مع تصاعد النزاع فى إثيوبيا وإستمرار الصراعات العرقية والقتال فى جميع أنحاء البلاد، وزيادة عمليات الحشد الواسعة لعناصر مليشيات مدججة بالأسلحة فى الساحة الإثيوبية، أصبح واضحًا أن البلاد قد تكون على أعتاب حرب أهلية تعيد الذاكرة للحرب الأهلية التى اندلعت فى إثيوبيا بين عامى 1974 حتى عام 1991، خاصة بعد تحذيرات الحكومة الإثيوبية من أنها قد تنشر “كامل قدرتها الدفاعية” ضد منطقة تيجراى المدمرة بعد تقدم جبهة تحرير التيجراى فى المناطق المجاورة.
ومن المعروف أن نظام الحكم فى إثيوبيا ذات طابع فيدرالى، وتنقسم البلاد إلى عشر ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتى إلى حد كبير، فيما يملك كل إقليم قواته الخاصة وصارت جميعها الآن تتجه نحو الاستقلال، إضافة إلى ميليشيات محلية تشبه إلى حد كبير وحدات الحراسة.
وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد سحب قوات الحكومة المركزية من معظم أراضى منطقة التيجراى فى أواخر يونيو 2021 ، وقبولها طلب وقف إطلاق النار المقدم من حكومة تيجراى المؤقتة الموالية للسلطة التنفيذية فى أديس أبابا، إلا أن جبهة تحرير التيجراى استمرت فى تقدمها وسيطرت على إقليم تيجراى بالكامل ومدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، وعلى عدد من المدن التابعة لإقليم أمهرة منها مدينة كوبو بالإضافة إلى منطقة رايا، وأصبح بينها وبين العاصمة أديس أبابا ٨٠ كم فقط، وبررت الحكومة الإثيوبية قراراها بوقف إطلاق النار فى الإقليم بأن هذا الإجراء سيساعد فى ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل أفضل وتعزيز الجهود لإعادة تأهيل منطقة تيجراى وإعادة بنائها ، إلا أن الانتصارات المتلاحقة التى حققتها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى هى من أجبرت حكومة أبى أحمد على إعلان وقف إطلاق النار من طرف واحد .
ويشهد الصراع فى إثيوبيا تصعيدا جديدا بعدما رفض قوات الجبهة الشعبية لتحرير إقليم تيجراى الانسحاب من إقليم أمهرة المجاور ووضع 3 شروط للانسحاب ( رفع الحصار المفروض على الإقليم، والسماح بوصولِ المساعدات الإنسانية إلى تيجراى، ووقف عمليات اضطهاد الشعب فى تيجراى، وإطلاقُ سراح السجناء السياسيين)، ورغم الحصار المفروض على إقليم تيجراى، إلا أن القوات الحكومية التابعة لرئيس الوزراء أبى أحمد، تنفى فرض ذلك الحصار، حيث أعلنت فى أكثر من مناسبة أن مقاتلى جبهة تحرير تيجراى يمنعون دخول المساعدات الإنسانية إلى الداخل.
إثيوبيا
آبى أحمد – صورة أرشيفية
الأزمة الإنسانية وإغراق إثيوبيا فى الديون
شهدت ولاية تيجراى خلال المعارك الدائرة بين قوات الجيش الأثيوبى وجبهة تحرير تيجراى جرائم ترتقى إلى مستوى جرائم الحرب، فضلًا عن نشر الجوع بين سكان الاقليم البالغ عددهم 40 مليون نسمة، ففى ظل تدهور الأوضاع فى الإقليم، يواجه أكثر من 400 ألف شخص المجاعة وبات 1,8 مليون آخرين على عتبة المجاعة، وفق الأمم المتحدة، خاصة بعد أن قامت القوات الإثيوبية بتدمير جسرين حيويين لنقل المساعدات إلى تيجراى ومحاصرتهم الإقليم، فضلًا عن ارتكاب الجيش الأثيوبى عمليات اغتصاب بحق نساء تيجراى، واجبار ذويهم على ممارسة الرذيلة معهم، كما أن عناصر عسكرية أجبرت بعض النساء على ممارسة الجنس مقابل الحصول على سلع أساسية.
