تشكلت السلطة التنفيذية المؤقتة الجديدة في ليبيا؛ كأحد المكتسبات التي تمكن الليبيون من جَنْيها؛ نتيجة المشاركة في “ملتقى الحوار السياسي الليبي” الذي ترأسته ستيفاني ويليامز رئيسة بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا. وقد بدأ الملتقى أعماله عبر اجتماعات افتراضية على شبكة الإنترنت في 26 أكتوبر 2020 الماضي، ثم تحقق أول اجتماع لهم على أرض الواقع في تونس في نوفمبر 2020م.
وقد شارك 72 عضوًا من أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي، يوم 18 يناير 2021م، في التصويت على اقتراح 16 يناير الذي تقرر في جنيف لبحث عملية اختيار موحد للسلطة التنفيذية، وتمت الموافقة على الاقتراح، حيث تجاوز مؤيدو القرار 63٪، إذ أيده 51 عضوًا، وتم رفضه من قبل 19 عضوًا، وامتنع عضوان عن التصويت، وتغيب اثنان.
الليبية
ملتقى الحوار السياسي 2020 – أرشيفية
اعتمدت عملية التصويت على المجمعات الانتخابية، حيث يجب على المرشح لعضوية المجلس الرئاسي أن يحصل على 70% من إجمالي الأصوات في إقليمه، وفي حال فشل المرشحون للحصول على النسبة المطلوبة، يتم إجراء الانتخاب بنظام القوائم، وتحتوي القائمة على رئيس للمجلس الرئاسي ونائبيه بالإضافة إلى رئيس الحكومة، ويجب على القائمة أن تحصل على ثلاث توصيات من أعضاء المنتدى من المنطقة الجنوبية وستة توصيات من أعضاء المنتدى من المنطقة الشرقية وثمان توصيات من أعضاء المنتدى من المنطقة الغربية لخوض الجولة الأولى (بمجموع قدره سبعة عشرة توصية).
ونتيجة لعجز المرشحين في الحصول على نسبة الـ70%، تم اعتماد طريقة القوائم الانتخابية، حيث أعلنت بعثة الأمم المتحدة في 5 فبراير 2021 الماضي، فوز قائمة محمد يونس المنفي، برئاسة المجلس الرئاسي الليبي، وعبدالحميد الدبيبة رئيساً للحكومة، وفوز النائبين موسى الكوني بعضوية المجلس الرئاسي عن المنطقة الجنوبية، وعبد الله اللافي بعضوية المجلس عن المنطقة الغربية.
تحديات وعراقيل
وتواجه الحكومة المؤقتة الجديدة تحديات عدة وعراقيل مختلفة تعوق نجاحها، وتقدمها في تحقيق أهدافها للوصول بليبيا إلى بر الأمان خلال العشرة أشهر القادمة وحتى إجراء انتخابات سبتمبر 2021م القادمة؛ نتيجة لانقسام الداخل الليبي إلى أربعة أطراف متصارعة برزت في الصورة عقب ثورة 2011م، التي أطاحت بنظام القذافي. تسعى هذه الأطراف إلى إثبات شرعيتها، والاستيلاء على السلطة، وتتبع هذه الأطراف جماعات مسلحة عديدة بعيدة عن سيطرة الحكومة.
محمد بن زايد وخليفة حفتر – أرشيفية
أطراف الصراع الليبي:
1- الحكومة التي تتخذ من مدينة بنغازي مقراً لها، وهي ذاتها الحكومة المعترف بها دوليًّا والمنبثقة عن مجلس النواب المنتخب ديموقراطيًّا في عام 2014م، والذي يتخذ من مدينة طبرق مقرًّا مؤقتًا له.
2- حكومة إسلامية تتخذ من طرابلس مقرًّا لها، تتناحر مع الحكومة في بنغازي، أسّسها المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته القانونية.
3- قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، والذي يحظى بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة.
4- الحكومة الإسلامية التابعة للمؤتمر الوطني العام، وتسمى أيضا “حكومة الإنقاذ الليبية”، تقودها جماعة الإخوان المسلمين، وهي مدعومة من قبل تحالف جهات إسلامية تعرف باسم “فجر ليبيا” وتحظى بدعم من قطر، السودان وتركيا.
ولا يقتصر الصراع الداخلي الليبي على هذه الأطراف فقط، فهناك أيضًا جماعات متنافسة أخرى، مثل مجلس شورى ثوار بنغازي الإسلامي، الذي تقوده جماعة أنصار الشريعة، و تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام في بعض المناطق الليبية، وكذلك ميليشيات الطوارق في غات، والتي تسيطر على المناطق الصحراوية في جنوب غرب البلاد، والميليشيات المحلية في منطقة مصراته والتي تسيطر على بلدتي بني وليد وتاجوراء.
