أدت جائحة كوفيد-19 إلى تدهور الاقتصاد الإيراني المتعثر بالفعل، ومع ذلك فإن الأزمة الاقتصادية في البلاد متجذرة في عوامل تتجاوز تداعيات الوباء.
فمنذ انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق النووي وفرض عقوبات علي نظام طهران، أصبح من الواضح أن المشاكل الاقتصادية لإيران – وخاصة انخفاض قيمة عملتها – مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأحداث السياسية الرئيسية، حيث يعد التقلب في سعر الصرف وانخفاض قيمة العملة وتعثر البورصة الإيرانية علامات على وجود اقتصاد غير صحي.
ويعتمد الاقتصاد الإيراني علي النفط كمورد رئيسي للدخل، لذا كان تقييد تصدير النفط من أهم العوامل المؤثرة في وجود نوع من الركود الاقتصادي خلال الفترة السابقة، وسببت جائحة كورونا في انخفاض الطلب الكلي علي النفط مما أدي الي ازدياد الأمر سوءًا علي إيران. وفيما يلي استعراض الأثر الاقتصادي للعقوبات الأمريكية، ومستوي أداء البورصة الايرانية، وأثر الأوضاع الاقتصادية علي التفاعل الاجتماعي، مع محاولة استنتاج آفاق ومستقبل الاقتصاد الإيراني في ظل التحديات والفرص المتاحة.
أثر العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني
أدت العقوبات الأمريكية إلي انكماش الاقتصاد الإيراني بشكل حاد، حيث قيدت العقوبات قدرة إيران على تصدير معظم نفطها، لذا لجأت الحكومة الإيرانية إلى الاعتماد علي الصادرات السلعية غير النفطية بدلاً من ذلك، مما دفع بقوة لتطوير التصنيع المحلي وتوسيع التجارة مع دول الجوار، وساعد ذلك في تخفيف بعض تأثير العقوبات. وهذا يعني أيضًا أنه بحلول الوقت الذي أدي فيه فيروس كوفيد-19 الي انخفاض الطلب العالمي على النفط العام الماضي، كانت إيران أكثر استعدادًا لاستيعاب الصدمة مقاروةً بنظرائها من مصدري النفط الخام.
الاقتصاد
بورصة طهران – أرشيفية
كان الريال الإيراني أكبر ضحية لسياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب، حيث خسر نحو 80٪ من قيمته مقابل الدولار، مما أدى إلى زيادة التضخم وانكماش القوة الشرائية ودفع ملايين الأسر إلى الفقر. فيما أدت الجهود المبذولة لتثبيت العملة من خلال التحكم في السعر ومقاضاة الصيارفة إلى نتائج عكسية، مما أدى إلى إضعاف الريال أكثر مع ازدهار السوق السوداء.
وتعد العملة الوطنية الإيرانية أحد المؤشرات الرئيسية لمدي كفاءة الاقتصاد الايراني. ومنذ يناير 2018، انخفضت قيمة الريال مقابل الدولار الأمريكي بشكل كبير، بلغ نسبة 450 في المائة، من 42880 ريالًا مقابل دولار أمريكي واحد إلى 318560 ريالًا في 18 أكتوبر 2020 وفقًا لسعر السوق الحر الغير الرسمي. ويتم تمويل الواردات الرئيسية بالسعر الرسمي، والذي تم تثبيته عند 42000 ريال لكل دولار أمريكي اعتبارًا من مارس 2019.
وقد بدأ أول انخفاض كبير في قيمة الريال في الأشهر التي تلت انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018. وفي 14 نوفمبر 2019، قامت الإدارة الإيرانية بتخفيض دعم البنزين، مما أدى إلى اضطرابات واسعة في جميع أنحاء البلاد أعقبتها حملة قمعية، واستمر الريال في فقدان قيمته منذ ذلك الحين. بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يؤدي التقلب الشديد في سعر الصرف في بلد ما إلى عدم الاستقرار التجاري.
فقد انخفض سعر الصرف في إيران مع تقلبات قوية خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد تسبب هذا في حدوث ما يسمى بصدمة التكيف غير المتكافئ (asymmetric adjustment shock) على الميزان التجاري بسبب الانخفاض المستمر في قيمة الريال، وارتفاع في أسعار توريد السلع إلى السوق الإيرانية.
البورصة الايرانية كمؤشر علي الكفاءة الاقتصادية
مع تراجع قيمة الريال منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات صارمة، أصبحت البورصة أحد الاستثمارات القليلة الجذابة للإيرانيين. حيث شهدت الأسهم مكاسب غير مسبوقة، وارتفع المؤشر الرئيسي في بورصة طهران للأوراق المالية بأكثر من 600٪ منذ يناير 2019 مع جذب أعداد كبيرة من المستثمرين الجدد لحماية مدخراتهم من التضخم.