وبخلاف هذه الجرائم، اغرق أبى أحمد بلاده فى الديون، حيث طالبت إثيوبيا بإعادة هيكلة مليار دولار إضافى من الديون الخارجية، حيث ذكرت وزارة المالية الأثيوبية فى تقرير على موقعها الرسمي على الانترنت إن إعادة هيكلة الدين ستوفر فترة سماح تصل إلى ست سنوات وتمديد أجل الاستحقاق عشر سنوات، ووفقًا للتقرير، فقد تم تأجيل دفع 2.5 مليار دولار من أصل الدين والفوائد لمدة 5 سنوات من قبل الدائنين التجاريين بموجب أول خطة لإعادة هيكلة الديون الخارجية، واعترفت أديس أبابا بأن البلاد فقدت 2.3 مليار دولار منذ اندلاع الصراع فى تيجراى فى نوفمبر 2020، لكن هذه التكلفة لم تأخذ فى الاعتبار الإنفاق العسكرى أو فقدان سبل العيش والوفيات والإصابات بين المدنيين، فضلا عن فقدان ساعات من الإنتاجية الاقتصادية بسبب فرار المدنيين من الخطر.
هل تتفكك إثيوبيا ؟
على الرغم من الترويج من قبل الحكومة الإثيوبية أن الأزمة فى إثيوبيا تكمن فى الصراع بين غالبية عرقيات الشعب الإثيوبى من جهة، وعرقية التيجراى من جهة أخرى، خصوصا بعد الحرب التى شنها رئيس الوزراء آبى أحمد ضد إقليم التيجراى فى ٤ نوفمبر 2020، إلا أنه على أرض الواقع فأن الخلافات والرغبة فى الانفصال تكاد تكون هى العامل المشترك الأساسى بين غالبية العرقيات، التى يشعر كل منها أنه مظلوم مقارنة بالعرقيات الأخرى.
حيث تشكل الأورمو أكثر من ٤٠٪ من السكان، وهى القومية التى ينتمى إليها أبى أحمد وهم من أوصلوه للسلطة بمساعدة الأمهره لكنهم انقلبوا عليه، لتحالفه مع الأمهرا، وعدم حصولهم على حقوقهم، لذلك فبينما يزحف التيجراى من أقصى الشمال للسيطرة على أديس أبابا وأقاليم الأمهره تتقدم جبهة تحرير الأورومو “OLF” صوب أديس أبابا من ناحية الجنوب أيضاً، بعد اعتقال آبى أحمد وقمعه لقيادات حركة احتجاج الأورومو (كيرو)، لتمردهم على حروبه، مع شعور شعب الأورومو، بخيانة الحكومة المركزية لهم، وتخلى عنهم في معاركهم ضد الجيش السوداني بمنطقة الفشقة، التي خسروها أيضاً مع انشغال العاصمة بمشاغلها عنهم.
وفى إقليم عفر الذى يحظى بأهمية إستراتيجية للبلد الذي لا يمتلك أى منفذ بحرى، إذ تمر فى شرق الإقليم خطوط السكة الحديد التى تربط إثيوبيا بجيبوتى ومن ثم إلى البحر الأحمر، لذلك يعتبر شريان الحياة النابض لأديس أبابا، فأنه يعانى من الانقسام خاصة بعد امتداد الحرب الدائرة بين قوات تحرير اقليم تيجراى الأثيوبى وجيش إثيوبيا إليه وقتاله بجانب الجيش الإثيوبى، إلا أن نائب قائد القوات الخاصة للإقليم عفر، محمد أحمد، أعلن انشقاقه مع قواته وأسلحته عن قوات عفر، وانضمامه للقتال إلى جوار قوات دفاع تيجراى، بهذا التحول على مستوى القيادة، يصبح الميزان العسكرى يميل إلى قوات دفاع تيجراى، فقد كانت تيجراى تحارب على جبهتين.
