نشر موقع صحيفة “هاأرتس” العبرية مقالاً للمحلل الاستراتيجي الإسرائيلي “تسفي برئيل”، ادعى فيه أن المصالحة الخليجية الأخيرة مع دولة قطر، والتي انعقدت في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية، أظهرت مدى الخلاف والتصدع داخل تحالف الرباعية العربية التي حاصرت قطر لأكثر من ثلاث سنوات، والناجم عن العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية،مؤكدًا أنها تأتي ضمن سلسلة خطوات للنيل من مكانة مصر، لا سيما في هذا التوقيت الحساس الذي يصادف تولي الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مهام منصبه في البيت الأبيض.
وركز المقال على العديد من التحركات الإماراتية التي تثير، بحسب زعمه، تحسبات جديدة لمصر، سواء في ليبيا أو اليمن أو السودان أو إثيوبيا، فضلا عن المخاوف المتزايدة التي تراود القاهرة جراء تعزيز التعاون بين أبو ظبي وتل أبيب وبسط النفوذ الإماراتي – الإسرائيلي في جنوب اليمن والقرن الأفريقي.
الإمارات
الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى – أرشيفية
مصر غير راضية عن المصالحة الخليجية..
يقول المحلل الإسرائيلي إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن عن عدم حضوره قمة “العلا” الخليجية للتصالح مع قطر، لكنه أوفد وزير خارجيته سامح شكري الذي رحب باتفاق المصالحة بعبارات فاترة. ولم يكن الرئيس/ السيسي راضيًا عن بعض بنود الاتفاقية، التي اعتبرها تمثل تنازلاً شديدا لصالح الدوحة وإساءةً لمصالح القاهرة. لكن أكثر ما أغضب الرئيس السيسي، هو إسقاط مطلب إغلاق قناة الجزيرة، والتراجع عن إلزام قطر بإيقاف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وهي مطالب ستظل مشروعة في إطار قيم الأمن القومي المصري والعربي.
لماذا لم يحضر الرئيس السيسي؟
يضيف المحلل الإسرائيلي أنه لم يُفصح بعدُ عن تفاصيل اتفاقية رفع المقاطعة وإسقاط العقوبات التي تم فرضها على قطر منذ يونيو 2017. وحتى الآن لا يُعرف بالضبط، ما الذي يجب أن يفعله كل طرف تجاه الطرف الآخر. ومع ذلك، فإن موقف مصر من قناة الجزيرة، منذ أن تولى الرئيس السيسي زمام السلطة عام 2014، والحرب التي يخوضها ضد جماعة الإخوان المسلمين، هما القضيتان اللتان من أجلهما، انضمت القاهرة منذ البداية، إلى كل من السعودية والإمارات والبحرين من أجل فرض المقاطعة على قطر. وإذا كان هناك سبب قد استدعى عدم حضور الرئيس السيسي لمعانقة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، فهو يكمن في التنازل عن هاتين القضيتين.
الرئيس السيسى وولى العهد السعودى
تصدعات تهدد التحالف المصري الخليجي
لكن الرئيس المصري، في الوقت نفسه، لايود معارضة المملكة العربية السعودية، أو إفشال مساعيها لتحسين صورتها لدى الولايات المتحدة من خلال المصالحة مع قطر، لذلك فضل الرئيس السيسي اللجوء إلى مناورة دبلوماسية مألوفة، وهي دبلوماسية الغائب الحاضر.
وفي حين تُعتبر علاقات القاهرة مع الرياض قوية ومستقرة حتى الآن، على الأقل طالما ظلت الرياض والإمارات والبحرين في جبهة واحدة ضد قطر، إلا أن هناك تصدعات بدأت تظهر ملامحها مؤخرا في هذا التحالف. ويرجع سبب ذلك في الأساس، إلى مخاوف القاهرة من أن بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة، بدأت تتجاوز مكانة مصر في الشرق الأوسط بل ولدى الإدارة الأمريكية.
