أعلنت لجنة الانتخابات في أوغندا فوز الرئيس ” يوري موسيفيني”، وحصوله على نسبة 58.6 % من إجمالى الأصوات، في حين حصل منافسه، وأبرز معارضيه “بوبي واين” على نسبة 35 %، وذلك فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى الرابع عشر من يناير الماضى.
تنافس خلالها أحد عشر مرشحًا؛ من بينهم الرئيس الحالي يوري موسيفيني، وأبرز معارضيه المغني المشهور “بوبى واين”، بالإضافة إلى “باتريك أموريات” المنتمى لمنتدى التغيير الديمقراطي _حزب المنافس التاريخي السابق_ “كيزا بيسيجي”، حيث شارك نحو عشرة ملايين مواطن من بين 18 مليون، يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في 35 ألف مركز اقتراع في جميع أنحاء أوغندا.
الرئيس
لافتات تأييد لموسيفينى – أرشيفية
قبضة حديدية
لم تشهد أوغندا الواقعة في شرق أفريقيا، والمطلة على _بحيرة فيكتوريا_ أحد أهم منابع نهر النيل، أي عملية انتقال سلمي للسلطة منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني عام 1962، رغم إجراء الانتخابات وفق دستور 1995 كل 4 سنوات، فمنذ إقرار الدستور، ترّشح موسيفيني للرئاسة في خمس دورات انتخابية، لتكون هذه هي الولاية السادسة.
جاء فوز موسيفيني البالغ من العمر 76 عامًا، رغم محاولات إصلاح الدستور لوضع قيود تتعلق بالحد الزمني لمدة الرئاسة عام ،2005 بالإضافة إلى تعيين الحد الأقصى لسن الترشح، حيث لا يتجاوز 75 عاماً، إلا أنه تم احباط جميع تلك المحاولات، حيث فاجأ موسيفيني معارضيه بتعديل دستوري عام 2018، يلغي الحد الأقصى لسن الترشح للرئاسة.
وهو التعديل الذي صاغه نواب حزب “حركة المقاومة الوطنية” تحت قيادة موسيفيني، حيث أعطي لموسيفيني فرصة البقاء في السلطة عبر انتخابات جديدة.
رغم حالة الهدوء التى شهدتها عمليات الاقتراع، إلا أن الحملة الانتخابية للرئيس موسيفيني تخللها العديد من أعمال الشغب والعنف، وجرت الانتخابات في سياق شديد التعقيد، مع إحكام الخناق على المعارضة، والتضييق على وسائل الإعلام، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات الاحترازية المرتبطة بكوفيد-19، خاصة في المناطق التي توجد بها المعارضة، على نحوٍ يحجم الحملات الانتخابية للمعارضة.
نتج عن ذلك مقتل عشرات الأشخاص، كما قامت الشرطة بالعديد من الاعتقالات والتوقيفات، لداعمي مرشح المعارضة _المغني السابق_ روبرت كياغولاني الشهير بـ”بوبي واين”. وقد أشارت التقارير إلى أنه منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه بوبي واين عن ترشحه، وهو يتعرض لمضايقات أمنية؛ إذ ألقت الشرطة القبض عليه في نوفمبر الماضي، فور اعتماد اللجنة الانتخابية أوراق ترشحه.
فيما أعلن واين، أن أحد حراسه الشخصيين قتل دهسًا بسيارة تابعة للشرطة. وفي نهاية ديسمبر 2020، تمّ تعليق الدعاية الانتخابية في العاصمة “كمبالا” ومدن أخرى، صنفتها وزارة الصحة بأنها تشهد انتشارًا كبيرًا لفيروس كورونا المستجد، فيما رأت المعارضة أن هذه المناطق تشهد نفوذاً كبيراً لها.
وخلال إجراء الانتخابات التي تمت تحت رقابة أمنية مشددة، قامت الحكومة الأوغندية بقطع الإنترنت بشكل شبه كامل، فضلاً عن منع مواقع التواصل وتطبيقات المراسلات طوال أسبوع الانتخابات، فيما أغلق موقع “فيس بوك” الحسابات الشخصية لمسؤولين أوغنديين متهمين بالسعي للتلاعب بالنقاش العام قبل الانتخابات.
