تعود علاقات تركيا الاقتصادية مع ليبيا إلى سنوات عديدة قبل الانقلاب على نظام القذافي، فبالإضافة إلى واردات (الذهب ومنتجات النفط الخام والمعادن الخردة) وصادرات (الأثاث والإكسسوارات، ومنتجات النسيج، والمجوهرات، والسجاد، والأدوية، والإسمنت)، قامت شركات البناء التركية بإنشاء العديد من المشروعات ذات الحجم الكبير في ليبيا، في مختلف مجالات البنى التحتية و الحفر والتنقيب وغيرها الكثير، الذي نتج عنه تراكم المستحقات التركية التي تلتزم الحكومة الليبية بدفعها تعويضًا عن الخسائر التي طالت المعدات التركية المتنوعة أثناء الصراع الداخلي.
تواجه الحكومة الليبية مخاطر متعددة نتيجة فشلها في توحيد فرعي البنك المركزي المتوازيين في البلاد، بالإضافة إلى خطر الإفلاس المالي نتيجة للأزمة المالية التي تعاني منها ليبيا، في ظل مطالبة الشركات التركية بمستحقات متأخرة لهم قدرها ١.١ مليار دولار.
قطاع الإنشاءات
بدأت شركات المقاولات التركية العمل في ليبيا لأول مرة في عام 1972م، وقد نفذت 124 مشروعًا بقيمة 7.6 مليار دولار خلال عامي 2009 و 2010م، أي قبل الإطاحة بنظام القذافي. وبعد اندلاع الاضطرابات الداخلية في ليبيا ، اضطرت الشركات إلى العودة إلى تركيا بـ 25 ألف عامل تركي. ومع ذلك واصلت الشركات التركية تلقي العديد من المدفوعات مثل عمولات التأمين وخطابات الضمان وعمولات خطابات الاعتماد وعقود التعاقد من الباطن والتعويضات الأخرى ونفقات الأمن في مواقع البناء.
وقد صرح مدحت ينيجون، رئيس مجلس إدارة نقابة المقاولين الأتراك، ورئيس مجموعة ينيجون الاستثمارية، أن الشركات التركية تتمتع بميزة دون غيرها في ليبيا لكونهًا شريكًا إستراتيجيًا لقطاع الأعمال في ليبيا قبل نشوب الحرب الداخلية.
ليبيا
الرئيس التركى أردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبى السابق – أرشيفية
وتسعى تركيا لتعويض خسائرها في ليبيا عبر ما يلي:
1- نجاحها في الحصول على اتفاق تعويض مبدئي من حكومة السراج بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نُفّذت في ليبيا خلال عهد القذافي، كان من المفترض أن تسددها الدولة الليبية قبل أحداث 2011، مع الإبقاء على قضايا التحكيم الست المنظورة أمام غرفة التجارة الدولية قد تضمن الاتفاق خطاب ضمان بمليار دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار تعويضًا عن الأضرار التي لحقت بالآلات والمعدات.
2- الإعلان عن نية تركيا استكمال الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا، والتي تأخرت بفعل الحرب الداخلية والتي تصل قيمتها إلى 16 مليار دولار، بما في ذلك ما بين 400 و500 مليون دولار لمشروعات لم تبدأ حتى الآن.
3- ومن بين الاتفاقيات الحديثة التي وقعت في أبريل الماضي ٢٠٢١، أثناء زيارة عبدالحميد الدبيبة رئيس الوزراء الليبي لتركيا، مذكرات التفاهم التي وقعتها مجموعة رونيسانس القابضة التركية، والتي تتضمن بناء صالات ركاب جديدة في مطار طرابلس وثلاث محطات للطاقة الكهربائية، ومركز تسوق في مدينة طرابلس.
