نشر مركز دراسات الأمن القومي في إسرائيل في أوائل يناير 2021 أي قبيل تولي جو بايدن مهام منصبه تقريراً حول المصالحة التى جرت بين دول الرباعية العربية وقطر، مشيراً إلى أنه على الرغم من رفع الحصار الذي فرضته الرباعية العربية على دولة قطر، إلا أن الطريق لا يزال طويلا لإنهاء الأزمة الخليجية.
حيث تتابع إسرائيل عن كثب تطورات الأوضاع بعد قمة المصالحة الأخيرة، وترى تل أبيب أن هناك عدة سيناريوهات تتعلق بمستقبل العلاقات بين دول الخليج، وأن كل سيناريو له تداعياته على المنطقة الخليجية بشكل عام، وعلى إسرائيل بشكل خاص.
الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته - صورة أرشيفية
الرئيس الأمريكى السابق – صورة أرشيفية
بدأ الحصار فور زيارة ترامب!
يقول التقرير: خلال القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي، التي عُقدت في الخامس من يناير 2021، تم التوقيع على اتفاقية إنهاء مقاطعة قطر. وكانت الأزمة مع الدوحة قد اندلعت في عام 2017، بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنطقة، عندما فرضت أربع دول عربية وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حصارًا على الدوحة لإجبارها على إجراء تعديلات جذرية في سياستها الخارجية. ولكن ذلك الحصار قد انتهى رغم عدم الاستجابة لأيٍ من مطالب الدول الأربع.
الخطوط العريضة للمصالحة
عُقدت القمة الخليجية في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية، وكان الهدف منها هو تحقيق المصالحة بين قطر والرباعية العربية بدعم أمريكي ووساطة كويتية، وعلى الرغم من عدم نشر بنود المصالحة، إلا أن الخطوط العريضة لاتفاقية المصالحة تتركز فيما يلي:
1) أن تقوم جميع الدول المشاركة في الحصار بإعادة فتح أجوائها أمام الرحلات الجوية من وإلى الدوحة، وكذلك فتح حدودها أمام المواطنين القطريين.
2) أن توقف قطر الإجراءات القانونية ضد الدول المعنية فيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بها جراء الحصار.
3) أن يتم وقف الحملات الإعلامية المعادية بين قطر والرباعية العربية.
صاحب فكرة الحصار
يشير تقرير مركز الدراسات الإسرائيلية إلى أن مستقبل المصالحة الخليجية لا يزال غامضًا، لذا ينبغي النظر إلى ملابسات فرض الحصار وكيف انتهى، حتى يمكن استشراف العواقب المحتملة لصفقة المصالحة.
وفقا للتقرير، يعتقد الكثيرون أن ولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد، هو صاحب فكرة فرض الحصار على قطر عام 2017، على إعتبار أن الدافع الأول فيما يخص سياسته الخارجية، يتمثل في مناهضة القوى الموالية لجماعة الإخوان المسلمين. أما القضايا الأخرى، مثل العداء الشخصي بين القيادتين، أو علاقات قطر بإيران، أو مدى نفوذ قطر الإقليمي، فهي من بين القضايا الثانوية.
شعار مجلس التعاون الخليجى – أرشيفية
حصار لم يُسفر عن شىء!
لقد كانت الأزمة الخليجية الأخيرة هي الأخطر منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. وكانت كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة، تؤكد أن الهدف من إعلانهم مطالبة قطر بتنفيذ ثلاثة عشر مطلباً، هو “تحقيق الوحدة”، على النحو المنصوص عليه في الميثاق التأسيسي لمجلس التعاون الخليجي.
إلا أن الدوحة اعتبرت تلك المطالب مجرد إملاءات من دول مجاورة أكبر منها، تطمح في جعل قطر دولة تابعة لها. ولكن بعد فترة قصيرة وجدت الرياض وأبو ظبي نفسيهما عاجزتين عن إخضاع الدوحة، بسبب ثروتها الهائلة ولكونها المصدر الرئيسي في العالم للغاز الطبيعي المسال.
ولم يُسفر حصار قطر الذي استمر لأكثر من ثلاث سنوات، عن نتائج ملموسة. فيما كانت ردود الولايات المتحدة غامضة فور اندلاع الأزمة، لكن الموقف النهائي لواشنطن كان يتمثل في ضرورة التوصل إلى تسوية، باعتبارها تمثل أفضل الحلول لخدمة المصالح الأمريكية.
قطر والحماية التركية
على الجانب الآخر، حدث تقارب في العلاقات بين الدوحة وأنقرة، وشعرت قطر بالضمان الأمني بسبب جود قوات تركية على أراضيها، وبسبب استمرار التعاون الإقليمي بين البلدين، حيث قامت قطر بتقديم التمويل وقامت تركيا بتوفير القوات الميدانية.
