تتواصل الأزمة السياسية التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي حتى بعد إجراء الانتخابات للمرة الرابعة خلال عامين، وذلك بسبب عدم حسم المعركة لصالح أي من المعسكرين المتناحرين. وبات كل طرف لا يمكنه تشكيل الحكومة دون مواجهة كثير من الصعاب.
إذ يستبعد الكثيرون رؤية بينيت ضمن حكومة تضم حزبي ميرتس والقائمة المشتركة. كما يصعب أن تتنازل حركة شاس عن ولائها لحزب الليكود أو لنتنياهو. ناهيك أنه يستحيل تحالف حزب ميرتس مع بن جفير، أو أن يقرر لابيد الجلوس مع نتنياهو أو مع جانتس. ولا يتوقع أحد أن ينقلب قادة حزب الليكود على نتنياهو من أجل تنحيته، ولو فعلوا ذلك لتشكلت الحكومة في أسرع وقت.
ائتلاف مستحيل!
يبدو أن سيناريو الانتخابات الخامسة أصبح محتملا، لا سيما في ظل تعقيد المشهد السياسي، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود محاولات حثيثة لتشكيل الائتلاف الحكومي. إذ من المتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أن يمارس جميع قادة الأحزاب لعبة مزدوجة، يتمثل شقها الأول في بحث إمكانية تشكيل الحكومة، أما الشق الثاني فسيتمثل في محاولة التنصل من مسؤولية اللجوء للانتخابات الخامسة. لذلك فلن يرفض أحد أي اقتراح، مع ربط الموافقة بوضع شروط تعجيزية يصعب معها تشكيل ائتلاف حكومي يتمتع بالاستقرار.
نتنياهو
نفتالى بينيت – صورة أرشيفية
أين المشكلة؟
ربما يرى البعض أن سبب الأزمة السياسية التي تمر بها إسرائيل، يرجع إلى نتنياهو ذاته، لأنه يصرُّ على البقاء في السلطة، لكن خصومه السياسيين يتحملون نفس القدر من المسؤولية، لأنهم يصرون أيضا على عدم قبوله، رغم حصوله على أعلى نسبة أصوات مقارنة بمنافسيه، وما حدث لخصميه نفتالي بينيت وجدعون ساعر لهو خير دليل على أنهما غير جديرين بمنافسته.
غير أن نتنياهو بات الآن يمثل مشكلة حقيقية، لكونه غير مرغوب ضمن تقاسم المشهد السياسي والخريطة الحزبية، ومن ثم فإن اختفاء نتنياهو سيسهم في انتهاء الأزمة بكل سهولة، وستتحالف معظم الأحزاب مع الليكود. وبالتالي فإن الاستقرار السياسي لن يعود لإسرائيل إلا بأمرين: إما إزاحة نتنياهو عن المشهد السياسي، وإما اعتراف خصومه بأن جميع محاولاتهم للتخلص منه، قد فشلت في أربع معارك انتخابية متتالية، ولذا فقد حان الوقت لاحترام قرار الناخبين من أجل تحقيق مصلحة الدولة.
حملة انتخابية مكثفة
كثيرا ما يوصف نتنياهو بمهارته في استخدام الأدوات التي تعزز قدرته على الفوز، ولكن فشله في تشكيل ائتلاف حكومي قوي بعد ثلاث معارك انتخابات متتالية، اضطره لخوض انتخابات رابعة، وكان نتنياهو يعلق كل آماله خلال حملته الانتخابية، على جرعات التطعيم التي ظل يتحدث عنها في كل مناسبة، معتقدًا أنها تمثل الورقة الرابحة للفوز.
كما أكثر الحديث عن اتفاقيات التطبيع مع البحرين والإمارات، لكنه أدرك أخيرا أن أكثر ما يهم الناخب الإسرائيلي بعد صحته، هي العودة إلى ممارسة أنشطة الحياة الطبيعية. ومن هنا قرر فتح الأعمال التجارية والاقتصادية قُبيل إجراء الانتخابات، اعتقادا منه بأن ذلك سيترك أثرًا طيبًا لدى الناخبين.
وبالفعل، لقد اكتملت كل الظروف لفوز نتنياهو في انتخابات الجولة الرابعة، فبالإضافة إلى حملة التطعيم واختيار توقيت العودة لممارسة الحياة الطبيعية، استطاع نتنياهو من قبل، تفتيت الحزب الذي هدد استمراره في الحكم خلال العامين المنصرمين وهو حزب أزرق أبيض، وبذلك قضى على المنافس الذي شكَّل خطرًا عليه. كما عمل نتنياهو على تشتيت الأصوات العربية ومزق القائمة المشتركة بعدما انفصلت عنها القائمة الموحدة. وهو ما أسفر عن فقدان العرب لخمسة مقاعد برلمانية.
العرب أيضا أهدروا الفرصة!
لقد أهدر نتنياهو الفرصة التي سنحت له في الجولة الرابعة لحسم المعركة الانتخابية لصالحه، بعدما وصل إلى يوم الانتخابات في أفضل حالاته، بعد قرار عودة افتتاح المحلات والمطاعم والمقاهي والفنادق عشية إجراء الانتخابات. كما فشل عرب الداخل في استغلال الفرصة، حيث تراجعت نسبة مشاركتهم في الإدلاء بأصواتهم، فكلفهم ذلك ثمنا باهظًا، حيث فقدوا خمسة مقاعد دفعة واحدة. وبعد أن كان لديهم 15 مقعدا أصبحوا لا يمتلكون سوى 10 مقاعد.