وهو أمر لم تتضح له أي مؤشرات سوى صراع المصالح، فثوابت الموقف المصري التي تتجلى من خلال زيارات المسؤولين الخليجيين إلى القاهرة تؤكد ارتباط مصالح دول الخليج بالدعم المصري في قضايا متعددة.
الإمارات تنافس الدور المصري!
زعم “برئيل” إلى أن التوتر بين مصر والإمارات قد تفاقم في أغسطس الماضي، تزامنا مع توقيع اتفاقيات التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب. فيما أوضح صحفيون مصريون لصحيفة “هآرتس”، أن الرئيس السيسي كان على علم بنية بن زايد لتطبيع العلاقات، إلا أنه لم يكن متحمسًا لذلك، لأنه أراد أن يكون هو عرَّاب التحركات السياسية مع إسرائيل.
كما كانت المخاوف تراود الرئيس السيسي من أن يؤدي اتفاق التطبيع الإماراتي إلى إسقاط دور مصر الريادي فيما يخص السلام مع إسرائيل، واستيلاء الإمارات على هذا الدور، الذي ظلت مصر تؤديه منذ اتفاقيات كامب ديفيد، وكان سببا في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وهنا يبدو أن الكاتب الإسرائيلي نسي أوتناسى أن دولا عربية كثيرة حاولت أن تلعب دور مصر في توجيه دفة العلاقات العربية الإسرائيلية في أهم القضايا وهي القضية الفلسطينية وجميعها باء بالفشل.
محمد بن زايد وخليفة حفتر
الحرب الليبية تكشف الخلافات
واصل الكاتب الإسرائيلي زعمه بأن الرئيس السيسي قد غضب جراء استقلالية القرار الإماراتي فيما يخص التطبيع مع إسرائيل، لكنه استطاع إخفاء غضبه، بل كان أول من رحب باتفاق التطبيع، لكن ذلك لا يعني تسوية الخلافات بين الرئيس السيسي وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد.
خاصة أن هناك خلافات أخرى كانت قد اندلعت بين القاهرة وأبو ظبي حول الحرب الدائرة في ليبيا بين الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر. وهنا أيضًا، تشترك مصر والإمارات في التحالف العسكري الذي يدعم حفتر للاستيلاء على السلطة والإطاحة بالحكومة المدعومة من ألد خصومهما، تركيا وقطر.
ولكن في حين، يُبدي بن زايد استعداده لتخفيف حدة مواقفه تجاه الحكومة الليبية في العاصمة طرابلس، إلا أن الرئيس السيسي يشعر بالقلق الشديد من اعتماد تلك الحكومة على التيارات الدينية – وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. لذا ترى القاهرة أن الجبهة الليبية تمثل تهديدا لأمنها القومي، بينما ترى أبو ظبي أن تدخلها في ليبيا هو مجرد معركة سياسية تهدف إلى توسيع دائرة نفوذها في المنطقة.
التدخل في القرن الأفريقي
لا يتوقف قلق مصر فقط عند محاولات أبو ظبي بسط هيمنتها على المنطقة العربية، بل يتعلق الأمر أيضًا بمحاولاتها التدخل في شؤون القرن الأفريقي. فلقد تعهدت أبو ظبي بتحويل نحو ثلاثة مليارات دولار إلى إثيوبيا لمساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية. كما توسطت في إحراز اتفاق المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018، ووفقًا لبعض التقارير التي نفتها أبو ظبي، فإن الإمارات زودت أديس أبابا بطائرات مسيرة أثناء المواجهات المسلحة مع ولاية تيغراي في نوفمبر الماضي.
أضف إلى ذلك، أن الإمارات أخذت تعزز تعاونها الاستخباراتي مع إسرائيل – وهو ما يثير مخاوف مصر من أن تصبح منطقة القرن الأفريقي قاعدةً استخبارية تخدم مصالح إسرائيل. لذا حاولت القاهرة إقناع السودان بتقديم الدعم لمقاتلي ولاية تيغراي في الصراع الداخلي في إثيوبيا، كما طالبت أبو ظبي بالضغط على أديس أبابا بشأن قضية سد النهضة المقام على نهر النيل، حيث طالب المصريون السلطات الإماراتية بممارسة نفوذها الاقتصادي لحمل الحكومة الإثيوبية على قبول المطالب المصرية، والتأكد من أن بناء السد لن يضر بمصالح القاهرة ولن يقلل حصتها من المياه.
