شهدت تطورات أزمة سد النهضة خلال العام المنصرم 2020 فرض واقع جديد، مكَّن إثيوبيا من تنفيذ الملء الأول بقرار أحادى، بالتزامن مع مفاوضات متعثرة شارك فيها مراقبون إقليميون ودوليون، وهو ما أدى إلى تحول التحدى الذى تمثله تلك الأزمة إلى تهديد يجب أن تواجهه مصر بإستخدام أدواتها المختلفة لتأثيره المباشر على أمنها القومى.
ويرتبط هذا التهديد بعدم إستبعاد لجوء رئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد خلال المرحلة المقبلة لإستغلال تراجع منسوب المياه المتوقع إعتباراً من شهر إبريل القادم فى إستكمال تشييد القطاع الأوسط للسد والإعداد لتركيب التوربينات تمهيداً للملء الثانى عقب بدء موسم الفيضان القادم 2021 وبدء الإنتاج الفعلى للطاقة، وذلك فى محاولة لتعزيز مكانته الداخلية وإحتواء الأثار السلبية التى خلَّفتها المواجهات المسلحة بين القوات الفيدرالية وقوات التيجراى على وضعيته الداخلية.
ورغم ما سبق، إلا أنه من المتوقع أن تشهد أزمة سد النهضة خلال عام 2021 معطيات جديدة يمكن أن تطرح معها واقعًا مختلفا قد يغير من مفردات المعادلة لصالح مصر – حال إستغلاله جيداً من قبل دولتى المعبر والمصب – وذلك إرتباطاً بإفراز الزخم المصاحب لتفاعلات أطراف الأزمة والقوى المعنية المختلفة العديد من التطورات على المستويات الفنية والسياسية والعسكرية، وهو ما قد يجعل من عام 2021 عاماً لحسم تلك الأزمة فى كل الأحوال.
على المستوى الفنى
تم التوصل لإتفاق واشنطن فى فبراير 2020 الذى تضمن التعاطي مع الشواغل الفنية والقانونية لدولتي المعبر والمصب، بما أكد إمكانية تسوية تلك الأزمة من خلال تقريب وجهات النظر وتقديم الدول الراعية للاتفاق بعض الضمانات والحوافز وطرح بعض الإجراءات لبناء الثقة المتبادلة، إلا أن غياب الإرادة السياسية لأديس أبابا أدى إلى إمتناعها المفاجىء عن التوقيع وكشف نواياها الحقيقية أمام المجتمع الدولى، ونفى عن مصر شبهة التعنت خاصة عقب توقيعها منفردة على الاتفاق.
مفاوضات واشنطن - صورة أرشيفية
مفاوضات واشنطن - صورة أرشيفية
على مستوى السودان
تمكن السودان من استغلال مفاوضات واشنطن فى تجاوز مرحلة جمود العلاقات الثنائية، والاتفاق على أهمية إنهاء ملف رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب وهو ما تحقق لاحقا، بجانب تصويت الكونجرس لصالح الخرطوم بالحصانة السيادية التى سقطت بمقتضاها كافة الاتهامات والقضايا المتعلقة بالإرهاب بحق الخرطوم بشكل نهائى، وبما أدى إلى تخفيف حجم الضغوط المفروضة على صناع القرار فى الخرطوم.
عبدالله حمدوك “رئيس الحكومة الانتقالية فى السودان” – أرشيفية
– إبرام الحكومة السودانية إتفاق “جوبا للسلام” مع 8 حركات معارضة وفصائل عسكرية مسلحة، والذى تضمن نزع سلاحهم وإدماج كوادرهم داخل صفوف الأجهزة الأمنية والقوات الوطنية وتحولهم لشركاء فى الحكم، وهو ما أسهم فى إنتزاع أحد أهم أوراق الضغط الإثيوبى على المجلس السيادى الإنتقالى فى السودان الجديد.
