التقى في الـ 27 من أغسطس الماضي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في البيت الأبيض بالرئيس الأمريكي جو بايدن. وجاءت تلك القمة الأولى بينهما في ظروف استثنائية، خيم عليها مشهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وهو ما استغله بينيت للتحذير من خطر امتلاك إيران للسلاح النووي، وضرورة تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين تل أبيب وواشنطن، فيما استغله بايدن لتاكيد التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.

أجواء القمة:

جاءت القمة الأمريكية الإسرائيلية في ظل أجواء خدمت في معظمها مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، ومنها:

أ- الانقسام الفلسطيني:

 يعيش الفلسطينيون حالة من الانقسام الحاد بين حركتي فتح وحماس. وتزداد وتيرة الانقسام في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الشعب الفلسطيني. وبسبب هذا الانقسام  تراجع بايدن عن ممارسة الضغوط على حكومة بينيت لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين. ولعل هذا ما يفسر إعراض إسرائيل عن الحل السياسي واللجوء إلى الحل الاقتصادي خاصة في الضفة الغربية، انطلاقًا من الفهم الإسرائيلي، بأن التسهيلات الاقتصادية في الضفة الغربية أو حتى في قطاع غزة، هي التي ستضمن الاستقرار الأمني لإسرائيل.

ب‌-  الانسحاب الأمريكي من أفغانستان:

وصل بينيت إلى البيت الأبيض وهو مهموم بتداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان على إسرائيل وحساباتها الأمنية والاستراتيجية، ولذا كان الملف النووي الإيراني واستمرار التعاون الدفاعي والأمني مع واشنطن، في صدارة أولوياته. واستطاع بينيت أن ينتزع من الرئيس بايدن تعهدات بعدم تمكين طهران من امتلاك أسلحة نووية.

 ولأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان بطعم الهزيمة، فلم يتمكن بايدن من فرض مبادرات سياسية لحل القضية الفلسطينية، بما قد يهدد استقرار حكومة بينيت، بل وإسقاطها.

إعادة ضبط العلاقة الثنائية

لقد سارع بينيت لإصلاح ما أفسده نتنياهو مع غدارة أوباما، فأخذ يتقرب من إدارة بايدن لإعادة ضبط العلاقات الثنائية مع الديمقراطيين. وعند اجتماعه بالرئيس بايدن، أعلن أنه يحمل روحًا جديدةً من الآمال والنوايا الحسنة لإصلاح العلاقة مع الولايات المتحدة. أما بايدن فقد وصف بينيت بأنه صديق مقرّب، ويرأس أكثر الحكومات تنوّعًا في تاريخ إسرائيل.

ومع أن بينيت يسعى إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، إلا أنه يبقى يمينيا متطرفا، وهو في قرارة نفسه يرفض المواقف والسياسات الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

اختلاف الرؤى..

رغم ارتياح الإدارة الأمريكية الجديدة لحكومة بينيت التي أطاحت  بعدوها اللدود “نتنياهو” من سدة الحُكم في إسرائيل، إلا أن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين مثل:

1- الملف النووي الإيراني

حاول بينيت إقناع الرئيس بايدن بعدم إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والاستمرار في فرض العقوبات عليها حتى لا تتمكن من تسريع برنامج تخصيب اليورانيوم والاقتراب من امتلاك السلاح النووي الذي يمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل. لكن إدارة بايدن لا تتبنى النهج المتشدد نفسه، الذي اتبعته إدارة ترامب تجاه طهران، ولذا فقد حضر بينيت إلى البيت الأبيض بقليل من الطموحات تجاه الملف النووي. وبالفعل، لم يتعهد بايدن بأولوية الخيار العسكري ضد طهران، بل فضل الخيار الدبلوماسي والمفاوضات لإحياء الاتفاق النووي.

