بعد اندلاع التوتر من جديد في حي الشيخ جراح، الذي أصبح رمزاً للنضال ضد الاستيطان والتهويد في القدس الشرقية، باتت الأوضاع مرشحة لمزيد من الصدام بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، بما يحمل ذلك من تداعياتٍ خطيرة سواء على المستوى السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل أو على المستوى الأمني والعسكري بين جيش الاحتلال والحركات الفلسطينية المسلحة.

ومن المقرر أن يتم خلال شهر- بدءًا من مارس المقبل- تنفيذ قرار إجلاء عائلة سالم من بيتها بالشيخ جراح، لكن تلك العائلة يجب أن تشكر عضو الكنيست المتطرف إيتامار بن جفير؛ لأنه تسبب في إحياء قضيتها بعد أن نقل مقره البرلماني أمام بيتها. فمنذ وصول بن جفير أصبح إجلاء تلك العائلة مرهون بإمكانية اندلاع تصعيد شامل في مدينة القدس، ومنذ وصوله أيضا حظيت القضية باهتمام بالغ من قبل الإعلام الدولي والإقليمي، وهو ما قد يُرغم السلطات الإسرائيلية على تأجيل  تنفيذ الإجلاء منعًا لاندلاع فتيل أزمة حقيقية في المنطقة.

أرشيفية

لكن أسباب ما يجري في حي الشيخ جراح أو في أماكن أخري داخل أراضي فلسطين التاريخية، ترجع لعدة أمور منها:

1- القوانين العنصرية

تزعم السلطات الإسرائيلية أن هناك عقارات كان يملكها بعض اليهود في القدس الشرقية لكنهم فقدوها بعد حرب 1948، والآن يحق لهم المطالبة باستردادها وفقا للقانون. لكن ذلك القانون المزعوم هو من صُنع الاحتلال الذي يستهدف سلب حقوق وممتلكات الفلسطينيين، والدليل أنه منذ احتلال القدس الشرقية في عام 1967، أصدرت إسرائيل عدة قوانين تعسفية عنصرية ضد الفلسطينيين. ففي القدس الشرقية على سبيل المثال، تم سن قانونين متناقضين بخصوص الممتلكات، أحدهما يسمح لليهود الذين كانت لهم ممتلكات في القدس الشرقية قبل عام 1948 بإمكانية المطالبة باستردادها (رغم أنهم  حصلوا على تعويض عنها من الدولة الإسرائيلية بعد فقدانها  في 1948). أما الثاني فلا يسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم عام 1948 – سواء في القدس الغربية أو في أي مكان آخر داخل فلسطين التاريخية – بمطالبة استردادها مرة أخرى، كما صدر قانون أملاك الغائبين، للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين الذي اجبروا على ترك ديارهم وبلدانهم.

وهذا التعسف القانوني لا يحدث ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح فقط، بل يحدث أيضًا في العديد من الأماكن الأخرى مثل البلدة القديمة وبلدة سلوان وقرية الطور وحي رأس العامود وقرية جبل المكبر، والهدف المُعلن لذلك كله هو تهويد الطوق المحيط بالبلدة القديمة.

2- ممارسات الشرطة والمتطرفين اليهود

يواجه الفلسطينيون في حي الشيخ جراح معاملة قاسية من جانب الشرطة الإسرائيلية التي تقمعهم وتمنعهم من الاحتجاج والتظاهر ضد ممارسات المستوطنين والمتطرفين اليهود.

وفي حين تترك شرطة الاحتلال عضو الكنيست إيتامار بين جفير وأمثاله من المتطرفين اليهود يدخلون حي الشيخ جراح للتحريض ضد الفلسطينيين، فإنها تمنع أعضاء الكنيست العرب واليساريين من دخول الحي لدعم حقوق الفلسطينيين والتنديد بممارسات الاحتلال.

ويزعم الإعلام الإسرائيلي أن الأوضاع الحالية لن تتصاعد في حي الشيخ جراح، وأن أحداث مايو عام 2021 لن تتكرر هذه المرة، رغم ممارسات عضو الكنيست المتطرف بن جفير الذي نقل مقره البرلماني إلى الحي. لكن الإعلام الإسرائيلي تناسى أن الحرب التي جرت العام الماضي سبقتها أسابيع من اعتداءات الشرطة على النشطاء الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وأن بن جفير وأمثاله هم من أشعلوا فتيل الحرب.

