تمكنت روسيا فى العقديين الماضيين من تقوية علاقاتها مع الدول الأفريقية فى المجال العسكرى، بالشكل الذى أصبحت فيه أكبر دولة مصدرة للسلاح فى أفريقيا، وذلك بعد إنسحابها من إفريقيا فى أوائل التسعينيات والذى اعتبرته الدوائر السياسية الروسية بمثابة خطأ إستراتيجيًا.

وقد كشف رئيس مكتب التعاون الفنى العسكرى الروسى، دميترى شوغاييف، أن حجم الطلبات على الأسلحة الروسية للدول الإفريقية بلغ 14 مليار دولار، كما أنه بين عامى 2014 و2018، بلغ حجم صادرات روسيا من السلاح (باستثناء مصر) 17 فى المئة من إجمالى الصادرات الروسية، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولى.

وتلقى السياسة الروسية فى أفريقيا قبولا من قبل الدول الأفريقية لأنها تختلف بشكل كبير عن سياسة  الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه لم يكن لدى روسيا مستعمرات فى إفريقيا، وعمل الاتحاد السوفيتى بنشاط من أجل إنهاء الاستعمار داخل القارة، كما لا تتطلب صفقات الأسلحة مع روسيا شروطاً سياسية أو متعلقة بحقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى تنامى العلاقات العسكرية بشكل مستمر.

 ومنذ عام 2014 وقعت روسيا اتفاقيتى تعاون عسكرى مع حوالى 19 دولة أفريقية، وأبرمت روسيا اتفاقات مع أنجولا ونيجيريا والسودان ومالى وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية خلال عامى 2017 و2018، وتشمل هذه الاتفاقيات تصدير طائرات مقاتلة، وطائرات هليكوبتر للنقل والقتال، وصواريخ مضادة للدبابات، ومحركات للطائرات المقاتلة.

وخلال الشهرين الماضيين فقط وقّعت روسيا اتفاقَى تعاون عسكري مع نيجيريا وإثيوبيا، البلدين الأكثر كثافة سكانية فى إفريقيا، كما قدم المرتزقة الروس دعماً مباشراً للحكومات فى ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، حسب الأمم المتحدة، غير أن وزير الخارجية الروسى قال إن مجموعة من المدربين الروس أرسلوا إلى إفريقيا الوسطى بطلب من قادتها وبعلم لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن وأنهم لم يشاركو فى عمليات قتالية.

ناقلات جنود مدرعة روسية – أرشيفية

دوافع روسيا لتعزيز التعاون العسكرى مع أفريقيا

أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عن تحقيق إستراتيجية “التحول” باتجاه آسيا وأفريقيا عقب فرض العقوبات الغربية على بلاده بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وكانت من أهم أهداف هذه الإستراتيجية تحقيق التعاون العسكرى مع الدول الأفريقية وذلك لعدة أهداف….

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بعض قادة الجيش الروسي – أرشيفية
  • إقامة قواعد عسكرية فى عدد من الدول الأفريقية أبرزهم أفريقيا الوسطى والسودان وإريتريا وموزمبيق.
  • حماية دورها فى ليبيا لإيجاد توازن مع الدور الأميركى فى أفريقيا خاصة بعد الانسحاب الأميركى التدريجى من دول القارة.
  • فتح أسواق جديدة تتماشى مع الرؤية الروسية لتحقيق مصالحها (إقتصادية-سياسية-إستراتيجية…) ، إذ تعتبر إفريقيا شريكاً محتملاً ورئيسياً لروسيا فى نظام عالمى متعدد الأقطاب مستقبلاً.
  • القدرة على تثبيت حضورها فى مواجهة المصالح الغربية فى أفريقيا التى بدأ نفوذها يتراجع تدريجيًا، لتشكل مصدر قلق جديد لدول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة فى تلك المناطق، بما يخفف الضغوط عليها وعلى أمنها القومي بصورة مباشرة، بما يدعم مساعيها  لفرض نفسها كقوة عالمية يصعب تجاهلها فى أزمات الإقليم.
  • الاستفادة من تصاعد حدة الخلاف الصينى الأميريكى الذى انعكس سلباً على جهود مواجهة الإرهاب وذلك مع تنامى انتقال العناصر الإرهابية إلى قلب القارة وإتخاذها نقاط انطلاق فى العديد من دول غرب أفريقيا، وتوظيف ذلك لتحقيق أهداف أمنية وعسكرية تتفق مع احتياجات هذه الدول.

ولا شك فأن حالة عدم الاستقرار فى القارة الأفريقية يجعلها بيئة خصبة لصادرات الاسلحة الروسية، ومن ثم مجال لتعزيز التواجد والنفوذ بدول القارة نظرًا إلى الكم الكبير من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية المُصدرة للدول الأفريقية، ومن ثم إمكانية قيام روسيا بإنشاء وتشغيل مراكز لصيانتها وإصلاحها فى أفريقيا.

