يُتوقع أن تمثل الانتخابات الإيرانية المرتقبة محل خلاف وتمايز بين تيارَين اجتماعييَّن سياسييَّن: الأول أصولي محافظ يعادى الغرب والولايات المتحدة، والثانى يتألف من اليمين المعتدل واليسار المعتدل ويطلق عليه التيار الإصلاحى الليبرالى.
يستمد الأول قوّته من مكتب المرشد الأعلى للجمهورية، ومجلس صيانة الدستور، وقيادة الحرس الثوري، والقضاء. فيما يستند الثانى إلى رئيس الجمهورية، والجماهير المؤيدة له، وممثليه فى مجلس الشورى المنتخب، والصحافة الليبرالية. وهناك تباين واختلاف فى وجهات النظر بين التيارَين، تتلخص فى اختلافهما فى فهْم مبدأ ولاية الفقيه؛ إذ يرى المحافظون، أن سلطاته مستمدة من الدين وعقيدة الإمامة الشيعية؛ بينما يرى الإصلاحيون، أنها يجب أن تكون مستمدة من الشعب، وأن يحددها الدستور(1).
وتكتسب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر أن تجرى فى يونيو القادم عام 2021 أهمية خاصة، وذلك لأن تلك الانتخابات هى التى ستحدد اسم الرئيس الذى سيتعامل مع التحديات الحالية وعلى رأسها التفاهم مع إدارة الرئيس الأمريكى الجديد جوزيف بايدن بعد أربع سنوات من الصدام في عهد دونالد ترامب.
الانتخابات
الرئيس الإيرانى – صورة أرشيفية
الوضع الداخلي في إيران قُبَيْل الانتخابات الرئاسية
اقتصادياً: عانت إيران منذ انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المعروف بخطابه المعادي للنظام الإيراني، اذ أعلن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في الثامن من مايو 2018، وانتهج سياسة “الضغط الأقصى”، وقام بفرض عددٍ من حزم العقوبات على إيران والتى بدورها اثقلت كاهل الاقتصاد الإيرانى وأثرت سلبا على العملة الإيرانية.
أدت العقوبات الأمريكية إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بشكل حاد، حيث قيدت العقوبات قدرة إيران على تصدير معظم نفطها، وكان الريال الإيراني أكبر ضحية لسياسة الضغط الأقصى، حيث خسر نحو 80٪ من قيمته مقابل الدولار، مما أدى إلى زيادة التضخم وانكماش القوة الشرائية للإيرانيين ودفع ملايين الأسر إلى الفقر. فيما أدت الجهود المبذولة لتثبيت العملة من خلال التحكم في السعر ومقاضاة الصيارفة إلى نتائج عكسية، مما أدى إلى إضعاف الريال أكثر مع ازدهار السوق السوداء.
سياسياً: تأثر الوضع السياسى بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى وتصنيفها الحرس الثوري منظمة إرهابية(2). حيث ارتبك الداخل الإيراني وانقسم بين فريقين أحدهما يرى بضرورة التهدئة والذهاب الفوري إلى الحوار مع واشنطن وهو رأي الإصلاحيين المتمثل فى رئيس الدولة حسن روحانى، ووزير خارجيته جواد ظريف؛ تجنبا لمزيد من الصدام والخسائر الاقتصادية والاستراتيجية، بينما مال رأى المحافظين المتمثل فى رأي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والحرس الثوري إلى التصعيد والتصادم، وهو ما تم بالفعل.
أدى ذلك الي تراجع شعبية التيار الإصلاحي سياسيا لصالح التيار المحافظ الذي كان يرى أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة. وقام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتوجيه الانتقادات إلى كل من الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف لجنوحهما إلى التهدئة. وامتد الخلاف الداخلي في التوجه السياسي الخارجي الي مسألة رؤية التيار المحافظ في خفض إيران التزاماتها تدريجيا إزاء خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي”، وهو الأمر الذي عارضة جواد ظريف وزير الخارجية.
تفاقم الوضع في مطلع يناير عام 2020، حيث قامت القوات الأمريكية بعملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني _قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني_ في موقع قريب من مطار بغداد _العاصمة العراقية_ ردا من جانبها على الاستهداف المتتالي للقواعد الأمريكية بهذا البلد تحت قيادته.
وشكل مقتل سليماني ضغوطاً كبرى ومع ذلك تمكنت طهران من إعادة توجيه الضغوط المتصاعدة في الداخل واستثمرت مسألة مقتل قاسم سليماني في تجميع الفرقاء الداخليين على كل المستويات السياسية والاقتصادية. ويُلاحظ أن المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس روحاني يشددان دائمًا في معظم خطاباتهما السياسية على مسألة التماسك الداخلي كعامل رادع أساسي أمام القوى الخارجية.
