سيطرت تداعيات انتشار فيروس كورونا منذ بداية موجته الأولى على الأحداث الداخلية فى المجتمع الإسرائيلى كما فى العالم كله، وأبت أن ينتهى العام دون إغلاق ثالث لمواجهة الوباء فى موجة ثالثة.
وعلى الرغم من أنباء وصول لقاح الكورونا، وبداية حملات التطعيم فى أنحاء إسرائيل، والتى افتتحها “بنيامين نتنياهو” وبعض رجال الصف السياسى الأول حتى تخطى عدد من تلقي اللقاح 180 ألف، من بينهم الطواقم الطبية، وينتظر أن يصل إلى 4 ملايين فى نهاية شهر مارس، تزامنًا مع سماح الحكومة باستثناء رياض الأطفال، والحضانات المسائية من قررات الإغلاق؛ لتخفيف العبء عن أولياء أمورهم الذين تقلصت فرصهم فى العمل، وزادت التزاماتهم فى زمن التعليم عن بُعد، إلا أن المشهد مع انقضاء عامٍ استثنائى بكل المقاييس احتلته أربع قضايا، هى الأهم والأبرز بين ما تناولناه بالمتابعة والتحليل من قضايا المجتمع الإسرائيلى، وهى على النحو التالى:
1- العنف فى المجتمع العربى
ألقت ظاهرة العنف فى المجتمع الفلسطينى فى الداخل الإسرائيلى بظلالها على المشهد العام؛ ولم تكن إلا نتيجة لعدم إهتمام الحكومة الإسرائيلية باحتياجات المواطن العربى، وعدم اضطلاع الشرطة بدورها فى مكافحة الجريمة وفوضى حيازة الأسلحة، في ظل الأزمات الاقتصادية، وضيق الحيز المعيشى العام. إذ بلغت نسبة 51% من إجمالى الضحايا من الشباب حتى عمر 30 عاما، 50% منهم من النساء بزيادة حوالى 8 أضعاف نسبتها فى الوسط اليهودى، و5 أضعاف ما كانت عليه فى عام 2018 بشكل عام.
المجتمع
وقفة احتجاجية ضد العنف – صورة أرشيفية
اتسعت دائرة الانتقاد الداخلية للحكومة لتشمل مراقب الدولة “نتنياهو انجلمان”، الذى قدم تقريرًا للكنيست فى النصف الثانى من العام شدد فيه على ضرورة استكمال تنفيذ توصيات اللجنة المهنيّة الوطنيّة في موضوع منع العنف فى القطاع العربى عمومًا _وبين الأزواج بصفة خاصة_ وزيادة التعاون والتنسيق بين الإدارات المعنية والشرطة فى هذا الملف، حيث لايمكن العمل بشكل منفصل مع كل من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وآثار القروض الربوية والسوق السوداء، وظاهرة الخاوة (الأتاوة) وتجارة الأسلحة كمسببات مباشرة لهذه الظاهرة.
كما نظمت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية فى إسرائيل مسيرات للأمهات الثكلى، وأخرى تحمل الأعلام السوداء للتعبير عن رفضها لهذه الظاهرة، واحتجاجًا على ما وصفته بتواطؤ الشرطة، مطالبة الحكومة بالقيام بدورها للحد منها.
2- احتجاجات ممتدة لستة أشهر
حيث كانت المطالب بتخلى نتنياهو عن منصبه، والمساواة أمام القانون هما شعاران رئيسيان رفعهما المتظاهرون فى احتجاجات استمرت 6 أشهر دون توقف، ودون الاستجابة لإجراءات الحظر أوالإغلاق العام، كما لم يُثنيهم التصويت على حل الكنيست، أو اتفاق بدا بين السياسيين عن إسقاط نتنياهو .
كان إخفاق حكومة نتنياهو فى التعامل مع ملف أزمة كورونا على الساحة الاجتماعية، هو الدافع الأساسى لتحرك بعض المنظمات الأهلية، والحركات المجتمعية مثل حركة “الأعلام السوداء”، ودعوة المواطنين للإنضمام إليهم فى احتجاجات وفعاليات منظمة بدأت من ميدان “بلفور” وأخذت اسمه علمًا لها، وسرعان ما انتشرت فى أنحاء إسرائيل؛ لتُذكر نتنياهو بقضايا فساده.
جانب من احتجاجات تطالب برحيل نتنياهو – أرشيفية
فى المقابل انطلقت حملات مؤيدى نتنياهو لوصف المظاهرات بأنها حملات يسارية تحريضية، وامتدت للنزول للشوراع والميادين لمواجهة تلك الاحتجاجات. حتى أن مواقع التواصل الاجتماعى شهدت دعوات من جنود فى الجيش الإسرائيلى لإطلاق النار على المتظاهرين، ما كانت نتيجته زيادة الاحتقان فى الشارع الإسرائيلى، خاصة بعد الممارسات العنيفة التى انتهجتها الشرطة فى تفريق المظاهرات، ما زاد من حدة الموقف خاصة بعد انضمام صحافيين وإعلاميين وشخصيات اجتماعية بارزة، ومنهم ابنة “يوسى كوهين” رئيس الموساد التى دعمت شعار العلم الأسود للاحتجاجات وانضمت للدعوات عبر حسابها على صفحات التواصل الاجتماعى.
