تشهد العلاقات التركية الإثيوبية خلال الفترة الأخيرة تقاربًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا كبيرًا، حيث طلبت أديس أبابا وساطة أنقرة في حل الخلافات الإثيوبية السودانية المتصاعدة؛ على خلفية الحرب الدائرة حاليًا في إقليم الفشقة (شرق السودان)، ورغبة الجيش السوداني في تحرير الأراضي السودانية من عمليات الاستيطان الإثيوبي لمناطق الفشقة، وإعادة كامل السيطرة السودانية على الإقليم.
جاءت تلك الوساطة بعد عمليات تقارب سياسي طويلة، بدأت مع زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لأديس أبابا في يناير 2015 التقى خلالها كلا من الرئيس الإثيوبي السابق «ملاتو ويرتو» ورئيس الوزراء حينها «هايله مريام ديسالين»، وخلال تلك الزيارة تم التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون بين الجانبين في مجالات عديدة، وتعهد الجانبان وقتها برفع قيمة التجارة البينية إلي 500 مليون دولار، بالإضافة إلي حث مسئولي أديس أبابا على وقف التعاون مع ما يسمى «الكيان التركى الموازي جماعة فتح الله جولن» المعادية والمعارضة لسياسات أردوغان الداخلية والإقليمية.
الإثيوبية
أردوغان وديسالين – أرشيفية
تم تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين بزيارة نائب رئيس الوزراء الإثيوبي ووزير الخارجية «دمقي مقنن» للعاصمة التركية أنقرة، مفتتحًا مبنى السفارة الإثيوبية الجديدة في تركيا وذلك في 15 فبراير الماضي، وواكبت عملية تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الجانبين، تطورًا كبيرًا في العلاقات العسكرية وتبادل الخبرات العسكرية، فإبان الحرب التي شنها الجيش الإثيوبي ضد جبهة تحرير التيجراي في شمال البلاد، جرت اتصالات بين وزير الخارجية الإثيوبي ونظيره التركي في 16 نوفمبر 2020 لحشد الدعم التركي للعملية العسكرية الإثيوبية، والاستفادة من الإمكانات العسكرية التركية في مواجهة مسلحي جبهة تحرير التيجراي، خاصة أن تقارير عدة أشارت إلي رغبة أديس أبابا في الاستعانة بالطائرات المسيرة التركية في مواجهة مقاتلي التيجراي، خاصة بعد النجاح الملحوظ الذي حققته تلك الطائرات في الحرب الآذرية الأرمينية.
تقارب لافت بين تركيا وإثيوبيا
• هناك حالة تقارب شديدة في السياسات التركية الإثيوبية على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، فكلا الدولتين تواجهان تجربة إثنية معقدة يغيب عنها التجانس والاندماج الاجتماعي، الأمر الذي يعرض سلامة الدولتين للخطر الشديد، في ظل تصاعد حدة الحروب الأهلية، ومن ثم، فلعل أحد أهداف التواصل التركي الإثيوبي في بداية حرب التيجراي كان يتمثل في الاستفادة من التجربة التركية في محاربة متمردي الأكراد في جنوب البلاد.
• الدولتان تنتهجان سياسة مائية متشابهة إلى حد بعيد، بل يمكن القول إن السياسات الإثيوبية تجاه أزمة سد النهضة هي تكرار ونقل للتجربة التركية في سد أتاتورك الذي تم تدشينه في عام 1992، والذي حرم سوريا والعراق من 75% من إيرادات نهر الفرات، كما أن سد إليسو حجب نحو 60 % من إيرادات نهر دجلة بالعراق الأمر الذي أدخل سوريا والعراق في أزمات اقتصادية طاحنة بسبب انحسار المياه عن نهري دجلة والفرات.
دوافع أخرى للتقارب التركي الإثيوبي:
• تقنين الوجود التركي في المنطقة: يُعَدُّ طلب الوساطة التركية محاولة إثيوبية لتقنين التواجد التركي في أزمات دول حوض النيل، فبعد ثورة ديسمبر 2019 وعزل البشير دخلت العلاقات التركية السودانية مرحلة الجمود الفعلي، فمنذ عزل البشير في ربيع 2020 توقف العمل في ميناء سواكن السوداني، وهو الميناء الذي نجحت تركيا في الحصول على حق استغلاله باتفاقية مع الجانب السوداني في عام 2017؛ لذا من المفترض ألا تحدث أية استجابة سوادنية لما يسمى الوساطة التركية في المنطقة.
• تعظيم الدور التركي في إثيوبيا ومنطقة حوض النيل من شأنه خلط للأوراق السياسية، إذ ترغب أديس أبابا وأنقرة في ممارسة ضغوط مزدوجة على السياسة المصرية، فمن ناحية تريد أديس أبابا التأثير على الموقف التفاوضي المصري فيما يخص أزمة سد النهضة مستغلة الأزمة التي تعيشها العلاقات المصرية التركية، ومن ناحية أخرى ترغب أنقرة في ممارسة ضغوط على الموقف المصري باستغلال تواجدها في منطقة حوض النيل لتحقيق مصالح خاصة في ليبيا وشرق المتوسط.
أردوغان ونظيره الصومالى فرماجو – أرشيفية
• تعزيز النفوذ التركي في منطقة القرن الأفريقي؛ وذلك بعد نجاح تركيا في توطيد نفوذها في الصومال من خلال إقامة قاعدة عسكرية بها، ودعم الحكومة الصومالية الحالية بقيادة محمد عبد الله فرماجو، الذي يعد عراب التواجد التركي في منطقة القرن الأفريقي، كما تسعي أنقرة إلي زيادة عملية التبادل التجاري بين الطرفين وتعظيم الاستثمارات التركية في إثيوبيا،لا سيما وأنها تأتي في المرحلة الثانية بعد الاستثمارات الصينية، وهو ما يدل على حجم النشاط التجاري التركي الكبير في المنطقة.
• ترويج السلاح التركي: خلال السنوات الماضية نجحت تركيا في تطوير ترسانتها العسكرية، وتسعي الآن جاهدة على تصديرها للعديد من الدول النامية ومناطق الصراع، ولقد اتضحت السياسات التركية في تصدير الأسلحة إلى مناطق الصراع في حالات الأزمة الليبية وأزمة إقليم كارباخ بين أذريبجان وأرمينيا، وأخيرًا دعم الحكومة الإثيوبية في حربها ضد متمردي التيجراي.
التقارب التركي الإثيوبي كان من الممكن ألا يثير الانتقادات أو حتى مخاوف البعض إذا اقتصر على تبادل المنافع بين الجانبين، وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين مختلف الأطراف، لكن في الحقيقة نجد أن هذا التقارب بدأ يتسع مداه ليصل إلى إقحام أنقرة في أزمات وخلافات منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، فالطلب الإثيوبي الأخير بتوسط أنقرة في حل الخلاف الحدودي بينها وبين السودان، ليس هدفه حل الخلاف بل تعقيد الأزمة في حوض النيل باشراك تركيا ذات السياسات العدائية لمصر في أزمات منطقة حوض النيل.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version