– استغلال القوات المسلحة السودانية انشغال الجيش الإثيوبى وميليشياته فى الاشتباكات الداخلية مع الجبهة الثورية لتحرير التيجراى، فى إعادة الانتشار داخل منطقتي الفشقة الصغرى والفشقة الكبرى التابعتين لولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا والسيطرة عليهما لأول مرة منذ 25 عاماً، وهو ما عزز من وضعية الفريق البرهان فى مواجهة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، كما أعاد التوازن فى العلاقات بين البلدين، بل ومنح السودان أفضلية بامتلاك أدوات ضغط جديدة على أديس أبابا التى تطالب الخرطوم بإحكام حدود البلدين المشتركة للحيلولة دون تسلل المعارضة الإثيوبية المسلحة، بجانب طلب تسليم بعض قيادات تيجراى الفارين للداخل السوداني، فضلاً عن إمكانية إستغلال الخرطوم مستقبلاً إستضافتها لعشرات الألاف من اللاجئين الإثيوبيين، وهو ما سيمنح السودان قدراً مناسباً من حرية المناورة خلال أية مفاوضات مقبلة.
– تحول العلاقة بين مصر والسودان من تبادل الإتهامات والتربص والتشكك إلى التقارب وتنسيق المواقف بشكل نسبي، وترجمة زيارات كبار مسئولي البلدين المتعددة إلى مشاريع إستراتيجية وتركيزها فى المجالين التنموي والخدمي مثل مجالات الصحة والنقل والطاقة، بما يعكس إستهداف مصر تغيير الصورة الذهنية للرأى العام السوداني بشكل تدريجي، وارتقاء إجراءات بناء الثقة لتشمل أوجه التعاون فى المجالين الأمني والعسكري والتى توجت بإجراء عدد من المناورات على أراضي مصر والسودان، بما يؤكد رغبة البلدين فى مواجهة التحديات المشتركة.
على المستوى الإثيوبى
علم إثيوبيا – صورة أرشيفية
رغم نجاح إثيوبيا فى تنفيذ هدفها الخاص بالملء الأول ووجود قناعة لدى المفاوض المصري بعدم جدوى إجراء أية مفاوضات مقبلة واستنزاف مزيدٍ من الوقت، إلا أن الوضع الداخلي بإثيوبيا قد شهد مؤخراً العديد من التطورات الميدانية التى أثرت سلباً على حسابات القوة الشاملة للدولة على مختلف المستويات، والتى يمكن أن تؤثر سواء على النظام الإثيوبي نفسه أو خلال أية مواجهات سياسية أو غيرها، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالى:
– وقوع خسائر عسكرية ملموسة جراء الإقتتال الداخلي وتأثر إمكانيات كل من الجيش والقوات التابعة لإقليم تيجراى، وإنكشاف نقاط القوة والضعف وتواضع الإمكانيات، مع احتمال تحول المواجهات لأسلوب حرب العصابات، ورصد وجود مخطط للتغيير الديموغرافى فيما بين العرقيات المختلفة بالبلاد، بما قد يؤثر بشكل مباشر على إستقرار الدولة.
– تزايد فرص عدم الإستقرار السياسى نتيجة تأجيل آبى أحمد الانتخابات البرلمانية رغم انتهاء فترة ولايته، وتزايد مظاهر استياء بعض العرقيات – خاصة المهمشة – من سعيه للانفراد بالسلطة لاسيما عقب نجاحه في إقصاء عرقية “التيجراى” عن المشهد السياسي، وإلقاء القبض على أبرز معارضيه وتعرض البعض الأخر للإغتيال.
– تحول الاقتصاد الإثيوبي الذى كان يحقق نسبة نمو بلغت 8% خلال العامين الأخيرين إلى نسبة صفر بالمائة، بجانب تزايد نسبتي البطالة والتضخم نتيجة تأثرهما بكورونا والحرب الأهلية، وترجيح المؤسسات الدولية إستمرار تلك التوقعات خلال عام 2021 نتيجة اعتزام الحكومة توجيه جزء غير محدود من المخصصات المالية لإعادة تأهيل الجيش الفيدرالي، وصعوبة حصول الحكومة على قروض جديدة ارتباطاً بالتراجع الحاد لمؤشرات النمو، وضعاً فى الإعتبار ما تردد عن قيام شركة سيلينى الإيطالية المسئولة عن تشييد سد النهضة بتجميد نشاطها لعدم حصولها على مستحقاتها، وهو ما أكده خطاب آبى أحمد أمام البرلمان من وجود تحديات مالية أمام إستكمال المشروع.
