يتناول التقرير الأحداث العصيبة التى مرت بها إيران على مدار العام المنصرم 2020، والتحديات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التى تواجه النظام الإيرانى فى العام 2021.
مقدمة
ارتكب النظام الإيراني خطأ استراتيجيا عندما حول فرصة الرفع الجزئي للعقوبات، بموجب الاتفاق النووي في يوليو 2015، إلى تهديد حقيقي بالنسبة له؛ بعد أن استغل بعض الفوائض المالية في مواصلة زعزعة الاستقرار الإقليمي، من خلال تقديم الدعم للميليشيات التابعة له وللجماعات الإرهابية التي تعمل لصالح سياساته، وتطوير منظومته الصاروخية، الأمر الذي ترتب عليه:
* تدهور مصداقية النظام الإيراني أمام المجتمع الدولي.
* خروج الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، في 8 مايو 2018، وفرض سلسلة متتابعة من العقوبات الصارمة على مختلف القطاعات العسكرية والسياسية والاقتصادية في إيران، وامتد نطاقها لتشمل شخصيات وقيادات عسكرية حتى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية نفسه والمؤسسات التابعة له، والتي بدأت منذ 5 نوفمبر 2018، وكان آخرها في نوفمبر 2020.
* تجديد الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها على إيران مرة أخرى مساء يوم 20 سبتمبر 2020.
* أدرجت مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أو ما يُعرف بـ”FATF”، إيران على القائمة السوداء في 21 فبراير 2020.
وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات واضحة على مجمل الأوضاع الإيرانية، خلال العام 2020، كما سيترك أثره الواضح عليها خلال العام 2021، وذلك على النحو المختصر التالي:
إيران
الريال الإيرانى – صورة أرشيفية
أولا: تأزم الاقتصاد الإيراني في 2020
بداية، يقدر الناتج المحلي الإجمالي لإيران بنحو 440 مليار دولار، لسنة 2019/20 بمعدل نمو سالب بقيمة 4,99- %، لعدد سكان يبلغ حوالي 82.8 مليون نسمة. ويتميز الاقتصاد الإيراني بقطاعاته الهيدروكربونية والزراعية والخدمية، فضلاً عن التواجد الملحوظ للدولة في التصنيع والخدمات المالية. في حين أن قاعدتها الاقتصادية متنوعة نسبيًا بالنسبة لدولة مصدرة للنفط، إلا أن النشاط الاقتصادي والإيرادات الحكومية لا تزال تعتمد على عائدات النفط، وبالتالي فهي متقلبة.
التحديات
واجه الاقتصاد الإيراني ثلاث تحديات رئيسية، خلال العام 2020، هي:
العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها الإدارة الأمريكية، منذ عام 2018، وتسببت في إلحاق الضرر الأكبر بالاقتصاد الإيراني أكثر من أي إجراء أمريكي آخر؛ ومن ثم كان الموضوع العام للعقوبات عام 2020، هو التنفيذ وليس التوسع، لتشمل معظم قطاعات التصدير، فضلا عن البنك المركزي الإيراني، تاركة القليل من القطاعات المهمة لواشنطن لاستهدافها، وقت اللزوم. كما فرضت عقوبات على مسئولين وشركات وسفن وحتى قباطنة البحر، والتى شملت شبكة من الشركات في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والصين مما سهل صادرات النفط الإيرانية.
إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) إيران ضمن القائمة السوداء في فبراير 2020، التي قلصت من قدرات إيران على الارتباط بشبكة البنوك الرئيسية في الصين وروسيا، فضلا عن البنوك الصغيرة، الأمر الذي أدى إلى: حرمانها من الحصول على الخدمات البنكية، ورفع تكلفة نقل الدولار من وإلى الاقتصاد الإيراني، وهو ما سوف يساعد إلى جانب العوامل الأخرى إلى استمرار الانكماش في حجم الإنتاج القومي السنوي.
تفشي فيروس كورونا: منذ فبراير 2020، قد قاومت إيران فرض عمليات إغلاق صارمة نظرا لأن ذلك كان يعني منع الناس من العمل، وبالتالي تقديم دعم اقتصادي بديل لهم، وهو الأمر الذي لم تكن قادرة عليه أو راغبة فيه، ولكنها أعلنت عن إنفاق إضافي، معظمه كان لتمويل القروض الرخيصة، التي تمثل حوالي 7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لصندوق النقد الدولي، كما سمحت للمواطنين بتأجيل دفع الضرائب.
