من هو “يائير لابيد”؟ .. هل يمثل البديل الأمريكى لنتنياهو؟ لماذا تم إدراج اسمه ضمن قائمة أكثر 50 يهوديًا تأثيرا بالعالم لعام 2013م؟ هل يدعم “لابيد” فكرة حل الدولتين؟ وما هى علاقته بالتيار الدينى الحريدى؟ هذه الأسئلة وأكثر يجيبكم عنها المقال التالى …
أولاً: من هو “يائير لابيد”؟ (النشأة – الحياة العملية – التوجهات السياسية)
(1) النشأة
إعلامى ومقدم برامج شهير، وُلد “يائير لابيد” عام 1963م، نشأ فى تل أبيب، متزوج وله ثلاثة أبناء. أبيه هو “طومى لابيد” السياسى البارز، والذى سيأتى عنه الحديث لاحقًا بالتفصيل. والدته هى الأديبة “شلوميت لابيد” والذى تأثر بها فيما بعد، إذ قام بتأليف أحد عشرة كتابًا، وأشهرها السيرة الذاتية لوالده والتى تحمل عنوان: “ذكريات بعد موتى: قصة تومى لابيد”.
يائير لابيد - صورة أرشيفية
يائير لابيد – صورة أرشيفية
(2) الحياة العملية
لم يُكمل “لابيد” دراسته الجامعية، مما كان له الأثر فيما بعد فى تشكيل برامجه الإنتخابية التى تهتم برصد ميزانيات وفيرة لتطوير التعليم. تقدّم للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة (بار إيلان)، وبالطبع أحدث الأمر ضجة، وقوبل بالرفض. عمل ممثلاً فى فيلم “ما وراء البحر” عام 1991م. عرف عنه التمرد والنزعة الاستقلالية فى عمر مبكر، عمل صحافيًا فى صحيفة “معاريف” ثم “يديعوت أحرونوت”، وقدم أيضًا عددًا من البرامج التليفزيونية.
وعلى الرغم من أن مجلة “فوربس” تقدر ثروته بحوالى 22 مليون شيكل، إلا أنه يُنادى دومًا بالدفاع عن حقوق الطبقة المتوسطة من المجتمع الإسرائيلى اقتصاديًا واجتماعيًا، ويشكل هذا التوجه الجانب الأبرز من برنامجه الإنتخابى، إلى جانب اهتمامه بمجموعة من القضايا التى تشغل قطاع كبير من المجتمع الإسرائيلى مثل [ارتفاع نسب البطالة والفقر – غلاء المعيشة – التجنيد الإجبارى للمتدينين والعرب].
كما تم إدراج اسم “يائير لابيد” ضمن قائمة أكثر 50 يهوديًا تأثيرًا فى العالم لعام 2013م، وفق ما تداولته صحيفة “جيروزاليم بوست”. وذلك على إثر المفاجأة الإنتخابية التى حققها حزبه بالعام نفسه، عن طريق حصول حزب “يش عتيد” على 19 مقعدًا، ليحتل المرتبة الثانية بعد تحالف (الليكود – يسرائيل بيتينو).
(3) التوجهات السياسية
انضم “لابيد” للمعترك السياسى، حيث أسس حزبه “يش عتيد” عام 2012م. ويعتبر حزبه ضمن قائمة أحزاب الرجل الواحد، إذ قام باختيار قائمته الانتخابية دون إجراء انتخابات داخلية للحزب، وهى السياسة نفسها التى تنتهجها الأحزاب الدينية مثل: (شاس، يهدوت هتوراه).
انضم “يائير” إلى حكومة “نتنياهو” كوزيرًا للمالية بين عامى 2013- 2014م، وقد ساهم بشكل كبير فى زيادة ميزانية الاستيطان، وهو ما يتوافق مع برنامج حزبه كما سنرى لاحقًا، كما ضم صوته إلى صوت “نفتالى بينيت” فى مسألة عدم ضم “الحريديم” إلى الحكومة الإسرائيلية.
وعلى الرغم من تأثره بنهج أبيه فيما يخص برنامجه الحزبى، إلا أن “يائير لابيد” قد استفاد من إخفاقات والده فى إدارته لـ “شينوى”، والجديد الذى أضافه “يائير” هو أن حزبه “يش عتيد” لم يُظهر العداء الصارخ للمتدينين على وجه الإطلاق، ولكنه حاول أن يظهر فى صورة المُدافع عن الطبقة الوسطى، مشيرًا لضرورة المساواة فى “تحمل العبء”، نظرًا لأن الطبقة المتوسطة فقط هى من تتحمل الأعباء. كما أدرج فى قائمته رجال دين، فى محاولة منه لدمج مؤيدى التيار العلمانى والتيار الدينى كذلك.
