انطلاقًا من الدور المهم الذى تلعبه مراكز الأبحاث كركيزة أساسية يعتمد عليها الساسة ومتخذو القرار فى رسم سياستهم، فقد حرص المركز على تقديم دراسة تحليلية تتناول مصر فى عيون مراكز الأبحاث الإسرائيلية، واعتمدت الدراسة على ورقتين بحثيتين لكل من: “أوفير فينتر” الباحث فى معهد الأمن القومى، و”يونى بن مناحم” الباحث فى مركز القدس للشؤون العامة؛ وذلك لتحليل مضمون الأبحاث المقدمة عن مصر خلال الفترة (يناير 2020 – يوليو 2020).
أولاً- نتائج التحليل الكمي للمحتوى :
1- اتجاهات مراكز الفكر الإسرائيلية نحو مصر:
استحوذت الاتجاهات المحايدة على النصيب الأكبر بنسبة بلغت 60 % من التناول، يليها الاتجاهات الإيجابية بنسبة بلغت 33.3% ، فيما جاءت في المرتبة الثالثة الاتجاهات السلبية بواقع 6.7% من إجمالي التناول.
2- القضايا محل الاهتمام بالشأن المصري:
تركزت على ثلاثة موضوعات رئيسية ( سياسية، أمنية، اقتصادية)، استحوذت الموضوعات السياسية على النصيب الأكبر من التناول بنسبة بلغت 65% ، وجاءت الموضوعات الأمنية في المرتبة الثانية من الاهتمام بنسبة بلغت 26.6%، وأخيرا جاء الاهتمام بالموضوعات الاقتصادية بنسبة بلغت 8.4% من إجمالي التناول.
3- القوى الفاعلة الواردة في المحتوى الضمني: 
برزت عدد من القوى الفاعلة الرئيسية في المحتوى الضمني للأوراق البحثية الواردة عن مصر في محافل التقدير الإستراتيجي الإسرائيلي، حيث استحوذت القوى الخارجية الإقليمية المتمثلة في عدد من الدول في مقدمتها (قطر وتركيا) بنسبة بلغت 53.4%، يليها قوى الإرهاب الممثلة في تنظيمى (داعش والإخوان المسلمين) بنسبة بلغت  16.6%، فيما جاء الرئيس (عبد الفتاح السيسي) في المرتبة الثالثة في ضوء قياس حجم الاهتمام بالقوى الفاعلة بنسبة بلغت 10%، وذلك في ضوء تقييم الباحثَين لأداء الرئيس على الصعيدين السياسي والأمني والأزمات والعوائق التي تقف أمامه داخليًا وخارجيًا، يليها القوى الخارجية الدولية من بينها (إسرائيل والولايات المتحدة) بنسبة بلغت 10 %، ثم جاءت القوى الأمنية المصرية (القوات المسلحة المصرية) بنسبة بلغت 6.7%،  وأخيراً جاءت القوى الاقتصادية بنسبة 3.3% من إجمالي التناول، وذلك في ضوء التركيز على معالجة الحكومة المصرية لتداعيات أزمة كورونا على الإقتصاد.
ثانيًا – نتائج التحليل الكيفي للمحتوى:
بعد استعراض المؤشرات الكمية لاتجاهات مراكز الفكر الإسرائيلية عينة الدراسة، نستعرض نتائج التحليل الكيفي للمحتوى وذلك في ضوء استقراء ما وراء المحتوى الضمني للورقات البحثية المرفوعة لصناع القرار الإسرائيلي عن مصر، والتي نوجزها في النقاط التالية:
  • نوعية المحتوى المنشور عن مصر واتجاهاته:
  • مسألة الضم:
    مصر
    أوفير فينتر – صورة أرشيفية
غلب الطابع الإيجابي على تقدير الباحثين الإسرائيليين لرد الفعل المصري على مساعي الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية والأغوار، حيث أوعز الباحث “أوفير فينتر” المتخصص في الشئون المصرية بمعهد أبحاث الأمن القومي صناع القرار بالقول: بأنه  يتوجب على إسرائيل قبل أن تحسم مسألة الضم من جانب واحد أن تدرس بجدية التداعيات السلبية المحتملة على علاقاتها مع مصر، حيث من شأنها أن تصل إلى المساس بالعلاقات الثنائية وتسريع التحولات الأساسية في موقف مصر من مبدأ “الدولتين” ودورها في دفع التسوية الإسرائيلية الفلسطينية على أساسها(1). 
  • الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس:
كما تجلت الموضوعات الإيجابية المتعلقة بالموضوعات السياسية في سياق الحديث عن دور الوساطة المصرية في صفقة تبادل الأسرى المحتملة بين إسرائيل وحركة حماس وهو ماعبر عنه كذلك الباحث “أوفير فينتر” بالقول: الوسيط المصري بين إسرائيل وحماس حيوي في هذا التوقيت للحيلولة دون التصعيد العسكري وكذلك في إطار بحث الاستعدادات لصفقة تبادل الأسرى”.
  • العلاقات المصرية -الإسرائيلية:
وعلى ضوء التعاون بين البلدين فقد غلب عليه الطابع الإيجابي خاصة في ضوء المحاولات الإسرائيلية للتعاون مع مصر في جائحة كورونا، حيث  أوعز “فينتر” كذلك صانع القرار الإسرائيلي بأن يتوجب من جانبها أن تساعد إسرائيل مصر بالمعرفة الطبية والمعدات “حال ما كان في حوزتها” وفي حال الضرورة لدعم طلباتها بالمساعدات الدولية”(2). 
  • الإرهاب في سيناء: 
تجلت التوجهات السلبية حيال القلق المصري إزاء تعزيزات إرهاب فرع داعش في شمال سيناء وانضمام نشطاء الجناح العسكري لحماس لصفوفه، وهو ما عبر عنه “يوني بن مناحم“، الباحث في الشئون المصرية بمركز القدس بالقول: يصعب على الجيش المصري اقتلاع إرهاب داعش بسبب نقص دقة الاستخبارات وكذلك بسبب مساعدة القبائل البدوية لداعش في شبه جزيرة سيناء(3).
يونى بن مناحم – صورة أرشيفية
  • كما لوحظ كذلك في ضوء المقارنة المنهجية أن الباحثين المتخصصين في مركز القدس وعلى رأسهم الباحث يوني بن مناحم  المتخصص في الشئون العربية بأنه كان أكثر استعانة في تدعيم رؤيته  عن مصر بما ورد عن الصحف المصرية ، حيث كانت الصحف “اليوم السابع” ،“الوطن”، و “الأهرام”  من أكثر الصحف الواردة في المحتوى ، فيما كانت صحف “القدس العربي” ، “الحياة” ، “العربي الجديد ” اللندنية من أكثر الصحف الدولية استخدامًا في سياق التناول.
  • وعن الحجج والبراهين الداعمة لرؤية الباحثين في معهد أبحاث الأمن القومي عن الأوضاع في مصر، تبين أنهما أقل استعانة بوسائل الإعلام في ضوء تقويمهما للأوضاع في مصر، حيث اقتصر الاستشهاد فقط في توجهاتهما بما ورد عن الإعلام الجديد الممثل في السوشيال ميديا والمدونات، فيما كانت صحيفة “الأهرام” هي الصحيفة المصرية الوحيدة التي كانت من أبرز المصادر الصحفية التي اتخذ منها الباحثان حجة تقديراتهم للأوضاع في مصر.
  • وعن تقييمنا للقوى الفاعلة الرئيسية الواردة في المحتوى الضمني للورقات البحثية، لوحظ استحواذ القوى الخارجية الإقليمية على النصيب الأكبر من الاهتمام، والتي اتسمت أغلب الأدوار المنسوبة لها بالسلبية ، حيث تركزت في تناولها على دولتي قطر وتركيا.
  •   وقد حظيت القوى الإقليمية بالأخص دولتا قطر وتركيا بالسمات السلبية باعتبارهما “رأس الأفعى للإرهاب في مصر”،  وذلك لدعمهما لجماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما عبر عنه الباحث يوني بن مناحم في سياق حديثه عن مؤامرات قناة الجزيرة ضد مصر بالقول:  قناة الجزيرة بوق الدعاية القطرية والتركية التي تخدم أجندة جماعة” الإخوان المسلمين ” و” حماس” و”حزب الله”، حيث  تهدف إلى زعزعة الأنظمة العربية وبالأخص نظام الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في مصر”(4).  
  •  وعن قوى الإرهاب، ركز التناول على تنظيمي “الإخوان” ، و”داعش” ، حيث اتسمت  الأدوار المنسوبة للإخوان خاصة بالسلبية بوصفها “الجماعة الأم التي خرج من رحمها زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن” ، وأنها من تقف وراء اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات لمعارضتها توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل”.  