القاعدة العسكرية الروسية فى السودان

 وقعت روسيا مع السودان اتفاق أثناء ولاية الرئيس السودانى الأسبق عمر البشير، والذى يمكن الحكومة الروسية من إنشاء قاعدة بحرية فى البحر الأحمر لتزويد أسطولها بالوقود، وإنشاء “مركز دعم لوجستى فى السودان، يمكن من خلاله تأمين الصيانة وعمليات التزود بالوقود واستراحة أفراد الطواقم البحرية الروسية، وكان مقرراً أن يتم إنشاء القاعدة فى الضاحية الشمالية لمدينة بورسودان، إلا أنه مع تغير النظام الحاكم فى السودان وتحسن علاقة السودان بالولايات المتحدة الأمريكية بعد رفع اسمها من قوائم الإرهاب أعلنت السودان مراجعة اتفاقية مركز الإمداد البحرى الروسى على أراضيها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير (يسار) – أرشيفية

إلا أنه بعد فترة قصيرة عادت وزيرة الخارجية مريم الصادق، لتؤكد أن البرلمان السودانى سيعيد النظر فى الاتفاقية وسيقرها لتدخل حيز لتنفيذ فعليًا، كما أن الخارجية الروسية أعلنت أن المفاوضات حول القاعدة البحرية قائمة ونائب وزير الدفاع الروسى زار الخرطوم للتشاور بشأنها، ومع هذه التأكيدات إلا أنه حتى الان غير معلوم مصير هذه الاتفاقية وهل ستلتزم بها السودان أم لا ، خاصة أن وكالة “سبوتنيك” الروسية أعلنت  أن مصدراً عسكرياً فى السودان كشف عن توصية وزارة العدل السودانية بضرورة إجراء تعديلات جوهرية على هذه  الاتفاقية العسكرية وأن السبب فى ذلك يرجع إلى عدم وجود ثمار من وراء هذه الاتفاقية مقابل إعطاء روسيا هذا الموقع الاستراتيجى.

وبحسب بعض الخبراء تعتبر هذه الاتفاقية انتهاكًا للسيادة السودانية حيث إن هناك بنوداً فيها تتعلق بعدم وجود ولاية قضائية للبلاد فى هذه المنطقة، وعدم السماح بإنشاء أية قواعد أخرى لأى دولة خلال فترة الـ25 عاماً، وهى فترة طويلة جداً لمثل هذه القواعد، فضلاً عن إتاحة الفرصة لدخول سفن ذات قدرات نووية وأجهزة إستخبارات وتنصت وحرب إلكترونية، وهذا دليل على أن القاعدة ستستخدم لأغراض هجومية وعسكرية، وليس فقط للإمداد والتموين كما ورد فى ديباجة الاتفاقية.

وتنظر روسيا إلى الساحل السودانى الممتد على البحر الأحمر باهتمام كبير لكون تلك المنطقة تطل على شريان تجارى عالمى بالغ الأهمية حيث أن ضمان موطئ قدم فيه أمر فى غاية الأهمية لهذه الدول، وهناك سعى دائم للسيطرة على تلك المنطقة لأهميتها فى التجارة العالمية، لذلك فإن أهمية البحر الأحمر تجعل هناك ضغوط على بعض الدول بعدم السماح بتوفير تواجد للنفوذ الأجنبى فيها، والاتفاق بهذا الشكل بلا شك سيمثل ضغطًا على السودان، خاصة أن منطقة بورسودان تقع فى منتصف البحر الأحمر، وهى مدخل القرن الأفريقي، كما أن القواعد العسكرية أصبحت بمثابة نقطة توزيع المنتجات خاصة العسكرية، وروسيا تريد أن تجعل تلك المنطقة متجر لبيع الأسلحة فى روسيا.

وختامًا..على الرغم من عودة النفوذ الروسى لأفريقيا وتأثيرها العسكرى و الاقتصادى إلا أنها بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين ما زال أمامها الكثير لكى  تكون قوة عسكرية وإقتصادية كبرى فى القارة السمراء، فى ظل استمرار فرض العقوبات الغربية عليها وهو ما يحد من حجم إستثماراتها وعوائدها، فضلًا عن عدم قدرة روسيا الوصول لعدد القواعد العسكرية التى أقامتها الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ضعف القدرات الاقتصادية والتقنية غير العسكرية لدى روسيا،  فضلًا عن المنافسة الصينية  التى تحولت إلى الشريك التجارى الأول لأفريقيا، والشركاء الأوروبيين التقليديين للقارة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version