د/ مروة مصطفي

تلقي هذه الورقة الضوء على ما تناولته الصحف الإثيوبية، ولا سيما المعارضة من تحديات تواجهها إثيوبيا في ضوء التحضير لانتخابات عام 2026م المقبلة، من صراع قائم على الهوية، ونزاعات أمنية تشعل فتيل الحرب بينها وبين إريتريا، ومحاولة دحض الاتهامات حول سد النهضة.

أولا – على المستوى الداخلي

أ – اجتماعيًا

1- انقسام وصراع وطني حول إحياء الجعزية

شهدت إثيوبيا في الآونة الأخيرة حراكًا ومبادرات لإحياء اللغة الجعزية، تلك اللغة السامية الموغلة في القدم، التي كانت لها مكانة دينية وتاريخية وأدبية كبيرة في البلاد، تسعى اليوم لإحيائها بعد أن أصبح استخدامها مقتصرًا بشكل كبير على الاستخدام الليتورجي في كنائس التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية والإريترية والفلاشا (يهود إثيوبيا) لتتضافر جهود متعددة لتنفيذ ذلك، من الأكاديميين ورجال الدين والساسة والنشطاء الثقافيين. وأثارت هذه المناشدات صحف عديدة بالتناول والتحليل والدعم أو النقد، أبرزها صحيفة “ذا ريبورتر” في مقال (4 أكتوبر)، حيث ذكرت: “مما لا شك فيه أن الجعزية من كنوز إثيوبيا، وسوف يحقق إحيائها فوائد جمة، في بلدٍ يُعاني من الانقسامات العرقية والصراعات السياسية، ويُمكن للجعزية أن تُمثل رمزًا ثقافيًا مُوحدًا، يربط الإثيوبيين المعاصرين بحضارة أكسوم القديمة”، وقد عززت الصحيفة من مكانة تلك اللغة، مشيرة إلى أهميتها اللغوية؛ “حيث انبثقت عنها معظم اللغات السامية في إثيوبيا، ولاسيما الأمهرية والتيجرينية، كذلك عززت من مكانتها التاريخية والحضارية على الصعيد العالمي، مما يُعزز من مكانة إثيوبيا بوصفها حاضنة لإحدى أقدم حضارات العالم”.

 وفي المقابل أشارت الصحيفة إلى الجدل القائم حول إحياء الجعزية في ظل الانقسام الوطني الحاد، حيث يخشى البعض أن يكون الدفع نحو الجعزية مرتبطًا بالرمزية السياسية، كوسيلة لبعض النخب لتأكيد هيمنتها أو لإخفاء الترويج لتقاليد دينية واحدة تحت لواء التراث. علاوة على ازدياد تعقّد التنوع اللغوي والديني في إثيوبيا، فبالنسبة للأورومو والصوماليين والعفار والسيداما وغيرهم، لا تُعدّ الجعزية جزءًا من ذاكرتهم الثقافية المباشرة، ويمكن تفسير إدخالها على أنه تفضيل لتراث على آخر، وعلقت الصحيقة قائلة: “تقف إثيوبيا عند مفترق طرق، فبالرغم من أن إحياء اللغة الجعزية قادر على إثراء الوعي الثقافي والتاريخي للأمة، وقد يكون مصدر فخر، لكن الفخر يجب أن يقترن بالحكمة، فلا ينبغي تعزيز الجعزية بمعزل عن غيرها من لغات تراثية أخرى، ويتم الاعتراف بالتعددية الإثيوبية بشكل كامل”.

2- نقص الغذاء يهدد النازحين

سلطت صحيفة “أديس أستاندرد” (8-10) الضوء على وضع النازحين من منطقة أوروميا الذين في حالة يرثى لها بسبب نقص الغذاء والمياه والمأوى، وقد لجأوا إلى عدد من المناطق نحو أمهرة وغيرها بسبب “صراع قائم على الهوية” وفقًا لتصريحاتهم. وفي سياق آخر متصل نشرت الصحيفة نفسها (10-10) تحذير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من تفاقم خطر الجوع بين اللاجئين في إثيوبيا.

