مع سعى دولة مالى الواقعة فى غرب أفريقيا، تخطى تبعات انقلاب شهر أغسطس 2020 ضد الرئيس إبراهيم كيتا، حتى حدث الانقلاب الثانى فى مساء يوم ال24 مايو 2021 باعتقال الجيش للرئيس الانتقالى المالى باه انداو ورئيس الوزراء مختار وان، وذلك فى أقل من 9 شهور عن انقلاب أغسطس.
حيث أطاح العقيد أسيمى غويتا الذى قاد الانقلاب فى مالى العام الماضى، بالرئيس الانتقالى ورئيس الوزراء وعين نفسه نائبا للرئيس، وبرر ذلك بأن  الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوين فشلا فى أداء مهامهما، وكانا يريدان تخريب عملية التحول فى البلاد.
رئيس مالى "باه نداو" - أرشيفية
رئيس مالى “باه نداو” – أرشيفية
إلا أنه بحسب التحليلات فأن تركيبة الحكومة التى أًعلنت قبل ساعات من الإنقلاب لم تكن موضع ترحيب من العسكريين فى مالى ، وذلك على الرغم من احتفاظهم فيها بمناصب رئيسية، مع استثناء شخصيتين من المجلس العسكرى السابق من حقيبتى الدفاع والأمن، حيث عيّن الرئيس الانتقالى فى مالى باه نداو حكومة جديدة من 25 وزيرا وتتضمن التشكيلة الحكومية الجديدة 4 جنرالات فى الجيش يحتلون مواقع مهمة كالدفاع والداخلية، كما أن هناك وزيرين من حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية” توليا حقيبتَى التربية الوطنية والشؤون المالية، فى إطار الانفتاح على قوى المعارضة التقليدية.
وعلى الرغم من الإعلان عن الإفراج عن الرئيس  ورئيس الوزراء الانتقاليين بعد إعلان إستقالتهما،  من دون توضيح شروط الإفراج عنهما، إلا أن هذا الانقلاب يؤكد ابتعاد الجيش المالى عن تحقيق المطلب الدولى بانتقال السلطة للمدنيين وإجراء الانتخابات فى بداية  .2022
خاصة بعد إقرار المحكمة الدستورية فى مالى تعيين العقيد هاشمى غويتا قائد الانقلاب ، رئيسا فى البلاد خلال المرحلة الانتقالية،  الذى من شأنه التطلع إلى الاستيلاء على السلطات الكاملة الذى رفضه المجتمع الدولى إبّان الانقلاب الذى قاده غويتا نفسه فى أغسطس 2020 ، فى وجه الرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، مفاقمة الغموض فى أفق هذه الدولة المضطربة والتى يعدّ استقرارها ضروريا لمجمل منطقة الساحل الإفريقى.
وتشهد مالى التى يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة، وجارتيها النيجر وبوركينا فاسو إلى جانب أعمال العنف التى تنفذها حركات إسلامية متطرفة، نزاعات قبلية وغيرها من المواجهات التي خلفت الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشردين، لذلك فأنه من المحتمل أن يتسبب هذا الانقلاب فى حالة من عدم الاستقرار السياسى فى مالى ، وزيادة التخوفات من تكرار أحداث انقلاب 2012 الذى ترك فراغًا فى السلطة سمح للجهاديين بالسيطرة على مناطق الشمال وإعلان استقلالها، مما استدعى تدخل فرنسا عسكريًّا فى العام التالى، فضلًا عن التخوفات من أن الاضطرابات السياسية، ستسمح للمتطرفين الإسلاميين فى مالى بتوسيع نفوذهم مرة أخرى.‏
خاصة أن منطقة الساحل ككل تعد أكثر خطورة بكثير فى عام 2021 عما كان عليه الوضع قبل 9 سنوات،  ومن المرجح أن تسعى فرنسا والأمم المتحدة اللتان تنشران آلاف الجنود فى البلاد، لقيادة الجهود الإفريقية والدولية لصياغة ملامح مرحلة ما بعد الانقلاب.
أحد إجتماعات مجلس الأمن – أرشيفية
ردود الفعل الدولية
الأمم المتحدة  ومجلس الأمن : أدانت بعثة الأمم المتحدة فى مالى”بشدة محاولة استخدام القوة” وطالبت “بالإفراج الفورى وغير المشروط” عن القادة الانتقاليين الذين أعربوا عن “دعمهم الثابت” لهم، كما أكدت رفضها مقدما فرض أمر واقع، بما فى ذلك الاستقالة القسرية للرئيس ورئيس الوزراء، كما  أدان مجلس الأمن الدولى، اعتقال الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين فى مالى مؤكدًا على أن تغيير القيادة الانتقالية فى مالى بالقوة بما فى ذلك الاستقالات القسرية أمر غير مقبول.
