مرورا بفيروس Stuxent واغتيال العلماء النوويين وسرقة الوثائق النووية والانفجار الأول في نطنز واغتيال فخري زاده إلى تفجير آخر في منشآت نووية.. فإن ضرب مسار النشاطات النووية لإيران ليس بالشيء الجديد، لكن الجديد هو تبعات هذا الحادث.
إسرائيل تقف وراء العملية..
نطنز
علي رضا زاكانى – أرشيفية
أشار علي رضا زاكاني، رئيس مركز البحوث البرلمانية في إيران والنائب في مجلس الشورى، إلى أن “مجموعة عالية القدرة” من المواد النووية التي تم نقلها إلى خارج البلاد لإصلاحها أعيدت إلى البلاد بما يقارب 150 كيلوجراما من المتفجرات، وتم تجهيزها وادخالها الى مفاعل نطنز على عمق ما بين ٤٠ و٥٠ مترًا تحت الأرض ثم تم تركيبها داخل وحدة توليد الكهرباء الرئيسية والبطاريات الفرعية المغذية لأجهزة الطرد المركزي، فدمرت الكابلات الخاصة بهما، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز النووية، وأدى الي إتلاف آلاف أجهزة الطرد المركزي، فيما وصفه مسؤولون إيرانيون بأنه عمل تخريبي ورجحوا أن إسرائيل تقف وراء العملية، حيث يتم عادة تنفيذ مثل هذه العمليات الدقيقة للغاية من قبل إسرائيل.
أشار فريدون عباسي، رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشورى الاسلامي، إلى تعقيد عمليات التسلل والتدمير في نطنز حيث يعد من الناحية العملية تصميماً مُتقناً قائلاً ” إن تصميم العدو كان مُحكمًا للغاية”، ملوحاً بتوجيه الاتهام بشكل غير مباشر للأجهزة الأمنية وخاصة استخبارات الحرس الثوري.
تعرضت منشأة نطنز النووية للاختراق بواسطة فيروس الكمبيوتر Stuxnet، الذي تم اكتشافه في عام 2010 ويُنظر إليه على أنه مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث دمر ذات مرة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية في نطنز وسط مخاوف الغرب السابقة من نوايا طهران النووية(1). وتعرضت المنشأة في يوليو 2020 إلي انفجار أدى إلي حريق تسبب في أضرار جسيمة والتي من شأنها إبطاء إنتاج البلاد لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة(2).
جاء الهجوم علي المنشاة في الحادي عشر من إبريل، وهو يوم زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لإسرائيل، وخلال الزيارة التقى أوستن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تعهد ببذل كل ما في وسعه لوقف إحياء الاتفاق النووي بين الغرب وإيران. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل موحد تقريبًا أن هجومًا مدمرًا قد تم تدبيره من قبل الدولة تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في مفاعل نطنز الإيراني.
توقيت الهجوم!
جاء الهجوم أيضًا بعد أيام قليلة من بدء محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة. وحدث ذلك بعد يوم من إعلان إيران أنها أطلقت سلسلة من 164 جهاز طرد مركزي من طراز IR-6 في نطنز واختبار أجهزة الطرد المركزي IR-9، والتي يقول المسؤولون الإيرانيون إنها ستخصب اليورانيوم أسرع 50 مرة من الجيل الأول من أجهزة الطرد المركزي IR-1. علماً أن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في عام 2015 حصر إيران في استخدام طراز IR-1 فقط للتخصيب.
جواد ظريف – أرشيفية
ردود فعل الأطراف الفاعلة
وبحسب مسئولين في المخابرات الأمريكية لصحيفة نيويورك أن انفجارًا كبيرًا دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي المستقل – والمحمي بشدة – والذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض التي تخصب اليورانيوم، ويقدر المسؤولون أن الأمر قد يستغرق تسعة أشهر على الأقل لاستئناف التخصيب(3).
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده “ستنتقم” من منفذي الهجوم. ومع ذلك، فإن الهجوم في الواقع يمثل نكسة كبيرة لإيران. ووصف المسؤولون الإيرانيون انقطاع التيار الكهربائي في منشأة نطنز بأنه “إرهاب نووي”. لكن علي أكبر صالحي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، لم يوجه اللوم لأي شخص بشكل مباشر على الحادث، وقال صالحي، بحسب التلفزيون الرسمي، “لإحباط أهداف هذه الحركة الإرهابية، ستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحسين تقنيتها النووية بشكل جدي من جهة ورفع العقوبات القمعية من جهة أخرى”.
وبدا أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي يشير إلى إيران عندما قال إن “عمليات الجيش الإسرائيلي في الشرق الأوسط ليست مخفية عن أعين العدو. إنهم يراقبوننا ويرون قدراتنا ويوازنون خطواتهم بحذر “(4).