منصور عباس – أرشيفية
نتنياهو لن يستسلم!
إن الكتلة التي يرأسها نتنياهو تمتلك 59 مقعدا، حتى بعد انضمام حزب نفتالي بينيت. ومن هنا سيواجه نتنياهو صعوبات في تشكيل الائتلاف الحاكم. ولأن نتنياهو سياسي مخضرم، فلن يستسلم ولن يرضخ، طالما لازالت أمامه الفرصة لتحويل الفشل إلى نجاح. ففي عام 2009، عندما حصلت تسيبي ليفني وحزب كاديما على مقاعد أكثر منه، أثبت نتنياهو كفاءته السياسية وأجبرها على البقاء في المعارضة لعدة سنوات، قبل أن تنضم إلى الحكومة التي شكلها عام 2013. ومنذ ذلك الحين توقعت له معظم الاستطلاعات أن يواجه منافسة شرسة، لكنه ظل قويا حتى عام 2019. إذ لم تُضعفه تحقيقات الشرطة أو لائحة الاتهام بالفساد، بل على العكس، فقد استطاع أن يستغل ذلك في دفع مؤيديه لصناديق الاقتراع.
محاولات نتنياهو!
قبل أن تلجأ إسرائيل إلى إجراء انتخابات خامسة، سيجرب نتنياهو محاولتين، لعله يتمكن من تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه حسابيًا، لا يمتلك الأغلبية، فضلا عن أن كثيرين في كتلته يعارضون تشكيل حكومة بدعم من القائمة الموحدة التي يرأسها منصور عباس.
لذا سيحاول نتنياهو المتخصص في تفتيت وتشكيل الأحزاب، البحث عن اثنين من المنشقين عن الكتلة المناوئة، وبانضمامهما سينقلب المشهد السياسي، وسيصبح لديه أغلبية الـ 61 مقعدا دون الحاجة لدعم من القائمة الموحدة. ولكن تلك الحيلة تبدو صعبة للغاية، بعدما أدرك أعضاء الكنيست الثمن الباهظ الذي دفعه كل من بيني جانتس وعامير بيرتس وإيتسيك شمولي لأنهم حنثوا بوعودهم وانضموا إلى نتنياهو.
وإذا لم يعثر نتنياهو على العضوين المنشقين، فسيلجأ للمحاولة الثانية، وهي أن يمارس ضغوطه على سموتريتس وبن جفير من “الصهيونية الدينية” كي يوافقا على تشكيل حكومة أقلية تضم 59 مقعدا، في ظل الحصول على دعم القائمة الموحدة.
لكن إذا فشلت المحاولتان فلن يكون أمام نتنياهو سوى خطوة أخيرة، وهي اللجوء لانتخابات خامسة، في ظل بقائه رئيسا للحكومة الانتقالية. وبالطبع ليس هذا هو الخيار الأفضل لنتنياهو، لا سيما مع انتهاء مرحلة التطعيم واستمرار الحديث عن استكمال إجراءت التحقيق في قضايا الفساد المنسوبة إليه.
يائير لابيد – أرشيفية
هل يفعلها لبيد؟
بدأ رئيس حزب المستقبل يائير لبيد في إجراء محادثات مع أعضاء الكتلة المناوئة لنتنياهو، والذين من المتوقع أن يؤيدوه في مهمة تشكيل الحكومة. فإذا انضمت له القائمة المشتركة فسيكون لديه عدد مؤيدين أكثر من نتنياهو. وهذا الاحتمال يمثل كابوسا مرعبا للأحزاب الحريدية. إذ من الوارد جدا أن يقوم الرئيس الإسرائيلي ريفلين بتكليف لبيد بمهمة تشكيل الحكومة، نظرا لأن كتلة مؤيدي نتنياهو تضم “52 مقعدا” فقط، أي أقل من كتلة مؤيدي لبيد التي تضم “57 مقعدا”، وهذا بخلاف كل من حزب يمينا الذي يمتلك 7 مقاعد والقائمة الموحدة التي تمتلك 4 مقاعد.
والآن فإن لبيد في حاجة لدعم القائمة المشتركة ليحصل على تكليف تشكيل الحكومة قبل نتنياهو. أما إذا لم يحصل لبيد على دعم المشتركة فلن يكون لديه سوى 51 مقعدا، مقابل 52 مقعدا لنتنياهو، بمعنى أن زعيم الليكود سيكون هو أول من يتلقى تكليف تشكيل الحكومة من رئيس الدولة. غير أن نتنياهو سيكون أيضا في حاجة لدعم القائمة “الإسلامية” الموحدة، التي تُجري اتصالات بالطرفين للإسهام في تشكيل الحكومة لمن يلبي أكبر قدر من مطالبها.
وإذا لم يصل نتنياهو إلى التوافق مع القائمة الموحدة، في ظل معارضة بعض النواب اليمينيين خاصة المنتمين لـ “الصهيونية الدينية”، فإن انضمام نفتالي بينيت لن يجديه نفعًا فيما يتعلق بمهمة تشكيل الحكومة.
ومن الوارد أيضا أن ينضم حزب يمينا إلى كتلة المعارضين لنتنياهو، لكن ذلك مرهون بضرورة تراجع بينيت عن تعهده بعدم المشاركة في حكومة يرأسها لبيد أو تعتمد على دعم القائمة المشتركة. وفي جميع الأحوال فإن سيناريو اللجوء لانتخابات خامسة خلال قرابة عامين ونصف هو أمر وارد أيضا.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version