وكان للجائحة أكبر تأثير على القطاعات غير النفطية، الزراعة والصناعة والخدمات، التي تشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد، منذ أن أدت العقوبات الأمريكية إلى تقليص صادرات النفط الإيرانية. إذ فقد 1.5 مليون شخص وظائفهم بحلول منتصف العام وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة يقدر بنحو 11.18٪ من إجمالي قوة العمل. مع ضعف الريال، استمرت أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع، وبلغ معدل التضخم الشهري 7٪ في أكتوبر 2020، وهو أعلى مستوى في عامين.
مؤشرات الأزمة الاقتصادية
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في إيران، خلال عام 2020، من خلال عدة مؤشرات:
1. استمرار هبوط صادرات النفط لتبلغ مستويات قياسية على مدى العقود الأربعة الماضية.
2. عدم القدرة على نقل الأموال عبر شبكة البنوك الدولية، وارتفاع تكلفة نقل الدولار من وإلى الاقتصاد الإيراني.
3. ارتفاع وتيرة هروب رؤوس الأموال؛ ما يعني أزمة ثقة متزايدة في النظام الاقتصادي كما يعني أن هذا الوضع سيستمر لأعوام، حتى بعد توقف الأسباب الأخرى مثل العقوبات وانتشار جائحة كورونا.
4. انكماش التجارة الخارجية الإيرانية بنحو 41٪.
5. ارتفاع الأسعار بشكل مطرد، ومن ثم انخفضت القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع نسبة الإيرانيين تحت خط الفقر.
6. انخفاض قيمة العملة الوطنية بنسبة 49 في المائة مقابل الدولار، حتى منتصف ديسمبر2020.
7. بلوغ معدلات التضخم حوالي 30 في المائة؛ الأمر الذي دفع الإيرانيين إلى إيجاد أماكن أخرى لتخزين أموالهم، مثل العقارات أو الذهب أو الأسهم أو العملات الأجنبية، مما أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار في تلك القطاعات؛ ولهذا:
 كثفت الحكومة الجهود لإجبار المصدرين على إعادة الدولار، مهددة باتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات غير المتعاونة.
 بدأ البنك المركزي الإيراني بضخ 50 مليون دولار يوميًا في الاقتصاد لتعزيز الريال. وقد أدى ذلك إلى جانب التفاؤل بشأن نهاية رئاسة ترامب، إلى تعزيز الريال بحلول منتصف ديسمبر، ليستقر الريال عند حوالي 260 ألف ريال للدولار.
8. تآكل الاحتياطي النقدي، إذ قدر صندوق النقد الدولي أن إجمالي الاحتياطيات الرسمية “المتاحة والمسيطر عليها بسهولة” ستنخفض إلى 8,8 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020، ولم يذكر صندوق النقد الدولي إجمالي احتياطيات إيران من النقد الأجنبي في تقريره الجديد، لكن خلال تقريره الصادر في أبريل 2020، توقع أن يكون احتياطي إيران من النقد الأجنبي حوالي 85 مليار دولار لهذا العام الميلادي.
وبالتالي، إذا لم تنخفض احتياطيات إيران من النقد الأجنبي خلال الفترة المتبقية من العام الجاري (2020)، سيتجمد نحو 90 % من احتياطيات النقد الأجنبي الإيرانية في الخارج، ويمكن الوصول إلى 8.8 مليار دولار فقط.
وفي هذا السياق، ذكر محافظ البنك المركزي الإيراني إن جزءا كبيرا من احتياطيات النقد الأجنبي قد تم تجميده في الخارج، لكنه لم يذكر رقما محددا. مع العلم أنه قبل العقوبات الأمريكية، كان النفط يمثل 60 % من إجمالي صادرات إيران، وجاء جزء كبير من عائداتها من النقد الأجنبي من هذا المصدر. لذا من الواضح أن الاحتياطي النقدي الإيراني يدفع ثمن إنقاذ الريال ويعاني من الضغط بسبب تراجع إيرادات النفط.
مجموعة العمل المالى FATF – أرشيفية
الاحتمالات المتوقعة
من المتوقع استمرار الأزمة الاقتصادية الإيرانية؛ خلال الأشهر المقبلة في ظل استمرار العقوبات، ووضع إيران على اللائحة السوداء لـ (FATF)، وتأثير جائحة كورونا. وهو ما يعني استمرار انكماش الاقتصاد، وارتفاع معدلات التضخم، والبطالة، وعجز الموازنة، وفقدان مئات الآلاف من الوظائف، والتأخر في صرف الرواتب، وارتفاع معدل الفقر؛ ما ينذر باضطرابات اجتماعية.