غير أن بايدن أراد أن يُطمئن ضيفه بينيت، فأصدر تصريحًا غير ملزمٍ، حيث قال إنه إذا فشلت الدبلوماسية مع طهران فستكون هناك خياراتٍ أخرى. وهو ما اعتبره محللون إسرائيليون مجرد تصريح أجوف. ولأن بينت لا يستند إلى ظهير شعبي أو كتلة تصويتية كبيرة في إسرائيل ويقود ائتلافًا حكوميا هشًا، فلم يتحدّ الرئيس الأميركي، بل عبَّر عن سعادته بتصريح بايدن.

2- سحب القوات الأمريكية من المنطقة:

تعرب حكومة تل أبيب عن استيائها من اعتزام واشنطن  سحب قواتها من الشرق الأوسط، ولقد حذرت الحكومة الإسرائيلية من تداعيات ذلك، معتبرة أن الانسحاب الأمريكي سيؤدى إلى تنامى قوة إيران وتركيا، وسيدفع الدول العربية الحليفة – ولا سيما دول الخليج- إلى الاستعانة بالصين وروسيا، وهو ما سيؤدي إلى تراجع مسيرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.

مكاسب بينيت!

لقد عاد بينيت، الذي يُعد أضعف رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، بعدة مكاسب بعد لقائه بالرئيس بايدن. ومن بينها:

1- استئناف التفاهمات الاستراتيجية:

اتفق الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على عدة تفاهمات استراتيجية، مثل التزام إسرائيل بسياسة “الغموض النووي”، وتعهد واشنطن بعدم الضغط على إسرائيل للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي تمنع الدول المُصدِّقة عليها من تطوير أو اختبار أو استخدام الأسلحة النووية.

2- تعزيز مكانة بينيت

من المؤكد أن التفاهمات الاستراتيجية التي تم التأكيد عليها خلال لقاء “بينيت – بايدن”، عززت مكانة الأخير كرئيس للحكومة الإسرائيلية، رغم أن تلك التفاهمات يتم التأكيد عليها بشكل دوري، بين الدولتين منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون.

وفي ظل المشهد السياسي والحزبي المتأزم داخل إسرائيل، فإن اللقاء بالرئيس الأمريكي سيعزز أيضا قدرات وصلاحيات بينيت، كرئيس للحكومة الإسرائيلية، خاصةً بعد أن حصل على وعود أمريكية بعدم تمكين طهران من امتلاك سلاح نووي حتى إذا فشلت الدبلوماسية مع إيران.

 وما يؤكد تعزيز مكانة بينت أنه قال في إحاطة لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بعد اجتماعه مع بايدن، إنه رئيس الوزراء الوحيد منذ ثلاثة عقود الذي أخبر الرئيس الأمريكي برفضه إجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين.

نفتالي بينيت ـ أرشيفية

القضية الفلسطينية

لقد أثبتت القمة الأخيرة بين بينيت وبايدن، أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تولي اهتمامًا كبيرًا بالقضية الفلسطينية. ورغم أن الرئيس بايدن أكد في السابق دعمة لحل الدولتين، إلا أنه لم يعد يولي اهتماما كبيرا بقضايا الشرق الأوسط عمومًا، إذ بات أكثر انشغالًا بالتهديدات القادمة من الصين وروسيا والتطورات في أفغانستان وإيران.

ويبدو أن إدارة بايدن تعلم مدى هشاشة الائتلاف الحكومي الذي يقوده بينيت، وأن الضغط عليه لاستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، قد يؤدي لإسقاطه وعودة نتنياهو لسدة الحكم من جديد.

ولكن حتى لو غاب نتنياهو عن المشهد السياسي في إسرائيل، فلن تشهد القضية الفلسطينية تقدما في ظل وجود رئيس الحكومة الحالي بينت، نظرًا لأنه أول رئيس وزراء إسرائيلي متشدد “دينيًا”، وهو رئيس سابق لمجلس الاستيطان في الضفة الغربية، وسبق أن أكد مرارًا رفضه إقامة دولة فلسطينية.

