شهدت العلاقات بين تركيا و كازاخستان تطوراً ملحوظاً ، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، وإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1992، وكانت تركيا من أولى الدول التي اعترفت باستقلال كازاخستان، وتمثل كازاخستان أهمية كبرى بالنسبة لأنقرة،  فبعد مرور 3 عقود على تجدّد حماسة الجماعات القومية التركية وأملها بانبعاث فرص إحياء حلم الكيان التركي الموحّد “من الأدرياتيكي إلى سدّ الصين”، وبعد أسابيع فقط على ولادة مشروع “منظمة العالم التركي” في مدينة إسطنبول،  والذي يضم (تركيا، أذربيجان، كازاخستان، قرغيزيا وأوزبكستان)، إلى جانب المجر وتركمانستان بصفتهما مراقب،  وتتولى تركيا حالياً الرئاسة الدورية لها.

وتحتل كازاخستان المرتبة التاسعة في العالم من حيث المساحة، وهي دولة غنية بالمنتجات الجوفية مثل النفط والغاز الطبيعي، والمناجم، والموارد الطبيعية .

يبلغ عدد سكانها 18 مليونا و600 ألف نسمة، ما يقارب الـ75 بالمئة هم من الأتراك الكازاخيين، والبقية من الأقليات الروسية التي تعيش بشكل عام في الجزء الشمالي من البلاد،  وتقع في مربّع واحد يقوده و يؤثر فيه بالوقت نفسه كلٌّ من تركيا وروسيا. 

ويبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي نحو 11 ألف دولار، وهو أكثر من تركيا، ولكن هناك مشاكل خطيرة في توزيع الدخل بها، وتتمتع بمستوى جيد بين دول المنطقة من ناحية التنمية الاقتصادية، والقوة العسكرية، والفرص التكنولوجية، والرعاية الاجتماعية والحريات السياسية. ومع ذلك يعاني سكان  هذا البلد من الفقر رغم أنها دولة غنية بالنفط، مما أدى إلى الانتفاضة الشعبية الأخيرة احتجاجاً على رفع أسعار الغاز.

الموقف التركي من الإنتفاضة الشعبية الأخيره في كازاخستان

لقد إتسم الموقف التركي  في بدايته بالتريث، ثم مال بشكل كامل لصالح الحكومة والرئيس الكازاخستاني، لأن هناك علاقات سياسية واقتصادية وطيدة بين البلدين، إضافة إلى الروابط الثقافية، خاصة أن كازاخستان من الدول الهامة في تجمع “المجلس التركي”. حيث أعلنت  في قمّتها بعد سيطرة موسكو على الموقف، دعمها السلطات الشرعية في كازاخستان وتجديد الوقوف إلى جانبها.

لقد كانت تركيا  تأمل بلا شك الاستفادة من الموقف، ولكن أحرجها الدخول السريع والقوي لروسيا، التي لن يكون سهلاً مغادرتها كازاخستان رغم إعلانها أن وجودها سيدوم لأسابيع فقط، خاصة وأن نواياها واضحة في ضرورة استعادة الهيمنة على دول الاتحاد السوفيتي السابق، سواء في أوروبا الشرقية أو آسيا الوسطى، وفي هذه المنطقة فإن المنافس القوي الوحيد لها تركيا.  لقد دعت تركيا إلى اجتماع لوزراء خارجية منظمة الدول التركية  لبحث التطورات هناك، الأمر الذي يرى فيه البعض تسليماً من قبل أنقرة بالنفوذ الروسي في كازاخستان، بينما يرى آخرون أن طموحات تركيا لا يمكن أن تكون انتهت بهذه السهولة ، بينما أرسلت روسيا على الفور الآلاف من قوات الجيش إلى كازاخستان لدعم السلطات بوجه الانتفاضة الشعبية.

 هل قطع التدخل الروسي السريع الطريق على تركيا لإحياء “الربيع التركي”  ؟

أرشيفية- عناصر من القوة الروسية المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي لدى عودتها إلى موسكو من كازاخستان

لقد إستعانت كازاخستان بروسيا في مواجهة الإحتجاجات والمظاهرات العنيفة، التي انطلقت وأدت إلى استقالة الحكومة الكازاخية بشكل مفاجئ، إثر رفع سعر الغاز المسال وأسعار الطاقة في كازاخستان،

وقد طلب  قاسم جومارت توكاييف من “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، وهي تحالف عسكري تقوده روسيا ويضم دولا سوفييتية سابقة، المساعدة في استعادة النظام العام بعد أعمال الشغب التي شهدتها بلاده. وأنشئت هذه المنظمة عام 2002، بعد أشهُر من تدخل تحالف تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان في  أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001.

وجاء الردّ الروسي من قبل فلاديمير بوتين عبر تحريك القوات نحو كازاخستان لإنقاذ البلاد من السقوط

وعادت موسكو إلى المشهد بقوة أكبر، لتعلن أنها لا تزال تسيطر على المنطقة من الناحية السياسية.

وبذلك قطع الطريق على محاولة تركيّة للمشاركة مع روسيا في صناعة الحلّ للأزمة الكازاخية، وتسلّم دفّة القيادة في آسيا الوسطى من الجانب الكازاخي الذي كان يساهم مع تركيا في تفعيل مشروع العالم التركي الذي سيكون بعد الآن تحت تأثير اللاعب الروسي، الذي حاصر التحرّك التركي الاستراتيجي في آسيا الوسطى، وخطط الاستثمارات التركية في كازاخستان وفي جغرافيا آسيا الوسطى وطريق الحرير والقوقاز والبلقان عبر الهبوط مع مظليّيه وسط لعبة المعادلات التركية الإقليمية الجديدة .
وهذه التطورات يبدو أنها من الممكن أن تلحق الفشل بالمشاريع التي كانت الحكومة التركية تخطط  لها  تحت اسم “الربيع التركي”، ليتم تطبيقها في دول آسيا الوسطى.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version