ب – اقتصاديًا

1- العنف مفتاح دعم التنمية الاقتصادية لإثيوبيا

دعت صحيفة “أديس أستاندر” (3-10)  في عنوان رئيس: “أوقفوا هجمات الطائرات المسيرة؛ إثيوبيا لا تستطيع إرساء السلام من خلال الغارات الجوية”، وذكرت أنه يجب على الحكومة أن توقف فورًا غارات الطائرات المسيرة على المناطق المدنية، ويجب إجراء تحقيقات عاجلة في عمليات القتل المروعة، ومحاسبة الجناة، كما يجب تدخل المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات واضحة وعاجلة”. وجاء هذا المقال في أعقاب تصريح رئيس الوزراء خلال زيارته لمنشأة تصنيع الطائرات المسيرة، أن “الطائرات المسيرة المحلية هي مفتاح دعم الرحلة الاقتصادية لإثيوبيا، عندما ينشأ تهديد لوجود إثيوبيا وسيادتها، ستُسخّر قوتها التكنولوجية لحماية ازدهارها”. وعلقت الصحيفة: “أن رئيس الوزراء اعتبر الطائرة المسيّرة دليلاً على أن إثيوبيا تُنمّي قوتها العسكرية بالتوازي مع تنميتها الاقتصادية”.

2- تحديات الصرف الأجنبي تضغط على رؤوس أموال البنوك

نشرت “ذا ريبورتر” في الأول من أكتوبر أن “بنك الحبشة” يُعلّق قرارًا لم يُنفّذ، ويزيد رأس ماله بمقدار خمسة مليارات بر إثيوبي. ووفقًا لما أشارت إليه الصحيفة فأن مجلس إدارة البنك قدم توضيحًا مفصلًا لسبب زيادة رأس مال البنك؛ لأن حجم رأس المال الحالي لا يكفي لمواكبة النمو السريع لثروة البنك، وأن حصة البنك في السوق يجب أن تتوسع، وتضمن استمرار نمو البنك، ومن الأسباب الأخرى التي استشهد بها البعض لزيادة رأس مال البنك هو أن سعر صرف البر الإثيوبي انخفض إلى أقل من النصف منذ تطبيق نظام الصرف الأجنبي القائم على السوق الحر في البلاد، مما أدى إلى أن يكون رأس مال البنك أقل من قيمته بالعملة الأجنبية.

جـ – أمنيًا

1- تفاقم الصراعات وتسليح ميليشيات جديدة في تيجراي

تناولت الصحف الأمهرية المعارضة، نحو “ذا ريبورتر” (8-10)، وأديس أستاندر” (9-10) أخبارًا حول استياء الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، التي تم إلغاء تسجيلها من قبل المجلس الوطني للانتخابات الإثيوبية خلال الأشهر الأربعة الماضية، وقد طلبت من الحكومة الفيدرالية استعادة الاعتراف بها كيانا قانونيا وفقًا لاتفاقية بريتوريا. ورفضت اتهام وزارة الخارجية الإثيوبية لها بتشكيل تحالف مع إريتريا، ودعت إلى مشاركة دولية جديدة لضمان التنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا للسلام، وقد اتهمت أيضًا الحكومة الفيدرالية بمحاولة صرف الانتباه عن انتهاكاتها الجسيمة لاتفاق وقف إطلاق النار، وأعربت عن قلقها إزاء “تزايد النشاط العسكري” في تيجراي وما حولها. وذكرت أن هذا النشاط “يشمل تدريب وتسليح ميليشيات جديدة تُدعى تيكيزي مازاري، وبعض شباب تيجراي في عفر ومناطق أخرى”، وحذرت وفقًا لما نشرته الصحيفة “من أن هذه الأعمال تُمثل انتهاكًا لاتفاق السلام، وقد تُشعل فتيل الصراع من جديد”. وفي المقابل نشرت صحيفة “إينا” (10-10) تصريح وزير الدولة بتعزيز إثيوبيا للحوار الوطني والعدالة في أعقاب اتفاقية بريتوريا للسلام، بهدف تعزيز المصالحة والتحضير لانتخابات عام 2026م المقبلة.

