “ضلال”، والمقصود بها التعليم الغربى، وحرام كلمة عربية، ويعني المقطعان معا “تحريم التعليم الغربي”. وتعود بداية الجماعة لعام 2000 عندما بدأت نشاطها الدعوى لمدة عامين قبل أن تغير نهجها الدعوي السلمي إلى النشاط الإرهابي على يد “محمد يوسف”، الذى تولى رئاسة الجماعة فى ذلك الحين.
أبو بكر شيكاو – المصدر: AFP
وفى عام 2009، خططت جماعة بوكو حرام للتمدد فى منطقة الساحل الأفريقي والسيطرة على منطقة بحيرة تشاد، فاستهدفت أعمال العنف دول مثل النيجر وتشاد والكاميرون، محققةً مخططها فى 2015 بالسيطرة الكاملة على تلك الدول. وشهد عام 2015 مبايعة زعيمها السابق “أبو بكر شيكاو” لتنظيمَ داعش وتغيير اسم الجماعة، ليصبح “تنظيم الدولة الإسلامية فى غرب إفريقيا”.
وفى عام 2016 انقسمت الجماعة إلى فصيلين، أحدهما موالٍ لتنظيم داعش الإرهابي، وهو الأكثر نشاطًا وعنفا، بقيادة «أبو عبدالله البرناوي»، والفصيل الآخر بقيادة شيكاو، وهو موالٍ لتنظيم القاعدة الإرهابي.
وفى أبريل 2019، أعلن الفصيل الموالي لتنظيم داعش عن ولاية جديدة تابعة له فى غرب أفريقيا، ما تسبب فى تمدد الجماعة الإرهابية إلى أغلب دول منطقة الساحل والصحراء (مالي وبوركينا فاسو)، ويُعد عام 2020 الأكثر دموية فى تاريخ بوكو حرام بعد تنفيذها عشرات العمليات الإرهابية، ما بين قتل وذبح واختطاف، وهذا الأخير يعدُّ تجارة رابحة ومصدرًا رئيسًا لتمويل الجماعة.
“تنظيم القاعدة في بلاد المغرب”: خرج هذا التنظيم من رحم تنظيم آخر متطرف نشط أساسا فى الجزائر ويُعرف باسم “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، لكن نفوذه يمتد إلى جنوب الصحراء ومنطقة الساحل، مرورا بموريتانيا والمغرب وتونس ومالي.
عبدالملك دروكدال – صورة أرشيفية
وفى يناير عام 2007 بايع زعيمه “عبد الملك دروكدال”، تنظيم القاعدة الإرهابي، وتمكنت فرنسا فى 5 يونيو 2020 من اغتيال دروكدال، الأمر الذى شكل ضربة موجعة لجميع التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل، لأنه كان الأب المؤسس لمعظم التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، وقد أعلن تنظيم القاعدة تعيين زعيم جديد له فى المغرب العربى، هو الجزائرى “أبو عبيدة يوسف العنابي”، وهو ما يُعد بداية جديدة لهذا التنظيم.
وقد تمكن دروكدال فى عامى 2006 و2007 من نقل نشاط الجبهة السلفية للدعوة والقتال من إطار محلي داخل الجزائر، إلى إطار إقليمي ودولي تحت مسمى «تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي»، فطالت ضربات التنظيم العديد من دول شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس، وامتدت جنوبا إلى دول الساحل خاصة مالى والنيجر وتشاد.
كما استوعب التنظيم العديد من الجماعات الإثنية مثل الطوارق فى شمال مالي، ففى عام 2011 تشكلت حركة أنصار الدين بقيادة “إياد أغ غالي” فى منطقة كيدال بمالي، وتبنى التنظيم فكر “القاعدة” وظلت تربطه بها علاقات وثيقة.
تنظيم داعش فى أفريقيا – أرشيفية
“داعش”: شكلت منطقة القرن الإفريقي مدخلا لتنظيم داعش الإرهابى منذ عام 2015، وتحديدا الصومال ودول حوض بحيرة تشاد، لكن داعش وسّع نشاطه فى الساحل الإفريقي، خاصة فى مالي وبوركينا فاسو، إضافةً إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، وقد تنامى تهديد “داعش” فى منطقة الساحل والصحراء من خلال تكثيف الهجمات على المواقع العسكرية فى دول المنطقة.
حيث كثَّف تنظيم “داعش الصحراء” مع بداية عام 2020 هجماته على مواقع عسكرية فى مالي (موندورو وبولكسى وإنديليمان وتابانكورت)، والنيجر (إناتس وسانام وشيناغودار)، مما أسفر عن 400 إصابة بين أفراد تلك القوات.