لماذا سعت الرياض لإنهاء الحصار؟
في ضوء ما سبق، تُعتبر المصالحة مع قطر- من دون تلبية أي مطلب للدول المناوئة – اعترافًا بفشل سياسة فرض الحصار. وهناك عدة أسباب محتملة جعلت المملكة العربية السعودية تسعى لإنهاء ذلك الحصار المفروض على قطر، ولعلها اعتبرت شهر يناير 2021 وقتًا مناسبًا للقيام بذلك.
وقد أكد المركز الإسرائيلى على أنه لم يكن متوقعًا أن يؤدي الحصار إلى إذعان قطر بشكل كامل على المدى القصير، وربما أدركت الرياض أنها تدفع ثمنًا فادحا جراء إصرارها على مواصلة سياستها تجاه الدوحة – ناهيك عن تشويه سمعة السعودية لدى الرأي العام، نتيجة الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها قنوات الجزيرة القطرية ضد الرياض في بعض القضايا مثل التدخل السعودي في اليمن.
ومن الممكن أيضًا أن تكون الرياض قد شعرت بأنها تتحمل عبئًا ثقيلا جراء سياسة أبو ظبي المتشددة تجاه تركيا وقطر، ولقد تملكها هذا الشعور بوجه خاص بعد انسحاب الإمارات من المستنقع اليمني.
الرئيس الامريكى جو بايدن – أرشيفية
استعداد الرياض لإدارة بايدن
ربما رأت الرياض أن بداية شهر يناير يمثل فرصة مواتية لتحقيق المصالحة مع قطر، لا سيما أن توقيت المصالحة أتى قبيل موعد تغيير الإدارة الأمريكية. كما كانت الرياض في حاجة ماسة لكي تثبت لإدارة بايدن أن السعودية بقيادة محمد بن سلمان، ستلعب دورا إيجابيا لتحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وحتى لو تبين لاحقا أن التصريحات القاسية التي أطلقها جو بايدن ضد المملكة العربية السعودية خلال حملته الانتخابية كانت مجرد تصريحات جوفاء، إلا أنها أثارت بالفعل قلق السعوديين، نظرًا للدور المهم الذي تلعبه الولايات المتحدة في تحقيق الضمان الأمني والاستراتيجي للمملكة العربية السعودية. وبالإضافة إلى ذلك كله، فقد مارست إدارة ترامب خلال أيامها الأخيرة ضغوطا شديدة على مجلس التعاون الخليجي لإنهاء حصار قطر وتحقيق المصالحة الخليجية – والدليل على اهتمام الإدارة الأمريكية بتلك القضية هو حضور جاريد كوشنر شخصيا في “قمة العلا”.
يضيف التقرير الإسرائيلي أنه بسبب مخاوف الرياض من عودة الرئيس بايدن للاتفاق النووي مع طهران وإمكانية رفع العقوبات عن إيران، فقد رأي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن تسوية الأزمة مع قطر تُعد وسيلة لتبني سياسة خليجية موحدة تجاه إيران. ولكن من المرجح في كل الأحوال، أن تستمر قطر في احتواء المخاطر بين أكبر قوتين في المنطقة وهما: السعودية – أكبر جار عربي لها في الخليج، والتي تشاطرها حدودها البرية الوحيدة – وإيران، التي تشاركها في أكبر حقل غاز في العالم.
أمير قطر وولى العهد السعودى فى قمة العلا – أرشيفية
سيناريوهات مستقبلية
يُؤكد التقرير أنه في حين كان محمد بن زايد هو مَن تزعم دول الرباعية العربية لمحاصرة قطر، فإن محمد بن سلمان هو مَن رسم الطريق لإنهاء ذلك الحصار. وعلى الرغم من عدم الإفصاح عن بنود اتفاقية المصالحة _حتى الآن_والتي ربما لن يتم الإفصاح عنها مُطلقًا، فإن تداعيات تلك المصالحة ستتضح من خلال شروطها وآليات تنفيذها. وتُعد مسألة التنازلات القطرية وكذلك دعم الإمارات للمصالحة، من الأمور المهمة لأنها قد تُنبئ بإمكانية إعادة التوازنات الإقليمية. وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث:
الأول:- إذا قدمت قطر تنازلات إقليمية ملموسة، واتخذت الإمارات في المقابل، خطوات جادة لبناء الثقة، فإن ذلك قد يبشر بعودة الدور الجماعي الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي، وبتراجع دور المحور الإسلامي، المتمثل في التعاون التركي القطري. وبما أن الدوحة تقوم حاليا بتمويل العمليات العسكرية التركية على المستوى الإقليمي، سواء في ليبيا أو سوريا أو حتى في أماكن أخرى، فإن تركيا ستجد نفسها بعد المصالحة الخليجية، في أزمة حقيقية بعد استنفاد قدراتها، ولذلك فإنها ستعود من جديد إلى تبني سياسة إقليمية أقل عدوانية بعد تراجع الدعم القطري.
الثاني:– قد تؤدي المصالحة بين المملكة العربية السعودية وقطر- من دون مطالبة الدوحة بتقديم تنازلات كبيرة- إلى توتر العلاقات بين الرياض وأبو ظبي. وقد يعكس ذلك تناقض المواقف واختلاف سلم الأولويات لدى الطرفين، خاصة في أعقاب الخلاف بين الدولتين حول الهدف من حرب اليمن.