اجتماعياً: أثرت الأوضاع الاقتصادية لإيران على الوضع الاجتماعي لكثير من الإيرانيين حيث عانت الغالبية العظمى من الإيرانيين من سوء إدارة الاقتصاد وتحمل تكاليف العقوبات وتدهور العملة الايرانية. وشهدت إيران موجة جديدة من الاحتجاجات ضد السياسات الاقتصادية للنظام التي أدت إلى انهيار الوضع الاقتصادي للبلاد، وقوبلت الاحتجاجات بقمع من قبل قوات الأمن ضد المتظاهرين.
وكانت إخفاقات النظام الداخلية من الأسباب الرئيسية للاضطرابات العامة، وتشمل هذه عقودًا من السياسات الاقتصادية الفاشلة، والجهود المبذولة للسيطرة على الجوانب اليومية للحياة الإيرانية. وتتعدي قضايا الاحتجاجات الأسباب الاقتصادية حيث كان الفساد وتقييد الحياة الاجتماعية أحد الأسباب الرئيسية للتذمر الشعبي.
الجنرال حسين دهقان – أرشيفية
تعديل قانون الانتخابات وترشح العسكريين
هناك احتمالية حول تولي أول رئيس عسكري في تاريخ إيران منذ نجاح الثورة عام 1979، حيث تشير الأوضاع في الأسابيع الأخيرة إلى أن المؤسسة العسكرية في إيران تتطلع الي أن يكون الرئيس المقبل من النخبة العسكرية الراهنة، ويرجح هذا تعديل قانون الانتخابات ليسمح للعسكريين بالترشح، ثم إعلان الجنرال حسين دهقان _وزير الدفاع السابق_ والقيادي في الحرس الثوري، ترشحه للرئاسة(3).
ومن أسباب تبني المؤسسة العسكرية لتلك الاستراتيجية الحرص على كفاءة الرئيس القادم في إدارة التحديات التي ستواجه إيران في المرحلة المقبلة، فالرئيس الأمريكي جو بايدن يريد صراحة التفاوض مع طهران بشأن تموضعها العسكري في المنطقة، وأيضاً التفاوض بخصوص برنامجها العسكري للصواريخ الباليستية، ويريد تحويل خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” من اتفاق لمنع الانتشار النووي إلى اتفاق جيوستراتيجي شامل يعالج كل ثغرات اتفاق عام 2015.
وبناءً على ذلك ترى المؤسسة العسكرية أنها أقدر على قيادة التفاوض مع الغرب في هذه المرحلة من أي فصيل مدني أو ديني سواها، خاصة أن محاولات إدارة روحاني المدنية في التقارب مع الغرب انتكست بعد أن تبدلت القيادة في البيت الأبيض من أوباما المنتمي الي الديمقراطيين إلى ترامب المنتمي إلي الحزب الجمهورى(4).
وتشير تصريحات المرشد الأعلى في الأسابيع الأخيرة إلى أنه بات أكثر ميلا لتطبيق هذه الإستراتيجية، ولو حدث وتم انتخاب دهقان _صاحب الخلفية العسكرية_ رئيسا، أو أي رئيس عسكري غيره؛ سوف تكون سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وسيكون لها ما بعدها على صعيد علاقات إيران الإقليمية والدولية.
وتعد الانتخابات القادمة ذات أهمية خاصة لخامنئي، ففي كلمته احتفالا بأعياد النوروز، أشار خامنئي الي أن هذا العام (1400 ش)، هو عام حساس ومهم، وأرجع تلك الأهمية وتلك الحساسية إلى إجراء الانتخابات الرئاسية فيه. وقال خامنئي: “إن البلاد أمامها انتخابات مهمة، ويمكن أن يكون لها تأثير كبير في أوضاع البلاد ومستقبلها، وأنها ستأتي بإدارات جديدة إلى رأس العمل، وهي إدارات مفعمة بالحيوية، ستدخل البلاد بدوافع متنوعة وقوية، فوضع الانتخابات هذا العام مهمًا وحساسًا للغاية”، وفقا لمنطوق خطابه في 20 مارس 2021(5).
