أعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطية يوم ٢٩/١٠/٢٠٢٢ طرد السفير الرواندي من أراضيها وأمهلته 48 ساعة لمغادرة البلاد على خلفية اتهامات لرواندا بدعم حركة “إم 23” المتمردة واحتدام المعارك في شرق البلاد، بعد أن قصفت المدفعية الكونغولية يوم ١١/١١/٢٠٢٢، مواقع للمتمردين بعد 3 أيام من غارات شنتها طائرات سوخوي-25 ومروحيات من طراز “مي-24”.

تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية تصاعدًا لأعمال العنف بقيادة حركة “إم 23” المتمردة، ويعيش الجانب الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ أكثر من 30 عاما، حالة انعدام دائم للأمن بسبب انتشار العديد من الميليشيات المحلية والأجنبية، لاسيما خلال الأشهر القليلة الماضية، ويتناول هذا المقال تحليل ما يحدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية؟

تصاعد التوتر بين الكونغو الديموقراطية ورواندا 

أدت أعمال العنف الأخيرة التي قامت بها حركة إم ٢٣ في الكونغو الديمقراطية إلى تصاعد التوتر بين الكونغو الديموقراطية ورواندا التي تتهمها كينشاسا منذ بداية العام بتقديم دعم فعلي لحركة إم ٢٣. وقد أشار تقرير سري للأمم المتحدة، إلى تورط رواندي مع حركة “23 مارس”. وتحدث مسؤولون أميريكيون عن تقديم قوات الدفاع الرواندية المساعدة لحركة “23 مارس”، وهو ما نفته رواندا التي اتهمت في المقابل الكونغو الديموقراطية – التي تنفي أيضاً – بالتواطؤ مع القوات الديموقراطية لتحرير رواندا، وهي حركة تمرد للهوتو الروانديين الذين تورط بعضهم في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا عام 1994.

أرشيفية

قررت كينشاسا طرد السفير الرواندي في بداية شهر نوفمبر٢٠٢٢، على خلفية “دعم رواندا لإرهابيي حركة “23 مارس” بهدف شن هجوم عامّ ضد مواقع القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الأمر الذي أدّى إلى استيلاء الحركة على مناطق قليلة في إقليم روتشورو.

جاء قرار طرد سفير روندا من الكونغو الديمقراطية بعد اجتماع مجلس الدفاع الأعلى برئاسة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، الذي أبلغ عن وصول كثيف لعناصر من الجيش الرواندي من أجل دعم حركة (إم23) لشن هجوم واسع على مواقع القوات المسلحة الكونغولية، وأعربت الحكومة الرواندية عن أسفها لقرار طرد سفيرها، وتحميل كيجالي مسئولية إخفاقات الحكم والأمن في الكونغو الديمقراطية، مؤكدةً أن القوات “العسكرية الرواندية على أهبة الاستعداد عند الحدود بين البلدين.

ما علاقة حركة إم ٢٣ بالصراع القائم في الكونغو الديمقراطية؟

تنشط أكثر من 120 مجموعة مسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية المضطرب، تشكل كثيرًا منها خلال الحروب الإقليمية التي اندلعت مطلع القرن، وظهرت حركة تسمي “23 مارس” أو “إم ٢٣” عام ٢٠١٢ وهي مجموعة من قبيلة التوتسي معظمهم من الكونغوليين، احتلت مدينة جوما، عاصمة إقليم كيفو الشمالي لمدة 10 أيام تقريبا في نهاية عام 2012 قبل أن تهزمها القوات المسلحة الكونغولية وقوات حفظ السلام في العام التالي.

وبعد أن ظلت كامنة لسنوات، حملت المجموعة السلاح مرة أخرى في أواخر 2021 معتبرةً أن كينشاسا قد فشلت في الوفاء بتعهدها بدمج أفرادها في الجيش.

أرشيفية

وحقق متمردو الحركة سلسلة من الانتصارات ضد الجيش الكونغولي في شمال كيفو في الفترة الأخيرة مما أدى إلى اتساع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. وأدت عودتهم إلى تقويض العلاقات بين الكونغو الديموقراطية وجارتها الأصغر رواندا التي تتهمها كينشاسا بدعم “ام23”.

وتجدر الأشارة إلي استئناف الاشتباكات منذ 20 أكتوبر الماضي بين القوات المسلحة الكونغولية وحركة إم ٢٣، والتي تسببت في وقوع إصابات في صفوف المدنيين ونزوح جماعي وإصابة أربعة من أفراد حفظ السلام التابعين لبعثة منظمة الأمم المتحدة،  وشنت حركة إم ٢٣ في الشهور الماضية عدة هجمات على منطقتي كيوانجا وروتشورو، و نشر متمردو حركة “إم 23” بطارية مدفعية في منطقة “رومانجابو”.