فرنسا وأمريكا وروسيا : نددت فرنسا باعتقال الرئيس الانتقالى ورئيس الوزراء فى مالى، مهددة القادة العسكريين والسياسيين فى مالى بفرض إجراءات عقابية لم يتم تحديدها فضلًا عن مطالبتها مجلس الأمن بالتحرك، كما  دعت الخارجية الاميركية إلى الإفراج الفورى وغير المشروط عن الرئيس الانتقالى فى مالى ورئيس الوزراء، كما دعت روسيا إلى تسوية سلمية للوضع وأكدت أنه من المهم ضمان دينامية مطردة فى إعادة الوضع  إلى المسار الدستورى على أساس الحوار الوطنى الشامل.
الاتحاد الأفريقى: أعلن الاتحاد الإفريقى تعليق عضوية مالى على إثر الانقلاب العسكرى الذى شهدته مؤخرًا ، وقال الاتحاد الإفريقى فى بيان أقره مجلس السلم والأمن للتكتل إنه “قررالتعليق الفورى لمشاركة مالى فى جميع أنشطته ومؤسساته حتى استعادة النظام الدستورى الطبيعى فى البلاد.
البعثة الأممية فى مالى – أرشيفية
لجنة مراقبة الفترة الانتقالية فى مالى:  التى تتكون من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والاتحاد الإفريقى، والبعثة الأممية لتحقيق الاستقرار فى مالى أعربت عن قلقها العميق إزاء الوضع فى مالى وطالبت بالإفراج الفورى وغير المشروط” عن المعتقلين مؤكدة أن الجنود الذين يحتجزونهم سيتحملون “المسؤولية الشخصية عن أمنهم، كما أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفزيقيا فى بيان منفرد عن “دعمها القوى” للسلطات الانتقالية مطالبة باستئناف العملية فى مسارها والانتهاء منها فى موعدها المحدد” وأكدت أن “المجتمع الدولى يرفض مقدمًا أى عمل يتم فرضه على المعتقلين بما فى ذلك الاستقالات القسرية”، وأعلنت المجموعة أنها أرسلت وفدا إلى العاصمة المالية باماكو.
الكونغو والجزائر: ادان رئيس الكونغو فيليكس تشيسكيدى الرئيس الدورى للاتحاد الأفريقى “بشدة أى عمل يهدف إلى زعزعة استقرار مالى”، ودعا جميع الجهات الفاعلة فى مالى إلى ضبط النفس واحترام الدستور، كما عبرت الجزائر عن رفضها تغيير الحكومة “بالقوة” فى مالى، مجددة دعمها للرئيس الانتقالى باه نداو.
أهم الاستنتاجات
*تطورات المشهد السياسى المالى على أرض الواقع، تشير إلى استحالة عودة الرئيس باه انداو إلى الحكم، بسبب استقالته، خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية في مالي بتعيين قائد الانقلاب العسكري، العقيد هاشمى غويتا، رئيسا فى البلاد خلال المرحلة الانتقالية، لاوذلك بالرغم من مواجهته تحديات شرعية.
*سيكون هناك تأثير على إجراء الانتخابات فى مالى، فى موعدها المقرر فى بداية 2022  وحدوث انتقال مدنى للسلطة، خاصة فى ظل التمسك الواضح من العسكريين بالسلطة وتجدد الأزمة السياسية مع استمرار العنف الذى تنفذه حركات إسلامية متطرفة ومجموعات أخرى.
 *تصرفات زعماء الانقلاب قد تؤدى إلى زعزعة استقرار البلاد ومنطقة الساحل ككل، حيث يواصل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بتنظيم داعش توسيع نطاق انتشارها، مما يؤدى إلى نزوح وهجرة السكان بأعداد قياسية.
* موقف بعض الأحزاب السياسية فى مالى من إدانة الإنقلاب العسكرى لن يمنعهم من المشاركة فى الحكومة التى سيطر عليها الإنقلابيون وذلك مثل ما حدث فى إنقلاب أغسطس الماضى.
*احتمالية توقف الجهات المانحة الدولية تمويلها مما يؤدى إلى إضعاف الاقتصاد المترنح أصلًا فى مالى.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version