وبحسب تصريحات المدير التنفيذي السابق لبورصة طهران، علي رحماني، فإن هناك ربط بين التراجع الحاد للبورصة الايرانية خلال الأيام الأخيرة بتأثيرات إيجابية قد يتركها تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن السلطة على عملة الريال الإيرانية، متوقعا حدوث انفراجات في موضوع العقوبات وخفضها، وقال إن هذه التوقعات أدت إلى تراجع أسعار العملات الأجنبية وارتفاع الريال، مما أثار مخاوف بشأن إيرادات الشركات الكبرى مثل البتروكيماويات والفولاذ والمعادن، والتي تعتمد على أسعار العملات الأجنبية.
ورغم هذه المخاوف لدى المستثمرين الإيرانيين من تأثير تراجع قيمة العملات الأجنبية على البورصة سلبا، يتوقع رحماني أن تترك أي انفراجات اقتصادية محتملة في إيران بعد وصول بايدن إلى السلطة، تأثيرات إيجابية على البورصة الإيرانية على المدى المتوسط والبعيد، وذلك من خلال ارتفاع مستوى الصادرات وتراجع أسعار السلع المستوردة، ما يساهم في توقف النزيف وعودة البورصة إلى المسار التصاعدي، حسب قوله. وقد بدأ السوق يفقد قيمته بالفعل منذ انتخاب بايدن وسط توقعات بتخفيف العقوبات وتعزز الريال مرة أخرى. وتحدث الأكاديمي الإيراني عن أسباب أخرى لاستمرار تراجع البورصة مثل الاستقطاب السياسي والخلافات الاقتصادية بين البرلمان والحكومة في إيران، سواء فيما يرتبط بتسعير العملات الأجنبية أو ما يتعلق بالموازنة الجديدة.
الرئيس الإيرانى – صورة أرشيفية
أثر الأوضاع الاقتصادية علي التفاعل الاجتماعي
أثرت الأوضاع الاقتصادية لإيران علي الوضع الاجتماعي لكثير من الإيرانيين حيث عانت الغالبية العظمى من الإيرانيين من سوء إدارة الاقتصاد منذ عهد الشاه، ومن تكاليف حروب النظام ومغامراته. وشهدت إيران موجة جديدة من الاحتجاجات ضد السياسات الاقتصادية للنظام التي أدت إلى انهيار الوضع الاقتصادي للبلاد، وقوبلت الاحتجاجات بقمع من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين.
وكانت إخفاقات النظام الداخلية هي السبب الرئيسي للاضطرابات العامة، وتشمل هذه عقودًا من السياسات الاقتصادية الفاشلة، والجهود المبذولة للسيطرة على الجوانب اليومية للحياة الإيرانية. وتتعدي قضايا الاحتجاجات الأسباب الاقتصادية حيث كان الفساد وتقييد الحياة الاجتماعية أحد الأسباب الرئيسية للتذمر الشعبي .
ليس هناك يقين عندما يتعلق الأمر بأزمة إيران الحالية أو مستقبلها، إذ يعد اندلاع الاحتجاجات والعنف في أوائل عام 2018 وحديثا في 2020 مؤشرًا محتملاً على أن المزيد من الاحتجاجات الرئيسية والأكثر جدية سوف تتبعها، وقد تكون الحكومة الإيرانية قد أخطأت في الظهور على أنها تعتمد على القمع أكثر من الإصلاح.
استشراف مستقبل الاقتصاد الايراني في ظل التحديات الحالية
لا تزال الأزمة الاقتصادية الإيرانية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعدائها للولايات المتحدة . فقط إذا أعادت إدارة بايدن الجديدة التزام واشنطن بخطة العمل الشاملة المشتركة وخفضت العقوبات، فقد يكون هناك طريقة للخروج من المشاكل الاقتصادية للبلاد. مع العلم بأن نظام العقوبات شامل ولن يكون من السهل تخفيفه مع وجود الشكوك حول مستقبل سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، لذا فإن أفضل حل – بالنسبة لإيران – يكمن في إنهاء العداء الذي دام أربعة عقود مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن هذا السيناريو غير مرجح. ومع ذلك، فهذه هي الطريقة الوحيدة لإيران لتنويع اقتصادها بشكل هادف، وإطلاق إمكاناتها الضخمة، ورعاية اعداد كبيرة من رأس المال البشري ، مما سيساعدها على الدخول في طريق التنمية المستدامة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version