يرى كثير من المحللين وصناع القرار في إسرائيل أن المؤشرات الأولية الصادرة عن واشنطن، تشير إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “جو بايدن” لا تنوي إضاعة الوقت فيما يتعلق بإدارة الملف النووي الإيراني، خاصة أن مستشاري الرئيس “بايدن” يجعلون التفاوض مع طهران بشأن البرنامج النووي، على رأس أولوياتهم.
لكن ردود فعل طهران تبدو متشددة، لأنها تتوقع عودة الولايات المتحدة للعمل وفق بنود الاتفاق الأصلي، الذي تمت صياغته بالتعاون مع إدارة الرئيس الأسبق “باراك أوباما”، والذي تنصل منه الرئيس السابق “دونالد ترامب” بعد مرور ثلاث سنوات.
إسرائيل غير متفائلة!
وبينما يطالب الإيرانيون بإسقاط جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي الجديد “أنتوني بلينكين” أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، أن الولايات المتحدة ستقوم بالتشاور مع الدول الصديقة في منطقة الشرق الأوسط، قُبَيل استئناف المفاوضات مع إيران.
لكن إسرائيل تبدو غير متفائلة من تلك التطورات على المسار الأمريكي الإيراني، وما يؤكد عدم التفاؤل الإسرائيلي، هو أن البث الحي لمراسم تعيين الرئيس بايدن على شاشات التليفزيون الإسرائيلي كانت مصحوبة بتصريحات تشاؤمية على لسان مسؤولين سياسيين في تل أبيب.
مخاوف من السير على نهج “أوباما”!
إسرائيل
باراك أوباما – صورة أرشيفية
بحسب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فإن الرئيس “بايدن” يسعى جاهدا للعودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، ثم بعد ذلك سيضع شروطَا جديدة، من أجل معالجة القضايا التي لم يتناولها الاتفاق الأصلي، مثل فرض قيود على برنامج الصواريخ الإيرانية، وعلى الأنشطة التآمرية والإرهابية التي تقوم بها إيران في أرجاء الشرق الأوسط، فيما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين إنه إذا تبنى الرئيس “بايدن” نفس سياسة “أوباما” في التعامل مع إيران، فلن يكون أمام القيادة الإسرائيلية مجال للتحاور معه.
إسرائيل في وضع حرج!
كانت صحيفة “هآرتس” العبرية قد نقلت عن الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، اللواء احتياط “يعقوب عميدرور” قوله: “إذا عادت الولايات المتحدة للاتفاق النووي القديم، في الوقت الذي تتقدم فيه طهران نحو امتلاك القدرة النووية العسكرية، فستضطر إسرائيل لشن عملية عسكرية ضد إيران لحرمانها من امتلاك الأسلحة النووية”.
ويرى “عميدرور” أن وجود الرئيس “بايدن” في البيت الأبيض يجعل القيادة الإسرائيلية في وضع حرج، لأنها لن تتمكن من إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة، بعدم التفاوض مع طهران حول الاتفاق النووي، كما لن تتمكن إسرائيل من الاحتفاظ لنفسها بحرية استخدام الخيار العسكري ضد إيران.
آلية جديدة للتواصل!
فيما أكد “عميدرور” أن الاتفاق النووي السابق مع طهران كان سيئًا، لأنه لم يضع الشروط الكافية لمنع إيران من الانطلاق نحو امتلاك القدرة النووية، وبالتالي ينبغي على تل أبيب خلق آلية جديدة للتواصل مع إدارة “بايدن”، حتى يفهم الإسرائيليون ما الذي تنوي أن تفعله تلك الإدارة حيال البرنامج النووي الإيراني.
كل الخيارات مطروحة!
يعقوب عميدرور – أرشيفية
بحسب المسؤول العسكري الإسرائيلي، فإن عودة الإدارة الأمريكية الجديدة للاتفاق النووي القديم، من دون أي تعديلات جوهرية، سيجعل كل الخيارات مطروحة أمام تل أبيب. وإذا تبين أن الخطوات والإجراءات الأمريكية ستتيح لإيران الاقتراب من امتلاك القنبلة النووية، حينئذ سيكون على إسرائيل الاستعداد جيدًا لاستخدام الخيار العسكري.
ولا ينبغي على الإسرائيليين أن يتهوروا أكثر من اللازم، قبل أن يفهموا جيدًا ماذا يريد الأمريكيون، لكن لابد لإسرائيل أن تحتفظ لنفسها بحرية اتخاذ القرار وحرية التصرف.
العودة للخيار العسكري!
جدير بالذكر أنه بعد إبرام الاتفاق النووي مع طهران عام 2015، قام الجيش الإسرائيلي _في إطار ما يُسمى بـ “خطة جدعون”_ بتحويل بعض الموارد والطاقات لتنفيذ مهام أخرى، مثل استهداف القواعد الإيرانية وقوافل الأسلحة في سوريا.