ثانيا – على المستوى الخارجى

أ- اتفاقيات إثيوبيا نحو تعزيز التعاون الدفاعي والجوي

علاوة على ما أشارت إليه الصحف الموالية للحكومة، “إينا” (10-10) من عقد مشاورات سياسية بين إثيوبيا وبلجيكا لتعزيز التعاون في قطاعات التجارة والاستثمار، تناولت كذلك الصحف المعارضة، نحو “أديس استاندر” (7-10) عددًا من الاتفاقيات التي أجرتها إثيوبيا لتعزيز التعاون الدفاعي والجوي نحو ما أجرته مع باكستان في قطاعي الدفاع والطيران. وأشارت الصحيفة أنه خلال اللقاء: “أطلع السفير جمال الوزير على مشروع سد النهضة، مؤكدًا أنه يقوم على مبدأ الاستخدام العادل والعقلاني للموارد المائية، ويهدف إلى تعزيز الترابط الإقليمي دون الإضرار بالدول الأخرى”. كما تناولت الصحيفة المحادثات التي أجراها القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية مع وزير الدفاع البيلاروسي بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. كما أشارت إلى المحادثات التي جريت بين القوات الجوية الإثيوبية مع القوات الجوية النيجيرية لإنتاج طائرات مسيرة، وخاصة طائرات L-39 وطائرات الهليكوبتر MiG-29، فضلاً عن تدريب فنيي الطيارين المشترك وتبادل العقائد وبحوث الفضاء الجوي”.

ب- اتهامات إثيوبيا لإشعال فتيل الحرب

تناولت صحيفة “أديس أستاندر” الأمهرية في خبر لها (7-10) اتهام وزارة الخارجية الإثيوبية الحكومة الإريترية وجبهة تحرير تيجراي بالعمل معًا تحت مظلة تحالف جديد يُسمى “ፅምዶ” “تسيمدو” لمحاربة إثيوبيا. كما اتهمت الفصيلين بالتورط في هجوم شنّه مسلحو فانو مؤخرًا للسيطرة على بلدة وولديا في منطقة أمهرة. وصرح وزير الخارجية، جدعون تيموثي، إلى الأمين العام للأمم المتحدة: “أن التحالف يستعد بنشاط لشن حرب ضد إثيوبيا، واتهم الطرفين بتمويل وتجنيد وقيادة جماعات مسلحة مثل فانو لتوسيع نطاق الصراع”. ودعا جيديون الشركاء الدوليين إلى مواصلة جهودهم لتعزيز “الحوار والتعاون البناء” بين إثيوبيا وإريتريا، ليس فقط بشأن القضايا البحرية، ولكن أيضًا بشأن القضايا الإقليمية الأوسع التي تؤثر على السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام.