وصف نتنياهو إيران مرارًا بأنها تهديد كبير لبلاده. فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، خلال لقائه مع أوستن، إن إسرائيل تعتبر أمريكا حليفة ضد جميع التهديدات، بما في ذلك إيران. وقال غانتس: “تشكل طهران اليوم تهديدًا استراتيجيًا للأمن الدولي، والشرق الأوسط بأكمله، بما فيه دولة إسرائيل، وسنعمل عن كثب مع حلفائنا الأمريكيين لضمان أن أي اتفاقية جديدة مع إيران تؤمن المصالح الحيوية للعالم وللولايات المتحدة، وتمنع سباق تسلح خطير في منطقتنا وتحمي دولة إسرائيل.”
أهداف الهجوم
الرسائل من الهجوم متنوعة لكنها واضحة. الرسالة الي إدارة بادين الأمريكية بأن إسرائيل، التي ترفض عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني، ستدافع عن مصالحها عسكريًا، حتى في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات.
والرسالة الموجهة لإيران هي أن إسرائيل لن تتردد في اتخاذ أي إجراء ترى أنه ضروري لمنع إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم في منشآتها النووية، حتى لو كان ذلك يعني مهاجمة أهم منشآت البرنامج النووي الإيراني.
والرسالة الموجهة للقوى الإقليمية التي تخشى قدرات إيران النووية هي أن إسرائيل ستدافع عن مصالحها ومصالحهم.
تداعيات الهجوم
أعلن محمد باقر قاليباف، القيادي السابق بالحرس الثوري ورئيس مجلس الشورى الإيراني والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، أن علماء إيرانيين تمكنوا من الحصول على كمية يورانيوم مخصب بنسبة 60%، ما سبق واعتبرته بريطانيا وفرنسا وألمانيا تطورًا خطيرًا، في إشارة إلى أن إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب يشكل خطوة مهمة لإنتاج سلاح نووي. وأضاف قاليباف «مبروك لشعب إيران على هذا النجاح، فإرادة الشعب الإيراني تصنع المعجزات وستحبط أي مؤامرة»(5).
د/ سعيد الصباغ – أرشيفية
أوضح د. سعيد الصباغ، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز المصري للدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية(6) ، ولاشك فإن إعلان رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف هذا الخبر في أعقاب الضربة الموجعة التي تلقتها اجهزة الأمن الإيرانية يشير إلى؛ أن إيران تريد توجيه رسالة مؤكدة للآخرين قدرتها على رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وكذا إمكانية رفعها الى 90% وربما أكثر ولكن إيران لا تريد ذلك، وبما يؤكد حرص طهران على تجاوز العتبة النووية، وإمكانية تحويلها لقدرات استراتيجيةحال توافر الإرادة السياسية لذلك، وهذا مفاده رفضها تلقيها ضغوط أو إملاءات من الأطراف بهذا الشأن خلال المفاوضات. 
والادعاء أن الاستهداف الذي تعرضت له أكبر محطة تخصيب في إيران لم يؤثر على قدرتها أو مدى امتلاكها القدرة على رفع نسب التخصيب في أي وقت تشاء، بهدف التمسك بواحدة من أهم اوراق تفاوضها مع الأطراف الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. وأضاف الدكتور سعيد موضحاً أنها رسالة معتادة للاستهلاك المحلي ومحاولة جمع خيوط القوة والهيبة المهدرة أمام الشعب الذي بات يقف صفوفا بطول ثلاث كيلومترات لشراء دجاجة أو عظم دجاجة او جلد دجاجة كل حسب مقدرته، في إشارة الي عمق الأزمة الاقتصادية، مع تزامن حالة احتقان سياسي كبير واحتقان اجتماعي متصاعد في بلد يعد أغنى دول الشرق الأوسط على الاطلاق.
الخلاصة
قد يشكل الهجوم على منشأة نطنز ضربة للجهود الدبلوماسية التي يبذلها الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. كما أنه مصدر إحراج، إذ لا تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إدانة محاولة إسرائيل صراحة إفشال المحادثات مع إيران التي لا تزال في مراحلها الأولى. ومع ذلك، حذر الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين الماضي من محاولات لعرقلة المحادثات لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني. وقال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستان: “نحن نرفض أي محاولات لتقويض أو إضعاف الجهود الدبلوماسية بشأن الاتفاق النووي، ونحن ما زلنا بحاجة إلى توضيح الحقائق” بشأن الأحداث في الموقع النووي الإيراني.
ستشهد الأيام المقبلة قرارات صعبة في طهران، حيث يعد الهجوم على مفاعل نطنز إحراجًا شديدًا بعد اغتيال كبير العلماء النوويين في البلاد، محسن فخري زاده، في نوفمبر من العام الماضي، كما أنه سيعمق الخلافات بين الإصلاحيين والمتشددين حول جدوى المفاوضات النووية وفوائد تقييد إيران لبرنامجها النووي.
المصادر:
https://www.wired.com/2010/11/stuxnet-sabotage-centrifuges
https://www.theguardian.com/world/2020/jul/05/satellite-image-raises-suspicions-of-attack-at-iran-nuclear-site
https://english.aawsat.com/home/article/2914016/israel%E2%80%99s-army-chief-staff-threatens-wage-war-iran
https://www.reuters.com/article/iran-nuclear-ia7-idARAKBN2C30ZB
د/سعيد الصباغ، المركز المصرى للدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم الوطنية
https://bit.ly/3xPp2H5
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version