تنذر الأوضاع في تشاد بعد مقتل رئيسها إدريس ديبي الثلاثاء 20 إبريل 2021 ، بتصعيد محتمل يثير قلق ومخاوف دول الجوار، خاصة أنها تقع على حدود ملتهبة بين ليبيا والسودان، ما يجعلها مصدر قلق لجميع القوى الإقليمية، وبحسب بيان لقادة ليبيا والسودان والنيجر، الخميس ٢٢أبريل ، أكدوا فيه أنهم يتابعون باهتمام بالغ تطورات الأحداث هناك.
ومع رفض المجلس العسكري الانتقالي في تشاد برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي الحوار مع المتمردين، أعرب الاتحاد الأفريقي عن “قلقه العميق” إزاء الوضع في تشاد وأنه ينذر بأزمة كبيرة ستؤثر علي أمن المنطقة ودول الجوار .
وضع داخلي صعب
توفي الرئيس التشادي إدريس ديبي، الثلاثاء، 20 إبريل 2021م؛ متأثرًا بجروح أُصيب بها على خطّ الجبهة في معارك ضد المتمردين في شمال البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، وَفْق ما أعلنه المتحدث باسم الجيش للتلفزيون الرسمي، وقال المتحدث الجنرال عزم برماندوا أغونا، في بيان تُلِيَ عبر تلفزيون تشاد: إن “رئيس الجمهورية لفظ أنفاسه الأخيرة مدافعًا عن وحدة وسلامة الأراضي في ساحة المعركة”.
وجاء مقتل ديبي الذي حكم تشاد بقبضة حديدية منذ 30 عامًا غداة إعادة انتخابه لولاية سادسة بحصوله على 79,32% من الأصوات في الاقتراع الرئاسي الذي جرى في 11 إبريل الماضى وفق إعلان اللجنة الانتخابية ، وبلغت نسبة المشاركة 64,81%، وحلَّ رئيس الوزراء السابق البير باهيمي باداكيه في المرتبة الثانية بعد حصوله علي نسبه 10,32% من الأصوات. وجاءت السيدة “ليدي بيسيمدا” والتي تُعد الأولى التي تترشح إلى الانتخابات الرئاسية في تاريخ تشاد في المرتبة الثالثة بحصولها على 3,16% من الأصوات.
تشاد
محمد إدريس ديبى – أرشيفية
وبعد مقتل الرئيس التشادي إدريس دبي؛ أعلن الجيش التشادي تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى قيادته نجل الرئيس إدريس ديبي، وبحسب الإعلان الذي بثَّته الإذاعة التشادية؛ فإن قيادة المجلس سيتولاها الجنرال محمد إدريس ديبي، وهو جنرال في الجيش التشادي، يبلغ من العمر 37 عامًا، ونجل ديبي، ويترأس المديرية العامة لجهاز الأمن لمؤسسات الدولة، المعروفة لدى التشاديين بالحرس الرئاسي، حيث أعلن الجيش إغلاق الحدود البرية بعد مقتل الرئيس، والاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية وصفها بأنها ستكون “شفَّافة”.
وفي المقابل قال المتمردون إنهم لن يقبلوا “بالملكية” ووصف ساسة المعارضة الأمر بأنه انقلاب، و الأحزاب الداخلية منقسمة بين مؤيد للمجلس الانتقالي، وبعض منها لم يعترف حتى الآن بالمجلس الانتقالي، حيث يرجع عدم الاعتراف بالمجلس حسب قولهم، بأن المجلس تجاوز الدستور، علما أن تشاد فيها أكثر من 200 حزب.
محمد مهدى على – أرشيفية
موقف المعارضة
المعارضة التشادية بقيادة محمد مهدي علي، التي تحركت من ليبيا باتجاه انجمينا وأصدرت بياناً، شكلت مجلساً انتقالياً موازياً للمجلس الذي شكله نجل ديبي بدعم من الجيش، تتمتع بمعنويات عالية، باعتبار أن اغتيال ديبي يجعل حظوظها للوصول للسلطة أكبر، لافتاً إلى أن هذا النزاع قد ينتقل إلى القبائل المجاورة مع السودان، فقد تدخل قبائل سودانية لمناصرة قبيلة الزغاوة في تشاد، أو تحتمي (الزغاوة) إذا هزمت بأراض سودانية، لذلك فإن الأمر في منتهى الخطورة ما يستوجب أن يتحسب له السودان بإغلاق حدوده مع تشاد وتأمينها تأميناً كاملاً.
