دخل يوم الثلاثاء الموافق (9 مارس 2021) ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط حيز التنفيذ، وفقا لما أعلنته الدول الإقليمية المؤسسة للمنتدى، وهي مصر والأردن وفلسطين وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا.
ويأتي هذا الإنجاز تتويجا للعديد من الخطوات والإجراءات الجادة التي تمت منذ إطلاق المنتدى في يناير 2019. ويُعد منتدى غاز شرق المتوسط أداةً مهمةً للتعاون المشترك بين الدول الأعضاء لاكتشاف مزيد من احتياطيات الغاز فى المنطقة، وتوسع استخدامه فى العديد من المجالات.
ولقد سبق هذا التطور، قيام وزير الطاقة المصري “طارق الملا” بزيارة إسرائيل في الـ 21 من فبراير الماضي، وهي الزيارة الأولى على الإطلاق لوزير طاقة مصري إلى إسرائيل. وكان “الملا” قد قام أيضاً بزيارة الضفة الغربية، وقّع خلالها على مذكرة تفاهم مع مسؤولي السلطة الفلسطينية للمساعدة في تطوير حقل الغاز البحري في غزة ومحطة الطاقة المخطط لها في جنين.
غزة
وزير البترول المصرى “طارق الملا” – أرشيفية
زيارة المُلَّا تشعل المنافسة!
بحسب العديد من المحللين والمراقبين، فإن اللافت للأمر أن زيارة وزير الطاقة المصري “طارق المُلَّا” في فبراير الماضي لكل من إسرائيل والضفة الغربية، قد أثارت فضول الكثير من دول المنطقة التي تتنافس على الغاز، لا سيما حقل “مارين” المقابل لساحل قطاع غزة.
ويرى المحلل الإسرائيلي “بنحاس عنبري” أن زيارة “الملا” لإسرائيل سارعت التحركات في المنطقة، وأشعلت التنافس بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وقطر وتركيا، على الاستفادة من حقل الغاز الواقع قبالة غزة.
فخلال زيارة “الملا” لإسرائيل، كُشف النقاب عن إبرام صفقة بين قطر وحركة حماس، تنص على قيام قطر بشراء الغاز من حقل “لفياتان” التابع لشركة “ديليك” الإسرائيلية وضخه لمحطة كهرباء غزة. وهو ما جعل الوزير المصري يغير خططه، فتوجه إلى رام الله للتوقيع على مشروع لإنتاج الغاز من حقل “مارين” الواقع قبالة ساحل غزة. وسيقوم صندوق الاستثمار الفلسطيني، الخاضع لسيطرة السلطة الفلسطينية في رام الله بتنفيذ ذلك المشروع.
تحالفات جديدة ..
بحسب “عنبري”، فإن إسرائيل باتت تواجه حالة من الصراع الشديد الذي يحتدم في المنطقة. فهناك جبهة تتكون من قطر وتركيا، وهناك جبهة أخرى تضم تحالف الدول السُّنية، الذي يشمل مصر ودول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية. وزعم “عنبري” أن دول تلك الجبهة السُّنية متحالفة أيضًا مع إسرائيل. موضحًا أن الوزير المصري أجرى اجتماعات في إسرائيل حول التعاون المشترك بين مصر وإسرائيل ودول الخليج في مجال الغاز بحوض شرق البحر المتوسط، وذلك بالمشاركة مع قبرص واليونان وإيطاليا، فيما تعد فرنسا شريكًا في الجانب العسكري. وكانت القوات البحرية الفرنسية والتركية على وشك الصدام والمواجهة في أكثر من مرة عند ليبيا وعلى مقربة من قبرص.
تعارض المصالح بين مصر وقطر..
أشار “عنبري” إلى أن مصر تمتلك مصانع ضخمة لإسالة الغاز، وهي تسعى لرفع كفاءة استخدامها، كما تسعى لتعزيز تحالفاتها البحرية. أما الاتفاق الذي أبرمته قطر مع شركة “ديليك” الإسرائيلية، فهو يتناقض مع ما تخطط له مصر من نقل الغاز من أراضيها إلى قطاع غزة.
وبينما تُعد إسرائيل حليفةً لمصر في حوض شرق البحر المتوسط، فإنها لا تعمل وفق ذلك في قطاع غزة. وفيما يتعلق بالخلافات الداخلية الفلسطينية بين رام الله وغزة، فإن إسرائيل تقف إلى جانب قطر، التي تسعى لمنح حركة حماس المسيطرة على غزة، أدوات البقاء والاستمرار ككيان منفصل عن رام الله، وهو ما يحول دون عودة الترابط من جديد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الترابط المطلوب حاليا لإجراء الانتخابات الفلسطينية.
ترجيح كفة مصر..
