بعد حالة الارتياح التي عمت إيران فى أعقاب فوز “جو بايدن” بالانتخابات الأمريكية، وحتى إن لم يكن ذلك حبًا في “بايدن” بقدر ما هو بُغضًا فى الرئيس المنتهية ولايته “دونالد ترامب”، إذا بإيران تتلقى من جديد ضربة موجعة باغتيال عالمها النووى “محسن فخرى زاده “، وهو ما سيترتب عليه بالتأكيد أضرار بالغة على برنامجها النووى.
ومن الواضح أن الجهة المجهولة التى دبرت الاغتيال ونفذته، كان لها أهداف أخرى، بجانب الإضرار بالبرنامج النووى الإيرانى، ولكن تحقيق تلك الأهداف مرهون برد الفعل الإيرانى الذى قد يكون قويًا.
وتُعد الأضرار التي لحقت بمساعى إيران لامتلاك أسلحة نووية فادحة للغاية، وهى لا ترجع فقط إلى فقدان المعرفة العلمية، بل ترجع فى الأساس لفقدان الريادة والخبرة الإدارية والقرب من القيادة السياسية العليا فى إيران، وهى سمات بارزة تتمثل في شخصية “فخرى زاده”، ولذا فإن اغتياله سيؤدى إلى تعطيل إيران عن امتلاك الأسلحة النووية.
إيران
قاسم سليمانى – صورة أرشيفية
سلسلة اغتيالات!
يُذكر أن عام “2020”، بدأ باغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليمانى”، وقبيل انتهائه، تم اغتيال العالم النووى الإيرانى ” فخرى زادة”. وبينما كان “سليمانى” قائدًا لفيلق القدس، وسعى لتحقيق الهيمنة الإقليمية فى أرجاء الشرق الأوسط، عبر الدبلوماسية التآمرية والحرب بالوكالة، فإن “فخرى زاده” هو الذى قاد المساعى الإيرانية الاستراتيجية لامتلاك الأسلحة النووية.
ولم يكن اغتيال “فخرى زاده” هو الأول من نوعه، بل سبقته سلسلة اغتيالات أخرى، استهدفت أربعة علماء سابقين ممن شاركوا في البرنامج النووى الإيرانى، وهم: “مجيد شهريارى”، الذى أُغتيل عام 2010 و”داريوش رضائى نجاد”، الذى أُغتيل عام 2011، و”مسعود على المحمدى”، الذي أُغتيل عام 2010، ثم “مصطفى أحمدى روشن”، الذى أُغتيل عام 2012.
تعاون أمريكى إسرائيلى!
لقد تعاونت إسرائيل والولايات المتحدة سابقًا فى استهداف البرنامج النووى الإيرانى، مثلما حدث عند إصابة منشآت تخصيب اليورانيوم في “نطنز” بالدودة الحاسوبية الخبيثة (ستوكس نت – Stuxnet). كما أن تنفيذ الهجوم الإسرائيلى لضرب المفاعل النووى السورى قد تم بعلم واشنطن وتأييدها. ومن المرجح أن إسرائيل لم تفاجئ الإدارة الأمريكية فى هذه المرة أيضًا، بل حصلت على تأييدها فى عملية اغتيال “فخرى زاده”.
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو – أرشيفية
دلالة التوقيت!
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو”، قد صمم على استغلال الفترة المتبقية من ولاية “ترامب”، لتحقيق الإنجازات الأخيرة تحت رعايته، حتى لو كلفه ذلك بدء علاقات متوترة مع إدارة “بايدن”.
وعندما تهب رياح الانتخابات مرة أخرى فى إسرائيل، فلا يمكن استبعاد الدور الذى لعبته الاعتبارات السياسية الداخلية الإسرائيلية فى اختيار توقيت اغتيال “فخرى زاده”.
وعليه، فإن الهدف من التوقيت هو استغلال نسائم الدعم الأخيرة من الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها، إلى جانب المسارعة بتنفيذ الاغتيال قبل تولى إدارة “بايدن”، وتقليل مخاطر رد فعل هجومى إيرانى شديد خلال الفترة الحالية، لا سيما في ظل مخاوف طهران من رد فعل هجومى مُفرط من جانب إدارة “ترامب”، ورغبة إيران فى تسهيل مهمة استئناف الاتصالات مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “بايدن”.
