لا استقرار سياسي ولا اقتصادي ولا عسكرى ولا اجتماعي في إسرائيل، وهي في طريقها إلى الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين. وكل القوى السياسية الحاكمة والمعارضة تهاجم بعضها البعض، وتحمل الطرف الآخر مسؤولية حل الكنيست الـ23، واللجوء لانتخابات الكنيست الـ24 في ظل شلل جديد يضرب إسرائيل والإقليم بالآثار السلبية والإيجابية أيضا.
بداية الأزمة
اندلعت الأزمة في البداية على خلفية فشل مواجهة الكورونا وتعطيل إقرار الموازنة بالإضافة لخلفيات المشهد السياسي. وبعد تمرير القراءة الأولى لقانون حل الكنيست، كانت النهاية الرسمية، رغم محاولات الإبقاء عليه، حتى اللحظات الأخيرة من الموعد الرسمى لحل الكنيست نفسه بنفسه.
وتجلى ذلك بعد فشل المفاوضات بين الليكود وكاحول لاڤان لتأجيل الموازنة لأسبوعين، فخرج بعدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء البديل بينى جانتس، يتبادلان الاتهامات بمسئولية كل طرف في الأزمة وإدخال إسرائيل نفق الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين وهى على شفا موجة جديدة من وباء كورونا.
انتخابات رابعة وكورونا ثالثة
د. منصور عباس - صورة أرشيفية
د. منصور عباس – صورة أرشيفية
كانت كتلة المعارضة بقيادة تحالف يش عاتيد-تيلم، الذي يتزعمه الليبرالى يائير لابيد، قد تقدمت بقانون حل الكنيست ال23، ودعمتها كتل من الائتلاف الحاكم، في مقدمتها حزب كاحول لاڤان بقيادة جانتس، وحزب العمل، – رغم إنه لا يتجاوز نسبة الحسم في أى استطلاع وحده، بدون حركة ميرتس- والقائمة العربية المشتركة، رغم انقلاب الإخوان فيها، بقيادة نائب رئيس الكنيست د. منصور عباس، حتى إنهم تغيبوا دعما لاستمرار بنيامين نتنياهو، لكن رغم ذلك، تم تمرير أول قراءة بأغلبية 61 مؤيدا مقابل 54 معارضا!
السيناريوهات المختلفة
السيناريوهات المتوقعة التى ترسم الصورة الحالية والمستقبلية للمشهد الإسرائيلي، مليئة بالضبابية والتخبط، فكل يوم يحدث تغيير بالاسم أو بالموقف أو بالأرقام، وجانتس كان يناور حتى اللحظات الأخيرة، وكان يلعب بكل الأوراق، ليكون بطلا شعبيا، ويمنع وقوع إسرائيل في مطب الانتخابات في هذه الأجواء، أو أن يدفعها للانتخابات من منطلق تخليصها من قيادة فاسدة، خاصة بعد أن تزايدت المظاهرات الشعبية ضده، ووصلت لبيته، وانقلب عليه بعض نواب حزبه، وذهبوا لجدعون ساعر، فتراجع في الاستطلاعات بشكل كبير جدا.
جانتس المتلون
بينى جانتس – صورة أرشيفية
كان يؤهل نفسه للاستمرار في الإئتلاف السئ بصفقة ما، خاصة بعد تراجعه الكبير في استطلاعات الرأى، ووقتها كان سيدعى أن تغيير موقفه كان تقديرا للأزمات الداخلية التى تعانى منها إسرائيل، من التفاقم الجديد للكورونا مع توقعات موجة ثالثة، بخلاف التصعيد الإسرائيلي مع إيران، والنتائج المرتبة على ذلك، والأهم هو إرسال رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة چو بايدن، بأنه بات رقما مهما في المعادلة السياسية الإسرائيلية.
 ومع وصولنا لسيناريو الانتخابات المبكرة للمرة الرابعة خلال عامين فقط، تشير أغلب استطلاعات الرأى لبقاء الليكود برئاسة نتنياهو في الصدارة، لو لم يدخل السجن، أو تتم عرقلته بسبب الملاحقات القضائية في ملفات الفساد المتورط فيها، والتى تجدد إحدها بفضل جانتس، عندما أصر على تصعيد ملف الغواصات الألمانية، التى كان لنتنياهو دور في بيعها لمصر، عندما وافق على ذلك، لما استشارته الشركة الألمانية المصنعة، وفق الرواية الإسرائيلية.