وسوف تحاول الحكومة الإيرانية مواصلة دعم أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع، ضمن برامج دعم نقدية وغير نقدية، لكنها لن تكون كافية لإنهاء الأزمة الاقتصادية، وإخراج المجتمع الإيراني من الفاقة الدافعة إلى الاضطرابات، لتظل إيران أمام اقتصاد يعاني من أزمة بنيوية لعدة أعوام قادمة.
من المتوقع أيضًا ارتفاع نسبة العجز فى الموازنة العامة، تحت وطأة انتشار فيروس كورونا 46٪ تقريبًا، وهي أعلى نسبة عجز متوقعة خلال أكثر من ثلاثة عقود.
التداعيات المنتظرة:
على المستوى الاجتماعي
 سيؤدي هبوط أسعار النفط، وانخفاض مستويات الإنتاج والتصدير إلى عدم قدرة النظام على دفع المرتبات؛ ومن ثم ازدياد الاضطرابات الاجتماعية، ممثلة في كثرة الاحتجاجات الفئوية، والإضرابات العمالية.
 سوف يؤدي ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع الإيراني، إلى تلاشي الطبقة الوسطى باعتبارها معقلًا للقيم المجتمعية، وبالتالي سوف تشهد المنظومة القيمية تراجعا ملحوظا بالمجتمع.
 سوف تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تعرض المجتمع لزيادة معدلات الطلاق، والانتحار والانحرافات السلوكية في المجتمع، فضلا عن انحسار اتجاهات الاعتدال القيمي، في مقابل زيادة صعود الاتجاهات الراديكالية.
الرئيس الإيرانى “حسن روحانى” – أرشيفية
على المستوى السياسي
1. من المحتمل أن يواصل النظام وأد الاحتجاجات، والحيلولة دون تحولها إلى احتجاجات شاملة، فضلا عن أنه سوف يلجأ كعادته إلى قمع أي مظاهرات يشهدها المجتمع، مع اعتقال قادتها.
من المحتمل حدوث تغيير في الاتجاهات السياسية العامة في إيران في غضون العام 2021، من حيث:
 انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة وانتخابات مجالس البلدية، بما مؤداه هيمنة التيار المحافظ على السلطة التنفيذية ومجالس البلدية، عام 2021، بعد سيطرته على السلطة التشريعية، في فبراير 2020.
 استمرار الخلافات بين الحكومة والبرلمان؛ حول معالجة الأزمة الاقتصادية المتزايدة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، التي يحاول المحافظون التأكيد على فشل حكومة روحاني الإصلاحية في معالجتها، خاصة بعد أن رفض البرلمان الموازنة العامة للعام 2021 ـ 2022.
 استمرار هيمنة الحرس الثوري على الاقتصاد، من خلال الاستحواذ على المشاريع الكبرى في القطاعات الرئيسية المختلفة.
2. من المحتمل أن تضطر إيران تحت وطأة الأزمة الاقتصادية ومآلاتها السياسية في غضون العام 2021، إلى:
 تعزيز الاتجاه شرقا نحو الهند وباكستان والصين لتجاوز الأزمة، حتى يتم التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة والغرب؛ (دشنت إيران خط سكة حديد خواف ــ هراة مع أفغانستان بطول 140 كيلو، وفتحت المعبر البري الثاني مع باكستان في نوفمبر 2020).
 تقليص الدعم المقدم للميليشيات والجماعات الموالية لها في المنطقة؛ بالعراق ولبنان وسوريا واليمن.
الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تغيير سلوك هذه الميليشيات، ومن ثم تراجع وتيرة عملياتها.
 التجاوب مع مطالب الإدارة الأمريكية الجديدة؛ والبدء في مفاوضات شاقة، حول رفع العقوبات المختلفة، مقابل التوصل إلى حل لملفات نفوذ إيران الإقليمي وبرنامجها النووي والصاروخي.
وقد ترافق مع هذه الإجراءات الأمريكية والأممية جملة من القضايا، طوال العام الجاري، التي يجب تحليل أبعادها وأنماطها سواء بالمتغير أو الركون إلي الثبات في العام المقبل، الذي سوف يشهد انتخابات رئاسية إيرانية.