ونوه المحلل الإسرائيلي إلى أن تل أبيب تجد نفسها الآن أمام خيارين: إما أن تكون إلى جانب مصر، ضمن ما يقتضيه تحالف شرق البحر المتوسط، أو أن تفضل تعميق الانشقاق الفلسطيني. ووفقًا لمصادر إسرائيلية وعربية، فإن الدولة العبرية رجحت كفة مصر وفضلتها على قطر، ولذا فإن الفُرص لم تعد قائمة لتنفيذ الصفقة التي تمت بين شركة “ديليك” الإسرائيلية وقطر، لبيع غاز حقل “لفيتان” لقطاع غزة.
الشيخ تميم بن حمد والسيد إسماعيل هنية – أرشيفية
تنازع الاختصاص بين الضفة وغزة!
وأراد المحلل الإسرائيلي إقحام مصر في الخلافات الداخلية الفلسطينية، فزعم أنه من الواضح أن المشروع الذي تم التوقيع عليه بعجالة في رام الله، بين مصر والسلطة الفلسطينية لتطوير حقل الغاز الواقع قبالة ساحل غزة لن يتم تنفيذه، لأن دافع التوقيع على المشروع كان سياسيًا وليس اقتصاديًا. وكل ما أرادته مصر من ذلك، هو أن تُثبت للجميع أن رام الله الخاضعة للسلطة الفلسطينية، هي صاحبة القرار والاختصاص فيما يتعلق بحقل الغاز قبالة ساحل القطاع، وليس القرار لقطاع غزة، الخاضع لسيطرة حركة حماس.
الحد من نفوذ قطر..
مُضيفا أن الاتفاق الحقيقي الذي تريد مصر تنفيذه، هو المتعلق بنقل الغاز المصري إلى قطاع غزة، ولكن لن يكون ذلك إلا بمباركة رام الله والاتفاق معها. ووفقًا للخطة المصرية، فسوف يتم لاحقًا، ربط قطاع غزة بشبكة الكهرباء المصرية، بالاتفاق مع رام الله، وبذلك ستقضي مصر على الوجود القطري في غزة، أو على الأقل تُضعف نفوذ قطر إلى حد كبير، بما يعزز وضع منظمة التحرير الفلسطينية عند أي مواجهة بينها وبين حركة حماس.
حدود غزة تمثل تهديدا لأمن مصر ..
وحول السؤال عن سبب رفض مصر الشديدة للصفقة القطرية الإسرائيلية لتزويد قطاع غزة بالغاز؟، يقول “عنبري” إن مصر ترفض ذلك، ليس فقط لأنها في طليعة القوى التي تتصدى لقطر في أرجاء الشرق الأوسط، بل أيضًا بسبب ما يمثله قطاع غزة من تهديد استراتيجي لمصر. خاصة أن الحدود بينهما تمثل تهديدٍا للأمن القومي المصري، ولأن غزة أثبتت في السابق أنها تمثل عمقًا استراتيجيًا لكل الجماعات الإسلامية الناشطة داخل مصر. وعندما تمت الإطاحة بالرئيس المصرى الأسبق “حسنى مبارك”، شارك أعضاء من حماس في مجريات الأحداث داخل القاهرة نفسها. وترى القاهرة أن ارتباط قطاع غزة بالضفة الغربية يمثل مصلحة عليا، وإذا لم يحدث ذلك فإن أنشطة حماس ستتجه جنوبا نحو مصر.
صراع على أموال الغاز!
ختاما يرى “عنبري” أن القيادة الفلسطينية في رام الله، تدرك أنه إذا سيطرت حركة حماس على أموال الغاز، فلن يمنعها شيئ من الانفصال النهائي عن الضفة الغربية، وبذلك سيتبدد حلم قيام الدولة الفلسطينية. أما إذا تلقت رام الله أموال الغاز، فلن تعتمد بعد ذلك على المساعدات الخارجية، وستزداد فُرص قيام الدولة الفلسطينية، وسيكون بوسع تلك الدولة الاعتماد على نفسها من الناحية الاقتصادية.
الخلاصة 
ويرى الباحث، أنه في ظل الصراعات والتنافسات الإقليمية على ثروات الغاز، فإن مصر ليس أمامها سوى الاستمرار في مساعيها لحماية مصالحها الاقتصادية الحيوية، ولعل الاتفاق مع إسرائيل قد يعوق مساعي دولة الإمارات لتصدير منتجاتها النفطية إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الإسرائيلي إيلات – عسقلان، لأن ذلك سيقلل من أرباح مصر من قناة السويس. كما يجب أن تكون مصر حاضرة في أي اتفاقات توقعها السلطة الفلسطينية، سواء مع جيرانها أو مع أطراف إقليمية ودولية، نظرا لأن تداعيات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ولا سيما في غزة تؤثر سلبًا أو إيجابا على الأمن القومي المصري.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version