جـ- شباب أرض الصومال يقودون النضال من أجل الاعتراف

ناشدت صحيفة “أديس أستاندرد” في خبر مطول لها عن أهمية دور الشباب الذين يمثلون أعظم قوة لأرض الصومال وصوتها الأسمى للدفاع عن مكانتها المستحقة بين الأمم في خضمّ ضجيج السياسة العالمية، وذكرت الصحيفة “أنه منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، شهدت أرض الصومال سلسلة من الانتخابات التنافسية التي خضعت لمراقبة دولية، والتي لعب فيها الشباب دورًا حاسمًا”. وأبرزت الصحيفة في سياق الخبر أهمية موقع أرض الصومال الاستراتيجي على طول البحر الأحمر وخليج عدن، وإمكانية تطوير ميناء بربرة، بالشراكة مع شركات عالمية مثل موانئ دبي العالمية، لكي يُحوّل أرض الصومال إلى مركز تجاري ولوجستي حيوي، وفرصة للتفاعل مع الأسواق العالمية. في مقابل هذا أشارت الصحيفة: “إلى أنه سعت قوى خارجية، مثل الصين وتركيا ومصر، إلى منع الاعتراف بأرض الصومال لأسباب استراتيجية خاصة بها. وتابعت الصحيفة: “تعارض الصين، شراكة أرض الصومال المتنامية مع تايوان، معتبرةً إياها تحديًا مباشرًا لسياسة “الصين الواحدة” التي تنتهجها بكين، بينما تخشى تركيا، من الاعتراف بأرض الصومال نفوذها في القرن الأفريقي، أما مصر، مدفوعةً بتنافسها مع إثيوبيا، فتقاوم أي تحول جيوسياسي قد يُغيّر موازين القوى في المنطقة”.

ثالثا – أخبار متعلقة بمصر

أ- دحض إثيوبيا مخاطر السد

بالرغم من المخاطر الكارثية التي يمكن أن يسببها السد، فإن إثيوبيا تسعى جاهدة بالتمسك بحقها السيادي في استغلال الموارد المائية، ونيل الاعتراف أمام المجتمع الدولي والجهات الممولة لضمان التشغيل الآمن للسد، من خلال التأكيد على المعايير الهندسية للمشروع، والرد الحاد على الاتهامات المصرية والسودانية وتصفها بالمبالغة والتسييس. وفي هذا الإطار تناولت صحيفة “أديس أستاندر” الأمهرية في خبر لها (4-10) بيان إثيوبيا في ظل انتقادات تُحمّل السد مسؤولية الفيضانات في السودان، مشيرة إلى رفض إثيوبيا اتهامات مصر بربط الفيضانات بالسد، ووصفتها بأنها “لا أساس لها من الصحة” و”تتعارض مع الواقع”، ودعتها إلى “وضع وهم الهيمنة المائية في حوض النيل جانبًا والتكيف مع الواقع الجديد من الرخاء والتعاون المشترك”. وفي سياق خبر آخر متصل تناولت الصحيفة نفسها (7-10) خبرًا حول تمجيد دور رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي، الذي وصفته بأن له الفضل الأكبر لسد النهضة، وذلك عندما أعلن عن رؤيته إلى إعداد استراتيجيات شاملة مبنية على ركائز أساسية، أهمها الاستقرار السياسي، وقد تحوّلت رؤيته إلى واقع ملموس، بافتتاح آبي أحمد رسميًا سد النهضة، وذكرت الصحيفة رفض الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، بدءًا من الإمبراطور هيلاسلاسي، اتفاقيات نهر النيل مصر-السودان نحو اتفاقية عام ١٩٢٩م واتفاقية ١٩٥٩م،  باعتبارها مساسًا بالسيادة الوطنية” زاعمة أن هذه الجهود أضعفت معارضة مصر، وأعادت تعريف سياسات النيل.

وفي مقابل هذا عقبت الصحيفة على مخاطر السد، حيث صرحت بأنه: “شرّد مجتمعاتٍ وأضرّ بسبل عيشها، وعلى الصعيد الإقليمي، لا يزال يُشكّل بؤرةً توترٍ في العلاقات الإثيوبية المصرية، ويُفاقم تغير المناخ هذه الضغوط، إذ تُفاقم أنماط هطول الأمطار المُتغيّرة وموجات الجفاف المُطوّلة انعدام الأمان، وتتطلب مُعالجة هذه القضايا أطرًا تعاونية، ولجانًا فنية مُشتركة، وسياساتٍ مرنةٍ لمواجهة تغيُّر المناخ- بدءًا من حماية مُستجمعات المياه في المنبع وصولًا إلى تحديث أنظمة الري في المصب”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version