لابيد الأب (طومى لابيد)
عضو بحزب “شينوى” الذى تم تأسيسه فى عام 1974م، ثم تولى زعامته، ويُصنف الحزب ضمن قائمة الأحزاب العلمانية التى تُنادى بتحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع، مع التركيز على الطبقة الوسطى التى يرى الحزب أنها لا تحصل على حقوقها كاملة، مقارنةً بالأصوليين الأرثوذكس _الحريديم_.
مراحل تطور حركة “شينوى” – تصميم نور حلمى
الخلاصة
استفاد “يائير لابيد” من تجربة والده الحزبية فى محاولة دمج قاعدة انتخابية عريضة غير منتمية للأحزاب الأخرى ولاتجد من يُمثلها، ولكنه يحاول دائمًا عدم تحول حزبه إلى أحد أحزاب “الترانزيت” التى سرعان ما تختفى عن المشهد السياسى كما حدث مع “طومى لابيد” الأب.
ثانيًا: التوجهات الرئيسية لحزب “يش عتيد”
أسس “يائير لابيد” حزبه “يش عتيد” عام 2012م، على اعتباره حزب وسطى يهتم بالأساس بالطبقة المتوسطة التى تتحمل المزيد من الأعباء، رافعًا راية الدفاع عنها فى مواجهة الطبقة الحريدية التى تحظى بالدعم الكبير من الحكومات الإسرائيلية المتتابعة على حساب الطبقات الاجتماعية الأخرى.
ويمكن إيجاز أبرز توجهات حزب “يش عتيد” فى النقاط التالية:
(1) فيما يختص بالداخل الإسرائيلى، وقضايا المجتمع
– ينتمى حزب “يش عتيد” لتيار يسار الوسط، داعمًا فكرة قيام الدولة من الأغلبية اليهودية، مع الحفاظ على كونها دولة الشعب اليهودى فى كل مكان، فى محاولة منه لدمج التوجهات الدينية المختلفة، على أساس اقتصادى مشترك وهو الانتماء للطبقة الوسطى.
– حقق الحزب مفاجأة انتخابية خلال أول مشاركة له بانتخابات الكنيست الـ (19) عام 2013م، حين أحرز عدد (19) مقعد بنسبة أصوات (14,3 %)، وهو ما يزيد عن (543) ألف ناخب، وهو ما يعنى ثقة قطاع كبير من الناخبين ببرنامجه الحزبى.
– تراجعت شعبية “يش عتيد” بانتخابات 2015م، حيث حصل الحزب على (11) مقعدًا فقط، فى تراجع ملحوظ عن الكنيست الماضى، وسبب هذا التراجع هو تحول الأصوات الانتخابية من كتلتى الوسط واليمين إلى حزب “كولانو” الذى حصل على عشرة مقاعد.
– تقدم “يائير لابيد” بمقترح يعتمد ميزانية تقدر بـ (10) مليار شيكل لقطاعات التعليم والصحة وخدمات تتعلق برفع مستوى المعيشة للطبقة المتوسطة. وقد تم رفض هذا المقترح، ولكنه أكد على اتساق “لابيد” مع مواقفه السابقة قبل تولى مهامه كوزيرًا للمالية.
– يُنادى بالتجنيد الإجبارى لليهود المتدينين وكذلك العرب بالجيش الإسرائيلى.
– قدم مقترحًا بمنح إعفاء ضريبى كحل لأزمة المسكن، ولكنه استثنى من هذا الاقتراح (العرب)، ولم يكتمل هذا التشريع بسبب حل الحكومة.
(2) فيما يختص بعملية السلام مع الجانب الفلسطينى
– تظهر النزعة اليمينية فى سياسات حزبه، عندما توافقت الرؤى بينه وبين الأحزاب اليمينية الأخرى فيما يتعلق بقضايا السلام مع الجانب الفلسطينى، واصفًا إياه أنه الجانب الرافض للسلام، مدللاً على ذلك بأحداث الانتفاضتين الأولى والثانية، والانفصال أحادى الجانب من غزة، ورفض مقترح “إيهود أولمرت”، معتبرًا هذه المواقف والأحداث رفضًا لتأييد عملية السلام مع الجانب الإسرائيلى.
– يتبنى “يائير لابيد” فكرة حل الدولتين بهدف الحفاظ على الهوية القومية لإسرائيل مع رفض العودة لحدود 5 يونيو 1967م، والاحتفاظ بجميع مستوطنات الضفة الغربية، وإعلان القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. كما أعرب فى تصريحاته عن أحقية إسرائيل فى محاربة الإرهاب داخل الدولة الفلسطينية حتى مع قيامها وإعلانها كدولة مستقلة.
– يطالب بضرورة نزع السلاح من “غزة” لتهدئة الأوضاع على المدى الطويل، وبشكل دائم، ولضمان مكافحة الإرهاب على حد تعبيره.
