تسببت سياسات أبى أحمد رئيس الوزراء الاثيوبى فى تجدد الازمات وتفاقمها، وإذكاء الصراعات ذات الجذور الراسخة فى إثيوبيا منذ عقود، بين الجماعات الإثنية المختلفة وفى محيط الدولة الإثيوبية الإقليمى، فبعد الاضطرابات الدامية فى إقليم الأورومو والحرب فى إقليم تيغراى، جاء الدور على الأمهرة لتزداد وطأة الصراعات العرقية فى إثيوبيا، وهو ما يلقي بظلاله على الانتخابات البرلمانية  التى كان من المقرر عقدها فى 5 يونيو المقبل وتم تأجيلها لثلاثة أسابيع، ومدى إمكانية إقامتها فى الموعد المحدد.
الانتخابات
موقع النزاع المسلح ACLED – أرشيفية
حيث أعلنت جماعة مسلحة سيطرتها على بلدة سدالى بمنطقة كماشى بإقليم بنى شنقول جموز، غربى البلاد، كما أعلنت السلطات الإثيوبية فرض حالة الطوارئ فى 3 مقاطعات بإقليم أمهرة إثر أعمال عنف مسلحة، أسفرت عن وقوع خسائر بشرية وأضرار بالممتلكات، فضلًا عن تزايد حدة التوترات بين الجيشين السودانى والإثيوبى على الحدود بين الدولتين بسبب منطقة الفشقة.
هذا العنف السياسي خلف عنه المزيد من القتلى، فوفقًا لبيانات  موقع النزاع المسلح ACLED ارتفع عدد القتلى بسبب العنف السياسى على المستوى الوطنى بنسبة 33% فى سنوات حكم آبى أحمد مقارنة بخط الأساس قبل عامين، وشهدت أعمال العنف فى ولايات مثل ولاية «بنى شنقول-غومز» زيادة بنسبة 974% فى السنوات نفسها، وقد شهد إقليم تيغراى – بالطبع – قفزة هائلة فى معدلات العنف بنسبة
1690%.
 
فما هو موقف الجماعات الاثنية الاثيوبية من الصراعات العرقية ومدى تأثير ذلك على الانتخابات..؟
متمردو التيجراى – أرشيفية
التيجراى: على الرغم من إعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد الانتصار على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراى العائق الأكبر سياسياً وعسكرياً أمام مشروعه السياسى، وذلك فى الحرب التى بدأت  4 نوفمبر 2020، بعدما اتهم آبى أحمد الجبهة بالهجوم على معسكرات الجيش الفيدرالي فى تيغراى، إلا أن هذا الإعلان لم ينهى القتال الدائر فبالرغم من سيطرة القوات الإثيوبية على جزء كبير من الإقليم، لكنها لا تتمتع بالسيطرة الكاملة، ولا يزال العديد من قادة ومقاتلى جبهة تحرير تيغراى طُلقاء، خاصة بعد تصنيف البرلمان الإثيوبى جبهة تحرير تيجراى، كمنظمة إرهابية، ومع إستمرارالقتال فأنه متوقع أن لا يكون  هناك تصويت فى تيجراى خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا تمت فى موعدها، خاصة فى ظل إجبار سلطات الأمهرة والقيام بحملات تطهير عرقى لمئات الآلاف من سكان تيجراى.
فضلًا   وقد ارتكبت القوات الإثيوبية بحق سكان إقليم التيجراى بأوامر من رئيس الحكومة آبى أحمد، العديد من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي يصل بعضها إلى مستوى “الإبادة الجماعية” وفقًا لمنظمات دولية وأممية، حيث خرج بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية البابا أبونا ماتياس وهو من عرق التيجراى، ليصرح بحدوث إبادة جماعية ممنهجة فى الإقليم، هذه الانتهاكات جعلت  قالت الحكومة الأمريكية تعلن عن فرضها قيودا واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية لإثيوبيا بسبب الفظائع فى إقليم تيجراى. .
