تقدمت مصر يوم الأربعاء الـ 21 من فبراير 2024 بمرافعة شفهية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، بشأن الآثار القانونية المترتبة على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967وحتى الآن. وتضمنت المرافعة التي قدمتها المستشارة المصرية ياسمين موسى الدفوع القانونية لتأكيد اختصاص المحكمة بمنح الرأي الاستشاري في تلك المسألة، وتأكيد عدم شرعية الإجراءات والسياسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الذي يكافح من أجل استراد حريته وتقرير مصيره.

وأشارت مصر في مرافعتها، إلى ضرورة تحمل الأطراف الدولية مسئوليتها عن تغيير الوضع المأساوي للفلسطينيين، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة والضفة الغربية وعرب الـ48.

فيما ركزت المرافعة على تأكيد اختصاص محكمة العدل الدولية بمنح الرأي الاستشاري في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستبيان الآثار القانونية لاستمرار العدوان الإسرائيلي بالمخالفة لمشروعية استخدام القوة، وانتهاك حق تقرير مصير الشعوب، وتبني سياسة الفصل العنصري. كما أكدت مصر على دحض المبررات القانونية الإسرائيلية بشأن مبدأ الدفاع عن النفس، والضرورات الأمنية أو العسكرية.

وشددت القاهرة على ضرورة حل الصراع في الشرق الأوسط عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ضمن حدود ما قبل عام 1967.

يُذكر أن مصر سبق لها في عام 1988، أن حققت إنجازا قانونيا كبيرا في محكمة لاهاي الدولية، عندما تصدت لأكاذيب الاحتلال الإسرائيلى بشأن مدينة طابا، وبعد سلسلة من المرافعات حصلت مصر فى النهاية على الحُكم النهائي بأحقيتها فى طابا، لتحرر آخر جزء من أرض سيناء.

السياق والتوقيت..

جاءت المرافعة القانونية المصرية ضد إسرائيل في ظل أجواء من التوتر الشديد في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، في أعقاب تنديد مصر بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وعدم قبول المخططات الإسرائيلية الرامية إما لتهجير أهالى غزة إلى سيناء أو إعادة قطاع غزة للسيادة المصرية، الأمر الذي يعني تصفية القضية الفلسطينة ومنح الضوء الأخضر لانتهاج سياسة مماثلة مع الأردن تجاه الضفة الغربية.

فيما ازداد غضب قادة تل أبيب من القاهرة بعدما ظنت إسرائيل أن مصر- نظرًا لأزمتها الاقتصادية وباعتبارها أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام معها – ستخفف من مواقفها الرافضة للممارسات العدوانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. لكن المرافعة المصرية ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة لاهاي، جاءت لتؤكد من جديد ثبات الموقف المصري المناصر للقضية الفلسطينية والرافض للعدوان الغاشم على قطاع غزة الذي شنته إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر الماضي.

وبسبب الموقف المصري الثابت من القضية الفلسطينية، تواصل تل أبيب شن حملة أكاذيب ضد القاهرة بزعم أنها المسؤولة عن عدم دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وأنها تسمح بتهريب الأسلحة من سيناء للقطاع عبر الأنفاق. فإذا كانت مصر تمنع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة فكيف تسمح بتهريب الأسلحة للقطاع؟!

منطلقات الموقف المصري..

لقد أصرت مصر على تقديم مرافعتها القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية رغم علم القاهرة بأن المحكمة، من خلال رأيها الاستشاري، لن تكون قادرة على إلزام الدولة العبرية بإنهاء الاحتلال أو إجبارها على وقف ممارساتها العدائية ضد الفلسطينيين طالما ظلت تحتمي بالفيتو الأمريكي. ورغم إدراك القاهرة بأن الاحتلال الإسرائيلي لن ينتهي عبر المرافعات القانونية داخل قاعة محكمة لاهاي، إلا أنها أصرت على تقديم مرافعتها القانونية، على اعتبار أن ذلك قد يمثل خطوة أولية نحو إنهاء الاحتلال.

وتتمثل أهمية القرار المصري بالمرافعة القانونية ضد إسرائيل في عدة اعتبارات، أهمها أن مصر أكبر دولة عربية محورية في المنطقة وأنها دولة جوار لقطاع غزة وإسرائيل. ولأن مصر تعد أول دولة عربية أبرمت اتفاقية سلام مع إسرائيل، فإن رأيها القانوني الذي يدين الاحتلال سيمثل شهادة قانونية وازنة تشجع المحكمة الدولية لاستصدار قرار يقوض شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

تخوف إسرائيلي!

