اختتمت الفصائل الفلسطينية الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة يوم الثلاثاء الموافق 9/2/2021 والذي جرى برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والذي يعد أهم لقاء جرى عقده منذ بداية الانقسام بعد الانقلاب الذي جرى في حزيران (يونيو) عام 2007.
اتفق خلال الحوار ممثلوا الفصائل الفلسطينية (14 فصيلاً) على ترتيبات الانتخابات التشريعية كمرحلة أولى، يليها المجلس الوطني والرئاسة حسب المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 15/1/2021، وربما أكثر ما يلفت الانتباه بمجريات هذا الحوارهو الإيجابية التي سادته، وهذا يؤشر على تغيير كلي بالمواقف التي اتخذتها هذه الفصائل سابقاً، وكذلك على الجهد المصري المميز والحرفية التي مارستها المخابرات المصرية في تقليص الفجوات وتجاوز العقبات.
الفلسطيني
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو – أرشيفية
المتغيرات التي ساهمت في تليين المواقف
منذ طرح صفقة القرن في عهد الرئيس الأمريكى السابق “ترامب”، وكان هناك تسارع في الخطوات التي أثرت على القضية الفلسطينية، والتي مست جميع أطراف المعادلة الفلسطينية، وأصبح من شبه المؤكد أن عائق الانقسام يجب أن يزول، وأن يلتئم الشمل الفلسطيني، بحيث يصبح هناك جبهة موحدة لمواجهة التحديات وترتيب الأوراق، بشكل يسمح للدول المناصرة للقضية الفلسطينية بالتدخل الإيجابي، لحفظ حقوق الشعب الفلسطيني سواء عبر التأييد الدبلوماسي أو حتى الدعم المادي بكافة أشكاله.
وربما شكل انتخاب إدارة أمريكية جديدة دافعا آخر للتمهيد لبناء علاقة سوية، بدون أن تكون هناك أي رواسب تؤثر على استئناف العملية السلمية في إطار حل الدولتين، والتراجع عن مبادىء صفقة القرن بشكل نهائي، مع توظيف نتائج المصالحة العربية في إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، عن طريق الحد من تدخل بعض الدول التي كانت تؤثر على قرارات بعض الفصائل الفلسطينية، مع إعادة ترتيب أولوياتها في ظل الترتيبات مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
أهم العقبات التي تم تجاوزها في الحوار
شعار منظمة التحرير الفلسطينية – أرشيفية
1- محكمة الانتخابات:
اتفقت الفصائل في الحوار على إنشاء محكمة للانتخابات، للنظر في كل القضايا التي تتعلق بالانتخابات، على أن تشكل هذه المحكمة بالتوافق بين غزة والضفة، ويصدر بها مرسوم رئاسي بعد ذلك للتغلب على مخاوف بعض الأطراف من القرارات التي أصدرها الرئيس الفلسطيني، واعتبرها البعض تغولاً على السلطة القضائية.
2- الأمن:
الإتفاق على تولي الشرطة الفلسطينية بزيها الرسمي مسئولية تأمين الانتخابات الفلسطينية في غزة والضفة، لضمان تحييد الميليشيات المسلحة، وإعطاء رسالة لحماس عن مستقبل موظفيها بعد الانتخابات، بما يعني أنه سيتم الدمج في إطار ما سيتم الإتفاق على تنفيذه لاحقا، خاصة أن هناك إتفاقات سابقة، وعلى رأسها “إتفاق القاهرة” عام 2017 الذى قد عالج هذه التفاصيل.
3- حرية الرأي والتعبير:
التوافق على إطلاق الحريات والسماح بممارسة الدعاية الانتخابية لجميع الاطراف، وبدون أي قيود، وذلك لتجنب المخاوف التي طرحتها الفصائل من منع أية جهة من التعبيرعن الرأي أو الدعاية الانتخابية.