ثانيا: اختراق المنظومة الأمنية الإيرانية
تعرض الأمن القومي الإيراني، خلال العام 2020، لمجموعة من التحديات التي وضعت الأجهزة الأمنية في حرج شديد داخليا وخارجيا. وقد تمثلت هذه التحديات في التالي:
1. الاغتيالات:
قاسم سليمانى – صورة أرشيفية
أ‌- اغتيال قاسم سليماني
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ عملية اغتالت فيها قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري ومعه أبو مهدي المهندس القيادي بالحشد الشعبي المحسوب على إيران، بضربة جوية بواسطة طائرة بدون طيار، يوم 3 يناير 2020، وقد ردت إيران على مقتل سليماني عبر قصف صاروخي لقاعدة عين الأسد في العراق التي تحتضن قوات أمريكية.
ب‌- اغتيال الرجل الثاني في القاعدة
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن اغتيال الموساد لنائب زعيم تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله وابنته (أرملة حمزة نجل بن لادن) في أحد شوارع العاصمة طهران في شهر أغسطس 2020، بطلب من واشنطن، كما قتلت أيضا رجلا لبنانيا وزوجته في اليوم التالي. وربما كان ذلك بغرض إرسال رسالة تأكيد للمجتمع الدولي مفادها أن إيران دولة راعية للجماعات الإرهابية.
محسن فخرى زاده – صورة أرشيفية
ج‌- اغتيال محسن فخري زاده
أعلنت إيران اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، يوم 27 نوفمبر 2020، بالقرب من العاصمة طهران. وفى ظل غياب رواية واحدة عن الطريقة التي تم بها اغتيال الأب الروحي للبرنامج النووي ، اتهمت إيران إسرائيل ومنظمة مجاهدي خلق بالضلوع في عملية الاغتيال، الأمر الذي لم تؤكده دوائر صنع القرار في إسرائيل أو تنفيه حتى اللحظة.
2. التفجيرات:
أ‌- تفجير بمنشأة نطنز النووي
تعرضت أكبر منشأة لتخصيب اليورانيوم وتصنيع واختبار أجهزة الطرد المركزي في إيران، للتفجير يوم 2 يوليو 2020، وهو أمر لا تزال تثور حوله الشكوك حتى اليوم، فلا توجد رواية واحدة عن التفجير، إلا أن أصابع الاتهام توجهت إلى إسرائيل التي اعتقد بعض المحللين أن تكون ضالعة فيه عن طريق هجوم سيبراني، فيما لمحت بعض دوائر الرسمية إلى أن التفجير قد يكون تم بواسطة عناصر داخلية.
ب‌- تفجير بمنشأة بارشين العسكرية
وبعد ثلاثة أسابيع تقريبا، وتحديدا يوم 26 يوليو 2020، وقع انفجار آخر بمنشأة لإنتاج الوقود السائل للصواريخ البالستية في منطقة بارشين قرب طهران، الذي لم تسمح إيران لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخوله من قبل.
الدلالات
 جسدت الاغتيالات حجم اختراق المنظومة الأمنية الإيرانية، من قبل الأجهزة الخارجية.
 وضعت النظام ممثلاً في أجهزته الأمنية خصوصاً الحرس الثوري واستخباراته في موقف محرج للغاية أمام العالم والشعب الإيراني نفسه الذي يطالب بتفسير كيف حدثت عمليات الاغتيال هذه في قلب العاصمة وحصن النظام؟
 أظهرت الاغتيالات هشاشة البنية المعلوماتية لأجهزة الحرس الثوري على أقل تقدير، وعدم التنسيق الكافي بينها وبين المؤسسات المعنية الأخرى بالدولة. الأمر الذي قد يجبر النظام على إجراء حزمة من التطهير الداخلي للمؤسسات الأمنية وإعادة الهيكلة لبعض منها وتدوير لبعض القيادات العسكرية العليا، وربما نستشعر هذا في تصريح قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في 23 نوفمبر 2020 الذي أعلن فيه عن جملة من التغييرات في قيادات الفيالق بالإضافة إلى قيادات أخرى. بداية تغير أو تدوير على الأقل للقيادات الأمنية في إيران.
3. حرب مستعرة في الفضاء الإلكتروني:
لا شك أن عام 2020 شهد طفرة غير مسبوقة في العمليات السيبرانية بين كل من إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، فعمد الجانبان على تنفيذ عمليات سيبرانية ضد أهداف حيوية داخل الأخرى، كما في الهجوم الإسرائيلي السيبراني الذي أفشل إطلاق القمر الصناعي ظفر وكذلك الهجوم الإيراني على منشئات للطاقة في إسرائيل.