قطاع الحفر والتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي
تسعى تركيا البلد الفقير نفطيًا منذ 2014م، إلى البحث عن موارد شبه مجانية للنفط الخام، عبر عقد تحالفات وشراكات، تهدف إلى توفير احتياجاتها من الوقود بأسعار تقل عن السوق العالمية لمصادر الطاقة. ووفقًا لبيانات معهد الإحصاء التركي، فإن واردات تركيا في مجال الطاقة تبلغ ما بين40 – 45 مليار دولار أمريكي سنويًا، وهو ما يؤدي إلى نقص النقد الأجنبي الذي تحاول أنقرة توفيره داخل الأسواق المحلية.
يبلغ متوسط إنتاج ليبيا من النفط 1.6 مليون برميل يوميًا حتى عام 2009، و بلغ كمتوسط يومي في عام 2019، نحو 1.23 مليون برميل، بحسب بيانات منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”. كذلك فإن إنتاج ليبيا من الغاز الطبيعي بلغ 2 مليار قدم مكعب سنويًا، وبحسب بيانات “أوبك” في 2019، فإن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربيًا باحتياطي نفطي يبلغ حوالي 48.36 مليار برميل، بينما يبلغ احتياطي ليبيا من الغاز 54.6 ترليون قدم مكعب، يضعها في المرتبة 21 عالميًا من الاحتياطات.
البحرية التركية في البحر المتوسط – صورة أرشيفية
وقد بدأت شركة البترول التركية (TPAO) أنشطتها للتنقيب عن النفط في ليبيا عام 2000. واكتشفت (TPAO)، التي استثمرت أكثر من 180 مليون دولار في ليبيا، اكتشافات نفطية جديدة في صحراء فزان، وحفرت 11 بئرًا، بالإضافة إلى تحديدها لسبع مواقع جديدة غنية بالبترول، لكنها لم تتمكن من بدء الإنتاج بسبب الاضطرابات التي تشهدها البلاد.
حقيقة فإن الاضطرابات الداخلية في ليبيا لم توقف الحلم التركي في النفط الليبي عند حد معين، فتركيا التي فشلت في تحقيق مكاسب ملموسة من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مع حكومة السراج في نهاية 2019م، بحثت منتصف أبريل الماضي 2021، مع وزير الطاقة الليبي محمد عون سبل التعاون الذي يتعين القيام به بين البلدين في مجال النفط والغاز الطبيعي. وتم خلال الاجتماع تقديم معلومات عن سفن الحفر والمسح الزلزالي المملوكة لمؤسسة البترول التركية TPAO. كما تم ذكر أنشطة التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي وإنتاجهما في البحار المفتوحة وعلى اليابسة. وتم إيصال رسالة مفادها أن تركيا مستعدة لجميع أنواع الدعم في مجال النفط والغاز الطبيعي مع TPAO في مجال انتاج الطاقة والحفر والتنقيب.
بالإضافة لـTPAO هناك شركات تركية أخرى عاملة في ليبيا، تتنافس فيما بينها لتقديم مقترحات عدة لمشاريع تساهم في حل مشكلة الكهرباء التي تعاني منها ليبيا، كشركة تشاليك القابضة، وشركة كارادينيز القابضة التي تمتلك حلاً عاجلة لحل الأزمة الليبية، (فهي المالك والمشغل لأول محطة طاقة عائمة في تركيا، منذ عام 2010 تتكون من خمسة عشر باخرة بسعة إجمالية تزيد عن 2800 ميجاوات، وتنفذ محطات كارادينيز العائمة جميع الأنشطة الداخلية، بما في ذلك التصميم والبناء وتجهيز الموقع وإمداد الوقود وتوصيل الكهرباء)، وأكسا إنرجي التي تمتلك تقنيات تنفذها في البنى التحتية وتوزيع الكهرباء توصف بأنها أكثر استمرارية في حل مشكلة الكهرباء، وقد وقعت آكسا بالفعل اتفاقية مع شركة الكهرباء الليبية لبناء محطة كهرباء جديدة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version