كما تصاعدت الاشتباكات بين “داعش الصحراء” وتنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” (المبايع للقاعدة)، وتنامى عدد المقاتلين فى الأول بعد انضمام العناصر المنشقة عن الثانى، كما وسع “داعش غرب أفريقيا” هجماته فى نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، لفتح جبهات متعددة وتأمين تحركاته.
ويشير استهدافه للقوافل العسكرية فى منطقة لاك فى تشاد فى يوليو 2020، إلى محاولة ردع القوات التشادية عن العمل خارج قواعدها كما يشير هجوم مارس 2020 الذى أسفر عن مقتل ما يقرب من 100 جندى تشادى، إلى تركيز جديد على استهداف تشاد.
ويكثف تنظيم “داعش” عبر فرعه فى غرب أفريقيا هجماته الإرهابية ضد قوات الأمن والمدنيين، بالتوازى مع محاولاته استهداف القوات الفرنسية المتمركزة بدول الساحل والصحراء، على نحوٍ أدى إلى تصاعد دور هذا الفرع الذى وصل إلى المرتبة الأولى، بين مجمل أفرع التنظيم الخارجية المختلفة خلال الفترة الحالية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الذين انضموا لـتنظيم “داعش” من إفريقيا منذ ظهوره إلى الآن يصل إلى 6 آلاف مقاتل، وفى ظل الخسائر التى مُنى بها التنظيم، صار المهرب والملجأ المناسب له هو إفريقيا.
مصادر التمويل
تنوعت مصادر تمويل الجماعات الإرهابية فى الساحل الإفريقي، بين مصادر داخلية وخارجية:-
وتتمثل مصادر التمويل الداخلية في إمكانية الوصول إلى الموارد المحلية، مثل مناجم الذهب، والشبكات الإجرامية، مما سمح لهم بتوسيع نفوذهم على الممرات الاقتصادية الرئيسة، وفرض الضرائب، مثلما فعلت داعش فى العراق وسوريا، والإتجار بالمخدرات خاصة الكوكايين، والاتجار بالبشر والاختطاف وطلب الفدى.
إلى جانب تجارة النفط والذهب، وعمليات الاحتيال والأدوية المزيفة. وبات الإرهاب فى إفريقيا يجد لنفسه مصدر تمويل حيث نمت عائدات مصادر التمويل الداخلية من 75 مليار دولار فى عام 2010، إلى 200 مليار دولار عام 2020.
أما مصادر التمويل الخارجية، فتتمثل فى الحصول على دعم من بعض الدول مثل قطر التى تدعم الإرهاب من خلال دعم العناصر البارزة للجماعات الإرهابية فى منطقة الساحل، وهناك لقاءات جمعت بين أمير قطر “تميم بن حمد” وأحد أبرز المطلوبين لموريتانيا فى قضايا الإرهاب، المدعو “المصطفى الإمام الشافعى” فى 2018 والمعروف بعلاقاته مع الجماعات الإرهابية التى تنشط فى شمال مالي، ومنطقة الساحل مثل جماعة “عمر المختار”.
فضلًا عن دعم قطر للمعارضة التشادية المسلحة التى تتخذ من جنوبي ليبيا معقلاً لها، كما تقيم تحالفات مع جماعات إرهابية شمالي مالي تتبع تنظيمي القاعدة وداعش، والمعروفة بتمددها إلى بوركينا فاسو ونيجيريا والنيجر، ودعم حركة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، والتى تجلى في دخولها دائما على خط دفع الفدية لرهائن أخطر تنظيم إرهابى بالقارة السمراء.
وفي تقرير صادر عن جهاز المخابرات الفرنسي فى أوائل عام 2020، والمتمثل في مذكرات من «الإليزيه»، يكشف الدور القطرى فى دعم الإرهاب بأفريقيا بشكل يخدم المصالح التركية أيضا، والذى أشار إلى أن الدوحة أغرقت مناطق نزاع بأكملها بالسلاح، وأدخلت قوات قطرية خاصة إلى شمالي مالي، وأشرفت على تدريب عناصر حركة أنصار الدين الإرهابية الناشطة بالمنطقة.
وتقدر قيمة الدعم القطري للتنظيمات الإرهابية فى الساحل الإفريقى بقيمة 10 ملايين يورو، وذكر تقرير نشرته مجلة “جون أفريك” الفرنسية، أن قطر عقدت صفقة تبادل بين الجماعات الإرهابية ومالي عبر وسيط، هو المصطفي الإمام الشافعي، وكانت الصفقة مع الجماعة الإرهابية “حركة نصرة الإسلام” في مالي، ونصت على إطلاق سراح رهائن أجنبية كانت قد اختطفتهم وإعادة 200 إرهابى إلى الميدان مقابل 10 ملايين يورو.