ضرب الملاحة في قناة السويس
ترى مصر أن الإمارات لم تفعل ما يكفي فيما يخص الشأن الإثيوبي وأزمة سد النهضة. وما يتردد عن وجود نية مشتركة من جانب إسرائيل وأبو ظبي لتنفيذ مشروع القناة المائية التي ستربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وستمتد من ميناء إيلات إلى ميناء حيفا، بالإضافة إلى مشروع بناء خط أنابيب نفطي بين إيلات وأشدود، وكذلك تنافس الإمارات مع الشركات الإسرائيلية على مناقصة لشراء ميناء حيفا – كل ذلك يؤكد مخاوف القاهرة من نية الطرفين لضرب حركة الملاحة عبر قناة السويس، الأمر الذي سيُلحق ضرراً كبيرا بأحد أهم مصادر الدخل بالنسبة للقاهرة، بل وسيضر بمكانة مصر في المنطقة.
لكن المحلل الإسرائيلي تناسى هنا أيضا أن المشاريع المائية المنافسة لقناة السويس تفتقد جميعها الجدوى الاقتصادية.
دونالد ترامب – صورة أرشيفية
التدخل في الشأن السوداني
يحاول المحلل الإسرائيلي تعظيم دور الإمارات على الدور المصري فيقول:، إن القاهرة لا يروق لها تدخل الإمارات السافر في الشأن السوداني، حيث لم تكتفي أبو ظبي بدفع عملية التطبيع بين تل أبيب والخرطوم، بل إنها أقنعت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
كما توسطت أبو ظبي بين الخرطوم وموسكو لإبرام اتفاقية في أوائل ديسمبر الماضي، تقضي بإنشاء قاعدة بحرية روسية في مدينة بورسودان الساحلية. ووفقا للاتفاقية التي ستظل سارية لمدة 25 عامًا، سيكون من حق روسيا إرسال ما لا يقل عن أربع سفن حربية إلى الميناء السوداني المُطل على البحر الأحمر.
وبخضوع ذلك الميناء السوداني للهيمنة الروسية، إضافة إلى ميناء طرطوس في سوريا، ستكون موسكو قد امتلكت قواعد بحرية حيوية تمكنها من بسط نفوذها العسكري في منطقة الشرق الأوسط.
وهنا لم يذكر “برئيل”، أين المصالح الأمريكية من رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومن منح الخرطوم مليار دولار لصالح خطة التنمية؟
التدخل في الشأن اليمني
كما تتابع مصر بقلق شديد، دور الإمارات فيما يجري من أحداث في جنوب اليمن، لا سيما في مدينة عدن الساحلية وجزيرة سقطرى. ومن المعلوم أن أبو ظبي تمثل العمود الفقري العسكري والاقتصادي لـ “المجلس الانتقالي المؤقت” الذي شكله الانفصاليون الجنوبيون الساعين إلى إحياء فكرة إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن.
ومنذ نوفمبر 2019- عندما تم توقيع اتفاق المصالحة بين الانفصاليين والحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة- تسعى السعودية لتنفيذ بنود المصالحة، وأخيرا تم خلال الشهر الماضي تشكيل حكومة موحدة، تتقاسم الحقائب الوزارية بالتساوي. لكن ذلك الاتفاق لم يوقف استمرار التعاون بين الانفصاليين والإماراتيين، الذين سيطروا معًا بحكم الأمر الواقع، على جزيرة سقطرى، التي من المتوقع أن يكون بها أيضا تواجد عسكري إسرائيلي.
تراجع الهيمنة المصرية في حوض البحر الأحمر
ألمح “برئيل” إلى أن الهيمنة المصرية في حوض البحر الأحمر تراجعت بعد قرار القاهرة نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، وذلك ضمن صفقة شاملة، مقابل مساعدات ضخمة حصلت عليها القاهرة من الرياض. ولكن مصر أصبحت خلال السنوات الأخيرة تواجه منافسة من قبل الإمارات العربية المتحدة، رغم ما بينهما من تحالف. وربما ستحتل أبو ظبي مكانة القاهرة في هذا المفترق البحري الاستراتيجي الهام، وهي بذلك تلفت انتباه الولايات المتحدة إلى أهمية تلك المنطقة. 