فقد فشلت إيران في إطلاق قمر صناعي (ظفر) إلى الفضاء، يوم 9 فبراير 2020، نتيجة لهجوم سيبراني ضخم تعرضت له إيران على حد وصف وزير اتصالاتها، أدي إلى انقطاع الانترنت عن عموم إيران، وقد علق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على فشل إيران في إطلاق القمر الصناعي بوصفه نتيجة للجهود الإسرائيلية.
غير أن الحرس الثوري سرعان ما نجح، في 22 أبريل 2020، في إطلاق قمر صناعي عسكري يحمل أسم نور-1 وهو القمر الأول من نوعه الذي تطلقه إيران في المجال العسكري، وتتنوع أغراضه بين أغراض استخباراتية وعسكرية واستطلاعية، وبحسب المسئولين في الحرس الثوري، فإن هذا القمر يمثل صفعة للولايات المتحدة وإسرائيل اللتين عملتا على منع إيران من تطوير قدراتها الفضائية.
ومن المرجح أن تستمر هذه الحروب المستعرة في الفضاء الإلكتروني بين هذه الدول، نظراً لانخفاض تكاليف أعمال هذه الحرب، وسهولتها وانخفاض التكلفة البشرية من إعمالها ضد العدو.
الاحتجاجات الإيرانية 2019 – صورة أرشيفية
ثالثا: الاحتقان العام
1. الاحتجاجات
لا شك أن ظاهرة الاحتجاجات الشعبية ليست بجديدة علي إيران، فقد شهدت في أواخر العام الماضي نوفمبر 2019، تظاهرات عنيفة وحاشدة ضد قرار الحكومة زيادة سعر المحروقات، وتردد صدي هذه المظاهرات بشكل مختلف في عدة مناطق في إيران بنسب متفاوتة في التأثير والحشد، إلا أن السلطات نجحت كعادتها في التصدي لها وقمعها.
وقد صرح مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية “حسين ذو الفقار” أن النصف الأول من العام 2020، شهد أكثر من 1902 مظاهرة واحتجاجا، مقارنة بـ 519 خلال عام 2019، وقد تنوعت هذه الاحتجاجات مابين فئوية، شارك فيها العمال والمدرسين والسائقين، وبين اجتماعية، شاركت فيها الطبقات المهمشة خاصة بمنطقتي خوزستان وبلوشستان التي تعاني الفقر والحرمان وانهيار البنية التحتية، وبين سياسية، ذات منشأ عرقي التي قام بها الأذريين بأربع محافظات شمال غرب البلاد اعتراضا على موقف بلادهم من الحرب التي دارت بين أرمينيا وأذربيجان.
ومن المرجح أن تستمر الاحتجاجات في المجتمع الإيراني، لسببين: الأزمة الاقتصادية المتزايدة في البلاد، وتفشي جائحة كورونا، التي فشلت السلطات في احتواءها. وعلي كلً، فإن استمرار الاحتجاجات والتظاهرات المختلفة سيظل رهنا بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال العام 2021.
2. اضطهاد القوميات
شهد عام 2020، عددا من الأحداث ذات الصلة بمسألة الأقليات القومية داخل إيران، لعل أبرز هذه الأحداث هو تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ، فرغم كون هذه القضية من المسائل الخارجية إلا أن تأثيرها امتد إلى الداخل الإيراني لا سيما فيما يخص البنية العرقية للمجتمع.
كما شهد إقليم خوزستان ذي الغالبية العربية عدة احتجاجات خلال عام 2020، منها الاحتجاجات التي شهدها الإقليم في شهر مايو نتيجة لنقص مياه الشرب، كما عادت المظاهرات للاندلاع مرة أخرى، في يوليو، وقد تزامن مع هذه الموجة من الاحتجاجات انقطاع الاتصال بشبكة الانترنت بشكل كامل وفق ما أكدته شبكة نت بلوكس المعنية بمراقبة أنشطة الانترنت. من جهة أخرى، فقد تمكنت السلطات الإيرانية مطلع شهر نوفمبر 2020 من إلقاء القبض على القيادي الأحوازي حبيب أسيود بعد أن قامت أنقرة بتسليمه لإيران.