وبالتالي، فقد تراجع التركيز على الخطط العملياتية الخاصة بشن غارات جوية ضمن دائرة “الطوق الثالث”، والتي كان من أولوياتها استهداف البرنامج النووي الإيراني. ولكن صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، قد أفادت مؤخرا أن الجيش الإسرائيلي سيطلب الحصول على مزيد من الميزانيات لتنفيذ تلك المهمة، إذا ما قررت القيادة السياسية الإسرائيلية استخدام الخيار العسكري لضرب المنشآت النووية في إيران.
الرئيس الإيرانى – صورة أرشيفية
في أمس الحاجة لإسقاط العقوبات!
يقلل “عميدرور” من شأن الخلافات القديمة التي كانت قد اندلعت بسبب الاتفاق النووي، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” والمسؤولين القدامى في إدارة الرئيس الأسبق “باراك أوباما”، الذين عاد بعضهم الآن للعمل ضمن فريق الرئيس “بايدن”.
مشيرًا إلى أن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن أقوى من تلك الرواسب القديمة. مضيفًا أن الدول في نهاية المطاف تتخذ قراراتها وفق ما يخدم مصالحها، دون أخذ العلاقات الشخصية في الاعتبار.
ويعتقد “عميدرور” أن ورقة المساومة التي ستمتلكها طهران في المفاوضات الجديدة ستكون أضعف بكثير مما يتردد عبر التصريحات الإيرانية الرسمية، مؤكدًا أن تأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني كان شديدا للغاية، لدرجة أن الإيرانيين عانوا الأمرين في تحمل الأوضاع الاقتصادية.
وظلوا ينتظرون مجئ الرئيس “بايدن” بفارغ الصبر، وهم الآن في أمس الحاجة لإسقاط العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن. وعليه فإن الوضع الذي تعيشه إيران حاليا يسمح لواشنطن باتخاذ مواقف متشددة في المفاوضات القادمة.
الخلاصة
جو بايدن – صورة أرشيفية
يتبين مما سبق، أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة “بايدن” تضع الملف النووي الإيراني على رأس أولوياتها، فهي تسعى لبدء التفاوض مع طهران في أقرب وقت ممكن، لكن ذلك بالطبع يزعج الإسرائيليين، لأنهم يخشون أن يتبنى “بايدن” نفس سياسة “أوباما” تجاه إيران.
ومما لا شك فيه أن تلويح تل أبيب باستخدام الخيار العسكري ضد إيران يحقق لإسرائيل أكثر من هدف:-
الأول: ممارسة الضغط على إدارة “بايدن” من أجل الإبقاء على سياسة الضغوط القصوى تجاه طهران، علمًا بأن إسرائيل لا يمكنها شن هجوم عسكري ضد إيران من دون الحصول على الضوء الأخضر من واشنطن.
الثاني: كسب ثقة الدول الخليجية وتأكيد اعتمادها على إسرائيل، وهذا يضمن لحكومة تل أبيب الاستمرار في جني ثمار التطبيع، واستمالة السعودية وباقي دول الخليج للانضمام لقطار التطبيع مع إسرائيل.
الثالث: استمرار التلويح بالخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران، يرسخ في أذهان العرب، ولا سيما الخليجيين، أن إسرائيل باتت هي القوة الإقليمية العظمى، القادرة على توجيه الضربات العسكرية لإيران ولمنشآتها النووية.
وبالتالي تتراجع أهمية مصر والدول المحورية الأخرى في المنطقة، لتصبح إسرائيل هي شرطي المنطقة بلا منازع، مما يعزز مكانة إسرائيل ليس فقط لدى شعبها، بل لدى شعوب المنطقة وهذا أخطر ما يهدد الأمن القومي المصري والعربي.
الرابع: تُمهد إسرائيل _من خلال التلويح باسخدام القوة العسكرية ضد إيران_ إلى فرض شروطها عند صياغة أية اتفاقية مستقبلية بين واشنطن وطهران. وبذلك ستلعب تل أبيب دور الوصاية على دول الخليج، عند صياغة الاتفاقية النووية الجديدة أو عند تعديل الاتفاقية الحالية.
*** لذا يرى الباحث أنه ينبغي على مصر ودول الخليج أن تراجع سياستها ومواقفها من القضايا الإقليمية، والعمل على بلورة موقف موحد إزاء التعامل مع أزمات الإقليم، ولاسيما الخلاف مع إيران، الذي تستغله إسرائيل لفرض نفوذها على المنطقة، من باب أنها هي التي ستخلص العرب من الخطر الإيراني، ولكنها في الوقت نفسه ستتحول إلى قوة إقليمية عُظمى، وعندئذ ستشكل خطرا كبيرا يهدد الأمن القومي والعربي والإقليمي، مع أهمية المشاركة بفاعلية فى إعادة ترتيبات الأمن الإقليمى بما يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version