أجريت فى السابع والعشرين من ديسمبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية فى جمهورية أفريقيا الوسطى لانتخاب رئيس وحوالى 140 نائبًا للبرلمان، فى ظل تصاعد حدة التهديدات الأمنية من المجموعات المسلحة، والتى أثرت بالسلب على نسبة المشاركة والتصويت بالانتخابات.
وذلك رغم قيام الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بإرسال طائرات حربية إلى أراضى أفريقيا الوسطى، بالتزامن مع الانتخابات، مؤكدا على التزام فرنسا بدعم الحكومة الشرعية على خلفية الوجود الفرنسى في غرب أفريقيا بعد إنهاء الاستعمار الفرنسى في عام 1960.
أفريقيا
فرانسوا بوزيزى – صورة أرشيفية
وقد جاءت خطوة فرنسا تعقيبا على إعلان وزارة الخارجية الروسية إرسال موسكو 300 من خبرائها العسكريين إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لتدريب الجيش الوطني، وذلك بعد إعلان عن محاولة انقلاب يقودها الرئيس السابق الجنرال فرانسوا بوزيزى، خاصة بعد اندماج المجموعات المسلحة الثلاث الكبرى بهدف الزحف مع عناصره نحو العاصمة بانجى لعرقلة الانتخابات الرئاسية. فهل تعود أفريقيا الوسطى جمهورية للتمرد؟
ماذا يحدث في أفريقيا الوسطى؟
تعيش أفريقيا الوسطى حالة من عدم الاستقرار منذ عام 2013 عندما تمت الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزى من قبل جماعة “سيليكا” ذات الأغلبية المسلمة، وتنصيب زعيمها المسلم ميشيل جوتوديا رئيسا انتقاليا 2013 لكن لم تستمر تلك الجماعة في الحكم، إذ سرعان ما ظهرت مجموعات أخرى من ميليشيات قروية للدفاع الذاتى تحت اسم “ميليشيات أنتى بالاكا” المسيحية، وهي المعروفة بموالاتها لفرانسوا بوزيزي.
وأرادت انتقال الحكم لرئيس مسيحي، فقام الرئيس ميشيل جوتوديا بتقديم استقالته عام 2014، وأجريت الانتخابات وتولي فوستان تواديرا الحكم منذ 2016 وحتى الآن، إلا أنه سرعان ما دخلت هذه الجمهورية في صراع داخلي زاد من نفوذ التدخل الأجنبى.
اندلعت حرب أهلية في الشمال بين قوات الحكومة والمتمردين منذ عامى (2013-2014)، واشتعلت مرة أخري عام 2016، وتطور النزاع في عامى 2017-2018 ، حيث سيطرت المجموعات المسلحة علي أكثر من 70٪ من البلاد ، وعلي الرغم من توقيع اتفاق السلام فى الخرطوم عام 2019 بين الجماعات المتمردة والحكومة الوطنية لإنهاء الحرب، إلا أن البلاد لازلت تعانى من هجمات تشنها المجموعات المسلحة ضد قوات الأمن والمدنيين.
ورغم تراجع حدة المواجهات الدامية بين المجموعات المتصارع في الداخل، إلا أن قادة بعض المجموعات المسلحة المتواجدة في أفريقيا الوسطى الذين أعلنوا سيطرتهم على أغلبية أراضى الجمهورية، هددوا بشن هجمات فى شمال وغرب البلاد.
فيما تحالفت المجموعات المسلحة الثلاث الكبرى في كيان واحد تحت راية “تحالف الوطنيين من أجل التغيير”، والمجموعات الثلاث هي “الحركة الوطنية لأفريقيا الوسطى” النشطة في الشمال، و”العودة والمطالبة وإعادة التأهيل” التي يغلب عليها الفولانى في الغرب، وميليشيا “أنتى بالاكا” المعروفة بموالاتها لفرانسوا بوزيزى.
