شهدت الأوضاع فى تركيا وعلاقاتها الخارجية عددًا من التحديات خلال 2020 وستظل تلك التحديات ممتدة ومؤثرة على الدولة التركية فى عام 2021.
وقد أتى التقرير مشتملا على أربعة أقسام:-
  • الأول: تركيا من الداخل، والأحزاب المنشقة عن الحزب الحاكم والمؤسسة فى عام 2020 والتى أعطت المعارضة طابعًا تنافسياً مع الحزب الحاكم.
  • الثانى: العلاقات التركية الأفريقية فى 2020.
  • الثالث: الاقتصاد التركى والتأثيرات على العملة التركية وارتفاعها هذا العام لتسجل رقما قياسيا لم تشهده من قبل. 
  • الرابع: العلاقات التركية المصرية خلال عام 2020 وصراع غاز المتوسط ومحاولات تركيا العديدة فتح قنوات للحوار مع مصر، وموقف مصر الثابت تجاه تركيا.
    القسم الأول: -تركيا من الداخل
    بدأ العام المنصرم – الذي لملم أوراقه هذه الأيام ليأخذ مكانة في التاريخ، ويفسح المجال لعام جديد هو 2021، والموقف فى الداخل التركى مختلف عن الأعوام السابقة منذ تولى العدالة والتنمية مقاليد الحكم بتركيا، حيث شهد ميلاد العام 2020 فى يناير تأسيس حزب المستقبل بقيادة “أحمد داود أوغلو” ليكون أول حزب إسلام سياسى مُنشق عن العدالة والتنمية.
    تركيا
    “على باباجان” و “أحمد داوود أوغلو”- صورة أرشيفية
     ثم لحق به فى مارس 2020 حزب الديمقراطية والتقدم برئاسة “على باباجان” مهندس الاقتصاد التركى لأكثر من 15 عامًا. وقد شهدت تركيا بتأسيس هذين الحزبين لأول مرة بتاريخها المعاصر وجهان للمعارضة، حيث مثل حزب الشعب الجمهورى والأحزاب العلمانية والكردية وجه المعارضة التقليدى، ولكن أصبح هناك وجه آخر للمعارضة المنشقة عن العدالة والتنمية وهى معارضة الإسلام السياسى، وهو ما مثل حالة من الصراع الداخلى خلال العام المنصرم، لولا أحداث كورونا التى منعت الكثير من الفعاليات، واللقاءات الحزبية للمعارضة الوليدة بهذا العام.
    الوضع الصحي: سيطر وباء كورونا على المشهد الصحي العام لتركيا حيث شهد القطاع الصحي تدهورا كبيرا خلال العام المنصرم، حيث تجاوز عدد الوفيات أكثر من 50 ألف فيما تجاوز عدد الإصابات 300 ألف، وسط حالة من التخبط بين أجهزة الدولة في قرارات الغلق وحظر التجوال المتكررة طوال فتره الوباء، حيث لم تتحمل البنية الصحية للدولة مواجهه الوباء بعدما فتحت جميع المستشفيات الحكومية والخاصة والتابعة للأوقاف لمواجه فيروس كورونا
     الرؤية الداخلية لعام 2021
    سيتسم عام 2021 بأنه عام الأزمات لتركيا حيث سيتأثر المواطن بالأزمة الاقتصادية الممتدة من العام الماضى، وستزيد العقوبات الأمريكية والأوروبية المرتقبة مطلع عام 2021 من حدة الأزمات التركية على الصعيدين الداخلى والخارجى، كما سترتفع أسهم المعارضة التركية خصوصا حزب الشعب الجمهورى.
    ختاماً: –
    للعام الجديد ملامح مختلفة عن الأعوام السابقة منذ وصول العدالة والتنمية للحكم فى 2002، حيث سيشهد عام 2021 استكمال عملية التفريغ لأركان حزب العدالة والتنمية، من أفكار وقيادات الإسلام السياسى وداعميه إلى القوميين وأبناء الحركة القومية التركية الداعين للقومية، والدول الناطقة بالتركية، والمؤمنين بأفضلية الأصول التركية على باقى الأعراق.