فضلاً عن التنسيق مع السلطة الحاكمة في انجمينا لمنع انتقال الصراع للأراضي السودانية، بخاصة أن إقليم دارفور مفتوح أمام كل السيناريوهات، بالنظر إلى أن وضعه الأمني هش للغاية، لعدم تنفيذ اتفاق السلام على الأرض، إلى جانب الصراعات القبلية التي تعانيها مناطق الإقليم وآخرها أحداث الجنينة.
الموقف الإقليمي
وفيما يتعلق بالمخاطر الآنية على الحدود واحتمالية اتساع نطاق الأراضي التي تسيطر عليها الحركات الإرهابية في تشاد وخاصة القريبة من الحدود الليبية، فتداعيات مقتل الرئيس إدريس ديبي له انعكاسات خطيرة على الأمن في ليبيا خاصة جنوب البلاد، حيث تنشط حركات المعارضة التشادية المسلحة.
والمعارضة التشادية متواجدة على الأراضي الليبية وتمتلك الأسلحة والعتاد والأموال، وهو ما يجعلها تمثل خطورة كبيرة على المشهد.
فإذا سيطرت المعارضة على تشاد ستهدد الدولة الليبية بشكل كبير، خاصة أنها لديها تواجد في الداخل الليبي، فالجنوب الليبي مهدد بالانقسام والسيطرة عليه من المعارضة التشادية، لذلك من الضروري دعم المجلس العسكري الجديد الذي تم تشكيله بقيادة ابن الرئيس الراحل.
و كان الرئيس ديبي ضمن الحلفاء الأمنيين لليبيا، وهو ما نعكس بشكل كبير على الوضع الأمني بين البلدين طوال الفترات الماضية، فالفراغ الأمني الذي يحدثه مقتل الرئيس تصل ارتداداته إلى أبعد من ليبيا، وهو ما يتطلب متابعة طرابلس للمخاطر المحتمل حدوثها في ظل تتطور الأحداث في تشاد.
يلقي الوضع في تشاد بظلاله على الجنوب الليبي الذي أصبح منفذا للإرهابين والمتمردين ، وعلى غرب السودان، وكذلك فيما يتعلق بتحركات القاعدة وداعش المتمركزين في صحاري مالي”، فمن المحتمل التنسيق بين المعارضة التشادية وبين الجماعات الإرهابية، كما حدث في الجنوب الليبي سابقا.
و التداعيات يمكن أن تكون كبيرة على السودان خصوصا في ظل اشتعال الحرب الأهلية في منطقة أم التيمان القريبة من الحدود السودانية والتي تغطنها قبائل مشركة من البلدين.
وبحكم التقارب الجغرافي والتداخل القبلي الكبير بين سكان منطقة دارفور في غرب السودان وسكان المناطق الشرقية والوسطى من تشاد، ظلت الأحداث في البلدين تترابط بشكل ملحوظ، وهناك عاملان مهمان قد يكونا حاسمان في الصراع الحالي:
ويتمثل العامل الأول في أن أغلب قادة المعارضة السودانية المنتمين لقبيلة الزغاوة التي ينتمي إليها ديبي وقعوا على اتفاق سلام جوبا، وبالتالي فإن الأرجح أن يتبعوا النهج الحكومي في التعامل مع الأزمة الداخلية في تشاد على عكس المرات السابقة عندما كانوا في المعارضة.
أما العامل الثاني فيتعلق بموازين القوة الجديدة في تشاد حيث بات من الواضح ان قبيلة القرعان تحولت إلى لاعب رئيسي وهي لا تملك وجود وامتداد كبير داخل السودان على عكس قبيلة الزغاوة وبعض القبائل التشادية الأخرى.
إيمانويل ماكرون – أرشيفية
الموقف الدولي
وحول التنافس الدولي على النفوذ في تشاد، من المعروف أن فرنسا تعتبر تشاد إحدى مستعمراتها السابقة ومدخلها للفرانكفونية في منطقة جنوب الصحراء، لذلك قامت بدعم كل الرؤساء السابقين بمن فيهم ديبي وأنقذته من ثلاث محاولات كانت قد تؤدي إلى انهيار حكمه، لكن هذه المرة ربما تكون الأيادي الفرنسية تريد التغيير، وربما جاء التغيير غصباً عن الخطط والتوجهات الفرنسية، بالتالي لا بد لفرنسا أن تبحث عن حليف لها سواء داخل تشاد أو في أفريقيا الوسطى، أو النيجر، أو مالي، ليغطي فقدها لديبي.