4- معالجة إفرازات الانقسام:
ربما تشكل إفرازات الانقسام على المستوى الإنساني والاجتماعي والوظيفي والقانوني أكثر القنابل الموقوتة، والتي يمكن أن تشكل عقبة لإتمام الانتخابات، وإنهاء الانقسام، وقد تم إحالتها إلى لجنة مشتركة لوضع الآليات والحلول، ومعالجتها بشكل نهائي، ثم إرسال تقرير للرئيس الفلسطيني بما تم التوافق عليه، بحيث يصدر قراراً بها بعد الانتخابات، حتى لا تؤخر العملية الانتخابية.
ولكن باعتقادي أن جزء كبيرًا منها، قد تم الاتفاق على آلية حله مسبقاً، ومنها الكثير الذي يحتاج إلى موازنات، من الممكن تدبيرها بعد انتخاب مجلس تشريعي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تلقى الدعم الدولي، مما سيساهم بإنهاء هذه الافرازات والتقدم للأمام.
منظمة التحرير الفلسطينية
حمل البيان الختامي إشارة ضمنية، والموافقة من جميع الفصائل على معالجة قضايا منظمة التحرير الفلسطينية في إطار انتخاب المجلس الوطني، والذي تشكل الانتخابات التشريعية المرحلة الأولى فيه.
وقد تم تحديد موعد للقاء آخر في مارس القادم بالقاهرة، بحضور رئيس المجلس الوطني للإتفاق على التفاصيل المتعلقة بعقد انتخابات المجلس الوطني، كما تضمن البيان الختامي الإشارة إلى أن الرئيس عباس يعتبر المرجع لكل الفصائل، عبر الموافقة على كل ما صدر بمرسوم الانتخابات، دون أن يُسجل أي اعتراض من ممثلي القوى الفلسطينية.
الرئيس المصرى “عبدالفتاح السيسى” ونظيره الفلسطينى “محمود عباس”
الدور المصري في اتمام الانتخابات والمصالحة
يعكس ما سبق محورية الدور المصري في إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، والجهود المبذولة لخروج هذا البيان، وأن مصر تتعامل مع هذه القضية ليس فقط كوسيطاً مقبولاً من جميع الأطراف، ولكن كشريكة رئيسية للشعب الفلسطيني، وقضيته التي تشكل أحد ركائز الأمن القومي المصري.
وتبرز أهمية الدور المصري من الشرعية التي يتمتع بها فلسطينياً وعربياً ودولياً، ومن ثم فهى تشكل ضمانة لجميع الأطراف، بالإضافة إلى الإشراف على سير الإتفاق وتنفيذه حتى إتمام الانتخابات، ثم مراحل المصالحة لاحقاً.
لا سيما بعد إصدار الرئيس المصري قراره بفتح معبر رفح بشكل دائم، ومساعدة المواطنين في غزة، وما يمثله من رسالة سياسية هامة ذات مدلول على أن المصالحة هي اللبنة الأساسية لإنهاء الأزمات وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين الفلسطينيين في غزة.
الخلاصة
لا شك فى أن إتمام هذه الانتخابات سيشكل مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة القضية الفلسطينية أمام العالم، وإنهاء لحقبة سوداء أساءت لنضالات الشعب الفلسطيني، وستفتح الباب أمام مسارات كانت مغلقة على المستوى السياسي والاقتصادي.
كما تلغي الحالة التي استفاد منها الإسرائيليون على مدار السنوات السابقة، وبرغم الروح الإيجابية التي سادت الحوار من جميع الأطراف، إلا أنه من المتوقع مواصلة بعض القيادات والقوى الفلسطينية التي استفادت من الانقسام، وبعض الدول التي تخشى فقدان هذه الورقة عملهم فى تأجيج الخلاف.
الأمر الذي يتطلب ضرورة تدخل مصر بفاعلية في متابعة استعدادات القوى والفصائل الفلسطينية لإجراء الانتخابات، وكذا جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، للحفاظ على كافة الأطراف الفلسطينية المشاركة في الانتخابات، مع الاستعداد لمراقبتها خلال مرحلة إجراء الانتخابات.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version