على المستوى الإقليمى
الرئيس الإريترى – صورة أرشيفية
توقع سيطرة إريتريا خلال الفترة القريبة القادمة على مدينة “بادمى” الحدودية التى كانت تحت سيطرة التيجراى لفترة تجاوزت العشرين عاماً، وذلك عقب هزيمة الأخيرة والتنسيق الذى وضح فيما بين أسمرة وأديس أبابا، بجانب تمكن إريتريا من إستغلال التطورات الميدانية الأخيرة فى النفاذ لمخيمات اللاجئين الإريتريين المتواجدين داخل إقليم “تيجراى” وإستعادة أبرز قيادات المعارضة السياسية والمسلحة الإريترية وإلقاء القبض عليهم، وبالتالى تعزيز الرئيس الإريترى “أسياس أفورقى” وضعيته الداخلية والإقليمية على حساب إثيوبيا باعتبارها المنافس الرئيسي له بالمنطقة.
تأثر وضعية الرئيس الصومالى/ محمد عبد الله فرماجو الداخلية سلباً عقب سحب إثيوبيا – أحد أبرز حلفائه – قواتها المتواجدة بالصومال ضمن بعثة الإتحاد الإفريقى “أميصوم”، لاسيما مع قرب خوضه الإنتخابات الرئاسية خلال شهر يناير2021 والتى يسعى خلالها لمواجهة عدد من المنافسين المدعومين من قوى إقليمية أخرى (السعودية – الإمارات)، وضعاً فى الاعتبار أن إزاحة “فرماجو” الذى سبق أن أعلنت بلاده تحفظها على قرار جامعة الدول العربية الداعم للموقف المصرى فى إبريل 2020 حيال قضية سد النهضة، قد يؤثر سلباً على التحالفات الصومالية الإقليمية المناوئة لمصر (قطر – تركيا التى منحها قاعدة عسكرية بالبلاد وحصلت على بعض المدارس المصرية).
إمكانية طرح مجمل التوترات الداخلية بإثيوبيا من مناخ ملائم لزيادة أصوات القيادات الوطنية داخل إقليم “أوجادين” الصومالى الذى سبق وأن ضمته إثيوبيا لأراضيها، وتصاعد نشاطها الذى يسعى للانفصال خلال المرحلة المقبلة.
على المستوى الدولى
الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته – صورة أرشيفية
نجاح مصر فى الانتقال بالملف إلى المستوى الدولي وإشراك مراقبين من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ثم الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بغض النظر عن المواقف الدولية المبدئية التى أسفر عنها ذلك التحرك، بجانب تبني جامعة الدول العربية موقف مصر والسودان، وضعاً فى الإعتبار توقع إحالة الملف مجدداً للمنظمة الدولية خلال عام 2021، ولكن وفقاً لظروف ومعطيات مختلفة، نتيجة توقع تحول الموقف المصرى لتقديم شكوى وانضمام السودان للملف واستنزاف الاتحاد الإفريقى لمحاولاته لدفع إثيوبيا للتجاوب مع جهود المنظمة القارية.
إسهام تبلور موقف ورؤية داعمة للشواغل المصرية لدى الإدارة الأمريكية السابقة وإرتقاؤها لمستوى توقيع عقوبات إقتصادية على إثيوبيا، وإعلان وزارة الخزانة الأمريكية تعليق مساهمتها فى أنشطة سد النهضة، وصولاً لتصريحات ترامب الخاصة بتوجيه مصر لضربة عسكرية للسد وما صاحبها من جدل خاصة بالداخل الإثيوبى، فى صعوبة إجراء إدارة بايدن تحول جذري فى مواقف واشنطن من أزمة سد النهضة، رغم التسليم بتوقع اتخاذها مواقف غير داعمة للمفاوض المصري.