محمد باقر قالیباف – أرشيفية
بعض المرشحين المحتملين
* حسين دهقان، وزير الدفاع خلال ولاية روحاني الأولى، مرشح مُعلن للرئاسة. وهو من قدامى المحاربين في الحرب الإيرانية العراقية، وشغل عددًا من المناصب في الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك منصب قائد مركز تدريب الحرس الثوري الإيراني في جنوب لبنان، مما سهل إنشاء حزب الله اللبنانى. دهقان ليس عضوًا رسميًا في أي جمعية أو فصيل سياسي، لكنه يُنظر إليه عمومًا على أنه متشدد في ضوء علاقاته الوثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، (كما أنه يخضع لعقوبات أمريكية بسبب علاقاته الوثيقة بحزب الله). ويعتقد أن دهقان منتقد شرس لسياسة روحاني الخارجية، ولا سيما الاتفاق النووي مع مجموعة 5 + 1 “بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا”(6).
* محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى المنتخب مؤخرًا (ورئيس بلدية طهران السابق). قاد قاليباف القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني قبل الدخول في معترك السباق في الانتخابات الرئاسية، وترشح للرئاسة ثلاث مرات، في 2005، 2013، و2017. وعلى الرغم من ارتباطه بالتيار المحافظ، دعا قاليباف بشكل متقطع للحوار مع الولايات المتحدة، بينما دعا في الوقت نفسه إلى تحجيم نفوذ الولايات المتحدة في إيران والشرق الأوسط بأكمله. وأشاد مؤخرًا بهزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقال إن جو بايدن سيحول الضغط الأقصى إلى “ضغط ذكي”(7).
إبراهيم رئيسى – أرشيفية
* السيد إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية (رئيس القضاة)، وهو مدع عام ورجل دين لم يكن ينتمي في الواقع إلى الحرس الثوري الإيراني. يعتقد البعض أنه يتم إعداده لخلافة خامنئي كمرشد أعلي. وهو بالفعل عضو في مجلس الخبراء، الهيئة المكلفة باختيار المرشد الأعلى، على الرغم من أن المرشد يتم اختياره بالفعل خلف أبواب مغلقة قبل إجراء أي تصويت رسمي.
من الجدير بالذكر، الإشارة الي أنه قد يكون فشل روحاني في الوفاء بالتوقعات المحيطة بالنمو الاقتصادي قد قضى على آمال العديد من المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتزمون الترشح للرئاسة الإيرانية في عام 2021، حيث دخل الاقتصاد الإيراني عامه الثالث على التوالي من الركود بعد الصدمة الثلاثية للعقوبات الأمريكية وانهيار سوق النفط وتداعيات فيروس كورونا(8).
أفاد البنك الدولي أنه في 2019-2020، وصل التضخم في إيران الي 41.2 في المائة، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.8 في المائة، وبلغ معدل البطالة 10.7 في المائة. علاوة على ذلك، من المرجح أن يستخدم مجلس صيانة الدستور حق استبعاد العديد من المرشحين الرئاسيين المعتدلين والإصلاحيين، كما استبعد العديد من المرشحين المعتدلين والإصلاحيين قبل انتخابات مجلس الشورى في عام 2020. ولكن ترددت شائعات عن استعداد عدد قليل من المرشحين الإصلاحيين المحتملين لخوض الانتخابات الرئاسية على أي حال.
تحديات الرئيس الإيراني القادم
التحدي الرئيسي الآن هو العمل عل استقرار النظام الداخلي أولاً، من خلال الاهتمام بالسياسات الداخلية خاصة في الأمور الاقتصادية والاجتماعية وهي التي تعد رافعة الأمور السياسية الأخرى المتعلقة بالدور الخارجي. وبعد حسم خيار “اقتصاد المقاومة” وعدم الاستجابة إلى سياسات الضغط الأقصى الأمريكية المعمول بها منذ مايو عام 2018، وفي ضوء احتكار بيت القيادة (بيت القيادة: اصطلاح يشير إلى التحالف الصلب بين مؤسسة المرشد والحرس الثوري) لصنع القرار في إيران، تبدو احتمالات المستقبل القريب أكثر ميلا للاستقرار والثبات في السياسات الخارجية بل وتعميقها في كثير من الملفات(9)
* المصادر:
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia21/Islaheen-I/
https://www.reuters.com/article/us-iran-trump-ab3-idARAKCN1RK1OD
د. محمد محسن أبو النور، مدخل إلى فهم الانتخابات الرئاسية الإيرانية 2021 – موقع المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية. https://afaip.com
https://www.albawabhnews.com/4282691
https://www.reuters.com/article/idUSKBN2BC0AY
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/hossein-dehghan-and-other-military-vets-vie-for-irans-presidency/
https://iranintl.com/en/world/biden-turn-maximum-pressure-smart-pressure-iran-speaker-says
https://www.worldbank.org/en/country/iran/publication/iran-economic-monitor-fall-2020
د. محمد محسن أبو النور، الداخل الإيراني وتأثيراته على السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط (محاضرة) – المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية. https://afaip.com/
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version