تحمل المرافعة القانونية المصرية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تداعيات خطيرة على حكومة تل أبيب نظرا لأهمية الدور المصري في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولأن القاهرة هي الوسيط الحتمي في كل محاولات إبرام اتفاقيات التهدئة أو صفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وتزعم إسرائيل أن الموقف المصري المناهض لإسرائيل في محكمة العدل الدولية يجعلها طرف منحاز للفلسطينيين ولن يكون نزيها في دور الوساطة بين الطرفين.

 

الرد الإسرائيلي!

تمثل موقف تل أبيب من المرافعة القانونية التي تقدمت بها مصر والعديد من الدول الأخري ضد إسرائيل في محكمة لاهاي في عدة نقاط أهمها:

1-      عدم الاعتراف باختصاص المحكمة:

اعتبرت تل أبيب أن محكمة العدل الدولية لا تعد جهة اختصاص للبحث في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي، أو للنظر في مشروعية احتلال أراضي القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم فلم ترسل إسرائيل موفدًا لها من أجل الترافع أمام المحكمة، التي اعتبرت تدخلها لبحث شرعية الاحتلال في غزة والضفة الغربية يُعدُّ وقاحة تستوجب الإدانة.  ولقد أكدت تل أبيب استحالة إجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وزعمت أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، ودون إملاءات خارجية.

2-      تقصير الحكومات الإسرائيلية!

رأى بعض المحللين الإسرائيليين أن حكومات تل أبيب هي السبب في الأزمة القانونية التي تواجه إسرائيل أمام محكمة العدل في لاهاي والمؤسسات الشرعية الدولية. وبحسب المحللين الإسرائيليين فإن حكومات تل أبيب المتتابعة أخطأت حينما أبقت الحكم العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة ولم تفرض عليهما القانون الإسرائيلي، أسوةً بما حدث مع هضبة الجولان. وهذا “الخطأ” الذي اقترفته حكومات تل أبيب قد تسبب في عدم حسم المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي جعل إسرائيل تتعرض للإدانة أمام محكمة العدل الدولية.

3-      حقوق دينية وتاريخية!

ادعت إسرائيل أن لها حقوقا تاريخية ودينية تمنحها السيادة على الأراضي الفلسطينية لا سيما مدينة القدس، مؤكدةً أن ما يُسمى بالشعب اليهودي تربطه علاقات دينية بكافة الأراضي الفلسطينية باعتبارها مهد الحضارة اليهودية وأرض الميعاد التي شهدت كل أحداث القصص التوراتي. وهي أيضا ذات الأرض التي شهدت قيام دولتين يهوديتين قديمتين وهما دولة الهيكل الأول ودولة الهيكل الثاني. ونظرا لتلك “الحقوق” التاريخية والدينية، اعتبرت تل أبيب أن تدخل المحكمة الدولية في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني يُعد تشكيكا في الحقوق التاريخية لإسرائيل، وهو ما يمثل تجاوزًا من المحكمة يستحق التنديد.

4-      الفلسطينيون شعب مزعوم:

ادعت إسرائيل أيضا أن الفلسطينيين هم مجرد شعب مزعوم يريد السيطرة على الضفة والقطاع لإقامة دولة مستقلة بغير حق. كما زعمت إسرائيل أنها لم تحتل أية أراضي من الفلسطينيين، بل احتلت القدس الشرقية والضفة الغربية من الأردن، واحتلت قطاع غزة من مصر، وهما دولتان تربطهما اتفاقيات سلام مع الدولة العبرية ولم تطالبا باسترداد تلك المناطق المحتلة. إذ لم تطالب الأردن باستعادة سيطرتها على القدس الشرقة والضفة الغربية. فيما رفضت مصر استعاة سيطرتها على قطاع غزة واكتفت باستعادة شبه جزيرة سيناء.

 

خلاصة القول، فإن إسرائيل لاتعترف بأن محكمة العدل العليا في لاهي تمثل جهة اختصاص للنظر في شرعية ممارساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. لذا فإنها لن تعبأ بالرأي الذي ستصدره المحكمة، لأنه مجرد رأي استشاري للأمم المتحدة، ولن يكون ملزمًا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي أو منع الإجراءات التعسفية ضد الفلسطسنيين.

ورغم أن إسرائيل تعتبر نفسها فوق القانون ولم يسبق لها أن نفذت العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين بفضل الفيتو الأمريكي، إلا أن أكثر ما يقلق قادة تل أبيب هو أن كثيرًا من الدول تنوي ضبط مواقفها السياسية حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفق الرأي الذي ستصدره المحكمة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version