تسبُّب ردود الفعل في إقدام إثيوبيا بخطوة الملء الأول بشكل منفرد رغم إستمرار المفاوضات ووضوح تعنتها، وما طرحه ذلك من زيادة فرص انتقال الأزمة إلى المواجهات المسلحة، فى صعوبة تقديم الصين – الداعم الرئيسى لإثيوبيا فى مجال مشاريع الطاقة والتنمية ضمن مساعيها الرامية لتنفيذ مشروع طريق الحرير للنفاذ للسوق الإفريقية – للدعم المادي المباشر لإستكمال بناء السد، لما يمكن أن يطرحه ذلك من فقدان بكين لكل من مصر والسودان، لاسيما مع وضوح إهتمام كل من موسكو وواشنطن بالمنطقة.
على المستوى العسكرى
الرئيس السيسي أثناء إفتتاح قاعدة برنيس البحرية
ساهم استحداث مصر لقاعدة برنيس البحرية والجوية خلال عام 2020 فى إقناع “أديس أبابا” بسهولة وصول مصر لأهدافها داخل العمق الإثيوبى، دون الحاجة لإقامة تحالفات أو قواعد عسكرية بأى من دول الجوار الإفريقى (إريتريا – جنوب السودان) كما تردد.
دخول روسيا المنطقة عسكرياً لأول مرة من خلال الاتفاق الذى أعلنته موسكو بإقامة قاعدة عسكرية بحرية نووية روسية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر، بما يشير إلى ظهور فاعلين دوليين جدد فى المنطقة يمكن أن يدافعوا عن أية تهديدات قد تواجه السودان طبقاً لاتفاق التعاون المبرم بين البلدين، وهو ما يوفر فى الوقت نفسه قدراً من التوازن لصانع القرار فى الخرطوم وعدم خضوعه سواء للضغوط القادمة من إثيوبيا أو حتى من إسرائيل التى تلوح بعض التحليلات إلى إمكانية إستخدامها الحليف الإثيوبىي لدفعها نحو التطبيع.
الخلاصة
إحاطة أزمة سد النهضة خلال عام 2021 بظروف إستثنائية مروراً بالمتغيرات الإقليمية والدولية، بجانب الأوضاع الإقتصادية والعسكرية الإثيوبية، والتحولات التى شهدتها العلاقات الإثيوبية-السودانية مؤخراً، بما يلزم معه أهمية إستثمار تلك التطورات وتكثيف مصر لتحركاتها على مختلف المستويات لحسم ذلك الملف.
ورغم مجمل ما سبق، إلا أن فرص استكمال أديس أبابا تشييد سد النهضة دون التوصل لاتفاق ملزم مع دولتي المعبر والمصب قائم وبشدة، لاسيما فى ظل قناعة النظام الإثيوبى بعدم تعرضه لضغوط ملموسة من قبل المجتمع الدولى حال إقدامه على تلك الخطوة، على غرار إقتصار ردود الفعل الدولية الأخيرة- إزاء إستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين- على الإعراب عن القلق وإدانة بعض الأطراف لتلك الممارسات.
إمكانية تنفيذ إثيوبيا لذلك المخطط خلال فترة تراجع منسوب المياه اعتبارًا من شهر إبريل 2021 واستغلال موسم الأمطار القادم الذى سيبدأ خلال شهر يوليو القادم فى التخزين الفعلي، وما قد يترتب على ذلك من إمكانية تشييد سلسلة السدود المستهدفة خلف سد النهضة، وبالتالى صعوبة اللجوء للحل العسكرى وتلاشي فرص الحصول على أية ضمانات أو تنسيق أو اتفاق قانوني مُلزم، وهو ما يحول الأزمة إلى تهديد مباشر للأمن القومى المصرى.
دول حوض النيل (2021/2020) – قيادات صاعدة وأخرى تندثر
* رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد
آبى أحمد – المصدر: BBC
بدأ رئيس الوزراء الإثيوبى “آبي أحمد” مسيرته السياسية عام 2020، وهو حاصل على جائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهوده فى تسوية الأزمة السياسية والعسكرية بين بلاده ودولة إريتريا، والتى إستمرت نحو عقدين، وخلفت مئات الآلاف من القتلى والمصابين والنازحين واللاجئين.
