من غير الواضح حتى الآن ماذا سيكون مصير الاتفاق النووي الجديد بين إيران والدول العظمى، فيما تتركز الخلافات الحالية حول العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا.

وبعد أن كانت إيران هي التي تراوغ الدول العظمى وتتعنت في مفاوضات فيينا، إذا بها الآن تجد الفرصة سانحة لإبرام الاتفاق مع الغرب، ولكن حدث ما لم يكن في الحُسبان. حيث اندلعت الحرب المُفاجئة بين روسيا وأوكرانيا فغيرت الموازين وأربكت الحسابات. كما تسبب طلب روسيا ضمانات خطية – لكي لا تتأثر علاقاتها التجارية والنووية والعسكرية مع إيران بفعل العقوبات الغربية على موسكو – في وقف المفاوضات النووية وإحجام الدول الغربية عن الهرولة لإبرام الاتفاق النووي وباتت إيران هي التي تسعى لاسترضاء الغرب. وفي جميع الأحوال فإن اعتزام الولايات المتحدة إبرام اتفاق نووي مع إيران يثير مخاوف إسرائيل ودول المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التقارب نحو روسيا والمعسكر الشرقي على حساب الغرب والولايت المتحدة.

أرشيفية

تنديد إسرائيلي!

نددت القيادة السياسية الإسرائيلية باعتزام إدارة بايدن العودة للاتفاق النووي مع طهران وما يتبع ذلك من إسقاط العقوبات عن إيران ورفع اسم الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية. وانتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت ووزير خارجيته يائير لبيد الموقف الأمريكي، مؤكدين أن الحرس الثوري هو ذاته حزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي في غزة والحوثيين في اليمن وكذلك الميليشيات المسلحة في العراق.

وأكدت القيادة الإسرائيلية على أن الحرس الثوري قام بقتل كثير من الجنود والمواطنين الأمريكيين في الشرق الأوسط، وقتل آلاف المواطنين السوريين، ودمر لبنان، ومارس القمع ضد الشعب الإيراني. وأعرب بينيت ولبيد عن أملهما في ألا تتخلى واشنطن عن حليفتها إسرائيل مقابل وعود “كاذبة” من طهران.

وهددت تل أبيب باللجوء للكونجرس الأمريكي لإفشال سياسة بايدن تجاه إيران، وحرمانه من الحصول على موافقة الكونجرس، خاصةً أن كثيرا من أعضائه – ومنهم أعضاء من حزب بايدن- يعارضون إسقاط العقوبات عن إيران ورفع اسم الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.

تل أبيب تُعيد حساباتها!

بدا الغضب الإسرائيلي واضحا تجاه واشنطن، فاتخذت تل أبيب موقفا مستقلا تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وفضلت عدم الانصياع للموقف الأمريكي حيال تلك الأزمة. ولعبت دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية بعدما تخلت عنها واشنطن.

ودفع الموقف الأمريكي من الملف النووي الإيراني الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ لزيارة تركيا ومقابلة الرئيس أردوغان في محاولة لتصفية الخلافات بين الدولتين. ويأتي ذلك في إطار سعي إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع روسيا ومصر وتركيا ودول الخليج وقبرص واليونان لتكون قادرة على مواجهة التهديد النووي الإيراني وإحباط مخططات إيران التوسعية في المنطقة.

فيما تولي إسرائيل أهمية خاصة لعلاقاتها مع موسكو حتى تضمن حرية التدخل العسكري في سوريا لمنع إيران من ترسيخ وجودها العسكري هناك، كما أن إسرائيل باتت تدرك أن روسيا قد تُعيق إبرام الاتفاق النووي لأسباب تتعلق بحربها في أوكرانيا.

حرب أوكرانيا أنقذت إسرائيل!

بحسب الأطراف المعنية بالمحادثات النووية في فيينا، فإن إبرام الاتفاق النووي بين طهران والدول العظمى بات مسألة وقت، ولكن العقبة الوحيدة أصبحت تتمثل في موقف روسيا بعد غزو أوكرانيا ومطلب موسكو برفع العقوبات عن تجارتها المستقبلية مع طهران.

ولعل هناك من يعتقد بأن ذلك المطلب الروسي لا يمثل في ظاهره مشكلة، لأن الغرب عازم على إبرام الاتفاق النووي، ولن يرفض مثل ذلك المطلب حتى لا يُعيق إبرام الاتفاق. ولأن الغرب في أمس الحاجة للنفط والغاز الإيرانيين فإنه لن يخشى من إسقاط العقوبات عن إيران التي  تُعدُّ مصدرًا مهما للغاز والنفط بعد العقوبات التي فرضها بايدن على روسيا.