الكنيست فى إحدى جلساته - صورة أرشيفية
ظهور ساعر
إنقلاب الوزير الليكودى السابق”جدعون ساعر”، يعرض نتنياهو للخطر، وإن كان حتى الآن محدودا، بحسب الاستطلاعات ومواقف النواب الداعمة له. لكن الأوضح إنه دمر جانتس رقميا فأصبح يحقق ست مقاعد، بعدما كان يحقق من 9 إلى 11 مقعدا، في أغلب الاستطلاعات.
كما تُظهر استطلاعات الرأى المختلفة أن هناك تغيرا كبيرا في توجهات التصويت الشعبي، مخالفة بشكل أو بآخر لتوجهات المظاهرات الشعبية في الشارع التى تحاصر مقر وسكن نتنياهو، خلال الشهور الأخيرة، ووصلت إلى بيت جانتس أيضا بعدما تردد عن صفقة ثنائية بينه وبين نتنياهو لإنقاذ نفسيهما على حساب الاسرائيليين. حيث تظهر الاستطلاعات صعودا كبيرا لكل من: المنقلب على نتنياهو “ساعر”، والعدو اليمينى لنتنياهو، ووزير الدفاع السابق “نفتالى بينت” رئيس التحالف اليمينى المتطرف، “يمينا”. ويحتل ساعر ونفتالى المركزين الثاني والثالث بحزبيهما، بعد الليكود، بفارق طفيف، وتتراوح مقاعدهما بين 15و 20، حسب جهة الاستطلاع وتوقيته.
ساعر ونفتالى
جدعون ساعر – صورة أرشيفية
فيما يرجع صعود ساعر ونفتالى وشريكته “إيليت شاكيد” وزيرة العدل الشابة السابقة، إلى الخلافات التى تضرب المعسكر اليمينى بكل أطيافه، ويحمِّل اليمينيون مسئولية ذلك لنتنياهو، لأنه لم يهتم باستمرار التكتل اليمينى بعد تشكيل الائتلاف.
فيما يرى اليمينيون غير الليكوديين أن ساعر ونفتالى هما البديلان المناسبان لنتنياهو، خاصة بعد استعراضهما مواقفهما المتطرفة،ومنها رفضهما لأية دولة فلسطينية. وبالفعل يتراجع نتنياهو بشكل أو بآخر بسبب إدارته الفاشلة لأزمة الكورونا، حيث أخفق نتنياهو في إرضاء كل الأطراف، فغضب منه الجميع، الرأى العام ورجال الأعمال والجيش والعمال والموظفون وأولياء أمور الطلبة والأطقم الطبية.
يجنى نتنياهو الآن ثمار فشله، رغم لهاثه على شراء كميات كبيرة من اللقاحات التى تظهر في كل الدول، وحديثه عن تضحياته لتوفير هذه الكميات الكبيرة من اللقاحات، رغم أزمة الموازنة المعرقلة لهذا البند في حد ذاته، لكن كان يتم تمريره تمويلات اللقاحات باستثناءات وافق عليها الجميع طبعا، وليس نتنياهو وحده، لكنه كالعادة ينسب الفضل لنفسه فقط، مما أثار غضب الجميع.
فيما تتصاعد الخصومة بين نتنياهو وساعر ونفتالى، لأنهما ينافسانه على قيادة المعسكر اليمينى، ووصل الأمر بهم إلى التطاول وتبادل السباب، مما صعد الموقف بينهما أكثر فأكثر، وضاعف بشكل أو بآخر انقسام اليمينيين على الأسماء الثلاثة، لكن نفتالى أكد أنه سيفعل أي شئ لإسقاط نتنياهو، ولن ينقذه من أزماته القضائية، فيما لم يقُل ساعر ذلك علانية حتى الآن، فهل سيكون مفاجأته الجديدة، كما كان جانتس مفاجأة نتنياهو السابقة!