وقامت فرنسا وروسيا باتهام بوزيزى بمحاولة الانقلاب لعرقلة الانتخابات الرئاسية المقررة التى أقيمت أول أمس الأحد الموافق السابع والعشرين من ديسمبر، وذلك بعد اندماج المجموعات المسلحة الثلاث الكبرى بهدف الزحف مع عناصره نحو العاصمة بانجى.
وحسب مراقبين يأتي هذا التمرد بعد أيام من إعلان محكمة قرارها بمنع الرئيس السابق فرانسوا بوزيزى من المشاركة فى الماراثون الانتخابى، على خلفية صدورعقوبات بحقه تفرضها الأمم المتحدة، التي تتهمه بدعم مجموعات مسلحة مسؤولة عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”.
قوبل قرار المحكمة من بوزيزى بمزيد من العناد، إذ عمد إلى دعم وحشد جماعات مسلحة في مسيرة باتجاه العاصمة بانجى. وتمكنت المجموعات المسلحة من الاستيلاء على 4 مدن، فضلا عن تقدمها نحو العاصمة التي تبعد بنحو 350 كيلومتر، وهو ما استدعى تدخل فرنسا وروسيا لحماية مصالحهما وترجيح كفة النظام القائم.
المنافسون في الانتخابات الرئاسية
الرئيس الحالى تواديرا – صورة أرشيفية
يواجه الرئيس الحالى فوستان أركانج تواديرا أقوى منافسيه، وهو “أنيسيت جورج دولوغيليه”، رئيس وزراء سابق، وهناك ستة عشر مرشحا تقدموا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك ثلاث سيدات، حيث يعد تواديرا، الذي جرى انتخابه عام 2016، هو الأوفر حظا، فهو يحظى بتأييد فرنسا، ويحكم البلاد بالدعم الكامل منها، كما يحظى أيضا بالدعم الروسى، حيث توفر روسيا الحماية الشخصية له، ولديه مستشار أمني روسى.
المناطحة الروسية
تجدر الإشارة إلى مسارعة روسيا وفرنسا إلى توطيد العلاقات مع أفريقيا الوسطى، فى ضوء تمتعها بالثروات والموارد الأساسية والتى تتمثل فى الألماس والذهب اللذان يعتبران أهم الموارد التي تحظى بها.
وجاء التسارع الروسي جاء بعد الإعلان عن محاولة الإنقلاب، فأرسلت موسكو 300 مدرب عسكرى وخبير إضافى لتدريب الجيش الوطنى ، ومنذ عام 2018 يقوم عسكريون روس بتدريب القوات المسلحة فى أفريقيا الوسطى، وتوفير الحماية الشخصية للرئيس “فوستان تواديرا”.
تلقفت روسيا الدعوة بسرعة كبيرة أملا فى استكمال مسيرة توطيد العلاقات، وخلق مساحة أكبر من المساهمة فى عدد من المجالات ليست العسكرية والثقافية فقط، إنما فى مجال التعدين، وما يدره من مكاسب اقتصادية كبيرة.
ويأتى الحضور الروسى على حساب الوجود الفرنسى الذي بدا دوره باهتا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد إعلان وزير الدفاع الفرنسى انتهاء العمليات العسكرية الفرنسية في أفريقيا الوسطى عام 2016 ، وهو ما فتح المجال للوجود الروسي في البلاد.
بوتين وتواديرا – أرشيفية
وخلال فترة زمنية ليست بالطويلة استطاعت روسيا تعزيز وجودها فى أفريقيا الوسطى ومالى، أو ما يعرف بـ”مربع النفوذ الفرنسى فى أفريقيا”، وتمكنت من مد جسور التواصل والتفاهم مع السلطات فى أفريقيا الوسطى، والتمركز بصورة دائمة على الرغم من وجود نحو 12 ألفا من القوات التابعة للأمم المتحدة وكذا قاعدة عسكرية فرنسية.