موقف “لابيد” من القضية الفلسطينية – تصميم: نور حلمى
(3) سياسة الحزب تجاه القضايا الإقليمية والدولية
– أعلن “لابيد” خلال تصريحاته مؤخرًا أن العلاقات [الأمريكية – الإسرائيلية] تمر بأسوأ حالاتها، ويُرجع السبب فى ذلك إلى سياسات “نتنياهو” الخارجية بشكلٍ كامل.
– صرح أن استضافة إسرائيل للاجئين السوريين سيورط إسرائيل فى حرب، كما تكمن خطورة هذه الخطوة فى كونها ذريعة لعودة اللاجئين الفلسطينيين فيما بعد.
ثالثًا: موقع “يش عتيد” على الخريطة الحزبية الإسرائيلية [منذ نشأته – حتى 2021]
– يُرجع الكثير من المحللين السياسيين صعود حزب “يش عتيد” وفوزه بعدد المقاعد المفاجىء عام 2013م، فى أول مشاركة برلمانية له بسبب غياب ثقة الناخبين بالأحزاب التقليدية وعلى رأسها حزب “العمل”. وقد استغل “يائير لابيد” الاحتجاجات التى اشتعلت فى صيف 2011م، بسبب الأوضاع الإقتصادية المتدنية للطبقة الوسطى داخل المجتمع.
– نسق “لابيد” مع حزب “البيت اليهودى” وتولى وزارة المالية فى حكومة “نتنياهو” عام 2013م، مع إعراضه عن الأحزاب الدينية الأخرى. وأثر تولى “لابيد” لهذا المنصب سلبًا على شعبيته لدى جماهير الناخبين؛ مما أضعف موقفه فيما بعد، إلى أن تمت إقالته مع “تسيبى ليفنى” بسبب عدم التصويت لصالح مشروع “قانون القومية”.
– تراجعت قوة حزب “يش عتيد” فى انتخابات 2015م تراجعًا ملحوظًا، إذ حصل على (11) مقعدًا فقط، أى خسر (8) مقاعد عن الإنتخابات السابقة؛ نظرًا لعدة أسباب، أهمها:
(1) التناقضات التى وقع بها “يائير لابيد” من مخالفة تصريحاته قبل وبعد تولى مهامه كوزيرًا للمالية، مثل تصريحه بأن وزير المالية لابد وأن يكون رجل اقتصاد.
(2) عدم دفاعه عن الأقليات والمهمشين بالمجتمع الإسرائيلى، وإنما اقتصار ذلك على الطبقة المتوسطة والعليا فقط.
(3) عدم قدرته على الوفاء بوعوده الإنتخابية، كما أنه تراجع عن مواقفه بشأن القائمة العربية فى مواجهة “نتنياهو”، كما أنه صرح بالتنبؤ بأن العديد من الأحزاب الوسطي وغيرها ستغير من مواقفها تجاه القائمة العربية أيضًا لإضعاف موقف نتنياهو فحسب.
– أشارت استطلاعات الرأى فى الأعوام (2016 – 2017 – 2018)م إلى أن صعود شعبية “يائير لابيد” ترتبط بشكل عكسى مع شعبية “نتنياهو”، خاصةً على إثر الأحداث التى توالت وكان من شأنها إضعاف موقف “نتنياهو”، ومنها الأمور التالية:
* الفضيحة الأخلاقية لابن نتنياهو “يائير” بخصوص التسريب الصوتى الخاص بقضية الغاز.
* اتهام “نتنياهو” بقضايا فساد، وكون “لابيد” شاهدًا بتلك القضايا، مما يُشعل احتدام المنافسة بينهما لأقصى درجاتها.
* تمرير الكنيست لقانون يمنع معظم المتاجر من العمل أيام السبت، ومعارضة الأغلبية لهذا القرار.
– شهد عام 2019م محاولة قوية من حزب “يش عتيد” للمنافسة، ولكن تزامنًا مع ظهور “بينى جانتس” ومنافسته على الساحة بقوة، كمنافس قوى ورئيسى لنتنياهو؛ مما اضطر “يش عتيد” للانضمام إلى تحالف “كاخول لافان” بقيادة “جانتس” فى اللحظة الأخيرة، ولم ينجح هذا التحالف فى الإطاحة بنتنياهو، وإنما آل الأمر إلى انتخابات ثالثة فى مارس 2020م.
– ونظرًا لتفشى وباء “كوفيد 19”، وعدة عوامل أخرى لم تثمر الانتخابات عن نتيجة واضحة، إذ تشكلت حكومة طوارىء تجمع بين “بينى جانتس” و“نتنياهو” تحت قيادة الأخير، مما تسبب فى انقسام بالكتلة الإنتخابية، وتكونت جبهة “يش عتيد تيلم”.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version