    وقد بدت خطورة تلك الأفكار فى اضطهاد وقتل السوريين في الداخل التركى.
    وخارجيا فى إقليم “كارا باخ” فى الحرب [الأذرية – الأرمنية]، ومساندة تركيا لأذربيجان في تلك الحرب؛ ليكون شعار الجيشين الأذرى والتركى “دولة واحدة وعلمين”.
     القسم الثانى: العلاقات التركية الأفريقية فى 2020
    وزير الخارجية التركى أثناء توقيع اتفاقية عسكرية شاملة وتعاون مع النيجر – أرشيفية
    تستغل أنقرة انتشار الإرهاب والفقر، والمجاعات والصراعات العرقية والقبلية التى تُعانى منها القارة الأفريقية ككل، وتجمع دول الساحل والصحراء بشكل خاص، كمنفذ لها للتوسع في أفريقيا، ويتضح ذلك من خلال النقاط التالية:
    • كثفت تركيا من زيارات مسئوليها _خلال السنوات الأربع الأخيرة فقط_ إلى معظم دول الساحل وغرب أفريقيا مثل: تشاد والسودان، وموريتانيا والسنغال، ومالى وتوغو، والنيجر وغينيا الإستوائية، ونيجيريا وجامبيا وكوت ديفوار.
    • زار الرئيس التركى “رجب طيب أردوغان” جامبيا والسنغال فى يناير 2020م.
    • شملت جولة وزير الخارجية التركى “مولود تشاووش أوغلو” فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا، في يوليو 2020م، دول توجو وغينيا الإستوائية والنيجر.
    • توضح التقارير أن تركيا أرسلت إلى طرابلس الليبية قرابة 229 من كبار قادة التنظيمات الإرهابية المنتمين لـ”جبهة النصرة” و”داعش”، وهو ما يزيد من إمكانية انتشارهم فى مناطق أخرى فى أفريقيا.
    • إنشاء قاعدة عسكرية فى النيجر، وُقعت اتفاقيتها في منتصف يوليو 2020م، أثناء زيارة وزير الخارجية التركى “مولود تشاوش أوغلو” للنيجر. وقد أعلن تشاوش أوغلو (أن تركيا أصبح لها الآن موطىء قدم فى أفريقيا من خلال قواعدها العسكرية، ومن خلال 20 مكتبا أمنيًا تركيًا) تديرها شركة “صادات” التركية المملوكة لـ “عدنان تانرى فاردى” مستشار أردوغان السابق.
    مستقبل الوجود التركى في أفريقيا2021م   
    سيشهد إبريل 2021 عقد المنتدى الاقتصادى الأفريقى-التركى والذى أُعلن عن انعقاده بإسطنبول، حيث يُمثل ذلك المنتدى نافذةً لتركيا بأفريقيا، لأنه مهما كان حجم المعاناة التى تواجهها تركيا نتيجة لأزمتها الاقتصادية، فخلال وجودها في أفريقيا المنفصلة عنها جغرافياً، إلا أن المكاسب التى تحصدها كثيرة جدًا حيث أن القارة السمراء هى سوق خصب للبضائع التركية، والتى تراجعت صادراتها فى الخارج خاصة منطقة الشرق الأوسط بعد تأزم العلاقات العربية-التركية فى كل من شمال أفريقيا، والخليج العربى باستثناء قطر.
    كما أن الاتفاقيات التى وقعتها تركيا مع ليبيا والصومال بشأن استغلال حقول النفط والغاز الطبيعى، تحقق لها قدرًا كبيرًا من المكاسب التى لا يُمكن الاستغناء عنها، وأيضًا تحقق تركيا مكاسب مهمة من خلال الشركات التركية العاملة فى إعادة الإعمار، والتى تنتشر الآن فى الكثير من دول القارة الأفريقية.