بنى شنقول – أرشيفية
إقليم بنى شنقول: تجدد العنف فى  إقليم بنى شنقول الايام الماضية والذى بدأ فى سبتمبر عام 2018، حين بدأت قومية «قميز» فى استهداف وطرد الأقليات العرقية الموجودة داخل مناطق الإقليم، خاصة قومية الأورومو، وأجبروهم على الإقامة بشكل شبه دائم فى إقليمى تيغراى وأوروميا، وتجدد أعمال العنف مرة أخرى فى الإقليم بالتزامن مع بدء العمليات العسكرية فى تيغراى، إلا أن التطور الأخطر فى الولاية التى تحتضن سد النهضة، كان فى إبريل 2021، بعد سيطرة مجموعة مسلحة على بعض المناطق فى الولاية وقتلى المدنيين، وذلك فى ظل انخفاض أعداد قوات الأمن فى المنطقة نتيجة قتال حكومة آبى أحمد فى تيغراى وعلى أكثر من جبهة أخرى، فضلاً عن خسارة الجيش الإثيوبى لجزء كبير من معداته فى حربه مع التيغراى.
هذا النزاع على إقليم بنى شنقول لم يقتصر على الداخل الإثيوبى فقط بل امتد إلى السودان، والذى أعلن أنه قد يعيد النظر فى سيادة إثيوبيا على إقليم “بني شنقول قمر”، إذا ما استمر التعنت الإثيوبى والتنصل من الاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية 1902، التى منحت إثيوبيا إقليم بنى شنقول وألزمتها بعدم إقامة أى منشآت على النيل الأزرق، هذا البيان الذى لم تتجاهله إثيوبيا ووصفته بـ “الامر المؤسف المرفوض”
ولعل هذا الأمر يمكن الاستفادة منه من قبل الحكومة السودانية فى الضغط على اثيوبيا عبر القانون الدولى لاستعادة أراضى بنى شنقول، الأمر قد يمثل ورقة ضغط على إثيوبيا من أجل إثنائها عن المضي قدما في عملية الملء الثانى بصورة منفردة لسد النهضة دول الوصول إلى اتفاق ملزم قانونا بالطرق الدبلوماسية.
الأورومو – أرشيفية
الأورومو: على الرغم من اعتقاد جماعة الاورمو أن وصول رئيس وزراء ينتمى لجماعتهم الإثنية لسدة الحكم سيكون  بمثابة إيذاناً بحياة أفضل لقومية الأورومو، إلا أنه سرعان ما عاد الحديث عن التهميش، وتجددت النزاعات مع الحكومة، كما أن الطريقة العنيفة التى واجه بها آبى أحمد هذه النزاعات والعمل على اضطهاد بعض القيادات التاريخية للأورومو زادت من الصراعات.
ومؤخراً دخل الإقليم فى موجة العنف السياسى الممتد فى البلاد بين الأمهرة والأورومو، حيث شهد شهرى مارس وإبريل 2021، مقتل العشرات من المدنيين فى أعمال عنف، لم تستطع القوات الحكومية السيطرة عليها، لذلك كان الأخطر هو إستعانت حكومة آبى أحمد بوحدات عسكرية إريترية، باتت تتمركز فى الإقليم، وهى منْ دخلت إلى البلاد خلال حرب تيغراى لدعم آبى أحمد، وهو ما يشير إلى تعقد الأمور وسيكون له تأثير سلبى على التصويت لأبى أحمد  من قبل جماعة الأورومو فى الانتخابات المقبلة.
الأمهرة – أرشيفية
الأمهرة:  
حظى آبى أحمد بدعم وتأييد الأمهرة، نتيجة صلاته القوية بجماعاتهم، فضلًا عن دعمه بشكل كبير فى حربه ضد التيجراى، ولكن الطموحات الإقليمية لنخب الأمهرة تثير مشكلات لآبى أحمد على الصعيدين المحلى والدولى، إذ يؤكد السكان فى  بنى شنقول-جومز ومنطقة أورومو الخاصة فى منطقة أمهرة بأنَّ النزاعات فى مناطقهم مدفوعة بطموحات أمهرة الإقليمية التوسعية، علاوة على ذلك، تلقى الحكومة السودانية باللوم فى الصراع الحدودى فى مثلث الفشقة على مستوطنين الأمهرة الذين وسعوا أنشطتهم الزراعية فى الأراضى التى تقول الخرطوم إنها سودانية وفقاً لمعاهدة الحدود لعام 1902.