كما أن روسيا خلال فترة وجودها منذ عام 2018 أسست العديد من الشركات متعددة المجالات على رأسها شركة “لوباى انفست” التى تعمل فى مجال التنقيب عن المعادن فى (ياوا – غرب)، وكذا شركة المجموعة المالية الدولية التى تتشعب فى مجالات عدة، ويشير البعض إلى أنها واجهة لغسيل الأموال في أفريقيا الوسطى.
الموقف الفرنسى
على الجانب الآخر، مثلت أفريقيا الوسطى منطقة نفوذ تاريخية تقليدية لفرنسا، نتيجة استعمارها لعقود بدأت من 1910 وانتهت فى 1960، عمدت خلالها إلى استنزاف مواردها حتى جرى الاستقلال عام 1960، وظلت فرنسا على علاقة متواصلة مع السلطات هناك، فضلا عن قيامها بعملية عسكرية استمرت على مدار 3 سنوات لكنها باءت بالفشل؛ إذ شهدت القوات الفرنسية خلال فترة وجودها أعمال عنف ومواجهات دامية فى مختلف مناطق أفريقيا الوسطى وهو ما استدعى انسحاب فرنسا وإنهاء عملياتها العسكرية التى لم تؤت ثمارها.
وبالرغم من الانسحاب الفرنسى، ما زال هناك وجود عسكرى ممثل فى 350 جندى وقاعدة عسكرية في العاصمة “بانغى”. وحسب وزير الدفاع في ذلك الوقت، فإن وجود الجيش الفرنسى سيكون أقل، إلا أن ذلك لن يمنع من التواصل الملموس بين فرنسا وهذه الدولة.
ومن الصعب على فرنسا أن تغضّ الطرف عَمّا يجرى في أفريقيا، خصوصاً فى مناطق نفوذها التاريخى، فالرغبة فى استعادة ذلك الدور دفعتها إلى ذلك، كما أنّها تسعى إلى أن تكون رقماً مهماً فى مجال مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد تراجع مكانتها أوروبياً، أما بالنسبة إلى أفريقيا الوسطى، فإن جفن باريس لا يغمض من دون مخازن اليورانيوم والذهب والألماس الذى يُعدُّ أهم عائدات التصدير في الدولة، بنسبة 54%.
القاعدة الفرنسية فى أفريقيا الوسطى – أرشيفية
وفرنسا التي حصلت على تفويض من مجلس الأمن الدولى للتدخل فى أفريقيا الوسطى، نشرت حوالى 1200 جندى على أراضيها لينضموا إلى القوة الأفريقية المشتركة “مسيكا” المنتشرة بالفعل فى البلاد بحوالى ستة آلاف عسكرى، كما استعانت القوات الفرنسية بمساعدة لوجستية محدودة قدمتها بريطانيا في إعلان لوزارة الدفاع الإنجليزية، بينما جاء العون الأمريكى فى شكل مساعدة بلغت 40 مليون دولار لقوة الاتحاد الأفريقى في أفريقيا الوسطى.
الوضع الحالى فى أفريقيا الوسطى
تقف حكومة أفريقيا الوسطى أمام اختبار اتفاق السلام وعجزها عن بسط الأمن بسبب عاملين: أحدهما داخلي ألا وهو عدم توقّف المواجهات ونشاط المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء البلاد، ما خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
والآخر خارجى وهو بسبب صدام روسيا مع فرنسا التى لا تستطيع غضّ الطرف عَمّا يجرى فى أفريقيا، لا سيما في مناطق نفوذها، رغبةً فى استعادة دورها التاريخى.
فى ضوء ما سبق، ففى التقدير نجاح الرئيس المنتهية ولايته “أرشانج تواديرا” فى الفوز بمنصب الرئاسة، مع استكمال الاستحقاق الدستورى لاختيار أعضاء البرلمان، إلا أن قوى المعارضة _سواء السياسية أو المسلحة_ ستدفع ببطلان تلك الانتخابات، وعدم تمتعها بالشرعية، ومن ثم التشكيك فى نتائج الانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version