الرئيس التركى “أردوغان” – أرشيفية
كما تواجه تركيا العديد من الاتهامات فيما يتعلق برعاية التنظيمات الإرهابية فى الساحل والصحراء، وتسليح التنظيمات الإرهابية والمرتزقة، بهدف تعزيز الوجود التركي والسيطرة على الثروات الطبيعية، وتدعيم تيارات الإسلام السياسي، كما يحاول النظام التركي تجنيد قبائل الطوارق فى منطقة الساحل، للترويج لسياساته فى الساحل وغرب وشمال أفريقيا، فقد زار 10 من شيوخ وقادة الطوارق تركيا فى أبريل 2020.
وتسعى أنقرة إلى استمالة الطوارق واستغلالهم من أجل تعزيز سياساتها الحالية، ومن شأن النفوذ التركى على الطوارق أن يمنح أنقرة جملة من أوراق الضغط لمساومة بعض البلدان الأفريقية، بما فى ذلك ليبيا والنيجر ومالي والجزائر، وكذلك بعض القوى الغربية مثل فرنسا.
وأكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أرسل نحو 900 مرتزق للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، الذى ينشط فى الشمال الغربي لدولة مالي والمعروفة بمنطقة الأزواد، وذلك بهدف دعم وتعزيز صفوف تنظيم داعش فى منطقة الساحل والصحراء بقيادة الإرهابي “عبد الحكيم الصحراوي”.
كما تشير بعض التقارير إلى أن هناك 229 من كبار قادة التنظيمات الإرهابية من جبهة “النصرة” و”داعش” قد أرسلتهم أنقرة من تركيا إلى طرابلس الليبية، بما يعني إمكانية انتشارهم فى مناطق أخرى فى أفريقيا.
وفى هذا الإطار، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بوجود عناصر إرهابية تُمولها وتدربها أنقرة يصل عددهم إلى 4700 عنصر فى ليبيا وفقاً لإحصائيات فبراير 2020، و1800 يتدربون فى أنقرة، فيما وصل 64 عنصراً من أوروبا، كما كشفت بعض التقارير عن إرسال أنقرة نحو 900 عنصر للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المتمركز فى شمال غرب مالي، بهدف تعزيز صفوفه تحت قيادة عبد الحكيم الصحراوي.
ومن ثمّ، تبدو بيئة منطقة الساحل والصحراء مُهيَّأة لتعزيز العلاقة بين أنقرة ومختلف التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة، والتى تشكل تهديداً واضحاً لدول المنطقة ومناطق الجوار الجغرافي، لا سيما شمال أفريقيا.
قوة “تاكوبا” الأوروبية – أرشيفية
التحرك الدولى لمواجهة الإرهاب فى الساحل الأفريقي
بدأ تحرك القوى الدولية والدول الأفريقية خلال الأشهر الأولى من 2020، فى محاولة لاحتواء الخطر الإرهابي المتنامي بالقارة السمراء ومنطقة الساحل الأفريقي عبر تشكيل قوات عسكرية مشتركة.
وفي نهاية مارس 2020، شكلت 11 دولة أوروبية بقيادة فرنسا مع النيجر ومالي قوة عسكرية مشتركة باسم “تاكوبا”، لكن تلك القوة المشتركة لم تتمكن حتى نهاية 2020 من تحجيم خطر الجماعات الإرهابية رغم الضربات الكبيرة التى وجهتها، خصوصاً لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين.
كما نفذت قوة “برخان” العسكرية الفرنسية عدة عمليات على نطاق واسع في منطقة الساحل الأفريقي، وكبدت الجماعات الإرهابية خسائر فادحة فى الأرواح والعتاد. وتلك القوة تقودها فرنسا بمشاركة خمس دول من منطقة الساحل وهى موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، بقوام 5 آلاف جندي.
وفى فبراير 2020، أعلن جيش النيجر عن نجاح أضخم عملية عسكرية مشتركة ضد النشاطات الإرهابية فى المثلث الحدودي مع مالي وبوركينا فاسو، أسفرت عن مقتل 120 إرهابياً.
الخطر على الأمن القومى المصرى
تدرك مصر خطر تنامي التنظيمات الإرهابية فى الساحل الأفريقي، لذلك فقد اتخذت عدة خطوات لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية. ففى فبراير 2020 استضافت القاهرة اجتماعا لرؤساء أركان حرب القوات المسلحة لدول تجمع الساحل الأفريقي الخمس (موريتانيا ومالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)، وتم مناقشة مقترح إنشاء قوة قارية لمكافحة الإرهاب فى دول الساحل، وتدريب كوادر من تلك الدول فى مصر فى مجال مكافحة الإرهاب.