ولا يختلف وضع الأكراد داخل إيران كثيراً عن بقية القوميات الأخرى من حيث التضييق والتهميش المستمر، فالمسألة الكردية مازالت تُعد مسألة أمنية بالنسبة لإيران، وتنظر إيران إلى الجماعات والأحزاب السياسية الكردية المعارضة باعتبارها أدوات لأجهزة خارجية للعمل ضد الأمن القومي ووحدة التراب الوطني للبلاد، وهو ما يثير حالة من الغضب الداخلي بين أكراد إيران، ذلك الغضب الذي برز من خلال المشاركة الكردية الواسعة في موجة الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد أواخر عام 2019، وهو الأمر الذي لا يُستبعد تكراره في مناسبات أخرى أيضاً.
أخيراً، يمكن القول أن أوضاع القوميات المختلفة داخل إيران توضح حالة تراكم الغضب الداخلي لديها، ومما يزيد من هذا الغضب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ومن ثم فإن استمرار تلك الأوضاع قد يؤدي إلى حدوث موجات احتجاجية أخرى أكثر حدة عن تلك الأخيرة.
3. الإعدامات السياسية
أعلنت السلطان القضائية في يوليو التصديق على إعدام ثلاثة شبان شاركوا في تظاهرات نوفمبر 2019 احتجاجاً على قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات، وقد أعقب التصديق على قرار الإعدام مظاهرات عديدة في إيران تركزت معظمها في شيراز ومشهد وبهبان احتجاجاً على حكم الإعدام بحق الشبان، وبالتوازي مع المظاهرات بدأت حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتجاج على حكم الإعدام، ولاحقاً انضمت العديد من الصحف الإصلاحية للتنديد بالحكم وطالبت بتخفيفه، وقد أعلنت السلطات الإيرانية لاحقاً تعليق تنفيذ حكم الإعدام بحق الثلاث شبان.
أشهرهم البطل الرياضي نويد أفكاري. كما أعدمت السلطات الإيرانية الناشط الصحفي روح الله زم، رئيس تحرير موقع “آمد نيوز” المعارض، 12 ديسمبر 2020.
الرئيس التركى “أردوغان” ونظيره الأذرى “علييف” – أرشيفية
رابعا: تطويق نفوذ إيران الإقليمي
في القوقاز
تركَ الصراع الأرميني الأذري حول إقليم ناجورنو قره باغ، تداعيات مباشرة على الساحة الداخلية في إيران، إلى جانب تداعياته الأمنية على الحدود، والتي حدّدت في مجملها ملامح موقف طهران تجاه هذا الصراع، والتي عكست مدى الضعف الذي أصاب دورها في منطقة القوقاز، وزاد من احتمالات النيل منه في المستقبل المنظور. ولعل ما يعزز من هذه الاحتمالات تلك النتائج التي ترتبت على انتصار أذربيجان، والتي تمثلت في:
1. تعزيز نفوذ تركيا بالمنطقة وتشجيعها لتحقيق المزيد من التوسع في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط عامة.
2. تراجع وزن إيران النسبي بمنطقة القوقاز؛ بفضل انتصار أذربيجان في المعارك التي دارت مع أرمينيا حول مرتفعا قره باغ، 27/9 ـ 10/11/2020، في مقابل زيادة الوزن النسبي لتركيا (المنافس) وتعزيز دور إسرائيل (العدو) خصما من نفوذ إيران ودورها في تلك المنطقة.
3. وضعت الحكومة الأذرية قواعدها العسكرية الواقعة على الحدود مع إيران تحت تصرف الجيش الإسرائيلي.
4. كشفت الاحتجاجات الشعبية في محافظات إيران الشمالية، مدى ضعف الموقف الرسمي من الأزمة.
5. أثارت الأزمة فكرة الانفصال لدى شباب أذربيجان من جديد.
6. أدت الضغوط الداخلية، ذات البعد العرقي إلى تغيير الموقف الرسمي لإيران من تطورات الأزمة في القوقاز.
7. ازدادت احتمالات تراجع القدرات الجيوسياسية الإيرانية في مجال نقل الطاقة، من خلال:
 تزايد احتمالات إلغاء خط نقل الغاز الإيراني إلى تركيا، وكذا إلغاء خط نقل الغاز الإيراني إلى إقليم نخجوان.
 إمكانية إلغاء خط نقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية.
 تزايد احتمالات إحياء المشروع الأمريكي لنقل الغاز من تركمانستان وكازاخستان إلى الاتحاد الأوروبي، عبر خط أنابيب عابر لبحر قزوين وصولا إلى الأراضي الأذربيجانية، ليمر منها إلى الأراضي الجورجية، ثم التركية في محاولة لتجاوز إيران وروسيا.
