مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية التي سيتم إجراؤها في الثالث والعشرين من مارس المُقبل، تشير آخر الاستطلاعات، إلى احتدام المنافسة بين المعسكر المتمسك ببقاء “بنيامين نتنياهو” رئيسًا للحكومة، والمعسكر المناوئ، الذي يرفض بقاء “نتنياهو” ويسعى لإسقاطه وإقصائه عن المشهد السياسي.
احتدام المنافسة بين الأحزاب
فقد أظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة “معاريف”، أن أحزاب اليمين والأحزاب الدينية المتشددة “الحريديم” – التي لا تزال متمسكة ببقاء “نتنياهو” في السلطة- والمكونة من الليكود وشاس ويهودية التوراة والصهيونية الدينية- قد حصلت مُجتمعةً على 47 مقعدًا فقط. وحتى لو انضم إليها حزب يمينا – الذي حصل على 12 مقعدا- فلن يتمكن “نتنياهو” من تشكيل الحكومة لأنه لن يكون لديه سوى 59 مقعدا من أصل 120 التي تمثل إجمالي مقاعد الكنيست.
أما الأحزاب الأخرى الرافضة تمامًا لبقاء “نتنياهو”، والمُصرَّة على إسقاطه – والتي تضم أحزاب: الأمل الجديد والمستقبل والقائمة المشتركة وإسرائيل بيتنا والعمل وميرتس وأزرق أبيض- فقد حصلت مجتمعةً على 61 مقعدا.
إلا أن هناك استطلاع آخر- نشرت نتائجه صحيفة “إسرائيل اليوم” – يُظهر أن الأحزاب الداعمة لـ “نتنياهو” قد حصلت على 50 مقعدا، وإذا أضفنا لها مقاعد “يمينا ” – الذي حصل على 10 مقاعد- فسيكون المجموع 60 مقعدا، أي بالتساوي مع الأحزاب الأخرى الرافضة لبقاء “نتنياهو”، والتي حصلت هي الأخرى على 60 مقعدًا.
وتشير تطورات الموقف الداخلي لبعض القوى السياسية إلى ما يلي:-
الانتخابات
اليهود “الحريديم” – أرشيفية
أولا:- مخاوف الحريديم
بعد تفشي وباء كورونا وعدم التزام المتدينين اليهود “الحريديم” بالقواعد الاحترازية التي فرضتها السلطات الإسرائيلية للحد من انتشار الوباء، أصبحت هناك قطاعات عريضة من الإسرائيليين تنفر من المتدينين اليهود وتبغضهم بل وتتهمهم بالمسؤولية عن عدم السيطرة على هذا الوباء.
وبعد نشر نتائج الاستطلاعات الأخيرة، بدأت الأحزاب الدينية المتشددة أو ما يُسمى بأحزاب “الحريديم” تشعر بالقلق الشديد، ليس خوفا من السقوط في الانتخابات القادمة- فهي تستند إلى كتلة تصويتية تكاد تكون مضمونة- بل إن مشاعر القلق لديها تكمن في رفض الجماهير لمشاركتها في الحكومة القادمة. حيث أظهر أحد الاستطلاعات أن أكثر من 60% من الإسرائيليين يفضلون حكومة لا تضم الأحزاب الحريدية. وبالطبع فإن كتلة الوسط واليسار هي سبب ارتفاع تلك النسبة، إلا أن أكثر ما يُقلق الحريديم هو بُغض اليمينيين لهم، حيث إن أكثر من 52% من القوى اليمينية لا يفضلون انضمام الحريديم للحكومة القادمة.
ويرى المتابعون للشأن الداخلي الإسرائيلي، أن مسؤولي الأحزاب الحريدية يتحسبون من أن يتخلى “نتنياهو” عنهم، باحثًا عن الدعم لدى قطاعات أخرى، في ظل إدراك زعماء التيار الحريدي من حزبي “شاس” و”يهدوت التوراه”، لمخاطر تراجع التأييد الشعبي لهم، خاصة وأن بُغض الجماهير لهم هو ما أوصل “إيهود باراك” لرئاسة الحكومة في عام 1999، وأدى إلى حصول “لبيد” الوالد، على 15 مقعدا مع حزب “شينوي”، في عام 2003، مما تسبب في جعل “الحريديم” خارج الحكومة. وحتى بعد عشر سنوات من ذلك -وبسبب قانون التجنيد- انضم “لبيد” الإبن، إلى ائتلاف الحكومة وأجلس “الحريديم” لمدة عامين في صفوف المعارضة.
وبالطبع فإن وجود أحزاب “الحريديم” في المعارضة يختلف تماما عن وجود حزب ميرتس أو القائمة العربية المشتركة في المعارضة، لأن الثمن الذي ستدفعه الأحزاب الحريدية والمنتمين لها سيكون باهظًا ولن يمكن تحمله.