الرئيس الأمريكى “جو بايدن”
الكل في انتظار بايدن
يضيف المحلل الإسرائيلي أن من بين أهم القضايا التي شغلت اهتمام بايدن، هي قضية انتهاك حقوق الإنسان – خاصة في المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا. ولقد جربت القاهرة بالفعل قسوة الإدارات الأمريكية حينما جمدت مساعداتها المالية وأوقفت صفقات أسلحتها، بزعم انتهاك السلطات لحقوق الإنسان، مثل قمع منظمات المجتمع المدني أو اعتقال الصحفيين.
لذلك قررت مصر مؤخرًا إطلاق سراح العديد من السجناء، بمن فيهم معتقلين سياسيين. ويؤكد الرئيس السيسي دائمًا دعمه ومساندته للأقلية المسيحية، ويدعى المحلل الإسرائيلى أيضًا قيام مصر بتوظيف مكاتب استشارية في واشنطن، لتحسين سمعة الحكومة لدى الإدارة الأمريكية.
وعندما سيحين موعد مناقشة ميزانية المساعدات الأمريكية لمصر، سيجد الرئيس السيسي نفسه تحت ضغوط شديدة من جانب الرئيس الديمقراطي بايدن، وكذلك من جانب الكونجرس _النواب والشيوخ_ ذى الأغلبية الديمقراطية، واللذين سيطالبان الرئيس السيسي بإجراء إصلاحات جذرية في مجال حقوق الإنسان.
وتعتبر مصر أكثر حساسية لمثل تلك الضغوط الأمريكية، مقارنة بالسعودية والإمارات، نظرا لأن مصر تعتمد على المساعدات الأمريكية والعلاقة الإيجابية مع واشنطن، التي بمقدورها منع القروض من صندوق النقد الدولي أو وقف الاستثمارات في مصر. وفي مثل تلك الحالة، سيحتاج الرئيس السيسي إلى تلقي المساعدات من حلفائه العرب حتى ينجو من الأزمة الاقتصادية، لكن حلفاءه سيكونون مشغولين في الوقت نفسه, بالسعي لكسب ود الرئيس بايدن.
التعليق
– أغفل الإعلام الإسرائيلى فى تقييمه للوضع حقيقة حسابات قدرات الدولة الشاملة، والتى يعبر عنها بمجموع القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والمعنوية … إلخ، مضروبًا فى الإرادة السياسة، والتى تصب فى مجملها فى مصلحة مصر على مستوى الإقليم، ومن ثم لا تقلق مصر من تحركات لبعض القوى الإقليمية، لتعزيز نفوذها أو تأثيرها فى التوازن الإقليمى.
إلا أن ما يثير قلقها هو التدخلات السلبية لبعض القوى الإقليمية والدولية لإضعاف الدول المركزية، ومحاولة التأثير على استقرار أنظمتها، عن طريق استخدام بعض الأدوات الإعلامية والقنوات المشبوهة لتحقيق هذا الغرض، وبما يؤثر بالسلب على الأمن القومى المصرى والعربى.
– ومن جهة أخرى، فقد استبقت مصر الإجراءات التى تستهدف ممارسة قدر من الضغوط عليها فى ملف “حقوق الإنسان”، بتشكيل لجنة قومية لصياغة إستراتيجية للتعامل مع كافة جوانب حقوق الإنسان، والرد على الإدعاءات المثارة حول هذا الملف، فضلاً عن تفنيد تلك الإدعاءات، ووضع الأطر التشريعية والتنظيمية التى تكفل تحسين مناخ الحريات، مع ضمان تمتع المواطنين بكافة الحقوق السياسية والدينية والمادية التى توفر لهم حياة كريمة، خاصة فى ظل انتشار جائحة “كورونا” على مستوى العالم.
 
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version