و أعلنت الحكومة عن “ضريبة وسائل التواصل الاجتماعي”، مجبرةً الأوغنديين على دفع 200 شلن (حوالي خمسة سنتات أمريكية) يوميًّا لاستخدام باقة من 60 تطبيق، بما في ذلك “تويتر”، و“واتساب”، و“فيس بوك”، و“إنستجرام”، بما يقيد فرص المعارضة في التعبير عن رأيها.
وهو ما علق عليه الرئيس الأوغندي في تغريدة له على تويتر: “البلاد ليس لديها خيار آخر”، بعدما أغلق موقع فيس بوك بعض الحسابات التي تدعم حزبه.
سياسة موسيفيني
الرئيس الأوغندى – صورة أرشيفية
إيجابيات حكمه:
بينما يعتبر المعارضون أن أسلوب موسيفيني في الحكم أصبح استبدادياً على نحو متزايد، فقد استطاع موسيفيني تحقيق قدر كبير من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي منذ توليه مقاليد الحكم.
إذ إن البلاد قبل ذلك التوقيت، كانت تعاني من عدم الاستقرار السياسي منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1962، حيث تمكن موسيفيني من ذلك عقب سيطرة مجموعته المسلحة على العاصمة “كمبالا” وتنصيبه رئيسًا للبلاد، بعد حرب استمرت ستة أعوام (1980-1986)، استطاع بعدها جيش المقاومة الوطنية السيطرة علي البلاد المتمردة.
سلبيات حكمه
خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها “موسيفيني” أوغندا، نجح في تحقيق استقرار نسبي في الحياة السياسية بعد سلسلة من الاضطرابات، شهدت العديد من حركات التمرد المسلح منذ استقلال أوغندا عن الاحتلال البريطاني.
إلا أن مؤشرات الفقر والاستبداد خلال الفترة الأخيرة أعادت إلى المشهد السياسي العديد من الاضطرابات مرة أخرى، مع ارتفاع حالات العنف ضد أصوات المعارضة بخاصة منذ آخر انتخابات رئاسية في 2016، والتي شهدت انخفاضًا في شعبية الرئيس، وظهور نجم المغني بوب واين، الذي أصبح أبرز رموز المعارضة الرافضين لبقاء موسيفيني في السلطة.
إلا أن النمو الاقتصادي بدأ في التباطؤ، منذ عام 2016، مع نمو الإنفاق الحكومي وتصاعد الدين العام، حيث تراجع معدل النمو ليصل إلى أقل من 4% بسبب انخفاض التصدير ومعاناة المزارعين من انعدام الخدمات والدعم الحكومي، وسياسات الحماية من تقلبات السوق.
كما عانى سوق التصدير من الحرب الأهلية في جنوب السودان، التي كانت وجهة للصادرات الأوغندية، ويعاني الشباب من البطالة، بالإضافة إلى معاناة المواطنين من أدنى معدلات في وصول الكهرباء في إفريقيا، والتي تصل إلى أقل من ربع السكان فقط.
وكذلك احتكار عائلة موسيفيني لمراكز القوى ومفاصل الدولة في أوغندا، حيث قام الرئيس موسيفيني عام 2008 بإنشاء وحدة القوات الخاصة، والتي تعد أهم أفرع الجيش الأوغندي، وإسناد قيادتها إلى ابنه “موهويزى”، والذي قام بتعينه مستشارًا رئاسيًا، مما أدَّى إلى زيادة الغضب الشعبي.
بوبى واين – صورة أرشيفية
المشهد السياسي وسياسات التهميش
يرى مراقبون للمشهد السياسي في أوغندا أن استمرار موسيفيني في الحكم خلق حالة من الاستقطاب الجيلي الحاد بين جيل الشباب والكبار، خاصة مع ارتفاع نسبة المصوتين لزعيم المعارضة الذي يمثل جيل الشباب.
إن وجود بوب واين على رأس تيار المعارضة خلق حالة جديدة، تغيرت على إثرها المعارضة التقليدية لموسيفيني وحزبه، حيث استطاع واين باستخدام موسيقى البوب والغناء في تدعيم موقفه السياسي والانتشار السريع بين صفوف الشباب، وهو ما خلق تيارًا جديدًا تجاوز الأحزاب والمنافسين التقليديين لموسيفيني في الرئاسة أو البرلمان.