خيارات الرد الإيرانى…
على الرغم من ردود الأفعال الغاضبة فى طهران، والمطالبة بسرعة الانتقام والقصاص ممن ارتكبوا حادث اغتيال “فخرى زاده”، إلا أن مصلحة إيران الواضحة تقتضى ضبط النفس، والامتناع عن تصعيد الوضع الإقليمى، على الأقل خلال الفترة الوشيكة المقبلة. لكن بعد تلك الضربة الموجعة التي تلقتها طهران باغتيال عالمها النووى البارز، سيتعين على النظام الإيرانى شن أى عملية سواء كانت داخلية أو خارجية.
فعلى المستوى الداخلى، ربما سيقوم النظام بحملة اعتقالات ضد المتهمين بالاغتيال، وسوف يُعرض المعتقلون على شاشات التلفاز، ليعترفوا بالعمالة لصالح المخابرات الإسرائيلية ثم يتم إعدامهم لاحقًا.
ومن حيث إمكانية اتخاذ عملية خارجية، فإن لدى النظام الإيرانى خيارين رئيسيين وهما: إما تحمل المهانة، أو اللجوء لخوض الحرب. والخيار الأول هو الأكثر صوابا. لكن حتى تبدو القيادة الإيرانية وكأنها ما زالت قادرة على فعل شىء ما، فربما ستأمر إحدى الميليشيات الموالية لها بشن عملية محدودة، تقتصر على إطلاق عدة صواريخ صوب إسرائيل. وبهذه الطريقة، ستبدو طهران وكأنها قد انتقمت لشرفها، لكن من دون المخاطرة بتصعيد واسع النطاق.
الرئيس الإيرانى – صورة أرشيفية
فشل الاستخبارات الإيرانية..
لا شك أن كل تلك الاغتيالات والهجمات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، فضلا عن اغتيال “قاسم سليمانى” وتصفية أحد نشطاء تنظيم القاعدة البارزين فى طهران مؤخرًا، تعكس مدى الفشل الخطير فى أداء أجهزة الاستخبارات الإيرانية.
خاصة أن عملية اغتيال “فخرى زاده” تمت في وضح النهار، وبشكل احترافى من حيث التخطيط والتنفيذ، مما يدل على أن المنفذين حصلوا على معلومات مُسبقة بشأن الإجراءات الأمنية وطرق تحرك قافلة العالم النووي.
وهناك ثلاثة احتمالات أدت لفشل الاستخبارات الإيرانية وهى:-
أولاً: ربما تكون أجهزة الاستخبارات الإيرانية مهترئة وغير منظمة، بل ولا يمكنها اتخاذ التدابير الأمنية الأولية لحماية العلماء والأشخاص البارزين.
ثانيًا: قد تكون تقنيات المعلومات التى يمتلكها النظام الإيرانى ضعيفة وعرضة للاختراق من قبل الخصوم والجهات الأجنبية، مما يسمح لها بجمع معلومات حساسة حول المواقع والأهداف المهمة.
ثالثًا: من المحتمل أن تكون أجهزة الاستخبارات الإيرانية مُخترقة ومكشوفة، أو أن بعض المسؤولين فيها ينقلون معلومات مباشرة إلى خصوم إيران.
الخلاصة
إن إيران فى مستهل فترة جديدة، غاية فى الأهمية والتعقيد، فهى من ناحية تُخطط لاستعادة هيبتها المفقودة خلال عام 2020، بعد اغتيال “سليمانى” و”فخرى زاده”، ومن ناحية أخرى تأمل فى عودة الحوار مع واشنطن، لرفع العقوبات الاقتصادية.
كما أن النظام الإيرانى سيُقدم بعد ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية، وهو فى أسوأ حالاته بسبب تداعيات العقوبات الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية ويأس المواطنين من الأداء الحكومى، وربما ستكون الأشهر القليلة المقبلة حُبلى بالأحداث والمفاجآت.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version