3- المعارضة الإسرائيلية

تستغل المعارضة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو ما يجري في حي الشيخ جراح للتحريض على العنف وإشعال الأوضاع بهدف زعزعة استقرار حكومة نفتالي بينيت. وتدرك المعارضة الإسرائيلية مدي أهمية حي الشيخ جراح بالنسبة للشعب الفلسطيني، بعدما كان سببًا رئيسًا في إشعال شرارة الحرب خلال العام الماضي. ومع اقتراب شهر رمضان، بما يحمل من قداسة دينية للمسلمين، سارع عضو الكنيست اليميني المتطرف بن جفير بنقل مقره البرلماني إلى الحي ليتفرغ للتحريض على العنف ضد الفلسطينيين، ومن ثم زعزعة وإسقاط حكومة بينيت التي يشارك فيها اليساريون والفلسطينيون.

أما زعيم  المعارضة نتنياهو، الذي اتفق قبل ثمانية أشهر مع بن جفير على إغلاق مقره في حي الشيخ جراح لإنهاء الفتنة، فلم ينتقد الآن بن جفير ولم يعترض على نقل مقره لحي الشيخ جراح، زاعمًا أن الأمر يتعلق بالدفاع عن القدس عاصمة إسرائيل.

وساطة مصرية..

مع اشتعال الأوضاع في حي الشيخ جراح واستمرار الممارسات التعسفية من قبل الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الحي، استشعرت مصر خطورة الموقف وبادرت بالتحرك لمنع اندلاع حرب أخرى بين جيش الاحتلال والحركات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، حرصًا من القاهرة على استمرار عملية إعادة إعمار غزة.

وفي ظل تهديدات حركة حماس بالتصعيد العسكري ضد قوات الاحتلال واحتمال شن عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، تدخلت مصر لنزع فتيل الأزمة وتجنيب قطاع غزة ويلات حرب أخرى تزيد من جراح الفلسطينيين وتوقف مساعي إعادة الإعمار.

وبالفعل كان للتدخل المصري أثر كبير حتى الآن في عدم اندلاع جولة أخرى من القتال  بين الطرفين على غرار حرب مايو 2021.

***********

من خلال ما سبق، يتبين أن اندلاع جولة أخرى من القتال بين إسرائيل والحركات الفلسطينية المسلحة جراء ما يتعرض له أهالي الشيخ جراح من اضطهاد عنصري إسرائيلي، سيؤدي إلى:

1- إحراج السلطة الفلسطينية وتقويض مكانة الرئيس محمود عباس الذي يلتقي من حين لآخر بالقيادات الإسرائيلية دون أن يكون لذلك مردود إيجابي على المواطنين الفلسطينيين.

2- استغلال حركتي حماس والجهاد الفلسطيني ما يجري من اعتداءات إسرائيلية على أهالي القدس الشرقية لكسب مزيد من التأييد والدعم لفكر المقاومة على حساب فرص التسوية السلمية والتفاوض الذي تتبناه السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين.

3- إحداث الوقيعة داخل ائتلاف حكومة بينيت، من خلال إشعال نزاعات جديدة بين العرب واليهود داخل حدود الـ48، ما سيؤدي أيضا لإحراج حزب “القائمة الموحدة” المشارك في الائتلاف، دون أن تؤدي مشاركته لتخفيف المعاناة عن فلسطينيي الـ 48 بما فيهم أهالي الشيخ جراح.

ويبدو أن رئيس الحزب منصور عباس قد أدرك خطورة التصعيد على شعبيته، فبادر بتصريحات ينتقد فيها الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وما يتعرض له عرب الداخل من تفرقة وتمييز. فضلًا عن أن أعضاء حزب القائمة الموحدة اتخذوا خطوة عقابية ضد ائتلاف بينيت عبر مقاطعة عمليات التصويت على مشاريع القوانين داخل الكنيسيت.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version