     القسم الثالث: الاقتصاد التركى
    تراجع الليرة التركية – أرشيفية
    يشهد الاقتصاد التركى تدهورًا وتراجعاً شديدين منذ عام 2018 مع تحول نظام الحكم من برلمانى إلى رئاسى بتركيا، وتحويل تركيا من حكم الحزب إلى حكم الفرد الواحد، مما أدى إلى ارتفاع حدة التراجع الاقتصادى بالعام المنصرم 2020، وانخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار إلى رقم غير مسبوق فى تاريخ الاقتصاد التركى؛ حيث بلغ ذروة التدهور، ووصل انخفاض الليرة أمام الدولار الواحد لرقم 9 ليرات فى أكتوبر 2020 م وذلك للأسباب التالية:- 
    • رفع البنك المركزى لسعر الفائدة بشكل مستمر.
    • انخفاض إجمالى احتياطيات البنك المركزى التركى بشكل سريع؛ بسبب السياسات الخاطئة للنظام التركى فى التعامل مع أزمة كورونا.
    • بدء انسحاب المستثمرين الأجانب بسبب عجز الحكومة عن تقديم تسهيلات أفضل، ومطالبة الحكومة بتحمل رواتب العمالة أثناء توقف العمل بسبب كورونا.
    • العبء الناتج عن تزايد الإنفاق العسكرى، فى ضوء رؤية الحكومة التركية الخاطئة لضرورة تواجد قواتها العسكرية خارج حدودها.
     التوقعات الاقتصادية لعام 2021م
    يعتبر عام 2021م امتدادًا للأزمة الاقتصادية الناجمة عن كوفيد19، بما يضع صورة غير مستقرة للاقتصاد التركى، خصوصاً مع تشديد القيود العالمية على السياحة والسفر بين الدول، فى ظل تراجع الدخل القومى من السياحة والطيران، وارتفاع تكلفة الطاقة والمحروقات بتركيا.
     كما أن فاتورة القوات العسكرية التركية خارج تركيا تتزايد بشكل سريع بسبب شطحات وطموحات أردوغان الخارجية، فضلاً عن أن العقوبات الأمريكية فى 14 ديسمبر 2020 ستؤثر بشكل كبير على الصناعات الدفاعية التركية، حيث أنها هى المستهدفة من العقوبات الأمريكية.
     القسم الرابع: العلاقات المصرية التركية 2020م
     شهد العام المنصرم العديد من المحاولات والتصريحات التركية لتحسين العلاقة مع مصر، ولذلك التغيير عدة أسباب ودلائل هامة. ويُعد تحسُّن الوضع الإقليمى لمصر من بين الأسباب التى جعلت أنقرة تغير من سياستها تجاه القاهرة؛ حيث أدركت تركيا أن القطيعة مع مصر وضعتها في حالة مواجهة مع القاهرة فى العديد من القضايا والملفات الإقليمية. وقد شكل ملف دعم “الإخوان” عنصرًا أساسيًا فى توتر العلاقة بين مصر وتركيا، يليه الملفان المتعلقان بليبيا وغاز شرق المتوسط.
    ملف الإخوان المصريين
    هناك تغيير واضح فى طبيعة الخطاب الإعلامى التركى الداعم لإخوان مصر، إذ لوحظ عدم صدور أى بيانات أو تصريحات فى ذكرى فض اعتصام رابعة فى 14 أغسطس 2020، وذلك لأول مرة منذ سنوات، بل على العكس فإن وكالة الأناضول أصدرت تقريرًا بالمناسبة تضمّن تحليلاً لما وصفه «بأزمة الجماعة وعجزها عن التجديد، وادعائها الصمود والتمسك بالشرعية، بينما هى فى الواقع منقسمة على ذاتها».