خلاصة القول إنه في حال شكَّل “نتنياهو” الحكومة القادمة فسيضمن “الحريديم” وجودهم فيها، ولكن لا يبدو ذلك مؤكدا بشكل قاطع. فإذا كانوا بالفعل ينظرون للمستقبل، فعليهم أن يستعدوا لاحتمال سقوط “نتنياهو”، حتى يظلوا مرغوبين في أي ائتلاف حكومي قادم.
ثانيا: “منصور عباس” والمغامرة السياسية!
رغم أن معظم الاستطلاعات تتوقع ألا يتمكن حزب القائمة العربية الموحدة بقيادة “منصور عباس” من تخطي نسبة الحسم في الانتخابات، إلا أن بعض المحللين يرون أن “عباس” قام بخطوة سياسية ذكية، عندما قرر خوض الانتخابات بقائمة منفصلة عن باقي الأحزاب العربية الأخرى، حيث جاءت هذه الخطوة في ظل أزمة كورونا، وبعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج، وهي الاتفاقيات التي سيكون لها أثر كبير على المجتمع العربي.
تجدر الإشارة إلى تراجع شعبية الليكود في الوسط العربي. ولقد توقف “نتنياهو” عن زيارة البلدان العربية، وعاد حزب الليكود إلى حجمه الطبيعي في المجتمع العربي، بنسبة أصوات لم تتجاوز قيمتها نصف مقعد بالكنيست. وهناك أغلبية كبيرة في المجتمع العربي تؤيد الحوار والشراكة مع أي حكومة مستقبلية. ويرجع سبب هذا التحول في الموقف العربي، إلى قرار “عباس” خوض الانتخابات بشكل مستقل.
ثالثا: ميرتس يتمسك بالأمل..
تشير معظم استطلاعات الرأي إلى تراجع حزب ميرتس اليساري الذي يحصل على 4 مقاعد فقط، وهناك مخاوف من احتمال سقوطه لعدم تجاوزه نسبة الحسم، خاصة بعد تزايد مقاعد حزب العمل صاحب الأجندة اليسارية أيضا. إلا أن المنتمين لحزب ميرتس يتمسكون بالأمل لا سيما أن جولات الانتخابات السابقة التي جرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حصل فيها حزب ميرتس على عدد مقاعد يفوق ما توقعته استطلاعات الرأي.
رابعا: “ساعر” يتراجع..
بحسب ما أظهرته نتائج الاستطلاعات الأخيرة فإن شعبية حزب الأمل الجديد، الذي يقوده “جدعون ساعر” أخذت تتراجع. فيما يرى المحللون أن سبب ذلك يعود إلى غطرسة “ساعر” منذ تأسيس حزبه وانشقاقه عن الليكود، بالإضافة إلى إهماله في السعي لإقامة تحالفات مع قطاعات أو فئات أخرى. كما أنه لم يُضف أسماءً جديدة إلى قائمته الحزبية قبل تقديمها للجنة المركزية للانتخابات. فكانت النتيجة صادمة بالنسبة له ولانصاره، بعد تراجع شعبية حزبه الجديد في الاستطلاعات، مما أدى لانخفاض عدد المقاعد التي يحصل عليها، مقابل ما يحصل عليه حزب “يوجد مستقبل” بقيادة “يائير لبيد”.
يائير لبيد – صورة أرشيفية
خامسًا: حزب “هناك مستقبل”
حقق حزب “هناك مستقبل”بزعامة “يائير لبيد” تقدما كبيرا بعد تخطية حزب “مستقبل جديد” بزعامة “جدعون ساعر”، ليحتل المرتبة الثانية بعد حزب الليكود.
وتظهر الاستطلاعات الأخيرة أنه رغم صعود حزب “لبيد” للمركز الثاني وحصوله على ثمانية عشر مقعدا، إلا أن الفجوة لا زالت كبيرة بينه وبين حزب الليكود الذي يحتل المركز الأول بتسعة وعشرين مقعدا. ويحاول “لبيد” تقليص هذا الفارق، عبر حملته الانتخابية التي يهاجم فيها “نتنياهو”، مؤكدًا أن فشله في التصدي لوباء كورونا كبد إسرائيل خسائر اقتصادية فادحة، فضلا وفاة أعداد كبيرة من المصابين بالوباء. كما يتهم “نتنياهو” باستخدام كل الوسائل للهروب من المحاكمة بتهم الفساد الموجهة له.