 فى حين ترفض وزارة الخارجية الإثيوبية -بقيادة وزير الخارجية ديميكى ميكونين، وهو سياسى بارز من عرقية الأمهرة- ملكية الأراضى السودانية واتهمت السودان “بغزو الأراضى الإثيوبية ونهب المدنيين وتشريدهم وقرع طبول الحرب لاحتلال المزيد من الأراضى.
وقد تفاقمت الأوضاع فى الإقليم فى إبريل 2021، حيث اندلعت أعمال عنف شديدة داخل الإقليم بين عرقى الأورومو والأمهرة، أسفرت عن وقوع خسائر بشرية وأضرار بالممتلكات، فى أحداث تعد الأسوأ خلال فترة حكم آبى أحمد، حيث تشير التقارير إلى وصول عدد القتلى إلى نحو 300 شخص، بالإضافة إلى إحراق 1539 منزلاً.
ومع تصنيف إثيوبيا “جماعة “أونق شنى” المسلحة المنشقة عن جبهة تحرير أورومو منظمة إرهابية والتي تعتبر المتهم الأول فى إشعال الوضع فى الإقليم  فسوف يساهم ذلك فى إحتواء غضب جماعة الأمهرا وذلك بعد أن خرجو فى مظاهرات أمهرية حاشدة للاحتجاج ضد حكومة آبى أحمد، على خلفية التكاسل عن احتواء الموقف، وتعريض حياة المئات للقتل ونزوح الآلاف، وبما وصفوه بأنه «عمليات التطهير العرقى ضد الأمهرة، كما أنه يرجح مشاركتهم فى الانتخابات القادمة بشكل فعال بما يثب في صالح أبى أحمد.
وتشير الأزمة الراهنة فى إثيوبيا إلى مجموعة من السيناريوهات المحتملة.. نطرحها فيما يلي
1-الانزلاق فى الحرب الأهلية
فى ظل تعقيدات المشهد العرقى فى إثيوبيا واستخدام الحكومة الاتحادية القوة فى مواجهة الجماعات المختلفة، فضلًا عن اندلاع الصراع بين الجماعات الإثنية المختلفة ومحاولة التطهير العرقى فى إقليم التيجراى وإقليم بنى شنقول من قبل جماعة الأمهرة، فأنه قد يحدث حرب أهلية تندلع بين كل الجماعات في إثيوبيا.
2-عدم إقامة الانتخابات فى موعدها
تزايد الصراع بين الجماعات الإثنية المختلفة فى إثيوبيا، قد يرجح تأجيل الانتخابات مرة أخرى، بعد أن تم تأجيلها الفترة الماضية 3 أسابيع من موعدها المقرر له فى 5 يونيو ، لذلك فأن هذا السيناريو يؤكد أن التصعيد من قبل أبى أحمد متعمد وذلك ليستطيع تأجيل الانتخابات وعدم إقامتها فى هذا التوقيت خاصة أنه فى خلافات مع جماعة الأورومو وهى الجماعة الأكبر من حيث عدد السكان، بالإضافة إلى جماعة التيجراى بسبب الحرب معها، كما أن جماعة الأمهرا الداعمة له نشبت نزاعات كبيرة مع الحكومة الفيدرالية الفترة الماضية، فضلًا عن خوف العديد من الجماعات الأخرى بإلغاء الفيدرالية  الاتحادية والعمل بنظام الحكومة المركزية الذى قد لا يمكن الجماعات الصغيرة من التمثيل السياسى والوصول للسلطة.