3- الحريديم وأزمة الكورونا
يبدو أن المكانة الدينية للقائم على وزارة الصحة “الحاخام يعقوب ليتسمان” من حزب “يهدوت هاتوراة”، قد وضعته أمام تحدٍ صعب ما بين منصبه كوزير للصحة فى حكومة نتنياهو، وبين ولائه الأول للتيار الدينى المتشدد؛ حيث لم ينجح فى إقناع القطاع الحريدى بضرورة الالتزام بالتعليمات، ما عكس الفجوة التى تتسع يومًا بعد يوم بين مجتمع الحريديم وباقى المجتمع الإسرائيلى بكافة قطاعته.
وظلت أيديولوجية “نحن وهم” تتحكم فى وزارة الصحة، ما اضطر معه الأمن الإسرائيلى إلى إحكام السيطرة على أماكن تجمعاتهم خاصة في مدينة “بني براك”، ما دفع بعض رجال الدين المعتدلين لإصدار فتاوى من نوعية أن الحفاظ على الحياة يمثل قيمة عليا فى مبادئ التدين، ولإنقاذ الحياة يمكن أن يرتكب اليهود “كل أنواع الخطايا إلا الثلاث الكبرى:”القتل والشرك والفسق”، وأن الإغلاق المؤقت للكنس من أجل حماية المجتمع بأكمله، هو أمر تُجيزه الشريعة اليهودية.
الشرطة الإسرائيلية تحاول إحكام السيطرة على تجمعات الحريديم – أرشيفية
وبينما تحصد الإصابات بفيروس كورونا آلاف الإسرائيليين، إذا بقادة الحريديم يحذرون من مغبة إغلاق المدارس الدينية “اليشيفوت” والمؤسسات التعليمية التابعة لهم، زاعمين أن ذلك سيؤدى إلى تسرب آلاف الطلاب؛ مما يؤدى إلى ضعف العقيدة، غاضين البصر عن الوضع على المستوى الصحى والاقتصادى والاجتماعى المتراوح بين الخطير والأخطر، ووجه بعضهم إلى عدم اللجوء للمستشفيات الإسرائيلية.
وتناقلت الأخبار تلقى المتدينين رعاية طبية من قِبل مبادرات وشبكات سرية خلال الأشهر الماضية فى حى “مئة شعاريم”، وفى “بيت شيمش”، و”بني براك”، و”موديعين عيليت”، و”إلعاد”، و”أشدود”، ذلك حتى لا تصل الاحصاءات لوزارة الصحة.
4- ارتفاع معدلات البطالة
كان ارتفاع معدلات البطالة أحد نتائج أزمة تفشى فيروس كورونا، حيث تجاوزت البطالة فى إسرائيل نسبة 23% مقابل 3.9 % قبل بداية الأزمة، ما ينذر بوضع كارثى قد تستمر تبعاته لأكثر من عشر سنوات قادمة بحسب تقدير المحللين الاقتصاديين.
بنيامين نتنياهو – صورة أرشيفية
وما زاد الأمر خطورة، التفكك والانقسام الذى شهدته الحكومة الإسرائيلية، والذى أدى إلى عدم تصديقها على ميزانية العام الحالى، وتعاملها مع أزمة غير مسبوقة كهذه وفقًا لميزانية العام الماضى، مع تراجع الدخل العام بسبب الإجراءات الوقائية، وزيادة النفقات دعمًا لمتضررى الإغلاقات.
وبينما تتعامل الحكومة الإسرائيلية وفقًا لنموذج الإجازات طويلة الأجل، اقترح بعض الخبراء الاقتصاديين اتباع نموذج دول التعاون الاقتصادى والتنمية فى احتفاظ العمال بوظائفهم مع تقليل ساعات العمل، وتقليل نسبة الرواتب واشتراك الحكومة مع صاحب العمل فى تحمل تكلفة الأجور، مما تقل معه نسبة البطالة على الرغم من العمل الأقل.
وفيما يتعلق بتوقعات المرحلة القادمة على الساحة المجتمعية فهى تتلخص فى النقاط التالية:
أ‌- استمرار تداعيات أزمة الكورونا، خاصة مع بدء ظهور السلالة الجديدة على بعض المصابين.
ب‌- حتى الآن لا نرى أى بادرة لإعداد ميزانية من شأنها دعم المواطن أو تقليص نسب البطالة، فالعمل عليها جرى ببطئ شديد، وهو ما اعتبره المحللون السياسيون مماطلة متعمدة من جانب نتنياهو.
جـ- التفكك الاجتماعى وغياب المساواة فى التعاطى مع القضايا العامة، والفجوات الاقتصادية بين القطاعات المختلفة، والفروق الواضحة على أساس انتماءات قومية أو إثنية، هي قضايا جوهرية تهدد المجتمع الإسرائيلى بالانهيار من الداخل.
د- التغيرات الاجتماعية والديموجرافية فى المجتمع الحريدى، والصراع الدينى العلمانى، والتوترات بين المتدينين والسلطات الحكومية قد يؤدى إلى تغير وجه إسرائيل بشكل عام، خاصة فى ظل الأزمات السياسية الداخلية.
هـ- استمرار التضارب بين مصالح نتنياهو الشخصية والتزاماته الجماهيرية كرئيس للحكومة، سيفقده الثقة الشعبية التى كان يحظى بها، ولن تفلح مساعى التطبيع مع الدول العربية فى الحفاظ على مكانته أو ضمان فوزه فى الانتخابات القادمة، فالمواطن الإسرائيلى الذى يواجه الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وموجات الغلاء الشرسة، لا يعبأ بخطوات من شأنها دعم شخص أوشك على السقوط.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version