عراقيل وتحديات أخرى
التراجع الاقتصادي:
يوضح التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، حقيقة ما تواجهه الحكومة الليبية الجديدة من تحديات وذلك خلال توضيحه للخسائر الاقتصادية منذ قيام الثورة في 2011م، وحتى العام المنصرم 2020م، والتي بلغت جملته ما يقارب من 580 مليار دولار، خسائر الصراع الليبي لم تتوقف عند حد الإنفاق، بل امتدت لتشمل تراجع الناتج المحلي وتراجع معدلات الاستثمار، حيث هجر المستثمرون البلاد التي احتلت المرتبة 186 من أصل 190 في تصنيف ممارسة الأعمال التجارية.
كما تعاني ليبيا من أزمة نقدية نتيجة لوجود مصرفين مركزيين أحدهما في طرابلس والآخر موازٍ له في الشرق، الأمر الذي يعيق السيطرة على سياسة البلد النقدية بينما ينهار الدينار. وقد أكّد ذلك بيان بعثة الأمم المتحدة الذي أشار إلى: “أن الانقسام داخل مصرف ليبيا المركزي تسبب في تفاقم الأزمة بالقطاع المصرفي، وإن هذه الديناميكيات تدفع التضخم وتخلق تشوهات وديون تضعف الوظيفة الأساسية للدولة”، بجانب خسارة 11 مليار دولار في مبيعات النفط؛ نتيجة لانخفاض احتياطي النقد الأجنبي في ليبيا بشكل كبير في عام 2020م.
التراجع الاقتصادي الكبير الذي تعاني منه ليبيا؛ جاء بالرغم من أن إيرادات ليبيا من بيع النفط بلغت أكثر من 700 مليون دولار خلال شهر نوفمبر2020م الماضي، وذلك نظرًا لإعفاء منظمة الأوبك ليبيا من تخفيض إنتاج النفط الذي طبقته على كل الدول المنتجة العام الماضي؛ مراعاة لأزمتها الاقتصادية.
تردي المنظومة الصحية:
وفق تقرير سابق للمنظمة الليبية للسياسات والإستراتيجيات، عن أهم التحديات التي تواجه قطاع الصحة في ليبيا، فإن واقع الرعاية الصحية والتأمين الصحي في ليبيا يشكلان ملفًا صعبًا مليئًا بالكثير من التحديات والمشاكل نتيجة لـ:
1- تقادم البنية التحتية لقطاع الصحة، للدرجة التي ترتب عليها غلق ثلثي المستشفيات الليبية؛ كونها في وضع لا يسمح لها بتقديم الخدمات الطبية للمواطنين.
2- الفساد المالي في القطاع الصحي، والذي يجعله من أكثر القطاعات هدرًا للأموال واستنزافًا للمال العام وفسادًا في منظومته الإدارية، فضلاً عن حجم القطاع من ناحية أعداد العاملين فيه، وما يترتب على ذلك من تناقص قدرات القطاع في تقديم الخدمات للمواطنين.
3- تراكمات حرب التحرير، والتي ضاعفت من العبء المالي والفني على قطاع الصحة.
4- تداعيات الانقسام السياسي والجغرافي على مؤسسات القطاع والوحدات الطبية التابعة له، والتي نتج عنه تفكك المؤسسات الصحية، وضعف سيطرتها وقدرتها على إيصال الخدمات الصحية إلى مختلف أنحاء البلاد.
5- ذكرت منظمة الصحة العالمية أن القطاع الصحي يمتلك حاليًا 36%، من التمويل المطلوب لتنفيذ “خطة الاستجابة الإنسانية الدولية” للبلاد التي وضعتها الأمم المتحدة وأوضحت المنظمة قائلة أن نقص الأدوية وقلة مقدمي الخدمات الصحية والموظفين المسجلين في البرامج الوطنية للصحة الوطنية يزيد من خطر انتشار الأمراض المعدية مثل السل والأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتطعيم.
6- الديون المتراكمة لصالح مستشفيات ومؤسسات أجنبية؛ بسبب ملف الجرحى أحد أهم العقبات في طريق الحكومة الجديدة، والتي رغم إنفاق مليارات الدولارات على نفقات علاجهم منذ 2011م، لا تزال العديد من الدول تطالب بمستحقاتها، من بين تلك الدول تركيا التي تطالب الدولة الليبية بنحو 80 مليون يورو كمتأخرات لها حتى نهاية عام 2015م.