 انخفاض أهمية خط نقل الغاز الإيراني إلى أرمينيا.
8. فرضت الحرب الأرمينية الأذرية واقعا سياسيا جديدا بالقوقاز من المرجح ألا يكون لإيران دور مهم فيه خاصة أن اتفاق وقف إطلاق النار بينهما نص على إنشاء ممرين بريين، يربط أحدهما الأراضي الأذرية بإقليم نخجوان، دون المرور بالأراضي الإيرانية، كما كان هو الحال قبل تجدد الحرب، مقابل ممر آخر يربط الأراضي الأرمينية بإقليم قره باغ. على أن يظل كلا الممرين الجديدين تحت حماية القوات الروسية. وبالتالي سوف تفقد إيران الدور الذي كانت تلعبه في الاتصال البري بين أذربيجان وإقليم نخجوان.
9. سوف تمثل الشراكة الإستراتيجية التي قامت بين أذربيجان وإسرائيل، أحد أهم المعوقات أمام أي محاولة إيرانية، في المستقبل، للقيام بدور في منطقة القوقاز، خاصة أن هذه الشراكة باتت حلقة مهمة في سلسلة محاولات تطويق نفوذ إيران الإقليمي، بل وتضييق الخناق عليه من جهة حدوده الشمالية بمنطقة القوقاز، خاصة بعدما اكتسبت إسرائيل صفة الوجود الرسمي على السواحل المقابلة لإيران؛ من خلال عمليات التطبيع مع دول الخليج، ضمن عملية تطويق نفوذ إيراني الإقليمي.
في المنطقة العربية
وقد برزت محاولات تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال عدد من المؤشرات، أبرزها:
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو – أرشيفية
مناوشات عسكرية
في أبريل من عام 2020 حدثت مناوشات بين زوارق بحرية إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني وقطع بحرية تابعة للبحرية الأمريكية قرب الكويت، حيث تم إطلاق أعيرة نارية تحذيرية من القوات الأمريكية للقوارب البحرية الإيرانية التي اقتربت بشكل خطير من القطع البحرية الأمريكية، وقد تبادل الطرفان الاتهامات حول الواقعة، وقام الرئيس ترامب بتوجيه تعليماته للبحرية الأمريكية بتدمير أي قارب إيراني يتعرض للقوات البحرية؛ وعلى الجانب المقابل، أصدر قائد الحرس الثوري حسين سلامي تعليمات بتدمير أي قطع بحرية “لجيش أمريكا الإرهابي” إذا ما هددت السفن الإيرانية التجارية أو الحربية.
تعزيز التواجد البحري:
تمثل في دخول كبرى الغواصات الأمريكية “يو اس جورجيا” التي تعمل بالطاقة النووية، والمحملة بأكثر من 154 صاروخا من طراز توماهوك، في نطاق عمليات الأسطول الخامس بمياه الخليج العربي، والتي ربما تأتي ضمن محاولات استدراج إيران للوقوع في خطأ استراتيجي؛ يقتضى معاقبتها.
وقد اكتسب ذلك الحدث أهميته من المناخ العام المحيط بإيران، من حيث:
 التعرض للعقوبات المتتالية، منذ عام 1979، وحتى نوفمبر من العام 2020.
 توفر مبررات الاستهداف الخارجي، ممثلا في امتلاكها قدرات صاروخية مهددة للمصالح الأمريكية ولشركائها الإقليميين.
 تعمق الشكوك الأممية حول سلمية نواياها فيما يتعلق ببرنامجها نووية.
 ازدياد مشاعر الكراهية تجاه النظام الإيراني وتوجهاته في داخل البيئة الإقليمية المحيطة به.
 تحفز معظم دول الخليج العربية لدفع إيران نحو الهاوية، مقابل دفع التكاليف المالية؛ بسبب شعورها بخطورة توجهاتها.
 التربص المتبادل بين طهران التي لم تكف يوما عن وعيدها لإسرائيل بالفناء، وبين تل أبيب التي لم تكف عن النيل من أمن إيران والعمل على تدمير برنامجها النووي.
الضربات الإسرائيلية
تشير الضربات المتتالية ضد العناصر التابعة لإيران في المنطقة، إلى تبلور تحالف إقليمي ضدها خاصة أن الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف السورية والإيرانية التابعة للحرس الثوري، على مدار سنة 2020، أصبحت أمرا متكررا بصورة كبيرة، حيث تعمد إسرائيل بمجرد التعرف والتأكد من الأهداف إلي إطلاق ضربات جوية ضد الأهداف الإيرانية وسط صمت أو تعتيم إيراني.