فعلى الرغم من أن الرياض وأبو ظبي تعتبران إيران وجماعة الإخوان المسلمين هما أخطر تهديدين على الإطلاق، إلا أن الإمارات تعتبر جماعة الإخوان المسلمين الخطر الأول. وبعد المصالحة السعودية القطرية، قد تتجه الرياض للعمل بشكل أوثق مع أنقرة، بما يخدم أجندتها في جعل التصدي لإيران على رأس اهتماماتها. وربما ترى الرياض أيضا أن التقارب مع تركيا يمثل ردا على نهج أبو ظبي تجاه طهران، بعدما عززت الإمارات تعاونها مع إيران وفق احتياجاتها.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في أن المصالحة الخليجية قد لا تستمر طويلا، لأن تلك الأزمة التي اندلعت في عام 2017 لم تأتي من فراغ، بل كانت الثالثة من نوعها، بعد سلسلة أزمات مماثلة على مدى العقدين الماضيين، وكان سببها المشاحنات بين قطر وجيرانها.
ولذلك فقد تعود دولة قطر _الواثقة من قدرتها على تركيع خصومها، وكسر أي حصار عليها_ إلى نمط سلوكها القديم، الذي تراه الدول المجاورة يمثل خطرًا كبيرًا عليها بل ويؤدى لزعزعة استقرارها. ولذلك فإن اندلاع الأزمة مرة أخرى ربما يكون مسألة وقت فقط.
إسرائيل والمصالحة الخليجية
بحسب وجهة نظر المسؤولين في تل أبيب، فإن حل الأزمة الخليجية والمصالحة مع قطر وتعزيز الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، يصب في خدمة المصالح الاستراتيجية لإسرائيل. لأن مثل تلك المصالحة الناجحة ستؤدي بالفعل إلى قيام جبهة أكثر تماسكًا في مواجهة إيران، كما أن تلك الجبهة ستُلحق الضرر بـ “المحور” الإسلامي، وهو ما يعني كبح جماح تركيا. وعندئذ سيكون في إمكان إسرائيل إقامة علاقات تعاون مع الدوحة، حيث لن تتعرض تل أبيب للضغوط من الدول الخليجية الأخرى لإجبارها على اتخاذ مواقف عدائية تجاه قطر.
الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجى – أرشيفية
الخلاصة والتوصيات
– يعكس ما سبق إنهاء دول “الرباعية العربية” الحصار المفروض على قطر من دون أن تلبي الدوحة أي مطلب لتلك الدول، اللهم إلا وقف الإجراءات القانونية التي اتخذتها الدوحة ضد الدول المعنية. وهذا يعني أن الهدف من فرض الحصار لم يتحقق، وأن قطر قد عادت منتصرة إلى بيتها الخليجي والعربي. إلا أن المصالحة السعودية القطرية قد تؤدي إلى تأجيج الخلافات القائمة في الخفاء بين الرياض وأبو ظبي.
– ومن الواضح أن الموقف الأمريكي الغامض من حصار قطر هو الذي لم يحسم القضية لصالح الرباعية العربية، بل إن ضغوط واشنطن في أواخر عهد ترامب هي التي رجحت كفة قطر على حساب الدول الأخرى. واستفادت الدوحة من الموقف الأمريكي، كما أنها اعتمدت في الوقت نفسه، على الحماية التركية بفضل ثرائها، حيث قامت قطر بتوفير التمويل المالي بينما قامت تركيا بإمدادها بالقوات الميدانية.
– أما السعودية فقد تعرضت لكثير من الضغوط والأزمات التي جعلتها تسعى لإنهاء الحصار المفروض على قطر. واعتبرت الرياض أن شهر يناير 2021 يمثل توقيتا مناسبًا للقيام بالمصالحة.
لا سيما أن توقيتها أتى قبيل موعد تغيير الإدارة الأمريكية. وكانت السعودية قد أدركت أنها تدفع ثمنًا فادحا جراء مواصلة حصار قطر، كما شعرت بأنها تتحمل عبئًا ثقيلا بسبب السير في ركاب الإمارات التي تتبنى سياسة متشددة تجاه تركيا وقطر.
رأى الباحث
* يرى الباحث أنه يجب على مصر ودول الخليج احتواء قطر، حتى تخرج من العباءة التركية والشراكة الإيرانية، ولكي تعود إلى أمتها العربية، لأن ذلك سيصب في مصحلة القضايا العربية وسيُعيد لُحمة النسيج العربي، من أجل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، مع أهمية بلورة موقف عربى موحد تجاه إسرائيل، للحد من إنخراطها فى ترتيبات الأمن الإقليمى، لخطورة هذا التوجه على الأمن القومي العربي والخليجي.
ولا مانع من تبني نهج العلاقات المصرية الإسرائيلية، الذي يتسم بالسلام الفاتر والتعامل مع إسرائيل في حدود متطلبات الأمن القومي.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version