وفى يونيو من العام نفسه، انطلقت بقاعدة “محمد نجيب” العسكرية شمال مصر، فعاليات التدريب المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب بين عناصر من دول تجمع الساحل والصحراء.
كما سعت مصر لدعم بناء قدرات قوات مكافحة الإرهاب فى الساحل ودعم الجيوش الوطنية نظرًا لضعف قدرة هذه الدول على التغلب على الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال نقل الخبرة المصرية فى المجال العسكري والأمني، والعمل على تعزيز تنفيذ مبادرة “إسكات البنادق”.
وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى” – أرشيفية
وخلال مشاركته فى أعمال المؤتمر رفيع المستوى لدول الساحل الذى عُقد فى بروكسل فى فبراير عام 2018، أعلن وزير الخارجية المصري “سامح شكرى” تعهد مصر بدعم القوة الإقليمية المشتركة لمنطقة الساحل G5 من خلال توفير 250 دورة تدريبية لعناصر هذه القوات، وتقديم 110 مركبات مدرعة لدعم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام فى مالي.
كذلك قامت مصر فى يونيو 2018 بافتتاح مركز قيادة عمليات مكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء بغرض صياغة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، واستضافت مصر عددًا من التدريبات لقوات هذا التجمع، والذى شهد فعاليات متعددة لتنسيق الجهود وتعزيز قدرات الجيوش الأفريقية على مواجهة تحدي الإرهاب، حيث يمثل الإرهاب المنتشر فى منطقة الساحل الأفريقي خطرًا على أمن مصر القومي _وإن كان بشكل غير مباشر_ للأسباب التالية:-
• تدفق الإرهابيين لمنطقة الساحل الأفريقي يشير إلى استمرار انتشار الجماعات المسلحة الإرهابية وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية فى ليبيا، خاصة فى الشرق، وسيطرة الميليشيات التكفيرية على بعض المدن الليبية، وهو ما يترتب عليه تسريب الأسلحة والمعدات العسكرية، وعناصر هذه التنظيمات الإرهابية لمصر، وهذا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن مصر القومى.
• انتقال هذه التنظيمات الإرهابية وتمددها فى السودان، حيث أنها نقطة تماس مع دول الساحل الأفريقي، وتعد السودان امتدادًا لأمن مصر الإقليمي والجغرافي، لذلك فإن تحولها لبؤرة إرهابية فى ظل حالة عدم الاستقرار الأمني التى تعاني منها فى عدد من مناطقها سيترتب عليه تصدير الإرهابيين لمصر، وتصبح مصر بذلك محاصرة من الغرب فى ليبيا والجنوب فى السودان.
• المخططات القطرية والتركية فى دعم هذه التنظيمات الإرهابية، لتهديد أمن واستقرار المنطقة واستخدامها كوسيلة للضغط على الدول الأفريقية لتحقيق مصالحها وزيادة هيمنتها على موارد هذه الدول، فضلًا عن دفعها لتبني مواقف سياسية تعادي مصلحة الأمن القومي العربي وعلى رأسه مصر، وهو ما يزيد الخطر على الأمن القومي المصري من خلال تهديد أعماقه الإستراتيجية الأفريقية والعربية.
• خطورة انتشار هذه التنظيمات وتحول منطقة الساحل الأفريقي إلى دولة إرهابية، وهو ما سيجعل تلك المنطقة مصدرًا للتهديد الإرهابي العالمي، وستشكل خطراً على أمن مصر نظراً للقرب الجغرافى منها.
الخلاصة
وختامًا، تتخذ الجماعات الإرهابية من الساحل الأفريقى مسرحا تنطلق منه عملياتها لتهديد الدول الأفريقية والسعي لإسقاط أنظمة الحكم فيها، وعلى الرغم من تراجُع سيطرة تنظيم القاعدة فى منطقة الساحل الأفريقي أمام تنظيم داعش، لاسيما بعد انتهاء دور بعض قيادات القاعدة فى الحفاظ على نمط من التعاون بين التنظيمين بعد أن لقيت حتفها على أيدى القوات الفرنسية، إلا أن الاتجاه العام للتنسيق والتعاون فيما بين عدد كبير من الجماعات الإرهابية، ومحاولة توحيد هذه التنظيمات تحت قيادة واحدة، يزيد من مخاطرها.
وهو ما يتطلب معه تكاتف إفريقي لمواجهة تلك التنظيمات بعد إخفاق القوى الدولية فى تجفيف منابع الإرهاب فى الساحل الإفريقي، بل إن الفترة الأخيرة شهدت زيادة مُطردة في العمليات الإرهابية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version