لكن الرئيس بوتين يدرك في حقيقة الأمر مدى احتياج الغرب للنفط الإيراني وهرولة واشنطن لإبرام الاتفاق النووي مع طهران. لذا يود بوتين أن يتحمل الغرب عواقب سياسته تجاه روسيا وألا يتمكن من الحصول على مصادر الطاقة البديلة للغاز الروسي. ولأجل ذلك سيعمل بوتين على تعطيل إبرام الاتفاق النووي لمدة أطول لتحقيق مصالح روسيا الاقتصادية والإستراتيجية، بينما سيظل مطلب موسكو برفع العقوبات عن تجارتها المستقبلية مع طهران مجرد ذريعة لعرقلة الاتفاق.

ومن جانبها ترى تل أبيب أن هذا الموقف الروسي الجديد يصب في مصلحتها، وربما يكون بوتين ونفتالي بينيت قد اتفقا على ذلك خلال لقائما الأخير. وبذلك لم تعد مصلحة إسرائيل في التنسيق مع روسيا قاصرة على ضمان حرية سلاح الطيران الإسرائيلي في شن غاراته على الأهداف الإيرانية في سوريا. بل أصبحت إسرائيل مستفيدة أيضا من الغزو الروسي لأوكرانيا لأنه يُعد سببًا في تأجيل إبرام الاتفاق النووي.

معنى ذلك أن هناك علاقة مباشرة بين إبرام الاتفاق النووي والحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا، إذا من المحتمل أن تتسبب تلك الحرب في عدم إبرام الاتفاق النووي مع إيران وإسقاط العقوبات عنها. وبعبارة أخرى، فإن الحرب في أوكرانيا ربما أنقذت إسرائيل من إبرام الاتفاق وإسقاط العقوبات الغربية عن طهران.

أرشيفية

مكاسب إيران!

في ظل المتغيرات الأخيرة لموازين القوى الدولية تبدو الإدارة الأمريكية عازمة على إبرام الاتفاق النووي مع إيران، مع إدراك طهران للفرص والمكاسب الاقتصادية التي ستجنيها من ذلك، وهذا يعني زيادة احتمالية إبرام الاتفاق طالما أنه سيخدم مصالح الطرفين. إذ إن إبرام الاتفاق النووي سيمكن إيران من لعب دور محوري في سوق الطاقة العالمية، كما سيُدر عليها موارد مالية ضخمة لخدمة اقتصادها المحلي وتطوير بنيتها التحتية وتخفيف الضغوط الداخلية. لكن أكثر ما يُقلق إسرائيل هو استخدام الموارد المالية في تعزيز قوة إيران العسكرية وبسط نفوذها الإقليمي وإمداد الميليشيات الموالية لطهران بمزيد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

من خلال ما سبق يتبين أن:

  1.  إبرام الاتفاق النووي سيكون مرهونًا بالموقف الروسي، ومدي استجابة الولايات المتحدة والغرب عموما لمطلب موسكو برفع العقوبات عن تجارتها المستقبلية مع طهران.
  2.  احتياج الدول الغربية للغاز والنفط الإيراني بعد العقوبات التي فُرضت على روسيا، سيدفع الولايات المتحد لإبرام الاتفاق النووي مع إيران وإسقاط العقوبات عنها للاستفادة من صادراتها النفطية.
  3.  الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على موسكو جعلت موقف إيران أفضل في مفاوضات الملف النووي لأن العالم الغربي بات في حاجة ماسة لمصادر الطاقة الإيرانية.
  4.    إسرائيل تشعر بالغضب الشديد من موقف إدارة بايدن المتساهل مع طهران، لأن ذلك يهدد أمنها ومصالحها الإقليمية، ولذا فإنها لم تلتزم بالموقف الأمريكي ضد الرئيس بوتين ولعبت دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، بل وتسعى للتقارب مع تركيا وتعزيز التعاون والتنسيق مع الدول العربية تحسبًا لإبرام الاتفاق النووي مع إيران.
  5.    موقف إدارة بايدن من إيران سيدفع إسرائيل والدول العربية ،وخاصة الخليجية، للتقارب مع روسيا والصين للضغط على واشنطن. وبسبب تحول الموقف الأمريكي، قررت الإمارات العربية والسعودية الحفاظ على علاقاتهما الاستراتيجية مع موسكو ورفض زيادة إنتاج البترول لوقف ارتفاع اسعاره، رغم طلب واشنطن رفع حصص الإنتاج.
  6. إذا أصرت إدارة بايدن على الوقوف إلى جانب الملالي في طهران، فإنها ستفقد دعم أصدقائها وحلفائها في العالم الإسلامي والعربي الذين يشعرون بالخيانة الأمريكية والخوف من إمكانية امتلاك إيران وميليشياتها أسلحة النووية.
  7. إذا تم إبرام الاتفاق النووي مع إيران وإسقاط العقوبات عنها فإن ذلك سيشعل سباق التسلح في الشرق الأوسط، بما يشكل خطرًا على العديد من الدول العربية ذات الموارد المحدود.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version