أعلام (مصر – السودان – إثيوبيا) – أرشيفية
3- دفع مصر والسودان لعمل عسكرى ضد سد النهضة
فبحسب هذا السيناريو فأن تفاقم الصراعات الفترة الماضية متعمد من قبل حكومة أبى أحمد والضغط على مصر والسودان، وذلك لدفعهما للقيام بعمل عسكرى ضد سد النهضة قبل الملأ الثانى للسد، وهو ما سيكون ذريعة للحصول على تأييد القوميات الاثيوبية فى الانتخابات والتغطية على المشاكل التى تواجه السد سواء فيما يتعلق بتدنى معدلات الامان وإحتمالات إنهياره، أو فيما يخص قدرته على توليد الطاقة الكهربائية وذلك لأن كفاءته منخفضة تصل ل30%، كما أن قيام مصر والسودان بضربة عسكرية ضد السد سيؤدى إلى  وجود موقف دولى مساند لأثيوبيا، واستئناف المساعدات المالية لها خاصة فى ضوء الإنتقادات الدولية للجرائم التى ارتكبتها إثيوبيا فى إقليم التيجراى.
وبالرغم من إحتمالية قيام مصر والسودان بضربة عسكرية ضد السد، خاصة بعد مناورة حماة النيل إلا أنه غير مرجح تصورات هذا السيناريو فيما يخص رغبة إثيوبيا فى ضرب السد وذلك لأنه سيضعف من مكانتها الإقليمية، فضلًا عن أنه سيزيد من الصراعات بين القوميات المختلفة خاصة أن سد النهضة أصبح مشروع قومى لدى الإثيوبيين ويرون فيه أنه سينقل إثيوبيا لمهد الحضارة والتقدم.
4-زيادة النزعة الانفصالية
أعطى الدستور الفيدرالى الإثيوبى لعام 1994 الحق للقوميات المختلفة أن تنفصل عن الدولة الإثيوبية وفق مجموعة من الشروط ، لذلك فأن استمرار الصراع بين الجماعات المختلفة والحكومة الفيدرالية قد يفتح المجال أمام مطالب إنفصالية من قوميات مختلفة.
5-العودة للحكم المركزى
تم توجيه الإتهامات لأبى أحمد برغبته فى العودة بالبلاد للحكم المركزى وأن سياساته تدفع فى إتجاه تقليص سلطات القوميات داخل أقاليمها، وذلك فى الوقت التى تعمل فيه جميع القوميات على محاولة إثبات قدرتها على الحكم الإقليمى.
 
أهم الاستنتاجات
* استغلال الحكومة الإثيوبية  الصراعات العرقية فى إثيوبيا  لتقويض الجهود المصرية والسودانية في الوصول لاتفاق بشأن سد النهضة وذلك لأن الحكومة الإثيوبية تروج للشعب الإثيوبي أن سد النهضة هو المشروع الوحيد القادر على توحيد الجماعات الإثنية وأنه بدونه سوف تتفكك إثيوبيا.
*مساعى أبى أحمد فى تزوير الانتخابات القادمة إذا تمت فى موعدها، وذلك ما ظهر من إلغاء الاتحاد الأوروبى خططا لإرسال مراقبين للانتخابات البرلمانية الإثيوبية بسبب أن الشروط المتعلقة بأنظمة الاتصالات واستقلال البعثة لم تتحقق، فضلًا عن تأجيلها عن معادها المقرر لأسباب غير واقعية، وهو ما يؤكده التسريب الصوتى لآبى أحمد والذى  أكد فيه أنه وحزبه سيفوزا بالانتخابات المقبلة وأنه مستمر لمدة 10 سنوات فى السلطة وحال رحيله ستشهد البلاد دماء هائلة مما يؤكد النية فى تزوير الانتخابات المقبلة مهما كلف الأمر.
*رغبة أبى أحمد للعودة للحكم المركزى وذلك لضمان بقاءه فى السلطة فى إثيوبيا.
 
*خسارة أبى أحمد العديد من مناطق نفوذه خاصة جماعة الأورومو بسبب استخدامه للعنف وعدم الرغبة فى وجود حل سياسى.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version