وبالرغم من سيطرة حركة المقاومة الوطنية، التي تعد بمثابة الحزب الحاكم في أوغندا، برئاسة موسيفيني على الحياة السياسية، إلا أن المغني بوبي واين _البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً_ استطاع جذب أصوات المعارضين والغاضبين من استمرار موسيفيني في الحكم، حيث يرون في بقائه استمرارًا للفشل في إدارة البلاد، واستمرارًا للمشاكل التي تعانى منها أوغندا من البطالة وارتفاع معدلات الفقر، وزيادة الدين العام، مع عدم الاستفادة من الإمكانيات والموارد الطبيعية بالدولة.
وعلي الرغم من عرض المرشح الرئاسي المعارض بوب واين، في مؤتمر صحفي العديد من اللقطات التي تثبت تزوير الانتخابات، مؤكداً أنه فاز فيها، إلا أنه مع إعلان فوز موسيفيني تم وضع واين قيد الإقامة الجبرية منذ يوم السبت 16/1/2021.
حيث قال في تغريده له على تويتر: “لا يُسمح لأحد بالدخول إلى منزلي”، داعياً المنظمات الدولية، والرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التدخل لمحاسبة موسيفيني.
وفقاً لتقارير حقوقية، فإن الحياة السياسية في أوغندا لا تقل تدهوراً عن غيرها من البلدان الأفريقية، حيث لا يزال هناك العديد من الممارسات ضد المجتمع المدني، من تقديم الاتهامات في التسبب في زيادة حدة الاضطرابات السياسية في البلاد، بل تصاعدت الاتهامات إلى مساندة منظمات ارهابية.
وكان فوز موسيفيني الذي يتمتع بكاريزما سياسية هي الأشهر على مستوى الزعماء الأفارقة، متوقعاً من قبل المراقبين للمشهد السياسي في أوغندا، خاصة مع تمتعه بدعم الجيش والشرطة ومراكز القوى في الدولة، على الرغم من ارتفاع صوت المعارضة وحالة الغضب التي سيطرت على الشارع الأوغندي من سياسات التهميش وتوسيع قبضته على الحكم.
السفيرة الأمريكية بأوغندا – أرشيفية
منع السفيرة الأمريكية
منعت قوات الأمن الأوغندي السفيرة الأمريكية في العاصمة كمبالا من زيارة زعيم المعارضة، حيث وصفت السفارة الأمريكية احجتازه في منزله بأنه مؤشر مقلق، وقالت في بيان صحفي يوم 18/1/2021: “هذه الأفعال غير القانونية والاحتجاز الفعلي لمرشح رئاسي في منزله لا تزال تشكل اتجاها مقلقا لمسار الديمقراطية في أوغندا”، إلا أن المتحدث باسم الحكومة الأوغندية انتقد البيان الأمريكي، متهماً الولايات المتحدة بمحاولة تقويض الانتخابات والتشكيك في نزاهتها، مؤكداً رفض بلاده التدخل السافر في الشؤون الداخلية.
تحديات الولاية السادسة
تواجه أوغندا العديد من التحديات التي قد تؤثر على الاستقرار في المستقبل، بما في ذلك النمو السكاني الهائل، وقيود السلطة والبنية التحتية، والفساد، والمؤسسات الديمقراطية المختلفة، وتراجع حقوق الإنسان، وبذلك أصبح السكان يرون أنفسهم تحت حصار الأبوية السياسية وعدم المساواة الاقتصادية.
تنذر الأجواء التي جرت فيها الانتخابات، بأن الولاية السادسة لموسيفيني لن تكون يسيرة، وذلك على الرغم من أن حالة الإضطراب والعنف المصاحب للانتخابات متكررة مع كل مشهد انتخابي، في ظل احتدام المنافسة بين موسيفيني وأبرز معارضيه، كيزا بيسيجي.
وأهم تلك التحديات هي محاولة تهدئة الغضب الشعبي؛ فنتيجة لرفض المعارضة لنتائج الانتخابات والطعن في مصداقيتها، قد تندلع موجة من العنف والدعوة لتظاهرات مُناهضة. وفي ضوء هذا، من المحتمل أن يتوسع النزاع، مُهدداً بنشوب حرب أهلية تُقوِّض استقرار الدولة الأوغندية والمنطقة، ولذلك يجب علي الحكومة الأوغندية في ظل عواقب خطيرة محتملة كهذه إلى إقرار إصلاحات سياسية جديدة من شأنها تهدئة الرأي العام الداخلي.