لكن النفوذ الآن يتمحور في دخول الشركات الأميركية إلى تشاد في مجال النفط باعتبار أن واشنطن ترى أن علاقتها المتميزة مع السودان تحفزها للوصول إلى تشاد، وتحكم قبضتها عليها بالسيطرة على مواردها الاقتصادية. كما هناك الجانب الصيني والروسي الذي وصل الأراضي التشادية للاستثمار في النفط، إذ تنتج تشاد 140 ألف برميل يومياً، فضلاً عما تملكه من احتياطات ضخمة، فهذا التنافس ربما يؤدي إلى تغيير الساحة السياسية في كل الدول المجاورة، بخاصة أن المنطقة الآن مرشحه لمزيد من التدهور الأمني ، ما لم تتم معالجة الأمور لمصالح هذه القوة الدولية والإقليمية”.
السيناريوهات المتوقعة
المعارك بين الجيش والمتمردين – أرشيفية
هناك سيناريوهان للأزمة :
1- حال عدم انخراط المعارضة في الحوار، فإن السيناريو المتوقع هو الحرب من جديد، و إذا فشل عملية الحوار، قد تتفاقم الصراع بدرجة كبيرة، حيث أن المعارضة المسلحة قد ترى في مقتل الرئيس بأنها انتصرت، وهو ما قد يقود إلى حرب أهلية متعددة الأطراف. والمعارضة لا يمكن أن تنجر إلى هذا السيناريو، إلا بعد الدعم العسكري، سواء من دول الجوار، أو أن تبحث عن حاضنة أخرى غير ” فرنسا”. ولا سيما وأن المعارضة السياسية ترى أن المجلس العسكري تجاوز الدستور، وبالتالي لن تقبل بالحوار ما لم تكن هناك شراكة سياسية مدنية – عسكرية.
2- السيناريو الآخر هو قبول جميع الأطراف بالجلوس للحوار وهو السيناريو الأقرب حيث إن زعيم جبهة الوفاق من أجل التغيير محمد مهدي علي أعلن أنه مستعد لحوار جاد، والانضمام إليه بعد اتصالات جاءته من قبل وسطاء من النيجر وموريتانيا.
وبحسب الإعلان الذي جاء على لسان مهدي، فإن المعارضة أصبحت أمام اقتناص فرص حقيقية لوقف إطلاق النار وتفادي فتنة الحرب.
فأنه من خلال التفاوض والحوار يمكن للمعارضة أن تحدد شروطها ومطالبها في اقتسام الحقائب الوزارية، والانخراط في تنمية البلد، والخروج بها إلى بر الأمان.
وأوضح أن المعارضة المدنية في الداخل عبر وساطات إقليمية تريد اختصار المجلس في صلاحيات محدودة، على أن ينقل الحكم إلى مدنيين يقررون مصير تشاد.
تتجه المؤشرات بشكل كبير إلى محطة السلام، حيث تبدي جميع الأطراف حسن النوايا، وعلى رأسها المجلس العسكري الانتقالي الذي فضل الحوار بدلا من الأنفراد بمقاليد الحكم.
التأثيرات المحتملة علي مصر والإقليم
من المتوقع أن يكون هناك دور تركي داعم للمليشيات على الحدود الليبية – التشادية، لاستنزاف الجيش الوطني الليبي هناك، بهدف الحفاظ على “مواقع أنقرة المتقدمة في ليبيا”.
ونتوقع إعادة نشاط الجماعات الإرهابية في الجنوب الليبي، بالأيام القادمة، ما يدخل القارة الأفريقية برمتها في صراعات طويلة الأمد، تتحول فيها إلى تربة خصبة لانتقال الإرهابيين الموجودين في الشرق الأوسط لاتخاذها وكرا آمنا لهم.
وأن مناطق أم الأرانب وتجرهي والقطرون في الجنوب الليبي ستكون الأكثر تأثرا من الصراعات في الصحراء لقربها من الحدود التشادية ، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة موجة نزوح من قبل التشاديين المدنيين الفارين من وطيس المعارك.
ولذلك من الضروري رفع درجة الاستعداد القصوى وحصر اللاجئين، وتخصيص مخيمات خاصة بهم لترحيلهم عقب انتهاء القتال، محذرًا من أن تجاهل الخطوات السابقة سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي واضح في الجنوب االليبي
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version