الخلل الأمني:
تعاني الدولة الليبية من تفشي الاضطراب والخلل الأمني ووقوع الشوارع الليبية تحت قبضة عصابات المرتزقة، ذلك الخلل الأمني الذي كان له الضرر الأكبر على عمل محطات الكهرباء التي تعاني ليبيا من عجز كبير فيها, فليبيا التي تعد من أغنى بلدان العالم امتلاكًا لاحتياطي النفط، والتي بلغ إنتاجها من النفط في نوفمبر 2020 الماضي المليون برميل يومياً، ليصل إلى مليون و360 ألف برميل من النفط الخام (ذي الكبريت الخفيف)، تعاني من عجز كهرباء يقارب 1000 ميجا وات شتاءً، ويصل صيفاً إلى 2500 ميجا وات وفقًا لتصريحات سابقة لمدير الشركة العامة للكهرباء إبراهيم الفلاح، حيث تنتج الشركة 5500 ميجا وات، بينما تقدر الحاجة لتغطية الاستهلاك شتاءً بـ6500 ميجا وات، وتصل صيفًا إلى 8000 ميجا وات.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة الليبية الجديدة عبدالحميد الدبيبة – أرشيفية
ما هو مستقبل الحكومة؟
نجحت الحكومة الجديدة في نيل ثقة البرلمان بنسبة بلغت 131 صوتًا من أصل 133 صوتًا حضر الجلسة، لتنجو الحكومة من أولى عقباتها بأغلبية كاسحة غير متوقعة، حقيقة أن العشرة أشهر القادمة في حياة الحكومة الجديدة لا تكفي لتحقيق وعودها لليبيين، الذين سئموا الانقسامات المستمرة، إلا أن نجاح الدبيبة في تشكيل حكومة معبرة عن كل فرقاء الداخل الليبي، يعد علامة خير في رحلة الحكومة نحو فترة انتقالية آمنة، لحكومة تضم وزراء ممثلين لكل أطياف الشعب الليبي من النظام القديم، والتيار الإسلامي، وممثل عن رئيس مجلس النواب السابق عقيلة صالح، وعن قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، بالإضافة لوزراء ممثلين عن الشرق والغرب والجنوب الليبي.
التحدي الأكبر الذي تواجه الحكومة الليبية هو العمل على تحقيق استقرار ليبيا وصولا لانتخابات سبتمبر القادم، والنجاح في إخراج المرتزقة، وتوحيد مؤسسات البلاد وجيشها في ضوء التدخلات الخارجية المستمرة خاصة من تركيا وروسيا اللتان تسعيان خلف مكاسب نفطية، قد تعرقل عمل الحكومة.
مصر… تركيا… موقف الحكومة الجديدة!
تسعى الحكومة الجديدة لتحقيق توازن سياسي، لا يضر بمصالحها الداخلية سواء مع جارتها مصر، أو مع حليفتها الحالية تركيا، وقد فتح انطلاق مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية –رغم تعثره- الباب أمام تغيرات هامة في مسار العلاقات الليبية مع مصر، التي اشترطت انسحاب المرتزقة الذين تمولهم تركيا من ليبيا، كشرط أساسي للبدء في الحوار حول المصالحة المصرية التركية.
وقد تبنت الحكومة الجديدة سياسة انفتاح مع الجميع، فكانت أول زيارة خارجية لرئيس الحكومة الجديدة في ليبيا إلى مصر، بالإضافة لزيارة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي للقاهرة، وسط ترحيب كبير من مصر وحكومتها التي تسعى نحو عودة العلاقات لما كانت عليه مع جارتها ليبيا.
وتعتبر زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، لليبيا في 20 إبريل الماضي، مؤشرًا هامًا على تطور العلاقات وتحسنها فهي الأولى من نوعها منذ 2011م، وهي الأكبر من حيث عدد الوزراء المشاركين في  الوفد الذي تضمن وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، البترول والثروة المعدنية، القوي العاملة، التربية والتعليم والتعليم الفني، التعاون الدولي، الصحة والسكان، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، النقل، الطيران المدني، التجارة والصناعة، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار، وعدداً من ممثلي الجهات المعنية، والمستثمرين.
وقد أثمرت هذه الزيارة التي أدانت الإرهاب بجميع أشكاله وصوره، ودعت إلى انشاء قاعدة بيانات مشتركة لمكافحة الإرهاب، ورصد ومتابعة وتبادل المعلومات حول الأنشطة الإرهابية، وحصر العناصر الإرهابية في البلدين عن:
  • تأكيد الجانبين على أهمية التنسيق المستمر بين البلدين، وإمكانية توحيد موقفهما من مختلف القضايا الثنائية، والإقليمية، والدولية، مع التأكيد على أهمية حماية ليبيا لسيادتها على أراضيها، ووحدتها السياسية، واستقلالها.
  • الإعلان عن عزم الجانبين على العمل بالتنسيق والتعاون، وتبادل الخبرة والرأي لإجراء العملية السياسية، التي ستؤدي إلى الانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021 م بطريقة سلسة، ومحددة.
  • التأكيد على دور مصر، ومساهماتها البناءة في ضبط الأمن المشترك، والاستقرار بما يضمن سلامة أراضي الجانبين.
  • تفعيل وتعديل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالاستثمارات المشتركة من خلال إعطاء المزيد من الامتيازات والتسهيلات الإجرائية لمشاريع التطوير للاستثمارات القائمة والمستقبلية المشتركة.
  • تبادل الخبرات في مجال الطاقات المتجددة، وبرامج كفاءة الطاقة.
  • تشكيل مجموعة عمل مشتركة من مختصي البلدين في مجال الزراعة والثروة البحرية يعهد لها تطوير ميادين التعاون المختلفة في هذا الإطار.
 في الوقت نفسه تعد زيارة المنفي لتركيا، دليلاً على التواصل الإيجابي بين الطرفين.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version