كما تعززت وضعيته الإقليمية والدولية بإعتباره قادرًا على دعم عوامل الاستقرار بمنطقة حوض النيل، عقب انخراطه فى مباحثات” واشنطن” التى رعاها الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” الخاصة بسد النهضة، ناهيك عن مواصلة اعتماد البعثة الإفريقية لحفظ السلام فى الصومال ” أميصوم” على الجيش الفيدرالى الإثيوبى، الذى تمثل قواته أغلبية قوام البعثة المعنية بمواجهة التوترات الناجمة عن تزايد نشاط الحركات الإرهابية، وغياب القدرات الأمنية للنظام الصومالى، وتقدير المجتمع الدولي للدور الذى تقوم به أديس أبابا.
إلا أن الممارسات السياسية ،والتحركات العسكرية التى تبناها آبي أحمد خلال العام المنصرم 2020 أثَّرت سلبًا على وضعيته الداخلية والخارجية، لاسيما فى ظل ما يلى:
* انسحابه المفاجىء وغير المبرر من مفاوضات واشنطن الخاصة بسد النهضة، وعودته للمفاوضات من نقطة الصفر وظهور تعنته أمام المجتمع الدولى، خاصة فى ظل إقدامه على اتخاذ إجراء أحادى الجانب وقيامه بالملء الأول أثناء سير المفاوضات، ورفض التوصل لإتفاق ملزم بهذا الشأن، بل والتأكيد على سعيه لتنفيذ الملء الثانى خلال موسم الفيضان المقبل، وما قد يعكسه ذلك من إمكانية طرح كل السيناريوهات المحتملة، بما فيها المواجهات المسلحة بين أطراف الأزمة.
* تعدد انتهاكات القوات الإثيوبية للحدود السودانية، وما صاحبها من سحب اعتراف أديس أبابا باتفاق الحدود المشتركة، وافتعال الأزمات باسم الميليشيات التابعة لبعض العرقيات.
* الإعلان عن تأجيل الانتخابات البرلمانية دون التنسيق مع مختلف القوى الوطنية تحت دعوى عدم ملائمة إجرائها فى ظل أزمة كورونا، وتمديد ولايته ورفض بعض العرقيات لذلك التوجه ووصفه بعدم الدستورية، وتحول المواقف السياسية لمواجهات مسلحة مع قوات الجبهة الثورية لتحرير تيجراى، ورصد الأمم المتحدة عشرات الآلاف من القتلى والمصابين واللاجئين بدول الجوار، بما يتنافى مع المبادىء الأساسية التى حصل بمقتضاها على جائزة نوبل للسلام.
* تسبب سحب إثيوبيا المفاجىء لقواتها المشاركة ضمن القوات الإفريقية بالصومال دون التنسيق المسبق مع الاتحاد الأفريقى، في ظهور فراغ أمني قد يعيد حالة الانفلات والفوضى الأمنية بمقديشيو، خاصة مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الصومالية مطلع عام 2021.
– ورغم ما سبق، وترجيح التأثر الفعلى لوضعية ومكانة “آبى أحمد” سلباً على كافة المستويات بما فيها الداخلية والإقليمية والدولية، إلا أنه من المتوقع تغاضى المجتمع الدولي عن مختلف تلك التجاوزات وعدم التطرق لإنتقاد نظامه بشكل مباشر، أو ممارسة ضغوط ملموسة لدفعه للتراجع عن ممارساته، بالنظر لتحقيقه مصالحهم السياسية والأمنية بالمنطقة.
* رئيس المجلس الانتقالى السودانى “الفريق أول عبدالفتاح البرهان” ..
 ورئيس الحكومة الانتقالية “عبدالله حمدوك”
عبدالفتاح البرهان – صورة أرشيفية
بدأ جناحا الحكم فى الخرطوم، العسكرى والمدنى عام 2020 بوجود صراع خفى آخذ فى التزايد التدريجى، فى ظل محاولة كل جناح تعزيز وضعيته على حساب الجناح الأخر، وضعاً فى الاعتبار وجود شركاء آخرين فى الحكم يمثلون القوى الثورية بتوجهاتها السياسية والدينية والقومية المختلفة.