  • كما اتسمت  الأدوار المنسوبة لحركة “حماس” في غزة بالسلبية بوصفها  “المسئولة عن الإرهاب في سيناء” .
خلاصة التناول البحثي :
  • تركزت الجوانب الإيجابية في سياق المحتوى الضمني المنشور عن مصر في الأساس على علاقات مصر الخارجية مع إسرائيل ودورها الفعّال والمهم بالنسبة لإسرائيل في الوساطة مع حماس ومساعي الدولة المصرية لإيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وهو مايؤكد حرص القيادات الإسرائيلية  على الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر خاصة في إدارة ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
  •  فيما تركزت الانتقادات السلبية نحو مصر من قبل الباحثين المتخصصين في الشأن المصري إزاء الجوانب الأمنية وبالأخص المتعلقة بالوضع الأمني في سيناء، حيث لوحظ أنها موجهة بالأساس بغرض التشكيك في نجاعة استراتيجية مصر في مكافحة الإرهاب والتقليل من شأن قدرات الاستخبارات المصرية كما لوحظ محاولة إحداث وقيعة بين القيادات في مصر وحماس لتصدير مشهد استمرار حماس في دعم الإرهاب في سيناء. 
  •  علاوة على عدم الحديث أو عقد مقارنة يتضمنها فشل إسرائيل في القضاء على حركة حماس التي تعتبرها من ضمن التنظيمات الإرهابية وهو الأمر الذي دفعها لتطبيق فلسفة التسهيلات مقابل الهدوء وذلك في ضوء صعوبة سيطرة الجيش الإسرائيلي على الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة على البلدات الإسرائيلية والبالونات الحارقة التي تسبب حالة من الذعر لسلطات البلدات في غلاف غزة، فحروب العصابات التي يتبعها تنظيم داعش في إسرائيل هي نفسها التي تسببت في هزيمة إسرائيل في حرب لبنان الثانية على يد حزب الله الذي اتبع معها نفس هذا النمط من الحروب وهو ما دعا القيادات الإسرائيلية لإنشاء وحدات لمحاكاة حروب العصابات ولكنها حتى الآن لم تؤت بثمارها.
التوصيات :
في ضوء ما توصلت إليه الدراسة من نتائج نقترح فيما يتعلق بالجوانب السلبية حيال مصر أن يتم  القيام بحملات دعاية مستمرة لتسويق جهود مصر في مكافحة الإرهاب بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات وذلك من خلال التوثيق الإعلامي للعمليات التي قامت بها القوات المسلحة والضربات الاستباقية التي يصدرها الجيش ضد هذا التنظيم، علاوة على الترويج للسياحة في سيناء من خلال استغلال زيارة ما يزيد عن مئة ألف سائح إسرائيلي إلى سيناء سنويًا. 
علاوة على التفكير في إصدار دورية عسكرية بلغات متعددة بما فيها العبرية تحت مسمى “مصر تكافح الإرهاب“، تتضمن توثيق ما أسفرت عنه العمليات العسكرية مع إرسال نسخة مترجمة للعبرية لمراكز الفكر الإسرائيلية التي يتخذ بعض باحثيها وسائل الإعلام المعادية لمصر بما فيها إعلام الجماعات مصدرًا للمعلومات لتدعيم الحجج السلبية حيال فقدان مصر للسيطرة على الأوضاع في سيناء.

(1) אופיר וינטר: השלכותיו של סיפוח חדצדדי על היחסים עם מצרים ، מבט על, גיליון 1319, 14 במאי 2020 https://www.inss.org.il/he/publication/egypt-and-the-annexation .
(2)אופיר וינטר, צבי לב: המבחן של מצרים נוכח משבר הקורונה، מבט על, גיליון 1306, 21 באפריל 2020 https://www.inss.org.il/he/publication/egypt-coronavirus-test/
(3)יוני בןמנחם: מצרים מודאגת מההסלמה בסיני،06 מאי 2020
https://jcpa.org.il/article/%D7%9E%D7%A6%D7%A8%D7%99%D7%9D-%D7%9E%D7%95%D7%93%D7%90%D7%92%D7%AA-%D7%9E%D7%94%D7%94%D7%A1%D7%9C%D7%9E%D7%94-%D7%91%D7%A1%D7%99%D7%A0%D7%99/
 (4)יוני בן מנחם : ערוץ אל-ג’זירה נגד מצרים 01 יוני 2020
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version