التنمية الاقتصادية:
على الرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته البلاد، إلا أن التفاوتات الاجتماعية التي زادت خلال العقد الأخير ساهمت في تدهور شعبية موسيفيني، وفي الانتخابات الأخيرة، ترشح موسيفيني تحت شعار “اضمن مستقبلك”، غير أن ذلك المستقبل بحاجة للكثير من برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، وتهيئة المناخ لجذب المزيد من الاستثمارات.
وكان واين قد أطلق حملة لتغيير القيادة وخلق خمسة ملايين وظيفة في ولايته الأولى للشباب، من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والتصنيع، وزيادة وصول الشباب إلى رأس المال، من خلال تسهيل إنشاء الصناديق الائتمانية، وبالتالي فالرئيس مهمته الحد من مظاهر الفقر، وتعزيز الإنتاجية، ورفع القدرة التنافسية للبلاد.
جانب من تظاهرات الشعب الأوغندى ضد موسيفينى
الحياة السياسية:
تشير الخبرة السياسية في أوغندا إلى أن مسار الإصلاحات السياسية هو مسار متكرر عقب كل انتخابات، في ظل الاضطرابات التي تعقب كل انتخابات، إلا أنها كانت تظل رهن الإرادة السياسية للحكومة التي تعود للممارسات المعهودة بعد مرور الوقت.
غير أن المسألة تبدو مختلفة هذه المرة؛ فنسبة كبيرة الآن من الشباب غير مترسخ في ذاكرتها تاريخ موسيفيني، ولم يرَ الكثير منهم رئيسًا آخر غير موسيفيني. ورغم التقييد في وسائل التواصل الاجتماعي وحالة القمع الداخلي، إلا أن الخبرات تشير إلى قدرة الشباب على مواصلة الضغط، حال وجود قيادة معارضة لتنظيم تحركهم.
فقد عكست الحملة الانتخابية، دلالة رمزية بأن “الرجل العجوز يحمل البندقية في مواجهة الشاب الذي يحمل الميكروفون”، أي أن القمع في مواجهة الحوار والتواصل، في ظل توق الشباب والمجتمع للمشاركة، وفي سياق إقليمي يشهد تغييرًا للأنظمة الأبوية في كثير من البلدان.
وقد أثار التكثيف الأمني في الشوارع واللجان الانتخابية، استياء الشباب، الذين رددوا شعارات مهينة للرئيس وقوات الأمن. ويُعدُّ فوز واين وحزبه بأغلبية في معقل الرئيس مؤشرًا على تصاعد حالة الاحتقان والتراجع النسبي في شعبية موسيفيني، هذا مقابل تصاعد شعبية واين، الذي استغل منصبه، فور وصوله للبرلمان، وربط بين منصبه وأعماله الخيرية وأغانيه التي تعبر عن مشاكل المجتمع، بما أكسبه لقب “رئيس الفقراء”.
يفرض هذا الوضع على الرئيس وحزبه _حركة المقاومة الوطنية_ إجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، وتوسيع مشاركة المعارضة في الحكومة الجديدة، فضلًا عن ضرورة إجراء حوار وطني ومصالحة، بعد انتهاك الحقوق والترهيب وإساءة استخدام السلطة، ومظاهر الرشوة والتزوير، والاعتداءات المتكررة على الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني.
الخلاصة
مع بعض المؤشرات السلبية التي خلفتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واستمرار موسيفيني في حكم أوغندا، وارتفاع الغضب من الممارسات القمعية، إلا أن المراقبين استبعدوا سيناريوهات الثورة في أوغندا على غرار ما حدث في السودان، والإطاحة بعمر البشير لعدة أسباب ترجع إلى:
1- استمرار الرضا النسبي عن بعض سياسات الرئيس موسيفني وقدر النهضة الذي استطاع تحقيقه في أوغندا خلال سنوات حكمه.
2- قوة النظام في الهيمنة على مفاصل الدولة بداية من الإعلام والمجتمع المحلي بشكل كبير.
إلا أن هذه التوقعات قد تخطئ، خاصة مع وجود تيار معارض قوي يعتمد بالأساس على أصوات المهمشين والفقراء، ويحظى برواج كبير عبر وسائل التواصل الإجتماعى بين تيار الشباب الذي يسعى للتغيير.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version