ضبابية المشهد
إن الغموض الذي يسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي، ويحيط بمستقبل نتنياهو نفسه، منح خصمه اللدود “لابيد” بعض القوة، رغم التراجع الذي يعاني منه اليسار في إسرائيل عموما خلال السنوات الأخيرة، ورغم التراجع الكبير لحليفه المنقلب عليه، جانتس، حيث يحتل “لابيد-آيالون” بحزبيهما “يش عاتيد-تيلم” المركز الرابع بعد نتنياهو وساعر ونفتالى وقبل جانتس، بعدد مقاعد يتراوح ما بين 13 و 15.
ولاتزال هناك نداءات لإعادة تحالف “كاحول لاڤان” الكبير لإسقاط نتنياهو، أو على الأقل الوصول لتعادل بين القوى، لكن الخلافات تتسع بين لابيد وجانتس، ولم يعد في الإمكان العودة للتحالف القديم خاصة مع الانهيار الرقمي الكبير لجانتس.
وهناك تراجع ما في مقاعد القائمة العربية المشتركة الأقرب لهذا المعسكر،حيث تتراوح المقاعد المخصصة لها في الاستطلاعات من 10 إلى 11، بعدما كان لديها 15 مقعدا، والبعض يُرجع ذلك التراجع لخيانة الإخوان للقائمة المشتركة لصالح الليكود، بينما هناك أسباب أخرى منها التفاقم الكبير لأزمة الكورونا في القطاع العربي بالداخل دون مواجهة حقيقية من نوابهم للحكومة الإسرائيلية، التى تضع القطاع العربي في أخر قائمة مواجهة الكورونا، بل وتتهمهم بأنهم والقطاع الحريدى السبب في استمرار الكورونا بهذه النسب الخطيرة، أما عن العنصر الأصغر في هذا المعسكر، وهو ميرتس، فيحقق 6 مقاعد، مع اختفاء العمل الذي لا يتجاوز نسبة الحسم.
ورغم كل هذه التغيرات التى طرأت على موازين القوى في المشهد السياسي الإسرائيلي، إلا أن أحزاب الصهيونية الدينية والقوى الاستيطانية لاتزال تحافظ على قوتها المعتادة، بلا زيادة أو نقصان، حيث تمنح استطلاعات الرأى كل من شاس ويهودوت هاتوراة سبعة مقاعد.
الحسابات الرقمية
إجمالا، فإن الحسابات الرقمية للتكتلات السياسية الإسرائيلية، تظهر تفوق يمينى مريح، حيث ستحصل أحزاب اليمين على متوسط 78 مقعدًا، بينما أحزاب “اليسار-وسط” ستحصل على متوسط 36 مقعدًا، و الحزب المنفصل عنهما “يسرائيل بيتينو” سيحصل على قرابة 6 مقاعد، ويرى 39% من الاسرائيليين أن نتنياهو لا زال هو الأنسب لرئاسة الوزراء، رغم كل أخطائه، بينما يرى 36% أن ساعر الأنسب، و23% يعتقدون أن نفتالى الأنسب، فيما تراجع جانتس ولابيد تماما!
نتنياهو زعيم المعارضة!
بنيامين نتنياهو – صورة أرشيفية
هناك مطالبات بتشكيل إئتلاف بدون نتنياهو، ورغم صعوبته إلا أنه ليس غير مستبعد نكايةً في نتنياهو، حيث سيجمع كل أعداءه، حتى لو كانوا شركاءً متشاكسين، ويشمل هذا الإتلاف الصعب، كل من ساعر ونفتالى ولابيد وجانتس وليبرمان، ويضم 60 نائبا. أو يشمل كل من ساعر ونفتالى وجانتس وشاس ويهدوت هاتوراة، ويضم 58 نائبا، ووقتها أتصور أن يخرج نواب من الليكود ويسرائيل بيتينو لتعظيم هذا الائتلاف!..ليكون نتنياهو زعيم المعارضة وقتها!