الأولى غربا باتجاه أمهرة، والثانية جنوبا باتجاه العفر وهو ما قد يعزز اتجاه قوات تيجراى السيطرة على طريق أديس أبابا – جيبوتى الإستراتيجى، بهدف قطع الإمدادات عن تحالف قوات الامهرة ، و الحصول على المساعدات الإنسانية التى توفرها الأمم المتحدة.
خريطة الأقاليم الإثيوبية – صورة أرشيفية
أما إقليم بنى شنقول، فهو الإقليم الذى يقع فيه سد النهضة، حيث يقع على بعد 15 كيلومترًا شرق الحدود الإثيوبية السودانية المشتركة، ويطالب بالانفصال عن الدولة الإثيوبية والانضمام للسودان، وقد احتدم الصراع الفترة الماضية وقيامهم بطرد الأقليات العرقية الموجودة داخل مناطق الإقليم، خاصة قومية الأورومو، وأجبروهم على الإقامة بشكل شبه دائم فى إقليمى تيغراى وأوروميا، كما سيطرت مجموعة مسلحة على بعض المناطق فى الولاية وذلك فى ظل انخفاض أعداد قوات الأمن فى المنطقة نتيجة قتال حكومة آبى أحمد فى تيغراى وعلى أكثر من جبهة أخرى، فضلاً عن خسارة الجيش الإثيوبى لجزء كبير من معداته فى حربه مع التيغراى.
ويستغل إقليم بنى شنقول إنشغال أبى أحمد بالحرب مع التيجراى ويقوم بالانتقام من القادة الذين تسببو فى قتل العديد من أبناء بنى شنقول، حيث قتل القائد السابق للقوات الخاصة لإقليم بنى شنقول “فيردى بوج” على أيدى مسلحين، عندما كان فى منطقة كاماشى بإقليم بنى شنقول، وهو من أبناء الأمهرة وحملوه مواطنو بنى شنقول مسؤولية مصرع المئات من أبناء الإقليم وممارسة التطهير العرقى حيث تسببت مليشياته فى نزوح الآلاف من أبناء الإقليم إلى السودان.
لذلك يمكن القول أن حكومة أبى أحمد تواجه أزمات متشابكة على كافة المستويات، حيث بدأت ملامح حرب أهلية تتبلور بشكل كبير فى ظل اتساع رقعة الصراعات وتعدد أطرافها، فضلاً عن كثرة عداءات أبى فى الداخل، وفشله فى إدارة التعددية الإثنية التى تتمتع بها إثيوبيا، ولجوءه للميلشيات ومرتزقة الحروب للزج بهم كوقود للحرب بعد نزيف الخسائر الذى لحق بقواته أمام قوات التيجراى، وتزويدهم ببنادق كلاشينكوف، وهو ما يحمل دلالات خطيرة بشأن احتمالات تمزق الدولة ، وبالتالى أصبحت إثيوبيا تقف فى نقطة فاصلة، سيتمخض عنها تبعات تؤثر على المنطقة ككل لفترة زمنية طويلة.
وختامًا، فأن الموجة الثانية من الحرب بين الحكومة الإثيوبية وإقليم الامهره من جهة وإقليم تيجراى من الجهة الأخرى ستكون أكثر تدميرًا وستساهم فى إتساع الفوضى فى إثيوبيا بالشكل الذى إما قد تنتهى بانهيار الدولة الإثيوبية وتفككها أو انفصال قومية التيجراى وفق للدستور الإثيوبى وفتح الباب أمام العرقيات الأخرى بالانفصال.
شاركها.

تعليق واحد

  1. تنبيه: ما هى أبعاد التقارب الروسى الإثيوبى؟ - تحليلات/تقدير موقف أفريقي - N.V.D

اترك تعليقاً

Exit mobile version