    إنتقال عدد من قيادات الإخوان من تركيا إلى بريطانيا وقطر، وسط معلومات عن عمليات توقيف جديدة لقيادات إخوانية. 
    القضية الليبية
    تصريح ياسين أقطاى، ورد وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى – المصدر عربى 21
    تصاعدت الدعوات التركية للتفاوض مع مصر عند كل انتصار تحققه فى ليبيا، بدءًا من تصريح وزير الخارجية “مولود تشاووش أوغلو” فى يناير 2020، بعد تفعيل مذكرة التعاون العسكرى الموقّعة مع حكومة “الوفاق”، وإرسال معدات وقوات نظامية وميلشيات إلى طرابلس.
     ومرورا بتصريحات “أردوغان” أكثر من مرة للحديث حول القضايا الخلافية بين مصر وتركيا، وأن مسؤولى مخابرات البلدين على تواصل فيما بينهم، وانتهاءً بتصريحات “ياسين أقطاى” بعد وصول قوات “الوفاق” إلى مشارف “سرت” فى يونيو 2020، التى أشار فيها إلى «تفهم تركيا لمخاوف القاهرة المحقة، مؤكداً حرص بلاده على عدم الصدام مع الجيش المصرى واصفاً إياه بـ[الجيش العظيم، الذى نحترمه كثيرًا؛ لأنه جيش أشقائنا]،  وذلك بعد تحديد الرئيس “السيسى” للخط الأحمر بمنطقة سرت الجفرة، حيث تتمركز قوات المشير “حفتر” والبرلمان الليبى فى الشرق، وقوات وحكومة الوفاق بالغرب.
    لذلك، يمكن القول أن الملف الليبى يُشكل عنصر تهديد لعلاقة البلدين، ولكنه فى الوقت ذاته قد يُشكل عنصر تقارب وتفاهم بينهما في المستقبل القريب. 
    غاز شرق المتوسط
    الغاز المصرى فى المتوسط – أرشيفية
     وعلى الصعيد السياسى، فمصر منذ عام  2013، وهى فى قطيعة مع أنقرة، وقد شكلت تحالفًا ثلاثيًا مع اليونان وقبرص اللتين تخوضان حرباً مفتوحة مع تركيا منذ مئات السنين، وقودها أحقاد دينية وعرقية ومذابح وتهجير واتفاقيات كاتفاقية “لوزان”، ويُضاف إليها الآن قضية النفط والغاز. وقامت مصر بتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية، وحتى العسكرية مع البلدين، واتخذت جملة مبادرات أزعجت تركيا كثيرًا، فتمَ تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، وتحويله مؤخرًا إلى منظمة دولية تضم 6 دول أعضاء، بالإضافة لدولة الإمارات العربية بصفة مراقب. كما قامت مصر بترسيم حدودها البحرية مع اليونان لتزيد تلك الخطوات من عزلة تركيا فى غاز شرق المتوسط.
    الخلاصة
    كما أن تتابع الأعوام والأيام سنة الله في كونه، فإن نهوض وتراجع الدول فى التاريخ أيضًا اّية من آيات الله _عز وجل_ فى الأرض، لذلك فإن ما شهدته الدولة التركية بقيادة العدالة والتنمية فى الأعوام السابقة وصولاً لمرحلة الكمال _بالنسبة لتركيا_ ومن ثَم البدء فى النقصان والتراجع منذ 2016م، حتى عام 2020 شهد تدهوراً اقتصادياً، وتراجعاً اجتماعياً لم يشهده الحزب الحاكم منذ التأسيس وقيادة تركيا منذ 2002م.
    لذلك فإن عام 2021 وما بعده من أعوام، هى أعوام التراجع فى الداخل والخارج التركى، وذلك بسبب السياسات الخاطئة للنظام الحاكم من ناحية، ومن ناحية أخرى إبعاد النخبة العلمية الرشيدة عن صانع القرار كما كان فى الأعوام السابقة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version