وأدى ذلك الصراع بجانب فقدان الثقة إلى صعوبة البدء الفعلى في تنفيذ خارطة الطريق الرامية لاستكمال مؤسسات الدولة الوليدة عبر التعديلات الدستورية وإجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة وطنية وإعادة إدماج الحركات المسلحة ضمن صفوف الأجهزة الأمنية والجيش الوطنى.
وقد ساهم الدعم الذى يتلقاه رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك من القوى الغربية المعنية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها فى ترجيح كفته فى مواجهة الفريق أول البرهان الذى كثف من جهوده لاحتواء مئات المظاهرات والاعتصامات ودعوات الانفصال.
وساهم انتهاج المجلس السيادى العسكرى بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، أسلوبًا هادئًا وواقعيًا للتعامل مع الأزمات المتعددة واستغلال الفرص المحدودة المتاحة، فى تعزيز وضعيته الداخلية بشكل تدريجى خصماً من رصيد حمدوك بشكل نسبى، وذلك على النحو التالى:
* إستثمار مشاركة الوفد السودانى فى مباحثات واشنطن الخاصة بسد النهضة فى إعادة علاقات البلدين وتبادل الجانبين بعثاتهما الدبلوماسية، وما أعقبها من رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، كذا تصويت الكونجرس مؤخراً على قرار يمنح السودان ما يسمى بـ “الحصانة السيادية ” والتى تسقط بمقتضاها كافة الاتهامات والقضايا المتعلقة بالإرهاب بحق الخرطوم بشكل نهائى.
* النجاح فى احتواء ردود الفعل الداخلية لاتفاق السلام مع إسرائيل، من خلال ربط تلك الخطوة بتحقيق البلاد مقابل سياسى مناسب، ينهى الحصار الدولي وحالة العزلة المفروضة على الدولة ويمهد لتدفق الاستثمارات، بالتوازى مع الحرص على إشراك عبد الله حمدوك فى اللقاء المفتوح مع الرئيس الأمريكى ترامب بخصوص هذا الشأن، لتجنب أية مزايدات على موقفه.
* توظيف إبرام اتفاق جوبا للسلام فى تحييد أبرز ثمانية فصائل معارضة ومسلحة، وإفساح المجال أمامها للمشاركة فى الحكم، ودمج عناصرها المسلحة داخل إطار المؤسسات الوطنية، بما ساهم فى دعم عوامل الاستقرار الأمنى والسياسى بشكل نسبى.
* تحميل حكومة حمدوك مسئولية تراجع الأداء الإقتصادى والخدميىأمام الرأي العام، والتمهيد لإجراء تعديل حكومى مرتقب، مع توقع إشراك ممثلى حركات المعارضة المنضمة مؤخراً لنظام الحكم بالحكومة القادمة خصماً من الحقائب التى يستحوذ عليها حمدوك.
*استثمار انشغال الجيش الفيدرالي الإثيوبي فى المواجهات المسلحة مع تيجراى، وقيادة البرهان الشخصية لعملية إعادة انتشار القوات المسلحة السودانية بمنطقة الفشقة الصغرى والفشقة الكبرى التى كانت تسيطر عليها الميليشيات الإثيوبية لمدة 25 عاماً، وهو ما أدى إلى تعزيز وضعيته على المستوى الداخلي.
* ورغم الصعود النسبى لمكانة الفريق أول البرهان على المستوى الداخلى، وتوقع مواصلته معالجة العديد من الملفات العالقة، إلا أنه من المتوقع مساهمة الدعم الغربى الذي يلقاه رئيس الحكومة الانتقالية حمدوك فى الحفاظ على منصبه، رغم شعبيته التى تراجعت وتأثرت بمجمل التطورات التى حملها عام 2020 وفشله فى تحقيق طموح الأغلبية الراغبة فى التغيير للأفضل.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version