يواصل متمردو حركة إم 23 هجومهم على الجيش الكونغولي، وباتوا على بعد بضع عشرات الكيلومترات من مدينة “جوما” عاصمة إقليم كيفو الشمالي، وأدت المعارك بين حركة “إم 23” والجيش الكونغولي إلى نزوح الآلاف من سكان إقليم كيفو الشمالي هربا من حدة القتال، حيث شهدت مدينة “جوما” عاصمة إقليم كيفو الشمالي بشرق الكونغو الديمقراطية مظاهرات لعشرات المتظاهرين سيرا على الأقدام أو على الدراجات النارية حول الكنائس لدعوة سكان المدينة إلى تنظيم “مسيرة كبرى” يوم ٣١/١٠/٢٠٢٢ ضد ما أسموه بـ”عدوان رواندا”.

وساطة أفريقية لإنهاء الأزمة

وفي قمة “نيروبي” في يونيو الماضي، أعلن قادة الدول السبع الأعضاء في مجموعة شرق أفريقيا (بوروندي وكينيا ورواندا وتنزانيا وجنوب السودان وأوغندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية) رسمياً إنشاء قوة عسكرية مشتركة من كتلة شرق أفريقيا التي تخضع لقيادة عسكرية كينية لتهدئة الوضع في الكونغو الديموقراطية التي تعاني منذ نحو 3 عقود من هجمات جماعات مسلحة.

ووافق البرلمان الكيني خلال الشهر الجاري على نشر أكثر من 900 جندي في إطار هذه القوة العسكرية المشتركة، و الكتيبة الكينية ستعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات الإنسانية، وقال المسؤول الكيني، اللفتنانت كولونيل أوبيرو، إن مهمتهم تتمثل في “تنفيذ عمليات هجومية” إلى جانب القوات الكونغولية والمساعدة في نزع سلاح المجموعات المسلحة.

وتوسط كذلك الرئيس الأنجولي  جواو لورينسو في المحادثات التي عقدت في أنجولا بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا ، يوم ٥/١١/٢٠٢٢حيث تم  تعيين الرئيس الأنجولي جواو لورينسو من قبل الاتحاد الأفريقي كوسيط للمحادثات بين رئيسي وزراء كريستوف لوتندولا من جمهورية الكونغو الديمقراطية وفينسنت بيروتا من رواندا، وتهدف تلك الوساطة إلى إنهاء المواجهة السياسية بين الدولتين، حيث تشهد الكونغو الديمقراطية هذه الأيام زيارات لعدد من القادة الأفارقة، بهدف التوصل إلى سلام بينها وبين روندا المتهمة من طرفها بدعم حركة “أم 23” المتمردة والناشطة في الشرق الكونغولي.

لماذا لم تقم الدولة الكونغولية بقمع هذا العنف؟

علي الرغم من محاولات الرئيس فيليكس تشيسيكيدي الأخيرة للقضاء على الفساد في الجيش، فإن جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يعاني من تدني الأجور وعدم الاهتمام بفك الاشتباك.

ويكسب الجنرالات الغالبية العظمى من رواتبهم من خلال الامتيازات الاقتصادية المربحة والرشوة وعقود الأمن غير الرسمية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما يعني أنه لا يوجد حافز كبير لتغيير السلوك ولا مصلحة عسكرية في إنهاء هذا الصراع.

على صعيد الأطراف الدولية، تعد منطقة شرق الكونغو موطنا لمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والماس والنفط والمعادن الثمينة الأخرى، ونظرًا لمواردها الوفيرة وحكمها الضعيف، فقد شهدت صراعًا ومنافسة خارجية على مواردها لعقود.

تتعرض الكونغو الديمقراطية لنفس مصير مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنجد مجموعة فاجنر والمتعاقدون العسكريون الروس الآخرون يقدمون مقايضة الامتيازات المعدنية بالعمل الأمني في كلاً من مالي وأفريقيا الوسطي، فمن الممكن أن يُطبق مثل هذا السيناريو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فهناك مصالح دولية لاستمرار عدم  الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى الطويل في الكنغو الديمقراطية.

وختاماً، فإن هناك حاجة ماسَّة لتعزيز الدعم الدولي والإقليمي للسلطات في الكونغو؛ من أجل تحجيم التداعيات السلبية المحتملة لتصاعد دور المتمردين، خاصةً في ظل تزايد قدرات الاشتباك لديهم وهجماتهم، وبما يمكن أن ينعكس في مجمله على تصاعد الظاهرة الإرهابية في الكونغو في المدى المنظور، ومما يساهم في تصعيد توتر العلاقات بين دول الإقليم، ويؤثر بالسلب علي جهود الوساطة لأجل تهدئة الأوضاع بين الكونغو الديمقراطية و روندا لتجنب تكرار سيناريو الحرب بينهم والذي بدوره سيؤثر علي استقرار المنطقة بأكمالها.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version