وبعيدا عن الكواليس السياسية فشعبية نتنياهو تراجعت بشكل كبير، بسبب فشله في مواجهة الكورونا بأبعادها السياسية والاقتصادية، وعدم توفير حل حاسم في مواجهة حماس، والتخبط الحكومي المعطل للعديد من القوانين المهمة، ووصل الأمر إلى أن تزايدت نسب عدم رضا الإسرائيلييبن عن نتنياهو، حتى بين الذين لا يشاركون في المظاهرات، وحسب استطلاع رأى للقناة 13، فإن 45% من الإسرائيليين يرون نتنياهو مسؤولًا عن الذهاب بهم إلى انتخابات في هذه الأجواء الصعبة، فيما يرى20% فقط أن جانتس هو المسؤول، بينما يرى 25% أن كليهما مسؤولان بنفس القدر.
على العموم كان إئتلاف نتنياهو فاشلا ومشلولا، ولا يمكن بهذا الشكل أن يكون قادرا على التعامل مع بايدن، فرئيسه لا يلتقي أغلب وزرائه، وهناك قلق بينه وبين قيادات الجيش، وفي مقدمتهم رئيس الأركان أڤيڤ كوخافي، فهو لا يطلعهم على ملف التطبيع مكتفيا برئيس الموساد يوسي كوهين، والذي استبعده هو أيضا، والكل يترقب مصيره القادم، بالإضافة إلى مستشار الأمن القومى مائير بن شبات الذي يرشحه لرئاسة الشاباك، وسكرتيره العسكري. ويناور نتنياهو الجميع في ملف إدارة أزمة الكورونا، فيعلمون كغيرهم من الرأى العام الإسرائيلي بصفقات التعاقد على اللقاحات، رغم أنهم يجب أن يوافقوا على استثناءات لتمرير التمويل في ظل أزمة الموازنة، التى طالت لقرابة عامين.
الخلاصة: التأثير على مصر والإقليم
إن الإنقسام السياسي والشعبي الإسرائيلي، في ظل اللجوء للانتخابات الرابعة خلال عامين، له جانبان إيجابي وسلبي تجاه التعامل مع الأطراف العربية، وفي مقدمتها المفاوضات السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي يناور جانتس بإعادتها بشكل أو بآخر، وسط رفض تام من كل القوى إلاسرائيلية الأخرى. ورغم عودة التنسيق الأمنى والاقتصادى، إلا أن الابتزاز الإسرائيلى وصل حتى توزيع اللقاحات على الفلسطينيين مقابل الموافقة على قائمة من الشروط للضفة وغزة .
وهناك ثابت لا خلاف عليه بين القوى السياسية الإسرائيلية المختلفة فيما يتعلق بملف مواجهة إيران، رغم المناوشات حول التفاصيل الصغيرة، بالإضافة للتوافق حول ملف التطبيع الخليجى الذي يدعم الاقتصاد الإسرائيلي.
وتنص القاعدة الراسخة في العقيدة الإسرائيلية على أنه مهما كانت الخلافات الداخلية بأبعادها المختلفة، فلا ينبغي أن تؤثر على التعامل مع التحديات الخارجية. ومن غير المستبعد أن يكون نتنياهو بما يفعله يمس هذه العقيدة بتجاوز خلافاته السياسية والدينية والعسكرية والإعلامية والشعبية والنخبوية الخطوط الحمراء بشكل أو بآخر.
وهذا يؤدى إلى عجرفة واختلال في قراراته، رغم الدعم الدولى والعربي الذي يحصل عليه، حيث يلقب نفسه بأنه “بن جوريون الجديد”، وبالتبعية فهذا سيؤثر على تعاملاته مع الملفات المختلفة، ومنها مصر بالطبع واهتماماتها المتسقة به، إن كان ملف غاز شرق المتوسط أو السد الإثيوبي أو غزة أو حديث التعاظم العسكرى الذي يرددوه عن مصر، أو التطبيع الخليجى والإفريقي العربي، والتقارب العلنى الجديد بين إسرائيل وتركيا.
كل هذه الملفات وغيرها، أتصور أن الأزمات الداخلية لنتنياهو وإسرائيل عامة، ستؤثر على عملية إتخاذ القرارات حيالها، خاصة مع قرب دخول بايدن للبيت الأبيض، ولذلك من المهم أن نكون جاهزين لهذه الحالة مصريا وإقليميا.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version