سادسًا: حزب “يمينا”
يتراجع حزب “يمينا” بقيادة “نفتالي بينت” الذي يطالب بإسقاط “نتنياهو” وتولي رئاسة الحكومة بدلا منه. فلقد أظهر آخر الاستطلاعات حصول “بينت” على عشرة مقاعد فقط، ليحل في المرتبة الرابعة بعد “نتنياهو” بـ 29 مقعدا، و”يائير لبيد” بـ 18 مقعدا و”جدعون ساعر” بـ 13 مقعدا.
سابعًا: حزب ليبرمان
بالنسبة لحزب “إسرائيل بيتنا” الذي يتزعمه أفيجدور ليبرمان”، فإن الوضع لا يبدو مبشرا في ظل احتمالات حصوله على قرابة سبعة مقاعدة فقط في آخر الاستطلاعات. ويعود سبب تراجع فرص “ليبرمان” في الحصول على المزيد من المقاعدة، إلى أنه فقد كثيرا من أصوات معسكر اليمين بعد تصريحاته الرافضة للانضمام لأي حكومة مستقبلية برئاسة “نتنياهو” أو بمشاركة التيار الحريدي المتمثل في حزبي “شاس” و”يهودية التوراة”.
ثامنًا: حزب العمل
يشهد حزب العمل حالة خاصة تختلف عن حالة باقي الأحزاب الإسرائيلية. فقد استطاعت الزعيمة الجديدة للحزب “ميرف ميخائيلي” أن تحقق نجاحا كبيرا، بعدما بثت روح الأمل في الحزب الذي كاد أن يغيب عن المشهد السياسي. فقبل تولي “ميخائيلي” منصبها الجديد، كان الحزب لا يتخطى نسبة الحسم في الاستطلاعات السابقة، لكنه الآن يحصل على ستة مقاعد. إلا أن اللافت للأمر هو مغادرة الأعضاء القدامى في الحزب وانضمامهم لحزب أزرق أبيض. حيث يرفض القدامى ما أحدثته “ميخائيلي” من تجديد، خاصة بعد تشكيل قائمة حزبية تضم شخصيات جديدة.
بينى غانتس – صورة أرشيفية
تاسعًا: “أزرق- أبيض”
يتقهقر حزب “أزرق- أبيض” بزعامة “بيني غانتس” وهو بالكاد يتخطى نسبة الحسم ليحصل على أربعة مقاعد فقط في الكنيست. ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أن “غانتس” مهدد بالسقوط في الانتخابات المقبلة، لأن جمهور الناخبين من المعسكر اليساري مصممون على معاقبته بعد أن أخل بعهوده لهم وانضم لائتلاف “نتنياهو” اليميني في الحكومة الحالية، وهو ما اعتبروه خيانة لتوجهاتهم السياسية.
عاشرًا: الصهيونية الدينية
تُظهر الاستطلاعت أن حزب “الصهيونية الدينية” بزعامة “بتسلئيل سموتريتش” استطاع أن يتجاوز نسبة الحسم وحصل على خمسة مقاعد، وهو الآن يطالب بتولي رئاسة اللجنة التشريعية في البرلمان القادم لإجراء التعديلات القانونية التي تخدم توجهاته الدينية المتطرفة. وهو مؤيد لرئيس الحكومة “نتنياهو” ويُطالب بعدم محاكمته طالما ظل في السلطة.
الخلاصة
يتضح من مما سبق، أن المنافسة ستظل قوية ومحتدمة بين الأحزاب، لكن نتائج الاستطلاعات القادمة ستختلف بالتأكيد، كلما اقترب موعد الانتخابات واشتعلت الحملات الانتخابية بما يصاحبها من دعاية انتخابية وتصريحات، بهدف حصد أكبر عدد من الأصوات والمقاعد البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك.
وسيظل المشهد الانتخابي غامضا، فلا يمكن التكهن بتشكيلة الحكومة القادمة في ظل الصراع بين معسكر اليمين والحريديم من ناحية، ومعسكر “الوسط-يسار” من ناحية أخرى. وهناك من يتوقع ألَّا يتمكن “لبيد” من تشكيل الحكومة القادمة بأي حال، لأن الحريديم لن يتحالفوا معه على الإطلاق.
ومن بين السيناريوهات المتوقعة، ألَّا يتمكن “نتنياهو” من تحقيق الأغلبية، وعندئذ سيكون “جدعون ساعر” هو المرشح لتشكيل حكومة ائتلافية، تضم أيضا حزبي “شاس” و”يهدوت هتوراه”، إضافة إلى حزب “نفتالي بينت” وحزب “يائير لبيد”، مع استبعاد مشاركة “ليبرمان”. وحينها سيتولى “بينت” منصب وزير الدفاع، فيما يتولى “لبيد” منصب وزير الخارجية. وفي حال حصل “لبيد” على أكثر من 20 مقعدا، فسيكون بإمكانه أن يتناوب على منصب رئاسة الحكومة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version