استشراف مستقبل إيران السياسي 2021
من المحتمل في ضوء كل ما سبق ذكره، أن يصبح مستقبل إيران خلال العام 2021، رهنا بسيناريوهات عدة:
الأول: أن يتم دفع النظام الإيراني لدائرة الفوضى المحسوبة انطلاقا من نقطتي ضعفه السياسي والعرقي، والتي ستفضي بدورها إلى بروز تصورين لإنهاء هذه الفوضى بإقامة نظام بديل.
التصور الأول يقوم على توافق وطني حول إقامة نظام فيدرالي ووضع دستور يضمن للأقليات العرقية والدينية حقوقها في الدولة.
التصور الثاني هو الاتفاق على إجراء انتخابات عامة حول طبيعة النظام البديل لنظام ولاية الفقيه. ولتحقيق ذلك ربما تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها إلى العمل على:
 مواصلة فرض العقوبات القصوى على النظام الإيراني، ومؤسساته ورموزه الداعمة للإرهاب في العالم.
 تسخين الأجواء الداخلية، وتصعيد التوتر السياسي بما يضع الجماهير في دائرة المواجهة المباشرة مع النظام، حتى إسقاطه.
 استهداف هيبة النظام الإيراني بالكشف عن حجم إخفاقاته الاقتصادية، ووحشية أجهزته الأمنية، وفساد قياداته ورموزه.
 بناء صورة ذهنية وحشية للنظام الإيراني بعرض قائمة انتهاكه لحقوق الأقليات العرقية والدينية.
 التعجيل بمد خطوط أنابيب نقل النفط والغاز من منطقة الخليج العربي إلى سواحل البحرين الأحمر والمتوسط.
 تعزيز التواجد العسكري بالاتجاهات الإستراتيجية الإيرانية، خاصة بمنطقة الخليج العربي والعراق.
 الاستهداف المستمر للميليشيات الشيعية والعناصر الإرهابية التابعة لإيران والموالية لها في المنطقة.
 تحييد عملائها وخلاياها النائمة في بعض الدول الأوروبية وأمريكا اللاتينية.
 مواصلة تصفية العناصر والكوادر الفاعلة في البرنامجين النووي والصاروخي، داخل المجتمع الإيراني بما يفقده الثقة في قدراته.
 تنفيذ عمليات نوعية تستهدف المخزونات الإستراتيجية الإيرانية من الصواريخ والأسلحة والمعدات والمنشآت العسكرية المؤثرة.
 حماية المنشآت والمناطق التي يتوقع أن تتعرض لهجمات انتقامية إيرانية أو لعمليات إرهابية.
 إعداد كيانات سياسية وطنية بديلة تحظى بالتوافق والإجماع الوطني وتداعب مشاعر الجماهير بالحرية والرفاهية.
 توفير وسائل اتصال وتواصل بديلة في حال قطع السلطات الإيرانية الانترنت عن المناطق التي سوف تشهد التصعيد.
الثاني: سيترتب على السيناريو الأول، وهو أن يقوم الحرس الثوري بانقلاب عسكري، ويفرض الأحكام العرفية، ويحدد فترة انتقالية لتسليم السلطة، على أن يقوم بإجراء استفتاء حول تغيير الدستور، ليتحول النظام من رئاسي، في ظل المرشد الأعلى، إلى نظام برلماني، في ظل المرشد.
أما إذ شغر منصب المرشد الأعلى للثورة بالعجز أو الوفاة، فمن المحتمل أن يشكل الحرس مجلسا مؤقتا للقيادة لحين التوصل إلى تسمية المرشد الجديد، أو الاستفتاء على تقليص صلاحيات المرشد في الدستور. وهنا سوف يكون الحرس قد بذل كل جهده في الحفاظ على “جمهورية” النظام و”إسلاميته” وفقا لجوهر مهمته وفلسفة وجوده، كقوة موازية للجيش.
الثالث: أن تتوصل إيران إلى اتفاق شامل مع المجتمع الدولي حول القضايا الخلافية، ومن ثم تحدث انفراجة اقتصادية وسياسية تخفض من حالة الاحتقان الداخلي، وربما يصحب ذلك قيام الحرس الثوري باستكمال هيمنته على مفاصل الدولة من خلال فوز مرشحه المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف 2021.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version