جو بايدن ـ أرشيفية

تداعيات القمة :

تركت القمة الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في البيت الابيض عدة تداعيات، ومنها:

  1. عودة العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية!

لقد طلب بايدن من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يعمل على تحسين أوضاع الفلسطينيين، وإتاحة الفرص الاقتصادية لهم، وأوضح بينيت أنه من جانبه، يؤيد تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، لا سيما في الضفة الغربية.

وفي أعقاب القمة الإسرائيلية الأمريكية، قام وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس بزيارة رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لتحسين العلاقات مع السلطة الفلسطينية وبحث العديد من القضايا السياسية والعسكرية والمدنية والاقتصادية.

2- إعادة الزخم للقضية الفلسطينية:

انعقدت قمة ثلاثية في القاهرة، جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمتابعة الخطوات المقبلة لدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتوحيد الموقف المصري الفلسطيني الأردني، استعدادًا لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، خاصة مع اقتراب اجتماعات دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 وكان للقمة الثلاثية في القاهرة أهمية بالغة، نظرًا لانعقادها بعد قمة بايدن- بينيت، التي لم تؤكد على محورية القضية الفلسطينية.

من خلال ما سبق يمكن استخلاص النتائج التالية:

1- ضعف إدارة  الرئيس جو بايدن خاصةً بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتراجع مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي. وما يؤكد ضعف الإدارة الامريكية الحالية أن:

أ‌-         بايدن لم يستطع إلزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت، باستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين ولم يفرض عليه مبادرة سياسية. كما أن بايدن لم يلوح مباشرةً باستخدام الخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.

ب‌- بيان الرئيس بايدن بأن “إيران لن تمتلك سلاحا نوويا، وستكون هناك وسائل أخرى إذا لم تنجح الدبلوماسية”، هو مجرد تصريح لا قيمة له، لأن إيران أثبتت خلال العقود الأخيرة أنها قادرة على تحمل العقوبات، في حين أثبتت الولايات عدم قدرتها على تحمُّل ويلات الحروب.

2- تراجع الدور السياسي الأمريكي:

في ظل استمرار انقسام الفصائل الفلسطينية سيتراجع الدور السياسي الأمريكي حيال القضية الفلسطينية، حيث لن تضغط واشنطن على إسرائيل لحل القضية، لكنها ستسعى فقط لتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين. ولقد خصصت إدارة بايدن مساعدات مالية للفلسطينيين، بما فيها المُخصصة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

كما تعهدت إدارة بايدن بإعادة فتح القنصلية الاميركية العامة في القدس الشرقية وهي المسؤولة عن الشؤون الأميركية – الفلسطينية. وكان ترامب قد أغلق تلك القنصلية عام 2019 بعدما نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

3- ضعف الائتلاف الحكومي الإسرائيلي:

لقد تمكّن بينيت من إقناع الرئيس بايدن بأن أي ضغوط على حكومته بشأن القضية الفلسطينية ستؤدي إلى سقوطها، وعودة نتنياهو إلى الحكم؛ وهو ما يُزعج الإدارة الديمقراطية في واشنطن. وتدرك واشنطن فعليًا أن حكومة بينيت لا يمكنها اتخاذ قرارات مصيرية، نظرا لأنها تضم أطيافًا سياسية متباينة.

******

وفي ظل تراجع الدعم الأمريكي للقضية الفلسطينية، وعجز الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ مواقف مصيرية، بل وعدم رغبتها في حل القضية الفلسطينية يتوجب ما يلي:

1- ضرورة استمرار الدعم العربي للقضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، لأن ذلك سيدفع واشنطن والقوى العظمى للتراجع عن دعم إسرائيل وتهميش القضية الفلسطينية.

4-    وجوب استمرار الوساطة المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يضر بالقضية الفلسطينية، ويمثل ذريعة لإسرائيل والدول الموالية لها للتهرب من أي استحقاقات لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version